بعد أسبوع من استهداف إسرائيل قنصلية بلاده، وقتلى لسبعة من كبار قادة “الحرس الثوري” و”فيلق القدس”، صرّح وزير خارجية إيران بـ”صوت عال من دمشق”، ليقول إن إسرائيل ستتلقى عقابها، وذلك بعد ساعات من وصوله إلى سوريا قادما من سلطنة عُمان.

وصل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى سوريا أمس الاثنين، لإجراء مباحثات مع المسؤولين السوريين، في أول زيارة لمسؤول إيراني كبير منذ القصف الجوي الإسرائيلي الذي دمّر مقر قنصلية طهران في دمشق.

قنصلية جديدة

في أعقاب الهجوم الذي وقع في الأول من أبريل/نيسان الجاري، والذي نفّذته قوات الجو التابعة لإسرائيل ضد مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أسفر عن مقتل العميد محمد رضا زاهدي، أحد قادة “فيلق القدس”، وعددٍ من مسؤولي “الحرس الثوري” الإيراني، ترأس الوزير الإيراني وفدًا يضمّ شخصيات سياسية وبرلمانية بهدف افتتاح المقر الجديد للقسم القنصلي بالسفارة الإيرانية في دمشق.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يسير إلى جانب نظيره السوري فيصل المقداد والسفير الإيراني لدى سوريا حسين أكبري خلال زيارة لموقع ملحق قنصلي للسفارة الإيرانية الذي دمرته الغارة الجوية قبل افتتاح مبنى قنصلي جديد في مكان قريب في دمشق في 8 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

إسرائيل كانت قد شنّت في الإثنين السابق، هجوماً جوّيًا استهدف القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق، مما أدى إلى تدميره بالكامل ومقتل سبعة ضباط من “الحرس الثوري” الإيراني، بمن فيهم العميد محمد رضا زاهدي، قائد العمليات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، حيث يُعد هذا التطور الأخير الأشد خطورة في سلسلة الاستهدافات بين الطرفين.

في تغطية إعلامية نشرتها وكالة “سانا” الرسمية، تم عرض صور لافتتاح المقر الجديد للقسم القنصلي، بحضور كلٍّ من وزير الخارجية السوري فيصل المقداد والوزير الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. 

وخلال هذا الحدث، عُقد لقاء بين الوزيرين، حيث أعلن عبد اللهيان في مؤتمر صحفي مشترك أن إسرائيل ستواجه عقاباً وردّاً مناسباً على هجومها الأخير، واصفاً الاستهداف بأنه “تجاوز خطير”. 

وأضاف عبد اللهيان، أن الفترة القادمة قد تحمل تحديات لإسرائيل، مؤكدًا على التزام بلاده بأمن سوريا كجزءٍ من أمنها القومي، وملمّحاً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه ضغوطاً متزايدة.

قسم لخدمة “الحرس الثوري”

تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى سوريا كجزء من جولته الإقليمية التي انطلقت من سلطنة عُمان، في خضم التوترات الناجمة عن الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/أبريل. هذه الزيارة تُعد خطوة دبلوماسية هامة في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدتها العاصمة السورية.

صورة تظهر مشهدًا لملحق قنصلي جديد للسفارة الإيرانية في دمشق يوم افتتاحها في 8 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

تُعجل طهران بإنشاء مقر جديد للقسم القنصلي في دمشق والذي يبعد 10 أمتار عن من المقر القديم الذي سوّي بالأرض، وهو القسم المختص بإصدار وثائق السفر للعسكريين وأفراد الميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني؛ يُفسر على أنه جزء من استراتيجية إيران لضمان استمرارية وتعزيز وجودها العسكري في العاصمة السورية.

ووفقا لما نقله موقع “القدس العربي” عن الأكاديمي والمحلل السياسي الإيراني، حسن هاشميان، فإن “افتتاح القنصلية بهذه السرعة يدل على أن هناك خلافاً شديداً بين النظام السوري والإيراني حول حضور العسكريين الإيرانيين ومستوى هذا الحضور في سوريا”.

ولذلك، يُنظر إلى هذا التحرك كمؤشر على قلق إيران من إمكانية طلب سوريا، بدعم روسي، تقليص الوجود العسكري الإيراني، مما دفع طهران لتثبيت وجودها بشكل فعلي وسريع.

القنصلية الإيرانية، التي لا تقدم خدماتها للمواطنين العاديين بل تختص بالشؤون العسكرية واللوجستية لـ”الحرس الثوري” والميليشيات المتحالفة معه، تُعد بمثابة نقطة ارتكاز لتنقلات هذه العناصر. ويُفسر الإسراع في إعادة افتتاحها كإشارة واضحة على إصرار إيران على إصرار طهران في استمرار وتكثيف تواجد قواتها وميليشياتها على الأراضي السورية.

لا ردّ في الأفق

يُعد الإسراع في إعادة افتتاح القنصلية الإيرانية في دمشق بمثابة رسالة متعددة الأبعاد من طهران إلى إسرائيل والمجتمع الإقليمي. إذ يُظهر هذا الفعل أن إيران، رغم الهجوم الإسرائيلي، تختار عدم الرّد بطريقة مباشرة، بل تُبدي جاهزية لاستبدال البنية التحتية المستهدفة، مما يُشير إلى نهج محسوب في التعامل مع التوترات الحالية.

القنصلية الإيرانية دمشق سوريا إسرائيل الحرس الثوري الإيراني فيلق القدس محمد رضا زاهدي السفارة الإيرانية
أفراد الطوارئ والأمن يعملون في موقع الضربات التي أصابت مبنى مجاور للسفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، في 1 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

ورغم حديث عبد اللهيان وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا): “إنني أعلن بصوت عالٍ من دمشق، أن الكيان الصهيوني سيلقى عقابه، وأن أميركا تتحمل المسؤولية إزاء استهداف القنصلية الإيرانية لدى سوريا”، إلا أن المؤشرات لا تدل على ذلك.

إذ الواضح من تصرفات الساسة الإيرانيين، أن طهران تسير بنهج غير مباشر في التعامل مع الهجمات الإسرائيلية، مفضّلةً عدم الرّد الفوري الذي يتوقعه الكثيرون. 

وبدلاً من ذلك، يُعتبر افتتاح القنصلية الجديدة بمثابة ردّ ضمني، يُظهر قدرة طهران على التعافي والتجديد، ويُعبر عن استراتيجية متحفّظة تُفضل الحفاظ على موقفها دون اللجوء إلى تصعيد مباشر، على الرغم من التصريحات القوية التي صدرت في أعقاب الهجوم.

وفي السياق، نقلت وكالة “فرانس برس” عن مصدر مقرّب من “حزب الله”، أمس الاثنين، بأن القيادي العسكري الإيراني محمد رضا زاهدي الذي قُتل في الضربة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، كان عضواً في مجلس شورى الحزب.

واللواء محمد رضا زاهدي هو القيادي العسكري الإيراني الأبرز الذي يتم استهدافه منذ اللواء قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” والذي اغتيل بضربة جوية أميركية في بغداد في كانون الثاني/يناير 2020. وكان زاهدي العضو الوحيد غير اللبناني في مجلس شورى “حزب الله”، حسبما قال المصدر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات