في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، تشهد سوريا ارتفاعاً جذرياً في أسعار علاج وزراعة الأسنان، حيث بلغت التكلفة مستويات غير مسبوقة. هذه الزيادة المستمرة تجعل الخدمات الطبية مثل هذه خارج نطاق الجميع. 

تحدد تكلفة زراعة الأسنان على أساس المواد المستخدمة – الألمانية، السويسرية، الإيطالية أو الكورية. وفقاً للمعلومات المتوافرة، فإن زراعة الأسنان باستخدام المواد الألمانية أو السويسرية أو الإيطالية يمكن أن تصل إلى ما يقارب 5 ملايين ليرة سورية. بالمقابل، تظل كلفة استخدام المواد الكورية قليلة نسبياً، حيث يصل التكاليف إلى حوالي 4 ملايين ليرة سورية.

تضع هذه التكاليف المرتفعة عبئا ثقيلًا على كتف المواطن السوري، فباتت زراعة الأسنان – التي تعتبر من بين أكثر الإجراءات شيوعاً – خارج متناول كثير منهم.

قريباً تعرفة سنّية جديدة

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا، يواجه المرضى تحديات جمة في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، ولا سيما في مجال طب الأسنان. فقد كشفت تقارير حديثة عن ارتفاع كبير في تكاليف زراعة الأسنان، حيث قد تزيد التكلفة الإجمالية إلى ما يقارب المليون ونصف ليرة سورية في حال احتاج المريض إلى إجراءات إضافية مثل الطعوم العظمية أو الأغشية، والتي تهدف إلى تعزيز فرص نجاح عملية الزراعة وإطالة عمرها الافتراضي.

طبيب أسنان سوري، يجري عملية جراحية لمريض داخل سيارة تم تحويلها إلى عيادة أسنان متنقلة تقدم الرعاية لبعض مئات الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون في منطقة نائية. (تصوير نذير الخطيب/وكالة الصحافة الفرنسية)

إن هذه الأسعار المرتفعة ما هي إلا انعكاسٌ للواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوري، حيث تتأثر التكاليف الطبية بجملة من العوامل، أبرزها تقلبات أسعار العملة والتضخم المتزايد والقيود المفروضة على استيراد المستلزمات الطبية. 

تشكل هذه العوامل مجتمعة عائقاً أمام حصول المرضى على علاجات أقل تكلفة، مثل زراعة الأسنان، مما يضطرهم إلى تحمّل أعباء مالية باهظة في سبيل الحفاظ على صحتهم.

وفي هذا السياق، أعلن الدكتور زكريا الباشا، نقيب أطباء الأسنان في سوريا، عن قرب إصدار تعرفة طبية سنّية جديدة، في خطوة يعتقد أنها لن تساهم في تنظيم الأسعار بل ولن تخفيف العبء عن كاهل المرضى. 

الباشا أشار إلى أنه تم طرح بعض الأفكار وتم اتخاذ قرار فيها بمؤتمر النقابة العام لتعديل خدمة الريف منها السماح لطبيبَين الترخيص على عيادة واحدة، وكذلك من الأفكار أن يتم السماح لطبيب أسنان لديه عيادة أن يستضيف في عيادته طبيبَين آخرين كترخيص مؤقت، باعتبار أن عدد خريجي طب الأسنان كبير.

وأكد الباشا أن عدد الأطباء المسجلين في النقابة والملتزمين بتسديد الرسوم نحو 25 ألف طبيب ومقيم، مجدداً تأكيده أن خريجي كليات طب الأسنان في سوريا نحو 5 آلاف طبيب، على حين الذين يسجلون في الاختصاص لا يتجاوز 500 خريج وبالتالي هناك 4500 طبيب بلا اختصاص.

ضربة جديدة لمحافظ السوريين

تحت عنوان “تفاوت أسعار معالجات الأسنان بين المناطق الشعبية والراقية في سوريا”، كشف الدكتور رفيق الحلبي، اختصاصي طب الأسنان، عن وجود تباين ملحوظ في تكاليف الخدمات السنية بين مختلف المناطق، وذلك تبعاً للمستوى المعيشي لسكانها.

5 ملايين ليرة.. الثمن الجديد للابتسامة في سوريا (1)
طبيبة أسنان سوري تستعد لإجراء عملية جراحية في سيارة تم تحويلها إلى عيادة متنقلة تقدم الرعاية لبعض مئات الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون في منطقة نائية. (تصوير نذير الخطيب/وكالة الصحافة الفرنسية)

وفي تصريح لصحيفة “تشرين” المحلية، أفاد الدكتور الحلبي بأن أسعار علاج الأسنان في المناطق الشعبية تتراوح بين 300 إلى 400 ألف ليرة سورية للمعالجة اللبية وسحب العصب، في حين يبلغ سعر تاج البورسلان للقطعة الواحدة ما بين 400 و500 ألف ليرة، وتاج الزيركون من 500 إلى 600 ألف ليرة. 

وبالمثل، يصل سعر الـ”فينير” إلى 600 ألف ليرة، بينما يبدأ سعر الجهاز المتحرك للفك الواحد من مليون ليرة للنوع الأدنى، و1.2 مليون للنوع المتوسط، ويرتفع إلى 2.5 مليون للجهاز المتحرك بقاعدة معدنية “فيتاليوم”.

وأضاف الدكتور الحلبي أن تكلفة التبطين الطري للفكين تبلغ 1.5 مليون ليرة، وكذلك سعر الدعامة الزجاجية وفاصلة الجهد للجهاز المتحرك. 

أما المعالجة اللثوية فتتراوح بين 200 و300 ألف ليرة، في حين يصل سعر تبييض الأسنان إلى مليون ليرة. وفيما يخص خلع الأسنان، فيتراوح سعر الخلع العادي بين 50 و100 ألف ليرة، بينما يبلغ سعر الخلع الجراحي 450 ألف ليرة.

أسعار المعالجات السّنية في المناطق الراقية بدورها شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، مما يثير قلق المواطنين، خاصةً ذوي الدخل المحدود. فقد أصبحت تكاليف المعالجات تتراوح بين 500 ألف و800 ألف ليرة لمعالجة لبية وسحب عصب، وتصل إلى مليون ليرة للتاج الزيركون والفينير. 

كما تبلغ تكلفة الأجهزة المتحركة للفك الواحد ما بين 2 إلى 3 ملايين ليرة، بالإضافة إلى تكاليف التبطين والدعامات الزجاجية والفواصل التي تصل إلى 2 مليون ليرة.

أما المعالجة اللثوية فوصلت إلى 500 ألف، وتبيض أسنان 2 مليون، وخلع الأسنان العادية 100 ألف، وخلع أسنان جراحي 600 ألف.

وأوضح الدكتور الحلبي أن هذه الأسعار تتجاوز قدرة تحمّل الكثيرين من ذوي الدخل المحدود، حتى لو كانوا يعملون بدوامين. وأشار إلى أن هذه المشكلة لا يوجد لها حل في ظل ضعف الدخل، مما يدفع المواطنين للاكتفاء بالمعالجات المؤقتة وقصيرة الأجل.

نشرة سعرية للأدوية

ارتفاع أسعار العلاج الطبي في سوريا لا يُعد المشكلة الوحيدة، بل سيناريو ندرة وفقدان المواد الطبية ومن ضمنها حليب الأطفال، يُعتبر من السيناريوهات التي اعتاد السوريون على تكرارها بين الحين والآخر، مع رفع السعر بعد توفر المادة! 

من خلال مرآة الرؤية الخلفية تظهر طبيب أسنان سوري يجري عملية جراحية لمريض داخل سيارة تم تحويلها إلى عيادة أسنان متنقلة. (تصوير نذير الخطيب/وكالة الصحافة الفرنسية)

صحيفة “قاسيون” المحلية، لفتت إلى أن الأزمة تتجاوز مجرد الارتفاع المستمر في الأسعار، إذ تعاني الأُسر من شح وانقطاع في توفر أنواع معينة من حليب الأطفال، مما يضطر الوالدان أحيانًا اللجوء إلى بدائل قد لا تتناسب مع احتياجات أطفالهم، معرضين إيّاهم لمخاطر صحية مثل الحساسية ومشكلات الهضم.

تشير الصحيفة إلى أن الرّضع، وبخاصة في الأشهر الأولى من حياتهم، ليس لديهم بديل عن حليب الأم سوى الحليب الصناعي المصمم خصيصاً لهم. ومع تكرار حالات النقص والغلاء، تجد الأسر نفسها تحت ضغط مالي هائل، حيث تجبر على دفع مبالغ باهظة للحصول على علبة حليب تكفي رضيعها لأسبوع واحد فقط.

تحت ضغط الظروف القاسية، وفي محاولة يائسة لتوفير الغذاء لأطفالهم، اضطرت بعض الأُسر السورية إلى اللجوء إلى حلول مبتكرة. فقد قامت بخلط كميات قليلة من الحليب مع ماء الأرز، في محاولة لتعويض نقص الإمدادات. 

ولم تكن هذه الاستعاضة البدائية خياراً مثالياً، إذ إنها تسببت في مشاكل صحية للرّضع، مثل نقص التغذية والفقر الغذائي. ومع ذلك، لم تكن هذه الأُسر تملك خياراً آخر، فقد كانوا مجبرين على الاعتماد على ما كان متاحاً لهم.

أيضا من المتوقع خلال الفترة القريبة القادمة أن نشهد صدور نشرة سعرية للأدوية وفقاً للسيناريو المعتاد، ما يعني أن مَحافِظ السوريين ستتلقى قريبا ضربة جديدة قد تلغي خيار المعالجة الطبية من حياتهم، لا سيما وأن الابتسامة باتت تكلّف في الوقت الحالي أكثر من 5 ملايين ليرة سورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات