شهدت الجزائر لقاءً بين عبد المجيد تبون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في إطار المنتدى السابع للدول المصدّرة للغاز، وهو ما أكد عزم البلدين على تعميق علاقاتهما، كون زيارة رئيسي تأتي بناءً على دعوة رسمية من تبون، لا سيما أن المنظمة تأسست رسمياً بشكلها الحالي في كانون الأول/ديسمبر 2008، بناءً على اقتراحٍ قدّمته إيران لأول مرة في عام 2001.

كانت آخر مرة زار فيها رئيس إيراني الجزائر في أيلول/سبتمبر 2010، وهنا يمكن القول وبشكل قاطع، إن الجزائر تتأرجح بين “قبضة خامنئي” وما يُسمى بـ”محور الفوضى الجديد”، لا سيما مع استغلال إيران للجزائر في دعمها لجبهة “البوليساريو”، وإدخال “حزب الله” اللبناني، مخالبه في قضية الصحراء المغربية.

القفز عبر النوافذ

خلال هذه الزيارة وقّعت إيران والجزائر ستّ اتفاقيات لتعزيز التعاون في صناعات النفط والغاز والأنشطة العلمية والتكنولوجية والاقتصاد القائم على المعرفة والسياحة، فيما وصف تبون العلاقات مع إيران بـ “التاريخية”، وأشاد بدعم إيران لعضوية الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للفترة 2024-2025. 

وقعت إيران والجزائر ست اتفاقيات لتعزيز التعاون في صناعات النفط والغاز والأنشطة العلمية والتكنولوجية والاقتصاد القائم على المعرفة والسياحة – إنترنت

المتخصّصة في العلاقات الدولية، الدكتورة نبيلة المحمدي، في حديثها مع “الحل نت”، قالت إن التواجد الإيراني في الجزائر في هذا التوقيت، ما هي إلا محاولة من إيران لإيجاد نافذتين، اقتصادية في ظل العقوبات الدولية، وسياسية وخاصة مع حالة الانعزال التي تعاني منها إيران. 

فقد تنظر إيران إلي الجزائر على أنها خطوة مهمّة نحو الشمال الإفريقي؛ ولذا كان يجب على الجزائر أن تكون أكثر حذر في التعاون مع إيران لأن الأخيرة تسعى إلى تكوين جبهة داعمة لها في إفريقيا، وأيضا إرساء ما يُعرف بـ”محور الفوضى الجديد” بالاعتماد على الشيعة في كل البلدان.

إبراهيم رئيسي، لم يخفِ نظرة نظامه نحو الجزائر، حيث أشار في ختام زيارته، إلى مكانة الجزائر في شمال إفريقيا، وقال، “تعزيز علاقاتنا يمكن أن يساعد بشكل فعّال في تحسين مستوى الحضارة الإسلامية وعلاقاتنا مع الدول الإفريقية، وخاصة دول شمال إفريقيا”. 

الجدير ذكره، أنه في أوائل عام 2016، أعربت الجزائر عن تحفّظاتها على قرار “الجامعة” العربية بحظر “حزب الله” اللبناني، مما أُثيرت مخاوف أخرى بشأن اقتراب الجزائر أكثر من اللازم من الجماعة الإرهابية اللبنانية. وجاء ذلك بعد خلاف الرياض والجزائر حول التدخل العسكري للتحالف السعودي في اليمن خلال عام 2015، بعد أن رفضت الجزائر التزام جيشها، وكانت تبذل قصارى جهدها لعدم الانحياز إلى موقف التحالف بشأن الصراع مع “الحوثيين” في اليمن.

“البوليساريو”.. ذراع إيران الجديدة

إن ما أشرنا إليه في السابق هو جزء رئيسي من العلاقات الدبلوماسية بين البلدان، لأن إيران لا تسعى إلا وراء مصلحتها ولا تطأ أقدامها أرضاً إلا حطّ عليها الفساد والخراب العسكري والاقتصادي كما يحدث في سوريا واليمن والعراق ولبنان. 

جندي مغربي يحرس الطريق في السمارة بالصحراء الغربية للمرحلة السابعة من رالي باريس-داكار الثالث والعشرين بين جوليمين والسمارة (تصوير عبد الحق سينا / وكالة الصحافة الفرنسية)

ولهذا يرى المحللون السياسيون أن التواصل القائم بين إيران والجزائر الآن ما هو إلا محاولة واضحة من إيران للدخول في شمال إفريقيا تحت شعار التعاون التجاري الدبلوماسي. والحقيقة ما أن تُذكر العلاقات الإيرانية الجزائرية إلا ويحضر مشهد دعم إيران لجبهة “البوليساريو” وفي الجماعة التي تقاتل من أجل السيطرة علي الصحراء الغربية وهي المنطقة التي تسيطر عليه المغرب بنسبة 90 بالمئة مستغلّة في ذلك سفارتها في الجزائر.

في العام الماضي، كشفت صحيفة “دي فيلت” الألمانية، أن طهران تعمل على مدّ نفوذها في شمال إفريقيا عبر الدعم العسكري لجبهة “البوليساريو” عن طريق سفارتها في الجزائر. فقد رصدت تقارير أجهزة الاستخبارات الغربية والمحقّقين أن طهران تعمل على توسيع نفوذها منذ عدة سنوات، عبر شبكة عالمية من الميليشيات تدعمها بالسلاح والمال والتدريب لتستغلّها لصالحها ضد الغرب. 

امتدت هذه الشبكة إلى جبهة “البوليساريو” التي تُعتبر أبرز مثال على نهج طهران التوسعي، وهو مشروع انفصالي في الصحراء المغربية تتمركز في مخيمات “تندوف” للاجئين في جنوب الجزائر، وتحظى بدعم كبير من الجزائر.

وتشير المحادثات إلى أن “هنالك تخطيطا من قبل حزب الله والبوليساريو للقيام بهجوم مسلح على مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، وذلك بتنسيق مع الجزائر وحركة حماس وإيران، شرط تقديم المزيد من الدعم العسكري للجبهة”. 

وتحدث التقرير سالف الذكر، عن وجود تحقيق سابق يكشف “حوالات بنكية تتم عبر إسبانيا من قبل إيران تجاه البوليساريو برعاية جزائرية”. وتراجعت جبهة البوليساريو بعد وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في 1991، لكنها استأنفت القتال ضد المملكة في 2020، وأكدت المغرب أن إيران زوّدت أعضاء “البوليساريو” بصواريخ “أرض-جو” وطائرات دون طيار. 

كما أقام “حزب الله” وهو أقوى ميليشيات إيران، معسكرات في الجزائر حيث كان يدرّب مقاتلي “البوليساريو”، وعلى إثر ذلك قطعت المغرب علاقاتها مع إيران منذ عام 2018 بسبب دعمها لجبهة “البوليساريو”، حيث صرّح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة آنذاك، إن “حزب الله” أرسل ممثلين عسكريين إلى جبهة “البوليساريو” وزوّدها بالأسلحة ودرّبها على حرب المدن. 

وأكد تقرير الصحيفة، على أن “التطورات في الجزائر اتخذت منحىً لم يترك مجالا لأي غموض دبلوماسي”؛ ولهذا دعت الصحيفة دول أوروبا إلى تعزيز علاقاتها مع المغرب والعمل على تسوية قضية الصحراء لإجهاض “مخططات كارثية” تنجم عن تعاون بين أطراف “محور الفوضى الجديد” الذي قد يزعزع استقرار المنطقة ويشكّل تهديداً مباشراً للأمن في أوروبا.

الجزائر بين مخالب “حزب الله”

إن الخطر المحيط بالجزائر يتحقق متى تحقق التدخل الذي يقوم به كل من النظام الإيراني و”حزب الله” في المنطقة، فقد ينتهي الأمر بالإيرانيين بسهولة إلى “السيناريو السوري”، حيث تسيطر طهران على أي حكومة تشكّلها جبهة “البوليساريو” في نهاية المطاف؛ لأنه لكي تتمكن مثل هذه الحكومة من البقاء، فإنها ستحتاج إلى تلقّي قدر كبير من الدعم العسكري والمالي من إيران. 

إيران تستغل المشاريع الانفصالية للميليشيات المسلحة - إنترنت
إيران تستغل المشاريع الانفصالية للميليشيات المسلحة – إنترنت

فمع وقوع الصحراء الغربية في قبضة الملالي، فإن الدولة التالية التي ستسقط حتماً ستكون المغرب، وبعد ذلك، الجزائر، ستعمل إيران على نمطها المعتاد من السيطرة على المنطقة. وترى المحمدي في حديثها مع “الحل نت “: أن التواجد الإيراني في إفريقيا يعني حقيقتين؛ الأولى في جزء كبير منها السيطرة علي المعادن الطبيعية الهائلة، والثانية، تعني سيطرة إيران على الممرات المائية ومما يعني سهول وصول الأسلحة إلى وكلاء إيران في الشرق الأوسط، والسيطرة على الموانئ التجارية.

أحد أكثر الجوانب الشريرة التي ظهرت للعلن من الظهور الإيراني في الجزائر، هو بحث إيران المستمر عن حلفاء في المنطقة، حيث يحاول نظام الملالي الآن يائساً مدّ مخالبه إلى إفريقيا، وقد استخدم أسلوبه المعتاد في شراء الأصدقاء، حيث تفيد التقارير العديدة إلى تجنيد الآلاف من الشباب الشيعة من المناطق الفقيرة في البلاد، والذين سيستخدمهم النظام الإيراني لزعزعة استقرار المنطقة. 

وبما أن الجزائر معروفة باستضافة السكان النازحين في منطقة الصحراء الغربية، فضلاً عن أعضاء “البوليساريو”، فإن البلاد تعدّ المضيف المثالي لكل من إيران و”حزب الله” لترسيخ جذورهما، واستخدامها كقاعدة لضرب بقية المنطقة.
وفيما يتعلق بعلاقة الجزائر بـ”حزب الله”، فقد كانت هناك بالفعل حالة غامضة لأحد عناصر “حزب الله”، الذي تم العثور عليه بين حطام طائرة الخطوط الجوية الجزائرية، التي تحطمت في مالي في يوليو 2014. وتم اكتشاف المسؤول الكبير في “حزب الله”، وهو متنكر في زي رجل أعمال. 

أيضا ما أثار الكثير من الجدل حول الرحلات بين الجزائر وإيران، هو حقيقة أن الجزائر رفضت منذ عام 2015 مختلف المبادرات المطروحة لحل الأزمات في كل من سوريا واليمن، مما أعطى انطباعا بأن الجزائر تقف إلى جانب إيران وروسيا. ومن خلال رفض الجزائر الاعتراف بأي من جماعات المعارضة السورية، فعزلت نفسها أكثر عن الموقف الذي اتخذه المجتمع الدولي بما فيه الدول العربية.

وهنا يبدو وأضح أن إيران ووكيلها “حزب الله” يؤثران بالفعل على الجزائر، فقد تواصلت أيضًا مع دول مثل تونس وموريتانيا، ومع وجود مالي والنيجر وغينيا والسنغال بالفعل في مرمى النظام الإيراني، ويشكل ذلك مصدر قلق كبير للدول الأخرى في المنطقة، التي ترى بالفعل أن سياسات إيران التوسعية في المنطقة أصبحت خارج نطاق السيطرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات