سوريا في مرمى نيران العقوبات الأميركية: هل ينجح “الكبتاغون 2” في إسقاط الأسد؟

وافق مجلس النواب الأميركي بالأغلبية، على مشروع قانون “الكبتاغون 2” الذي يهدف لمنح الحكومة الأميركية صلاحيات جديدة وموسعة لمحاسبة “النظام” السوري والشبكات المرتبطة به بما يخص تجارة المخدرات. هذا وقد صوت لصالح مشروع القانون 410 أعضاء فيما عارضه 13 عضوا.

مشروع القانون يهدف في فكرته الأساسية لمنح حكومة الولايات المتحدة صلاحيات جديدة وموسّعة لمحاسبة سلطات دمشق، والشبكات المرتبطة بها، وجميع من ينشط، أو ينخرط، في الاتّجار بمخدّرات “الكبتاغون”، أو بتصنيعها، أو بتهريبها، أو بالاستفادة من الريع النّاجم عنها بغضّ النّظر عن جنسيّته.

ويشمل القانون المحاسبة أيضا: محاسبة المسؤولين عن تصنيع وتهريب “الكبتاغون”، استهداف الشبكات المالية التي تدعم تجارة المخدرات، فرض عقوبات على الدول التي تتواطأ مع دمشق في تجارة “الكبتاغون”. 

لماذا هذا القانون؟

يأتي هذا المشروع للقانون بعد تزايد قلق الولايات المتحدة من تصنيع وتهريب “الكبتاغون” من قبل حكومة دمشق، والذي يُشكل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي. ويهدف القانون إلى تعزيز التعاون الدولي لمكافحة تجارة “الكبتاغون”، ودعم الجهود المبذولة للحد من الطلب على “الكبتاغون”، إضافة إلى ذلك قد يؤدي القانون إلى تقليل تدفق “الكبتاغون” إلى المنطقة والعالم على المدى الطويل.

صورة تظهر لوحة إعلانية تظهر صورة للرئيس السوري بشار الأسد وهو يرتدي نظارة شمسية بينما يرتدي زي المشير العسكري، معروضة في وسط العاصمة دمشق، مع تعليق أدناه باللغة العربية: "إذا نطق غبار البلد سيقول بشار الأسد". (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)
صورة تظهر لوحة إعلانية تظهر صورة للرئيس السوري بشار الأسد وهو يرتدي نظارة شمسية بينما يرتدي زي المشير العسكري، معروضة في وسط العاصمة دمشق، مع تعليق أدناه باللغة العربية: “إذا نطق غبار البلد سيقول بشار الأسد”. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

وهذا لأن تجارة “الكبتاغون” أصبحت تشكل تهديداً أمنياً عابراً للحدود ووصلت أوروبا، وهذا ما ورد في نص قانون “الكبتاغون” الذي وقّعه الرئيس الأميركي جو بايدن في 23 كانون الأول/ديسمبر 2022. 

الباحثة السورية، منال الصيفي، في تعليقها على مشروع هذا القانون ذكرت لـ”الحل نت”، أن صدور هذا المشروع في هذا التوقيت من انتشار المزيد من حالات الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط له مدلوله الخاص ورسالته الواضحة. 

فربما أرادت الإدارة الأميركية أن تبعث برسالة إلى جميع القوات الدولية الموجودة في سوريا، بأنها ما زالت حاضرة في المشهد السوري هذا بعد أن سيطرة على هذه المشهد، السياسة الإيرانية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولهذا يمكننا اعتبار هذا المشروع بمثابة إعلان عن التواجد الأميركي جديد وبقواعد جديدة تهدف إلى تضييق الخناق على دمشق وداعميها من مليشيات “حزب الله”.

قانون “الكبتاغون” 1 – 2

في أيلول/سبتمبر 2022 أقر مجلس النواب الأميركي قانون مكافحة المخدرات، ثم صدّق عليه المجلس، في 8 من كانون الأول/ديسمبر 2022، بتصويت نال أغلبية ساحقة، وانتقل مشروع القانون بعدئذ إلى مجلس الشيوخ الأميركي، ثم إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي وقّع على ميزانية الدفاع الأميركية عن السنة المالية لعام 2023، متضمنة القانون، في 23 من كانون الأول/ديسمبر 2022.

دور “حزب الله” من صناعة ونشر المخدرات، بأنه ليس فقط للربح، ولكن لتدمير الطاقات البشرية للدول المستهدفة – إنترنت

ويرى المراقبون السياسيون أن القانون الأول كان يفرض على الحكومة الأميركية تشكيل استراتيجيات عامة لمكافحة تجارة المخدرات، فيما يركز الثاني على الإجراءات المالية، بحيث يفرض عقوبات على شركات وكيانات وأفراد مرتبطين بهذا التجارة ويُسهل الإجراءات المالية لها في جميع المراحل، سواء التصنيع، أو الترويج، أو النقل، أو التهريب.

وفي ما يتعلق بتأثير قانون “الكبتاغون 2” الجديد، يعتبر أن هذا القانون لن يردع الرئيس السوري، بشار الأسد وشركائه الإيرانيين وفي “حزب الله”، لكنه سيسهم في تقييد هذه التجارة التي تضر مصالح الإقليم، وإظهار عزم واشنطن الثابت في عدم التسامح مع حكومة دمشق. 

يأتي القانون الثاني بعد صدور القانون الأول بعام ونصف، ليؤكد على مدى الإصرار من الإدارة الأميركية على الضغط والحصار الكامل لدمشق ومليشيات الإيرانية القائمة في جزء كبيرة منها على تجارة المخدرات مما يتسبب في حالات مستمرة من الفوضى. 

نص القانون يؤكد أن “الكونغرس”، اكتشف أن التصنيع الضخم لـ”الكبتاغون” وإنتاج مواده الأولية في المناطق الخاضعة لسلطة الأسد تطور إلى درجة تهدد الأمنين الإقليمي والدولي، وأن أطرافاً في حكومة دمشق هم مهندسون رئيسيون للاتجار الحرام بمخدّرات “الكبتاغون”، مع ضلوع مسؤولين رفيعي المستوى في تصنيعه وتهريبه، مستعينين بجماعات مسلحة مثل “حزب الله”، للدعم الفني واللوجستي. 

في هذا السياق اعتبر الصحافي السوري، عمار شواخ، في تحليله لـ”الحل نت”، أن قانون “الكبتاغون 2” الثاني جاء متمما للقانون الأول؛ لأن تجارة المخدرات وبالتحديد حبوب “الكبتاغون” انتشرت بشكل واسع النطاق في سوريا منذ بداية الحرب لدرجة. 

هذه التجارة بحسب شواخ، هي الوحيدة في سوريا القادرة على تجاوز خلافات السياسية، لأنها تجارة تعتمد في قيامها على عمل شبكي من القبائل والعشائر والقوات العسكرية المتحاربة؛ نظرا للمكاسب الهائلة التي تتحقق من هذه التجارة القاتلة والعابرة للحدود، وهذان القانونان يمثلن خط فاصل في هذه التجارة، وبداية نهاية لها.

الجالية السورية ومشروع القانون

مشروع القانون وصل إلى “الكونغرس” بجهود منظمات الجالية السورية الأميركية (التحالف الأميركي لأجل سوريا والمجلس السوري الأميركي) التي بدأت قبل بضع سنين وتكللت بإقرار قانون مكافحة “الكبتاغون 1” نهاية عام 2022. 

مسؤول التخطيط السياسي في التحالف الأميركي لأجل سوريا والمجلس السوري الأميركي، محمد علاء غانم، أشار في حديث له مع وسائل الإعلام، إلى أن إقرار هذا القانون يعني نجاح جهود منظمات الجالية السورية في ترسيخ ملف مكافحة تجارة المخدرات في سوريا واستمرارها داخل أروقة الإدارة الأميركية.

القانون الجديد، المتمم للقانون النافذ مسبقاً، سيعمل على توسيع صلاحيات الإدارة الأميركية عبر أدوات أضخم وأكبر لملاحقة جميع من لهم دور في هذه التجارة ولا سيما “الكبتاغون”.

وتابع غانم، أن الأسد وحكومته يستخدم ورقة المخدرات أولاً لأنها تدر عليه مبالغ مالية ضخمة جداً، وثانياً لأنها تشكل عامل ضغط على الدول العربية لا سيما تلك التي يعتبر أنها وقفت ضده خلال أحداث السنوات الماضية.

بل إن القانون الجديد سيسهم وبشكل مباشر في تقديم الدعم المالي والاستخباراتي والتقني لمحاربة هذه التجارة بشكل أوسع، قائلاً “بعد إقرار القانون الأول والسير به واليوم السير كذلك بالقانون الثاني لم يعد بإمكان الإدارة الأميركية أن تهمل ملف المخدرات في سوريا، فيما كان هذا الملف غائباً تماماً عن اهتمام واشنطن قبل سنوات.

ويهدف مشروع القانون الجديد إلى إتمام الجهود التشريعية التي انطلقت في هذا المضمار بدعم من منظمّات الجالية لسورية الأميركية قبل عدّة أعوام، وسيفرض حال إقراره عقوبات على أيّ شخص أو جهة من أيّ جنسية كانت تنخرط في تجارة المخدرات، أو تستفيد من أي عائدات ناجمة عنها، أو من أي ممتلكات تعود لأشخاص متورّطين فيها، أو من أي ممتلكات أو أصول تُستخدم فيها.

وخلال مدة لا تتجاوز ستة شهور، يتوجب على الإدارة الأميركية، ممثلة بالرئيس الأميركي أن تنظر وتبتّ في فرض عقوبات بموجب نصّ القانون على مسؤولين وشخصيات بارزة ضمن الدائرة الضيقة لجكومة دمشق، وهم ماهر الأسد، عماد أبو زريق، عامر تيسير خيتي، طاهر الكيالي، راجي فلحوط، محمد آصف عيسى شاليش، عبد اللطيف حميدة، مصطفى المسالمة.

تجارة بالمليارات

عضو “الكونغرس” الجمهوري عن ولاية أركنساس، فرينش هيل، الذي عمل على القانون بشكل مباشر وحشد الدعم له، قال بعد إقراره إن “تجارة الكبتاغون تدر المليارات من التمويل غير القانوني على نظام الأسد وتدمر العائلات في المنطقة”.

إيران أم السرطان من قتل ماهر الأسد؟ (1)
اللواء ماهر الأسد أثناء تدريبات عسكرية مشتركة روسية – سورية، في تشرين الأول/أكتوبر 2022. (إنترنت)

استراتيجية الحكومة لمحاربة إنتاج وتهريب “الكبتاغون” في سوريا، بحسب هيل،ـ لا تزال في مراحلها الأولى، وقال “يجب على حكومة الولايات المتحدة وشركائنا في المنطقة وفي أوروبا ممارسة ضغوط كبيرة لوقف انتشار هذه المادة الخطيرة”.

وطبقا لحديث هيل، فإن إيران هي الممول الرئيسي لـ”حماس” و”حزب الله”، وهم في شراكة إرهابية مع الرئيس السوري بشار الأسد، وأكد على الحاجة إلى “فرض عقوبات محددة تستهدف بشكل مباشر الأفراد والشبكات المرتبطة بتجارة الكبتاغون”.

في وقت سابق، أضاف على حسابه بمنصة “إكس” (تويتر سابقا)، “نحن بحاجة إلى فرض عقوبات محددة تستهدف بشكل مباشر الأفراد والشبكات المرتبطة بتجارة الكبتاغون، ولهذا السبب على وجه التحديد من الأهمية بمكان أن يوافق مجلس النواب اليوم على مشروع القانون الذي قدمته، وهو قانون قمع الاتجار غير المشروع بالكبتاغون”.

على حسب رؤية الصيفي التي تؤكد أن قانون “الكبتاغون” هو بمثابة انتصار لجهود متوالية سواء كانت سورية أو أميركية تسعى إلى الخلاص من سلطات دعمت وجودها بتجارة فاسدة. 

ومع هذا تحتاج هذه الجهود إلى دعم دولي مكثف ومتواصل من خلال الشركاء الدوليين الذين يعانون من ذات الملف سواء كانت الدول العربية المتمثلة في مصر أو الأردن أو لبنان أو السعودية التي تعد السوق الأول لهذه التجارة، وحتى الدول الأوربية، التي باتت مستهلكة لهذه الحبوب.

بالمثل يؤكد شواخ، أن دخول القانون حيز التطبيق وفور العمل به سيعد ضربة قاسمة للرئيس السوري الأسد وحكومته وللميلشيات الإيرانية التي يعاني نظامها منذ خمسة سنوات من العقوبات الدولية المتلاحقة، والتي اتخذت من الاتجار بالمخدرات مسكن للتصدع الاقتصادي، فصدور هذا القانون يبطل مفعول هذا المسكن تاركاً هذا الاقتصاد يترنح حتى السقوط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات