نحو اجتماع تشاوري يضم دولاً متحاورة من ناحية الجغرافيا السياسية والاقتصادية، ويشتركان في نقاط حدودية ومعابر تجارية بهدف تفعيل تكتل جديد يراكم عوائد سياسية واقتصادية وتجارية وأمنية، وجّه الرئيس التونسي قيس سعيّد دعوة لنظيره الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي بليبيا محمد يونس المنفي، لعقد لقاء مغاربي ثلاثي.

وكان القادة الثلاثة اتفقوا على هامش قمة الغاز بالجزائر بداية آذار/ مارس الماضي على “عقد لقاء مغاربي ثلاثي كل ثلاثة أشهر يكون الأول في تونس بعد شهر رمضان”.

وقد تطرق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في لقائه الدوري الأخير مع ممثلي الصحافة الجزائرية لمشروع التكتل المغاربي مع تونس وليبيا، مشيراً إلى أنه سيكون كياناً لـ”إحياء العمل المغاربي المشترك” وتنسيق العمل من أجل “توحيد كلمة” هذه الدول بشأن العديد من القضايا الدولية.

إنشاء هيكل سياسي جديد

وأكد تبون تطلّعه لإنشاء هيكل سياسي جديد في المنطقة المغاربية يأتي بديلاً لاتحاد المغرب العربي الذي أسسته الدول الثلاث إلى جانب المغرب وموريتانيا قبل عقود قائلاً، إنه “انطلاقاً من الفراغ الموجود حالياً حيث لا يوجد عمل مغاربي مشترك” تقرر “عقد لقاءات مغاربية بدون إقصاء أي طرف والباب مفتوح للجميع”.

صورة جماعية بين الرئيس التونسي ونظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي- “إ.ب.أ”

بغض النظر عن تلك البيانات الرسمية والتصريحات الرئاسية فثمة تحديات مشتركة تجابه جغرافيا الدول الثلاث على خلفية عدة ملفات من أبرزها ملف الإرهاب والهجرة وأيضاً ملف المنافذ الحدودية والتعاون الاقتصادي فيما بينهما.

يمثّل حالة معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس أحد أبرز النقاط التي ينبغي معالجتها ومناقشتها في الاجتماع الثلاثي، سيما مع تحرك بعض العناصر المسلحة المحلية للسيطرة على المعبر وسحب الولاية من وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مما دفع وزير الداخلية عماد الطرابلسي لاتخاذ حينها قرار إغلاق المعبر.

في هذا السياق يشير مصطفى عبد الكبير رئيس “المرصد التونسي لحقوق الإنسان” بقوله إنه غير مرة وجّهت عديد  الشخصيات التونسية والمنظمات الوطنية وعلى غرارها “المرصد التونسي لحقوق الإنسان” نداءات لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، بأن ثمة بعض الملفات الحارقة ينبغي الاشتباك معها وسبر أغوارها حفاظاً على أمن البلاد ومصالحها على غرار ملف الهجرة وملف التوتر الأمني على الحدود وغيرها من الملفات، فضلاً عن ضرورة مناقشة تلك الملفات وأن يكون النظر فيها بالشراكة مع الأخوة الليبيين والجزائريين وداخل حدود المنطقة بصفة عامة.

يتابع عبد الكبير رئيس “المرصد التونسي لحقوق الإنسان” حديثه لـ” الحل نت ” بقوله إن ذلك يأتي على اعتبار كون رئيس الجمهورية في نهاية الأمر استجاب لهذه الطلبات. ضغوط الواقع والوضع الصعب الذي تعيشه تونس في ملف الهجرة بحيث أصبحت قرطاج “عاجزة ” على مجابهة تلك التحديات بمفردها.

بطبيعة الحال يحشد الاتحاد الأوروبي كافة جهوده نحو هذا الأمر ويدرك الجميع أن الزيارة الأخيرة لرئيسة الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني وهي مبعوث أوروبي جاءت للتفاوض مع تونس على خلفية ملف الهجرة وهي  الزيارة الرابعة منذ أقل من سنة، سيما في ظل ضغوطٍ بأن تصبح تونس جغرافيا لتجمّع المهاجرين غير النظاميين خاصة مع تلك الأعداد التي تتوافد علينا بشكل كبير جداً من الحدود الشرقية مع ليبيا والحدود الغربية مع الجزائر بحسب المصدر ذاته.

تونس كمحطة عبور لأوروبا!

هنا يلفت  مصطفى عبد الكبير رئيس “المرصد التونسي لحقوق الإنسان”، إلى أهمية أن يقوم الجانب الجزائري والليبي كلّ من جهته وناحيته بمساندة تونس لمنع هؤلاء المهاجرين غير النظاميين من المرور بهذه الأعداد الكبيرة، لأن الهدف هو ليس البقاء في تونس أو بطبيعة الحال الاحتماء داخل البلاد كون الوضع الاقتصادي بالبلاد ليس بالصورة النموذجية التي يجعلها جاذبة للهجرة بيد أنها فقط محطة العبور نحو أوروبا. وبالتالي سياسة غلق الحدود وحراسة الحدود من طرف السلطات التونسية كدّست أعداد كبيرة من هؤلاء المهاجرين مما جعلها مشكلة حقيقية.

إضافة إلى ذلك ثمة ملف آخر حاضر بقوة في هذا الاجتماع الثلاثي والذي ظهرت تونس غير قادرة أيضا على معالجته بمفردها وهو ملف التوترات الأمنية على الحدود المشتركة.

اليوم نعرف أن “قاعدة الوطية” الجوية في غرب ليبيا والتي تستغلها تركيا بشكل علني وصريح وهي متاخمة للحدود التونسية، وكذا كافة الأنشطة الخطرة التي تقوم بها تنظيمات الإسلام السياسي في ليبيا نحو توتير الأجواء خاصة في الغرب الليبي ونشاط بعض التشكيلات المسلحة ضد بعضها البعض، الأمر الذي يفرض تحديات أمنية على الجانب التونسي والتي بدورها تواجه معضلات مواجهة بعض العناصر الإرهابية التي تختبئ في مناطق جبلية وتعمل أجهزة الأمن على تتبّعها والقبض عليها بشكل مكثّف.

يهدف الاجتماع الثلاثي بحسب مصطفى عبد الكبير رئيس “المرصد التونسي لحقوق الإنسان” لـ”الحل نت” إلى التنسيق نحو ملف الإرهاب وملف التوترات الدولية، وأيضاً ملف آخر جدير بمناقشته وهو ملف التكامل الاقتصادي.

تونس تطل على البحر الأبيض المتوسط ومنها على شريط حدودي ترابي وصولاً إلى الصحراء بين تونس وليبيا والجزائر والعمق الجزائري وكذلك عمق الداخل التونسي وعمق الداخل الليبي، وبالتالي هذه القاعدة أيضاً تشرف على أكبر معبر حدودي وهو معبر رأس جدير.

يتابع مصطفى عبد الكبير رئيس “المرصد التونسي لحقوق الإنسان” تصريحاته التي خص بها “الحل نت “، أن معبر رأس جدير، هو من أكبر المعابر واليوم تُعرف الصراعات الدولية العالمية كلها على المعابر لأن التجارة الدولية تحكم العالم من خلال تلك الممرات. وبالتالي تونس كان من المفروض تطالب بهذا الاجتماع للنظر فيه مع السلطات الليبية ومع السلطات الجزائرية، باعتبار أن السلطات الليبية هي من سمحت لهذه القوات بالتواجد على أراضيها.

ثلاثة رسائل

كذلك يهدف الاجتماع الثلاثي بحسب ذات المصدر إلى التنسيق نحو ملف الإرهاب وملف التوترات الدولية، وأيضاً ملف آخر جدير بمناقشته وهو ملف التكامل الاقتصادي. اليوم الرئيس قيس سعيّد كأنه يريد من خلال الدعوة لهذا الاجتماع أن يبعث بثلاث رسائل مهمة.

الرسالة الأولى، هي للداخل ومضمون رسالته يشي بالتأكيد على انفتاحه إقليمياً ودولياً من خلال زيارة رئيسة الوزراء الإيطالي واستضافة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي.

والرسالة الثانية، هي للداخل أيضاً والتي تستقر نحو تدعيم توجه جغرافي سياسي لدول الجوار مما يضيف توهّجاً لدوره في محيطه الاستراتيجي ويدعم رؤيته نحو تقليص أي دور لحركة “النهضة” الإسلاموية ضد مساحات حركته خاصة مع تيار الإسلام السياسي في غرب ليبيا أو الجزائر.

اجتماع بين الرئيس التونسي ونظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي- “الصورة من الإنترنت”

وأخيراً رسالته إلى الخارج خاصة عندما يرتبط ذلك بملف الهجرة غير المشروعة باعتبار أن الدول الثلاث من الدول الهامة في هذا الملف الخطر بالنسبة لدول أوروبا وكذا ملف التوترات الأمنية.

وأعلنت وزارة الداخلية التونسية في بيان لها أنها تمكنت من إلقاء القبض على الإرهابي المدعو “سيف الدين  زبيبة”، وذلك إثر توفر معلومات مفادها رصد عنصرين إرهابيين بجهة “عين الغرم” بجبل السيف بولاية القصرين.

كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على “عنصر إرهابي خطير” في القصرين خلال كمين محكم، إضافة لـ عنصرين آخرين كانا يتخذان من الجبال في المنطقة مقرّات لهم.

وقد أعلنت وزارة الداخلية التونسية في بيان أن “وحدات مختصة من الإدارة العامة للحرس الوطني والجيش الوطني، تمكنت من القبض على أمير كتيبة أجناد الخلافة الإرهابي المصنّف خطير جداً محمود السلامي بجبال القصرين”.

من جانبه يذهب الكاتب الصحفي مراد علاله، بقوله كما هو معلوم فإن هذا المسار المغاربي الجديد انطلق على هامش القمة السابعة لمنتدى البلدان المصدّرة للغاز التي انعقدت في الجزائر في الثاني من شهر شباط/ فبراير الماضي، وقد تدارس الرؤساء آنذاك الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية واتفقوا على ضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية عبر تنسيق أُطر الشراكة والتعاون، وقرروا عقد لقاء مغاربي ثلاثي دوري، كل ثلاثة أشهر.

يتزامن لقاء تونس مع تطورات داخلية في البلدان الثلاث وبين هذه الدول، فـتونس على سبيل المثال والجزائر، دخلتا رسمياً في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي لهذا العام، والرئيسان الحاليان معنيان بقوة بالسباق فيما يتواصل مخاض العملية السياسية المتأزمة في ليبيا والغموض يكتنف سير الاستحقاقات الانتخابية سواء على منصب الرئيس أو النيابية، وفق علاله.

في غضون ذلك ووفقا للكاتب الصحفي التونسي مراد علاله لـ”الحل نت”، تستمر حالة الاحتقان والشد والجذب على الحدود بين تونس وليبيا من جهة ومن جهة ثانية لا تزال حركة التنقل وخاصة التسوّق متوقفة بين مواطني تونس والجزائر، أضف إلى ذلك ملف الهجرة غير النظامية الذي هو في نفس الوقت مطروحٌ بين الدول المغاربية حيث تمرّ جحافل المهاجرين من دول جنوب الصحراء إلى تونس من الدولتين الشقيقتين للأسف، وهو ملف مفتوح كذلك مع الجيران في شمال المتوسط دون أن ننسى خطر الجماعات الإرهابية المتشددة المتواجد بعضها في ليبيا وبعضها الآخر في المرتفعات المسترسلة بين تونس والجزائر، وقد تمكنت القوات الأمنية والعسكرية التونسية من تحقيق ضربات موجعة للإرهابيين خلال الأسابيع الماضية بإيقاف بعض قادتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات