في كانون الثاني/ ديسمبر الفائت، زار وفد من المسؤولين السودانيين إيران؛ في مهمة لشراء طائرات بدون طيار إيرانية الصنع، بالتزامن مع التقدم الميداني الكبير الذي أحرزته “قوات الدعم السريع” على الأرض.

وبحسب “إيران إنترناشيونال”؛ كان الهدف الأساسي للوفد السوداني، هو اكتساب المعرفة حول تشغيل واستخدام الطائرات بدون طيار، في ظل التطور الذي أدخلته المصانع الحربية الإيرانية على هذا النوع من الأسلحة، وظهر من قِبل “الحوثيين” ضدّ المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة؛ كما استخدمت روسيا المئات من طائرات “الكاميكازي” الإيرانية بدون طيار؛ لتدمير البنية التحتية والأهداف المدنية في أوكرانيا.

وتأتي هذه الخطوة في أعقاب رصد وزارة الدفاع الأميركية طائرة إيرانية بدون طيار، كانت تحلّق في الأجواء السودانية، وربما كانت هذه الطائرة ضمن صفقة أكبر لـ “الحرس الثوري” الإيراني؛ لبيع طائرات بدون طيار إلى السودان.

صفقة سرّية مع إيران

بحسب مصدر أمني سوداني مطلع، فإنّ الفريق، الطاهر محمد العوض، قائد القوات الجوية السودانية، أرسل وفداً خاصاً إلى طهران، بتوجيهات مباشرة من شمس الدين كباشي نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، ونجح الوفد الذي ترأسه القائم بأعمال وزير الخارجية السوداني، علي صادق، في إبرام صفقة تتضمن مسيّرات إيرانية من طراز “أبابيل 3″، وهي طائرة بدون طيار صغيرة وخفيفة الوزن، قادرة على حمل رأس حربي يبلغ وزنه 45 كيلوغراماً. بالإضافة إلى طائرات بدون طيار من طراز “مهاجر”، بما في ذلك “مهاجر 2، ومهاجر 4، وأحدثها مهاجر 6”. 

وأكد المصدر في تصريحاته لـ”الحل نت”، أن السودان تعهّد بدفع قيمة الصفقة على دفعات طويلة الأجل، مع منح إيران امتيازات الدولة الأولى بإعادة الإعمار، فور انتهاء الحرب.

وبحسب المصدر، فإنّ مصنع اليرموك في وسط الخرطوم، وكذا مجمع الصافات للصناعات الحربية، هما جهة تركيب وتصنيع قطع غيار المسيّرات الإيرانية الواردة إلى السودان، ما دفع “قوات الدعم السريع” إلى مهاجمة المصنع وفرض سيطرتها عليه.

المسيّرات الإيرانية تقلب الموازين

نجحت المسيّرات الإيرانية في التأثير بشكل كبير على ديناميكيات الأعمال القتالية وفككت الخطوط الدفاعية لقوات حميدتي، على محاور القتال المختلفة، في الصراع الدائر بين القوات الحكومية وعناصر “الدعم السريع”.

وتؤكد التقارير الميدانية الأخيرة، أن الجيش السوداني استخدم الطائرات بدون طيار إيرانية الصنع، بشكل مكثّف، في معركة في أم درمان، ما مكّنه من انتزاع مناطق واسعة من قبضة “قوات الدعم السريع”، وقد أسهمت تلك الطائرات بقوة في معركة جسر ود البشير، في 27 آذار/ مارس الفائت.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)- “الشرق الأوسط”

مصادر ميدانية مطّلعة، أكدت لـ”الحل نت”، أن المسيّرات التابعة للجيش السوداني، تحلّق، حالياً، بشكل مكثف في منطقة حي العرب، بأم درمان، كما أنّها شوهدت وهي تقصف أهدافاً تابعة لـ “قوات الدعم السريع” في منطقة شارع الشوايات. 

وبحسب مصدر ميداني آخر، فإنّ قيادة “الفرقة 19 مشاة”، المتمركزة في مروى، اتخذت من مطار المدينة قاعدة لإطلاق المسيّرات، الأمر الذي دفع “قوات الدعم السريع” إلى استهداف مطار المدينة. 

وبحسب المصدر حسمت المسيّرات الإيرانية معركة الشبارقة، حيث تمكّنت من القضاء على قوة كاملة تابعة لميليشيا “الدعم السريع”؛ عبر تفكيك تماسكها الميداني، وتدمير تبّاتها المختلفة.

وبحسب مصدر عسكري موالي لحميدتي، فإنّ مسيّرات تابعة لقوات “الدعم السريع”، أجهزت هي الأخرى على قاعدة انطلاق الدرونز الإيرانية في مطار مروى؛ وأحدثت بها خسائر فادحة؛ كما قامت مسيّرات “الدعم السريع”، باستهداف رتل تابع لـ “الفرقة الثالثة مشاة” في شندي بولاية نهر النيل. لكنّ المصدر تحفّظ على ذكر المصدر الذي حصلت منه “قوات الدعم السريع” على المسيّرات التي استخدمتها في الهجوم، والتي ربما جاء جزء كبير منها من مصنع اليرموك، الذي سيطرت عليه “قوات الدعم السريع”.

الميليشيات “الإخوانية” تعمل تحت غطاء جوي

ولفت المصدر، في تصريحات خصّ بها “الحل نت”، إلى أن الميليشيات “الإخوانية” التي تعمل تحت غطاء المقاومة في منطقة العباسية، حصلت في معاركها الأخيرة على دعم جوي من المسيّرات الإيرانية، والتي قدمت دعمها كذلك لعناصر ميليشياوية أصولية متطرفة تتبع تنظيم “أنصار السنة المحمديّ، ما مكّنها من التقدم ميدانياً، في الخرطوم وبالأخص محلية كرري.

ولفت المصدر، بناء على معلومات حصل عليها من شهود عيان، إلى أن هذه الطائرات تنطلق بشكل رئيسي من شمال الخرطوم، حيث قاعدة وادي سيدنا التابعة للجيش. وبالقرب من معسكرات تدريب “قوات الظل”، ذات الصبغة “الإخوانية”.

ميليشيا “قوات الظل” الإخوانية، التي تتدرب في عدة معسكرات تحت إشراف ضباط الجيش، وبتوجيهات مباشرة من مكتب ياسر العطا، باتت تتمتع ميدانياً بغطاء جوي، منحها ميزة إضافية في حرب الشوارع، وفي فرض هيمنة لجان الجماعة على المناطق المأهولة بالسكان، حيث تستخدم المسيّرات كذلك في التقاط الصور وجمع المعلومات عن كافة التحركات الميدانية.

تغيير قواعد اللعبة

وبحسب تقارير ميدانية، يستخدم الجيش السوداني الطائرات بدون طيار على نطاق واسع، في عدد من المعارك، ونجحت تلك الطائرات في حسم عدة معارك بالقرب من العاصمة الخرطوم، وفي عمق الجغرافيا السودانية، الأمر الذي أدّى إلى وقف تقدم “قوات الدعم السريع” خاصّة في جنوب الخرطوم، حيث تمكّنت المسيّرات التابعة للجيش السوداني من قصف تجمعاتٍ لـ أرتال من المدرعات التابعة لـ “قوات الدعم السريع”.

إن تورّط إيران في السودان، هو جزءٌ من استراتيجيتها الأوسع، لمدّ وجودها في البحر الأحمر، مستفيدة من نجاحها في دعم وتعزيز “الحوثيين” في اليمن.

وتلعب الطائرات بدون طيار الإيرانية، دوراً بارزاً في تغيير قواعد اللعبة في الحرب الأهلية المشتعلة في السودان، حيث تستخدمها القوات المسلحة السودانية بشكل متزايد لرصد تحركات القوات المعادية وتدميرها، حسبما ذكرت وكالة “رويترز” للأنباء.

وبحسب “رويترز” أيضاً، نفى مصدر عسكري سوداني ما تردّد حول شراء السودان لمسيّرات إيرانية جديدة، وزعم أن “الجيش السوداني أعاد تجميع وإنتاج طائرات مسيّرة إيرانية؛ تمّ الحصول عليها ضمن برامج عسكرية مشتركة، قبل قطع العلاقات بين البلدين في العام 2016”. كما زعم أنّه على الرغم من استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران العام الماضي، إلا أن التعاون العسكري الرسمي بين الجانبين ما زال معلّقاً.

ولم يرد مسؤولون إيرانيون في القوات المسلحة ووزارة الخارجية، على طلب “رويترز” للتعليق على هذا الأمر. بينما قالت ستّة مصادر إيرانية ومسؤولون إقليميون ودبلوماسيون – طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية المعلومات – إن الجيش السوداني حصل بالفعل على طائرات بدون طيار إيرانية الصنع خلال الأشهر القليلة الماضية.

وهو ما أكده لـ”رويترز” مصدر كبير بالجيش السوداني، لافتاً إلى أنّه بعد مرور عام على الحرب الأهلية في السودان، ساعدت الطائرات المسلحة بدون طيار إيرانية الصنع على تحويل دفّة الصراع، ووقف تقدم “قوات الدعم السريع”، واستعادة مساحات واسعة من الأراضي حول العاصمة الخرطوم.

مسلحون من أنصار المقاومة الشعبية الداعمة للجيش السوداني في القضارف بشرق السودان-“أ.ف.ب”

وبحسب موقع (GZERO) المتخصص في الاستراتيجيات السياسية، فإنّ سجلات تتبع الرحلات الجوية الدولية، فيما بين شهري كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير الفائتين، تُظهر أن شركة شحن جوي إيرانية، كانت تقوم برحلات متكررة بين إيران وقاعدة عسكرية مهمة للجيش السوداني.

ويضيف الموقع نقلاً عن جريجوري برو، خبير الشؤون الإيرانية في مجموعة أوراسيا: أن تورّط إيران في السودان، هو جزءٌ من استراتيجيتها الأوسع، لمدّ وجودها في البحر الأحمر، مستفيدة من نجاحها في دعم وتعزيز “الحوثيين” في اليمن. وهو ما ينسجم مع استراتيجية طهران الأشمل؛ المتمثلة في استغلال الصراعات لصالحها حيث “ترى إيران أن الحكومة السودانية حليف محتمل، يمكنها الهيمنة عليها من خلال صفقات الأسلحة ومبيعات الطائرات بدون طيار”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات