تجارة المخدرات، تمثّل إحدى أهم الموارد المالية التي استغلها “الحرس الثوري” والنظام الإيراني لجني أموال طائلة من العملة الصعبة، بهدف دعم وتقوية أذرعه في الشرق الأوسط، حيث يعتمد “الحرس الثوري” على أموال هذه التجارة لشراء الأسلحة وتقوية القدرات العسكرية. 

في العقد الأخير أصبح نشاط إيران في تجارة المخدرات واضح وملحوظ؛ وهذا يرجع إلى اعتمادها على هذه التجارة كمصدر من مصادر التحايل على العقوبات الاقتصادية المفروض عليها. وتعمل إيران على تهريب المخدرات إلى أذربيجان وأرمينيا منها إلى أوروبا، وكذلك إلى العديد من الدول العربية كالأردن والعراق وسوريا واليمن ومنها إلى دول الخليج العربي.

مخدرات على الحدود الأذربيجانية

ضبطت الشرطة وحرس الحدود في جمهورية أذربيجان، خلال عدة عمليات منذ بداية عيد النوروز الفائت والذي يوافق 21 آذار/مارس من كل عام، مئات الكيلوغرامات من المخدرات المهرّبة من إيران، واعتقلت العديد من الأشخاص، من بينهم مواطن إيراني. 

في هذه الصورة الملتقطة يوم الثلاثاء 3 فبراير 2015، يظهر مدمنو المخدرات وهم ينامون على كراسيهم في المركز والمأوى، جنوب طهران، إيران. (أ ف ب/إبراهيم نوروزي)

حرس الحدود سجّل حركة شخصين مجهولين من إيران في اتجاه أذربيجان، حيث صرحت إدارة الحدود الحكومية بأن أفراد المركز الحدودي أغلقوا الاتجاهات المحتملة لحركة منتهكي الحدود، وتم تنفيذ أنشطة البحث العملياتية في المنطقة الحدودية. 

وزارة الداخلية في جمهورية أذربيجان، أعلنت أنه تم خلال الأيام العشرة الماضية ضبط أكثر من 10 شحنات مخدرات من إيران. وقد اشتبكت قوات حرس الحدود الأذربيجانية، يوم الأحد 31 مارس/آذار الفائت، مع مهربي مخدرات خلال عملية في منطقة “هوراديز” الحدودية مع إيران، وهي منطقة تم تحريرها من سيطرة أرمينيا عام 2020.

وبحسب هذا التقرير، ففي هذا الاشتباك تم اعتقال رمضان عدلي، وهو مواطن إيراني، بعد إصابته لأحد أفراد حرس الحدود. وتم القبض معه على مواطنين آخرين من أذربيجان وبحوزتهما أكثر من 10 كيلوغرامات من المخدرات. 

في الوقت ذاته، تقول شرطة أذربيجان إنها ضبطت 60 كيلوغراما من المخدرات المهرّبة من إيران في مدينة أستارا الحدودية لأذربيجان ومنطقة قره داغ في ضواحي باكو. 

ويوضح أرشيف إعلانات وزارة الداخلية الأذربيجانية أنه منذ 20 آذار/مارس عام 2024 وحتى يوم الأحد 31 من ذات الشهر، تم القبض على ما يزيد عن 50 شخصًا على خلفية تهريب وبيع المخدرات، وضبط حوالي 310 كيلوغرامات من المخدرات وآلاف الحبوب ذات المؤثرات العقلية المهربة من إيران وكان نطاق هذه العملية من المناطق الحدودية لأذربيجان مع إيران إلى المناطق الوسطى ومدينة باكو وضواحيها. 

وفي الوقت ذاته، نفت إيران بشدة هذه التصريحات، بل ونشرت في الأيام القليلة الماضية تقارير عن تجمع القوات العسكرية الأرمينية وحشد الأسلحة في المناطق الحدودية مع أذربيجان، وحذرت حكومة باكو حكومة يريفان من هذا الأمر، يوم الأحد 31 مارس/آذار. 

وفد القوات العسكرية للاتحاد الأوروبي، التي تم نشرها لمراقبة المناطق الحدودية في أرمينيا منذ العام الماضي، قال إنه لم يلاحظ أي نشاط عسكري غير عادي في المناطق الحدودية لأرمينيا”. وخلال الأشهر الماضية، تفاوض البلدان على ترسيم الحدود الدقيقة بينهما. 

إلا أن لجنة الجمارك الحكومية ذكرت في بيان، أن عناصر الجمارك في جمهورية ناختشيفان ذاتية الحكم في أذربيجان فتّشت في بوابة “جلفا” الحدودية شاحنة قادمة من إيران وجهتها هولندا. 

وأكدت أن جهاز الأشعة السينية أظهر صورا مريبة في الشاحنة ما دفع عناصر الجمارك الأذربيجانية لإجراء تفتيش أدق عن طريق الاستعانة بالكلاب البوليسية​​​​​​​ على حمولة الشاحنة، حيث ضبطت على متنها 499.2 كيلوغراما من الهيروين. 

الأكاديمي السياسي، حسن مرجان، في تعليقه لـ”الحل نت”، أوضح أن العلاقة بين إيران والحدود الأذربيجانية تشبه علاقة القط والفأر بين المحاولات والمراوغات بين “الحرس الثوري” الذي يبحث في كل دول الجوار معه عن أي نافذة اقتصادية حتى ولو بشكل غير مشروع تمثل انتعاش مؤقت لاقتصاده المحاصر بالعقوبات الدولية، وبين قوات الحدود الأذربيجانية التي تحاول صد هجمات التهريب المتتالية على حدودها.

“الحرس الثوري” وتهريب المخدرات

شرطة أذربيجان أعلنت أنها ضبطت منذ بداية العام الجاري، أي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما يزيد على طنين من المخدرات والمؤثرات العقلية مصدرها إيران. 

تهريب المخدرات لأذربيجان من إيران يشكل جانب واحد من جوانب عديد
تهريب المخدرات لأذربيجان من إيران يشكل جانب واحد من جوانب عديدة.

وتم أخذ بعض هذه المخدرات من المناطق الحدودية المنضمة حديثا لأذربيجان خلال حرب خريف 2020 مع أرمينيا. وقبل سيطرتها على هذه المناطق، حذرت حكومة باكو مرات عديدة من “التهريب المنظم” للمخدرات من إيران باستخدام الأراضي الأذربيجانية. 

أيضا تمت الإشارة في تقارير المؤسسات الأمنية الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، إلى دور “الحرس الثوري” في تهريب المخدرات من هذه الأراضي. وقال عضو سابق في “حزب الله” قام بتصدير أسلحة ومخدرات إلى دول مختلفة وطلب عدم الكشف عن هويته أن “حزب الله يعتمد بشكل كبير على مبيعات المخدرات بعد نقص التمويل بسبب العقوبات الأميركية ضد عدد من أعضاء “الحزب” والعقوبات ضد النظام الإيراني.

الباحث في العلاقات الدولية، عمار حسن القطب، أكد في حديثه لـ”الحل نت”، أن تهريب المخدرات لأذربيجان من إيران يشكل جانب واحد من جوانب عديدة يغلب عليها التوتر والضغط المستمر بين البلدان، فإيران تدعم أرمينيا عدو أذربيجان. 

بل والأخيرة على علاقات قوية بإسرائيل العدو اللدود لإيران، وهنا تسعى إيران إلى إغراق أذربيجان بالمخدرات في إشارة منها أنها تستطيع الاختراق والدخول إلى مجالها، ومن جانبها تصدأ أذربيجان في رسالة لإيران أن أوراقها جميعاً مكشوفة لديها.

في أيلول/سبتمبر 2021، اتهم الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، إيران وأرمينيا بـ”التواطؤ في تهريب المخدرات” من أراضي أذربيجان على مدى العقود الثلاثة الماضية. ويسلط هذا الاتهام الضوء على الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة المحيطة بتجارة المخدرات في المنطقة، التي لا تشمل الشبكات الإجرامية فحسب، بل تشمل أيضًا التورط المزعوم للجهات الحكومية. 

وكان الرئيس الأذربيجاني قد قال في خطاب ألقاه في قمة رسمية متعددة الأطراف حضرها ممثل أرمينيا، إن إيران وأرمينيا تتعاونان في إرسال المخدرات إلى أوروبا عبر الأراضي الأذربيجانية المحتلة على مدار الثلاثين عامًا الماضية. وبعد تحرير هذه المناطق من قبل أذربيجان، كثفت إيران تهريب المخدرات من مناطق حدودية أخرى لأذربيجان.

وخلال هذه الفترة تضاعفت كمية الهيروين المكتشفة والتي يتم إرسالها من إيران إلى أوروبا. وقال علييف إنه بالإضافة إلى مناقشة تجارة المخدرات، يتم تدريب الجماعات الإرهابية في المنطقة، وهناك “أدلة كافية” في هذا الصدد. 

يذكر أنه خلال الحرب التي استمرت 44 يومًا بين أذربيجان وأرمينيا في الخريف الماضي، سيطرت فيها باكو على 130 كيلومترًا من الحدود المشتركة مع إيران. وتم إيقاف تهريب المخدرات من هذه المناطق، خاصة منطقة جبريل. 

وزارة الخارجية الإيرانية، فيما سبق، وصفت هذه المزاعم بأنها “ملفقة ومثيرة للدهشة” و”لمصلحة إسرائيل”. وفي الأسابيع الأخيرة، اتهمت طهران باكو بـ”عرقلة تصدير البضائع إلى أرمينيا، ومحاولة تغيير الحدود الأرمينية الإيرانية، وإيصال إسرائيل إلى الحدود الإيرانية، وتوطين الجماعات التكفيرية الإرهابية في المناطق المحررة من ناغورني كاراباخ الجبلية، وأجرت مناورة عسكرية بالقرب من حدود أذربيجان”. 

وتُسلط تصريحات السلطات الأذربيجانية فيما يتعلق بالمخدرات الضوء على التحديات الإقليمية الأوسع في مكافحة تهريب المخدرات. وتأتي هذه الجهود على خلفية توتر العلاقات بين أذربيجان والنظام الإيراني، حيث يحرص النظام على استخدام أراضي أذربيجان في عمليات تهريب تهدد أمنها القومي وصحتها العامة. وبالتالي، فإن قضية تهريب المخدرات تظل مصدر قلق كبير لأذربيجان، مما يعكس التحديات الأمنية والدبلوماسية الأوسع في علاقاتها مع جارتها إيران.

تواطئ مع طهران

في عام 2022 أُلقي القبض على سبعة من حرس الحدود الأذربيجانيين ووجهت إليهم اتهامات بتهريب المخدرات، وجلب مخدرات بقيمة مئات الآلاف من الدولارات عبر الحدود من إيران. 

كيلوجراماً واحداً من الماريجوانا بالجملة يساوي ما لا يقل عن 5000 مانات (2900 دولار) في أذربيجان.

وتم اكتشاف المخدرات، بما في ذلك 88 كيلوغراماً من الماريجوانا و ثمانية كيلوغرامات من الهيروين، بالقرب من الحدود في قرية مهديلي في منطقة جبرائيل الأذربيجانية، وأثناء التحقيق، تم اكتشاف أربعة رجال يحاولون أخذ المخدرات من مخبأهم، وتم اعتقالهم. 

تم التحقيق في هوية الأشخاص المحتجزين، وتبيّن أنهم عسكريون من دائرة حدود الدولة، الذين كانوا يقومون بمهمة إزالة الألغام في المناطق الحدودية، حسبما أفادت دائرة الحدود في بيان صحفي بتاريخ 22 تموز/يوليو، أعلنت فيه أربعة اعتقالات أولية. 

وبعد أيام من التحقيق أعلن مكتب المدعي العام أن المحكمة وجهت الاتهام إلى سبعة من أفراد الحدود “تآمروا لتهريب وبيع كمية كبيرة من المخدرات والمؤثرات العقلية والمواد القوية من إيران”. 

وتسيطر القوات الأرمينية على منفذ جبرائيل منذ الحرب بين الجانبين في التسعينيات. وخلال هذه الفترة اتهمت أذربيجان الأرمن بانتظام باستخدام هذه الأراضي كمركز لتهريب المخدرات. 

كما قام حرس الحدود والشرطة المحلية باعتقالات أخرى في جبرائيل متهمين الناس بتهريب أكثر من 120 كيلوغرامًا من المخدرات بما في ذلك الماريجوانا والهيروين. وتتعلق إحدى هذه الحالات بنفس المركز الحدودي الذي جرت فيه الاعتقالات الأخيرة.

ووفقاً لأحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عن أسعار المخدرات العالمية، فإن كيلوجراماً واحداً من الماريجوانا بالجملة يساوي ما لا يقل عن 5000 مانات (2900 دولار) في أذربيجان، مما يجعل قيمة الكمية الأخيرة أكثر من 250 ألف دولار.

تم اعتقال مجموعة من جنود حرس الحدود الحكومي، المسؤولين عن ضمان أمن حدود أذربيجان ومكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، في جبرائيل أثناء محاولتهم نقل كمية كبيرة من المخدرات من إيران.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات