في ظلال الأيام الخوالي، كانت البهجة تغمر أرجاء سوريا مع كل هلال عيد، حيث كانت الأنوار تتلألأ في عيون الصغار المتلهفين لارتداء الجديد وتذوق الحلوى؛ لكن الزمان دار دورته، واليوم، تكتنف النفوس غمامة من القلق والترقب، إذ تحولت الأعياد إلى مرآة تعكس ويلات سنوات النزاع الطويلة التي خلفت وراءها أطلالاً وذكريات.

ومع دنو عيد الفطر، يتسابق السوريون مع الزمن والظروف، في محاولة للإمساك بخيوط الفرحة التي باتت هاربة وسط موجة الغلاء الفاحشة التي طالت الأساسيات، بما فيها أسعار الملابس في سوريا. وفي وقت يفترض أن يكون للاحتفال والتجديد، يجد العديد من الأسر أنفسهم أمام خيارات محدودة، محاصرين بين رغبة الاحتفاء بالعيد وواقع اقتصادي يزداد قسوة.

عجز وفوضى

في المحافظات السورية، تتجلى معاناة الأسر في مواجهة الأسعار المتصاعدة للأزياء، حيث تشهد الأسواق ارتفاعًا حادًا في تكلفة البدلات النسائية وملابس الأطفال، لتصل إلى أرقام تتحدى قدرات الشراء. 

ذروة غير مسبوقة لأسعار الملابس في سوريا فرحة العيد تُغيّبها أرقام خيالية! (4)
رجل يجلس خارج متجر في أول أيام شهر رمضان المبارك في سوق في مدينة دمشق القديمة في سوريا في 11 مارس/آذار 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

تقدر البدلة النسائية بما يقارب الـ800 ألف ليرة، وتتراوح أسعار ملابس الصغار حول الـ500 ألف، مما يثقل كاهل العائلات، خاصةً تلك التي تعوّل أكثر من طفل. فأقل قميص نسائي يبلغ 400 ألف وكذلك البنطال، على حين ملابس الأطفال ارتفعت أسعارها كثيراً هذا العام وبلغ سعر البنطال لطفل بعمر العشر سنوات نحو 250 ألفاً وكذلك القمصان.

ولا تقتصر الأزمة على الألبسة فحسب، بل تمتد لتشمل الأحذية التي تسجل أسعارًا تبدأ من 170 ألفًا وتصل إلى 450 ألفًا، معقدةً بذلك معادلة الاحتفال بالعيد في ظل هذه الظروف الاقتصادية الراهنة.

ملامح الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على الشباب أيضا، حيث تتخطى أسعار البدلات الرجالية ضعف الرواتب، مما يثير حالة من القلق والرهبة. 

في الأسواق الشعبية، يصل سعر البنطال الرجالي إلى 450 ألف ليرة، بينما يتجاوز في الوكالات الـ 700 ألف. ولا يقتصر ارتقاع الأسعار في سوريا على الملابس فحسب، بل يمتد إلى الأحذية التي يبلغ متوسط سعرها 650 ألف ليرة، ما يعكس حجم التحديات التي يواجهها الشباب في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

صرخة من قلب سوريا

مع تداعيات اقتصادية متسارعة، وجد التجار السوريون أنفسهم أمام تحديات جمّة بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الشحن وأسعار المازوت، مما أدى إلى مضاعفة أسعار الملابس في سوريا بشكل لافت. وفي ظل هذه الظروف، تفرض شروط صارمة على عمليات النقل، تتطلب دفعات مالية مسبقة، لضمان استمرارية الأعمال و اللحاق بموسم الأعياد.

ذروة غير مسبوقة لأسعار الملابس في سوريا فرحة العيد تُغيّبها أرقام خيالية! (1)
محل لبيع الملابس في حي الصالحية، شمال غرب سور دمشق القديم، سوريا. (تصوير ماماد تاجيك/صور الشرق الأوسط)

ويضاف إلى ذلك، الزيادة المستمرة في تكلفة الكهرباء مع كل موسم جديد، والتي تبرر بصعوبة تأمين المازوت وارتفاع أسعاره، مما يثقل كاهل التجار بفواتير تقدر بالملايين شهريًا. 

ولا تقتصر المشكلة على الطاقة فحسب، بل تمتد إلى ارتفاع إيجارات المحلات التجارية، التي تشهد زيادات متواصلة تعزى إلى ارتفاع قيمة العقارات، لتصل تكلفة إيجار المحلات في الأسواق الرئيسية وشوارع الوكالات إلى مبالغ تتراوح بين مليار وخمسة مليارات ليرة، مما ينذر بتفاقم الطمع وتعقيد الوضع الاقتصادي للتجار والمستهلكين على حد سواء.

ليس ذلك فحسب، بل تفاجأ التجار بارتفاع الضرائب المفروضة من قبل السلطات المالية ومجلس المدينة إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه، مما ألقى بثقله على كاهل العديد منهم، وبشكل خاص أصحاب المحلات الصغيرة الذين تكبدوا خسائر جسيمة.

من جانب آخر، يشير أصحاب المحال التجارية الشعبية إلى تراجع ملحوظ في الإقبال الشرائي هذا العام، وهو اتجاه يتواصل عامًا بعد عام، على الرغم من أن أسعار منتجاتهم تقل بنسبة خمسين بالمئة عن تلك الموجودة في أسواق الوكالات، مما يعكس حالة الركود التي تشهدها الأسواق وتأثيرها على الحركة التجارية.

بين الغلاء وقلة الحيلة

مع ختام الربع الأول من العام 2024، تشهد الأسر السورية المكونة من خمسة أفراد ارتفاعًا ملحوظًا في متوسط تكاليف المعيشة، حيث بلغت النفقات الشهرية ما يقارب 12.5 مليون ليرة سورية.

مركز تسوق سوري حديث في بلدية كفرسوسة الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من العاصمة دمشق، سوريا. (تصوير ماماد تاجيك/ وكالة الصحافة الفرنسية)

وفقًا لما نشرته صحيفة “قاسيون” المحلية، فإن الحد الأدنى لمستوى المعيشة قد ارتفع إلى 7.812.417 ليرة سورية، في حين يظل الحد الأدنى للأجور عند مستوى 278.910 ليرة سورية، وهو ما يعادل أقل من 20 دولارًا أميركيًا شهريًا، مما يعكس التحديات الاقتصادية الجسيمة التي تواجهها العائلات في تأمين احتياجاتها الأساسية.

مع نهاية شهر آذار/مارس لعام 2024، تُسجل الأسرة السورية المتوسطة زيادة في نفقات المعيشة بمقدار 444.245 ليرة سورية، مقارنةً بالتكاليف المُسجلة في بداية العام. 

فارتفعت هذه التكاليف من 12.055.622 ليرة في كانون الثاني/يناير إلى 12.499.867 ليرة بحلول نهاية آذار/مارس الفائت. وفي السياق ذاته، شهد الحد الأدنى لتكاليف المعيشة ارتفاعًا بمقدار 277.653 ليرة، من 7.534.764 ليرة إلى 7.812.417 ليرة، مما يعكس الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها الأسر في سوريا.

وتظهر البيانات الصادرة عن الصحيفة تصاعدًا في مؤشر تكاليف المعيشة بوتيرة متسارعة، حيث شهدت زيادة بمعدل 3.7 بالمئة خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بارتفاع كبير بلغ 26.5 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. 

وتشير الأرقام إلى أن الأجور الحالية لا تكفي إلا لتغطية نسبة ضئيلة تقدر بـ2.2 بالمئة من متوسط التكاليف الشهرية للأسرة السورية، مما يعكس الفجوة الكبيرة بين الدخل ومتطلبات الحياة الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات