في تصريح نادر، اعترف الرئيس السوري، بشار الأسد، أن الأمل موجود بالحوار مع الغرب، وكشف عن لقاءات تجري بين الحين والآخر بين بلاده والولايات المتحدة دون الوصول إلى شيء، مبيّناً أن كل شيء سيتغير، وعلى دمشق المحاولة.

هذا الحديث الذي يخرج لأول مرة من رأس هرم السلطة السورية، يؤكد ما ذكرته تقارير سابقة خلال السنوات الماضية عن عدة اجتماعات جمعت شخصيات من الجيش السوري وحكومة دمشق مع نظرائهم من واشنطن في عدة دول عربية.

الأسد خلال حوار مع وزير الخارجية الأبخازي، إينال أردزينبا، قال “علينا أن نحاول حتى عندما نعرف أنه لن يكون هناك نتيجة، فالسياسة هي فن الممكن”؛ ولكن لم يوضح ماهية هذه الاجتماعات، ولماذا لم تصل إلى نتيجة مرضية للطرفين؟

اجتماعات لا تعني الكثير

كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع الأسد بسبب قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي أشعلت الحرب في عام 2011 والتي أسفرت منذ ذلك الحين عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتشريد ملايين آخرين وتدمير البنية التحتية والصناعة في سوريا. كما قطعت العديد من الدول الغربية والعربية علاقاتها مع سوريا بسبب الحرب.

لافتة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد معلقة على جدار في سوق الحميدية في دمشق في 20 سبتمبر/أيلول 2023. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

ومع ذلك، عادت سوريا العام الماضي إلى الحظيرة العربية، سعياً إلى تحسين العلاقات مع دول الخليج الغنية المتحالفة مع الولايات المتحدة، على أمل أن تتمكن من المساعدة في تمويل إعادة الإعمار – على الرغم من أن العقوبات الغربية من المرجح أن تمنع الاستثمار.

لم يقدّم بشار الأسد مزيدا من التفاصيل حول من شارك في الاجتماعات أو ما تمت مناقشته، إلا أن الرئيس الخاضع للعقوبات الأميركية أشار إلى أن الاجتماعات لا تعني الكثير لكنه يواصلها لأن “هناك دائمًا أمل” في إمكانية إصلاح العلاقات.

الولايات المتحدة في أيار/مايو الفائت، رحبت بعقد اجتماع بين وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونظرائه من العراق والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية، فيما يبدو أنه خروج عن سياستها السابقة المتمثلة في عزل الرئيس بشار الأسد.

وذكرت صحيفة “ذا ناشيونال” ومقرّها الإمارات، أن ممثلا عن مجلس الأمن القومي الأميركي، أبلغها أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “متشجعة” لأن البيان المشترك الصادر عن الاجتماع “ذكر العديد من الأولويات التي نتقاسمها نحن وشركاؤنا”.

تصريحات الممثل حينها تناقضت بشكل حاد مع التصريحات الأميركية السابقة التي تعارض التطبيع مع حكومة الرئيس بشار الأسد، الذي ظل معزولا دوليا منذ عام 2011، لا سيما وأن الموقف الأميركي ملتزم كليا بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يدعو إلى حلٍّ تفاوضي للصراع السوري وانتقال سياسي في البلاد.

محادثات سرية في عُمان

في عام 2022، اتهم الرئيس الأميركي جو بايدن سوريا باحتجاز الصحفي الأميركي أوستن تايس، الذي اختُطف قبل أكثر من عقد من الآن في دمشق، ودعا الحكومة السورية إلى المساعدة في تأمين إطلاق سراحه، إذ معظم الاجتماعات التي جمعت بين الطرفين تدور حول هذه النقطة.

بعد اعتراف رسمي لماذا يلتقي بشار الأسد مع الأميركيين؟ (4)
مندوبو وسائل الإعلام يشاهدون على الشاشة الرئيس السوري بشار الأسد وهو يلقي كلمة أمام القمة العربية في جدة في 19 مايو/أيار 2023. (تصوير فايز نور الدين/وكالة الصحافة الفرنسية)

مسؤول دبلوماسي رفيع في “الجامعة” العربية، كشف منتصف العام الفائت، لموقع “ذا كريدل”، أن مفاوضات سرّية ومباشرة جرت بين الحكومتين الأميركية والسورية.

وقال الدبلوماسي الذي كشف عن المعلومات شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “المحادثات جرت في العاصمة العمانية مسقط، “مدينة المفاوضات السرية” بين واشنطن وعدة دول في غرب آسيا. وأشار إلى أن “اللقاءات ضمت شخصيات أمنية من البلدين وممثلين عن وزارتي الخارجية”.

وخلال المحادثات، ضغط المسؤولون السوريون بشكل رئيسي من أجل الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من البلاد. وبالمثل المبعوث الأميركي أكد مراراً أن لديه معلومات بأن أوستن تايس حي وموجود في أحد مراكز الاحتجاز التابعة للجيش السوري، إلا أن الوفد السوري أصر على أنه ليس لديه أي معلومات عن تايس.

وفي وقت سابق من شهر أيار/مايو 2023، كشف وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن واشنطن “منخرطة مع سوريا، ومع دول ثالثة” للعثور على تايس. إذ إن “البيت الأبيض” مقتنع بأن دمشق تعلم بمكان وجود تايس. لكن الوفد السوري في مسقط لم يؤكد أي معلومات بهذا الشأن.

واشنطن ودمشق وفقا للتقارير الصحفية، بدأتا اتصالاتٍ سرّية خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. لكن هذه اللقاءات لم تثمر بنتيجة مرضية، خصوصاً مع إعلان ترامب عن نيّته “قتل” الرئيس السوري بشار الأسد في أيلول/سبتمبر 2020.

محادثات سرّية عديدة وفقا لمصادر دبلوماسية، جرت في السنوات السابقة بين دمشق وواشنطن، لكن معظمها كان عبر وسطاء، مثل المدير العام السابق للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، كما جرت لقاءات مباشرة بين البلدين، إحداها في العاصمة السورية دمشق. ومع ذلك، ظل عدد الاجتماعات المباشرة محدودا.

وبعد أن صوتت “الجامعة” العربية لصالح إعادة عضوية سوريا، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، “لا نعتقد أن سوريا تستحق إعادة قبولها في جامعة الدول العربية في هذا الوقت”، مسلّطاً الضوء على أن “البيت الأبيض” أبلغ حلفاءه العرب “أننا لن نطبّيع مع الأسد وأن عقوباتنا ستستمر”.

رسائل متبادلة

في حزيران/يونيو 2023، كشف وزير خارجية سلطنة عُمان، بدر البوسعيدي، عن تفاصيل المراسلات بين الولايات المتحدة الأميركية والرئيس السوري، بشار الأسد، بشأن الصحفي الأميركي المختطف أوستن تايس. وشدد البوسعيدي على إمكانية التطبيع مع بشار الأسد كحل قابل للتطبيق للأزمة السورية.

الرئيس السوري بشار الأسد يتحدث خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي في دمشق في 16 يوليو 2023 (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وأشار البوسعيدي خلال حديث لموقع “المونيتور”، عن التواصل بين واشنطن ودمشق بشأن قضية تايس في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وتناولت أيضا القضية الحساسة المتعلقة بالرهائن الأميركيين المحتجزين في سوريا. 

وأشار إلى أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تحدّث صراحة مع نظيره العماني عن رغبته في أن تقوم مسقط بدور الوسيط في المحادثات مع حكومة بشار الأسد حول الأزمة، لا سيما بعد تراجع الثقة الأميركية في مدير الأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، الذي لعب الدور الرئيسي للوسيط.

ووصف دور عمّان في تسهيل الحوار بين الطرفين بأنه “بناء، وإيجابي، و استباقي”، مسلطاً الضوء على أن الأمر لم يكن مجرد مسألة موقف محايد، بل كان بالأحرى نهجاً نشطاً.

جلسة الحوار الاستراتيجي الأميركي العُماني التي عقدت في 8 تشرين الثاني/نوفمبر سبقها اجتماع في اليوم الثاني من الشهر ذاته، ترأسه نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع شهاب بن طارق آل سعيد شقيق سلطان البلاد إلى جانب مع محمد النعماني رئيس الديوان السلطاني عن الجانب العماني. وهو من كبار الشخصيات التي تشرف على جهاز المخابرات وأمن الدولة في السلطنة، وقد بدأ بالفعل المفاوضات بشأن قضية الرهائن.

بينما لم ينف البوسعيدي استضافة هذه المحادثات، أكد أن هناك تبادلاً للرسائل بين واشنطن ودمشق، سهّلته مسقط إلى حدٍ ما. وأشار إلى أنه يتم تبادل الرسائل بشكل دوري، على الرغم من أنه لا يستطيع التأكيد على أن الولايات المتحدة ودمشق أقرب إلى إيجاد حل. 

واعترف الوزير العُماني، بوجود مخاوف غربية بشأن استعداد الأسد لتقديم تنازلات من أجل التطبيع العالمي، لكنه أشار إلى مجموعة الاتصال الوزارية التابعة لـ”جامعة الدول” العربية كمنصة لمعالجة القضايا الرئيسية مع السلطات السورية.

الأسد يبحث عن مخرج

أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع سوريا في عام 1944 بعد أن قررت الولايات المتحدة أن سوريا قد حققت استقلالها الفعلي عن الانتداب الفرنسي. وقطعت سوريا علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة عام 1967 في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية. 

بعد اعتراف رسمي لماذا يلتقي بشار الأسد مع الأميركيين؟ (1)
الرئيس السوري بشار الأسد خلال توقيع البرنامج الشامل للتعاون الاستراتيجي وطويل الأمد بين إيران وسوريا، في 03 مايو/أيار 2023 في دمشق، سوريا. (تصوير ماتين قاسمي/غيتي)

تم إعادة العلاقات في عام 1974. وقد تم إدراج سوريا على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب منذ بداية القائمة في عام 1979 بسبب دعمها المستمر للإرهاب والجماعات الإرهابية، واحتلالها السابق للبنان، وسعيها للحصول على أسلحة الدمار الشامل والصواريخ واستخدامها للأسلحة الكيميائية.

في الفترة من 1990 إلى 2001، تعاونت الولايات المتحدة وسوريا إلى حد ما في بعض القضايا الإقليمية، لكن العلاقات ساءت من عام 2003 إلى أوائل عام 2009. وشملت القضايا التي أثارت قلق الولايات المتحدة فشل الحكومة السورية في منع سوريا من أن تصبح نقطة عبور رئيسية للمقاتلين الأجانب الذين يدخلون البلاد ثم إلى العراق.

في أوائل عام 2009، بدأت الولايات المتحدة بمراجعة سياستها تجاه سوريا في ضوء التغيرات في البلاد والمنطقة، مما أدى إلى بذل جهد للتعامل مع سوريا لإيجاد المجالات ذات الاهتمام المشترك، والحد من التوترات الإقليمية، وتعزيز السلام في الشرق الأوسط.

الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة منفردة للاستجابة الإنسانية في سوريا، حيث تقدم أكثر من 12.2 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، تصل المساعدات الإنسانية الأميركية إلى 4.8 مليون شخص داخل 14 محافظة سورية كل شهر، بالإضافة إلى أكثر من خمسة ملايين من أصل 5.6 ملايين لاجئ من سوريا في المنطقة.

في أعقاب قمع الجيش السوري لاحتجاجات عام 2011، فرضت واشنطن عقوبات شاملة على دمشق تقيد على نطاق واسع قدرة الأشخاص الأميركيين على المشاركة في معاملات تتعلق بالحكومة السورية. وتخضع الحكومة السورية والكيانات التابعة لها لعقوبات اقتصادية أميركية منذ عام 2004 بموجب قانون محاسبة سوريا، الذي يحظر أو يقيد تصدير وإعادة تصدير معظم المنتجات الأميركية إلى سوريا. 

في حزيران/يونيو 2020، دخلت أحكام العقوبات الواردة في قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا حيّز التنفيذ الكامل، مما سمح للحكومة الأميركية بفرض عقوبات على مموّلي السلطة ومسؤوليها وكبار الشخصيات الحكومية المحيطة ببشار الأسد وداعميهم والقادة العسكريين الذين يديمون الصراع ويعرقلون أيّ حلٍّ سياسي. 

كما علقت سفارة الولايات المتحدة في دمشق عملياتها في شباط/فبراير 2012. وتعمل جمهورية التشيك، من خلال سفارتها في دمشق، كبديل لحماية للمصالح الأميركية في سوريا. حيث يعمل الموظفون الأساسيون الذين يعملون في القضايا المتعلقة بسوريا حاليًا من مواقع متعددة مثل المنصة الإقليمية لسوريا (SRP).

احتفظت سوريا  بسفارة لها في واشنطن العاصمة حتى 18 آذار/مارس 2014، عندما أبلغت وزارة الخارجية الأميركية السفارة السورية بأنه يجب تعليق عملياتها على الفور وأن على جميع الموظفين في السفارة المغادرة بحلول 31 آذار/مارس 2014. 

وبعد هذا التاريخ، لم تعد الولايات المتحدة تعتمد موظفي السفارة أو تعتبرهم مؤهلين للحصول على أي من الامتيازات أو الحصانات أو الحماية الدبلوماسية.

لكن على ما يبدو، في حديث الأسد الجديد كليا والذي يتناقض تصريحاته السابقة وهجومه على الولايات المتحدة ورؤسائها، أنه حاليا يميل إلى انخراط في حوار مباشر مع واشنطن، إذ كما نطق لسانه، فإن الأمل لديه وحتى بعد تطبيع علاقاته مع الدول العربية، موجود بالحوار مع الغرب فقط، لا سيما بعد قرب إقرار قانون مشروع قانون “الكبتاغون 2”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات