تأزم الوضع الإقليمي بعد الرّد الإيراني على إسرائيل الهشّ والمحدود الذي بدا وكأنه عملية استعراض هزلية، يؤشر إلى عتبة جديدة من الناحيتين الأمنية والجيو استراتيجية، في ظل تداعيات ما بعد “طوفان الأقصى”، بينما مجلس الحرب الإسرائيلي يواصل اجتماعه المخصص لدراسة الرّد المحتمل على هجوم إيران الذي استهدف إسرائيل مساء السبت الماضي وتؤكد عدة تقارير بردّ وشيك.

ولم يصدر بيان عن اجتماع مجلس الحرب الذي عُقد منتصف الشهر الجاري، بينما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى إن مجلس الحرب عقد اجتماعاً الثلاثاء الماضي لجهة مواصلة بحث خيارات الرّد على إيران. الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية، آفي هيمان، قال لـ”إم إس إن بي سي”، إن إسرائيل تحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس بعد هجوم إيران والذي يُعد تكرار لما فعله الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، والذي أزيح عن عرشه بتدخّل دولي. 

إسرائيل والموازين الجيواستراتيجية

فيما تواصل العواصم الأوروبية ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية على طهران لمراكمة إدانات دولية على الهجوم الإيراني الذي استهدف إسرائيل بعدد من الطيران المسيّر والصواريخ مطلع الأسبوع؛ تدرس بريطانيا فرض المزيد من العقوبات على إيران في حين استدعت ألمانيا السفير الإيراني بعد الهجمات الإيرانية على إسرائيل.

هجوم وقح ماذا كشف الرد الإيراني على إسرائيل؟ (1)
المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يحضر احتفالاً مشتركاً للجيش في طهران. (تصوير حسين فاطمي/وكالة الأنباء الفرنسية)

وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، في تصريحات لوسائل إعلام بريطانية إن بلاده تدرس فرض المزيد من العقوبات على إيران في وقت أعلنت فيه ألمانيا استدعاء السفير الإيراني في أعقاب هجوم طهران على إسرائيل. لافتاً إلى أن بلاده قد فرضت بالفعل أربعمئة عقوبة على إيران، وأنه تم وضع نظام عقوبات جديد بالكامل في نهاية العام الماضي.

فيما ذكر المسؤول البريطاني، أن “الحرس الثوري” الإيراني، قد تم فرض عقوبات عليه بالكامل وسيتم مواصلة النظر في الخطوات الإضافية التي يمكن القيام بها. بل إن كل هذه الأشياء تكون أكثر فعالية إذا تمكّنت الدول من العمل معا. 

وأضاف كاميرون، أن “إيران هي اللاعب الخبيث في المنطقة ومن الأفضل أن يتم العمل سوية”. وتابع: “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية” غير أن “نصيحة المملكة المتحدة هي عدم الرّد” داعياً إسرائيل إلى التفكير “بعقلها وليس بقلبها”.

وعليه، ذكرت الخارجية الفرنسية أنها استدعت السفير الإيراني لدى باريس للتنديد بالهجوم الإيراني على إسرائيل وبالمثل فعلت الخارجية البلجيكية، وألمح رئيس الوزراء البريطاني إلى اتفاق مجموعة السبع اتخاذ تدابير إضافية للتصدي لإيران. 

وقال إن مشروع إيران النووي متقدم حالياً ويهدد الأمن والاستقرار الدوليين، لا سيما مع التصعيد “الحوثي” الذي تقوده طهران وتهدد به الملاحة الدولية ومصالح الغرب والولايات المتحدة، مع استمرار استهداف السفن النفطية وتحديداً المرتبطة بإسرائيل وفق مزاعم “الحرس الثوري”.

تغيير القواعد في الشرق الأوسط

في سياق هذه الأحداث، قال الكاتب اللبناني، حنا صالح، إن المتابعة الدقيقة للمواقف العالمية تشير إلى أن تجرّؤ إيران سيلقى المزيد من المواجهة السياسية والضغوط المتنوعة وكذلك العقوبات، وتابع صالح في تصريحاته لـ”الحل نت”، أن الأهم من خطوات بريطانيا وألمانيا وغيرهم من القوى الدولية هو العمل على إبقاء النظام الإيراني تحت ضغط العقوبات الدائمة.

الاستهدافات الإسرائيلية في دير الزور وحلب القضاء على فائض القوة الإيرانية؟ استهداف إسرائيل سوريا دير الزور حلب إيران
أشخاص ينتظرون خارج مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية بعد يوم من غارة جوية في دمشق في 2 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

ويردف قائلا: إن “الهدف حاليا هو الاحتواء دون إسقاط العمل على احتواء مخاطر وكلاء إيران وتهديداتهم عبر سياسة الردع، وكل ذلك سيكون مصحوباً بزخم دبلوماسي يهدف إلى تحقيق تسوية دائمة تعزز أمن شركاء أميركا وحلفائها”.

ويحول هذا المنحى دون احتمال نشوب صراع أميركي إيراني من شأنه أن يشعل المنطقة بأسرها وهنا يضحى السيناريو المتوقع أن نشهد المزيد من الضغط الأميركي على إسرائيل لتقليل إمكانية أي حرب واسعة. من هنا تبدو خطوات تتخذها لندن وبرلين وغيرهما مفيدة جداً في دعم مسار جديد يشهد خطوات عملية لكبح مخاطر طهران ولا ترجئه مقتضيات معركة الرئاسة الأميركية.

من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، لنظيره البريطاني ديفيد كاميرون، إن “طهران لا تريد زيادة التوترات لكنها سترد بشكل فوري وبقوة أكبر من ذي قبل إذا ردت إسرائيل بعمل انتقامي”.

وبدوره أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قبل أيام، أن واشنطن لا تريد أن ترى أي تصعيد في الأعمال العدائية مع إيران. لكنها ستواصل الدفاع عن إسرائيل بعد الهجوم الذي شنّته طهران ردّاً على استهداف قنصليتها في دمشق.

وقال بلينكن في مستهل اجتماعٍ مع نائب رئيس الوزراء العراقي محمد على تميم: “لا نريد تصعيداً لكننا سنواصل الدفاع عن إسرائيل وحماية طواقمنا في المنطقة”. وتابع: “أعتقد أن نهاية الأسبوع أثبتت أن إسرائيل ليست مضطرة إلى الدفاع عن نفسها بمفردها حين تكون ضحية اعتداء أو هجوم” مندّداً بالهجوم الإيراني الذي اتخذ “مدىً وحجماً غير مسبوقين”، علماً أنه الأول الذي يستهدف الدولة العبرية بشكل مباشر.

التوازن الجديد

على غرار التطورات السابقة، أشار الدبلوماسي السابق والأكاديمي العراقي، قيس النوري، بقوله لا أعتقد أن يقوم الغرب ببناء تحالف وحشد عسكري لمهاجمة إيران عسكرياً، وإنما سوف يعمد إلى إقرار عقوبات اقتصادية مضافة، والغرض منها الضغط على السلطة الإيرانية للتوصل إلى اتفاق جديد فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

الاستراتيجية والخيارات كيف سترد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟ (3)
مجموعة متجمعة في ميدان فلسطين في العاصمة الإيرانية طهران، حيث نظمت مظاهرة لدعم الهجمات الإيرانية بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل في 15 أبريل/نيسان 2024. (تصوير فاطمة بهرامي/غيتي)

يبيّن الدبلوماسي العراقي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن سبب استبعاده استهداف إيران عسكرياً بموافقة دولية وأممية كون النظام الإيراني بسلوكه المعروف في المنطقة إنما يفضي إلى توفير بيئة إقليمية متوترة، توفر للغرب وكذا لإسرائيل فرص للتدخل، وهذا واقع مُمارس من قبل إيران يصبّ من حيث النتائج في أجندات التدخل الأجنبي.

ويضيف أن الحشد السياسي الذي تمارسه القوى الفاعلة دولياً غرضه الأساس ضمان توافق دولي باتجاه فرض عقوبات جديدة لإجبار إيران نحو القبول باتفاق نووي جديد. إذ إن تل أبيب تعرف وتعي جيداً أن شروعها بعمل عسكري منفرد لن ينجح في إعاقة البرنامج النووي الإيراني ذو الطابع العسكري. 

هذه حالة توظّفها الإدارة الأميركية في كبح تل أبيب عن العمل المنفرد، مما يجعل السيناريو المرجّح فرض العقوبات والعمل على إثناء تل أبيب عن ممارسة ردّ عسكري جديد، يفرض حالة من السيولة والتوتر في جغرافيا الشرق الأوسط.

من الأهمية بمكان فهم كافة التحركات السياسية والدبلوماسية التي تقوم بها الفواعل الدولية ضد طهران عبر مسار هام ومباشر يهدف لكبح تصاعد الصراع الخشن بين تل أبيب وطهران، سيما وأن الأولى تدرس بشكل فاعل الرّد على الهجمات الأخيرة مما يعني سيولة كاملة غير منضبطة في حيّز جغرافي منفلت على خلفية الحرب في غزة .

لا ريب أن بريطانيا وفرنسا تحديدا، والتي شاركتا بوضوح في صد هجمات الطيران المسيّر والصواريخ التي انطلقت ضد إسرائيل وغيرهم من دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خاصة ستعمل بشكل مكثّف خلال الساعات القادمة لفرض رؤية تمثّل من خلال عدة إجراءات سياسية واقتصادية لتعطيل إرادة تل أبيب في ردّ ميداني على تلك الهجمات.

إيران تحت الضغط

بخصوص سيناريوهات الرّد الإسرائيلي يذهب اللواء دكتور سيد غنيم، زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية في “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو)، إلى أن السيناريوهات المبدئية لردّ الفعل الإسرائيلي المحتمل يقع بين عدة احتمالات، موضحاً لـ”الحل نت”، أن السيناريو الأول (نفس نمط ومستوى التصعيد): رد فعل رمزي باستمرار إسرائيل في استخدام البُعد النيراني (الدرونز والصواريخ الاستراتيجية) ضد أهداف منتقاة بعناية تحدث تأثير محدد.

بينما السيناريو الثاني يكون عند (مستوى تصعيد أعلى درجة): رد فعل متناسب داخل إيران أساساً وداخل دول النفوذ الإيراني (العراق وسوريا ولبنان واليمن) على أن يكون ضد مواطن القوة ومصادر المعلومات. 

أما السيناريو الثالث (أعلى مستوى تصعيد ممكن في الوقت الراهن): التصعيد ضد المصالح الأساسية الإيرانية، استهداف البنية التحتية للبرنامج النووي على سبيل المثال، سواء بالبُعد النيراني أو بواسطة هجمات سيبرانية فائقة القوة.

في كل الأحوال، يجب أن يعيد ردّ الفعل الإسرائيلي إنشاء مستوى معين من الردع ضد إيران (عدم منح إيران الفرصة لتكون في موضع الفعل أو صاحب المبادأة)، وذلك على أقل تقدير. 

إذا يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن واشنطن غير راغبة في أي أعمال خشنة خلال تلك الفترة، ولن توافق على المشاركة في أعمال عسكرية ضد طهران خلال تلك الفترة كردٍّ على هجماتها الأخيرة، بيد أن تل أبيب تعمل أيضا على إشاعة التوتر وكسب الوقت بغية الوصول لرأي عام موحّد في المجتمع الدولي ضد طهران واعتبار النظام الإيراني يهدد السلام العالمي، وفق غنيم. 

من خلال ذلك تستفيد تل أبيب من فكرة توتير الأجواء بردٍّ عسكري غير أن الواقع السياسي وإرادة واشنطن تشي بكون ذلك في حيّز السيناريو غير المرجّح وبالأحرى المستبعد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة