بغية التّوصل إلى اتفاقٍ لوقف الحرب السودانية التي دمرت أجزاءً واسعة من البلاد وعمّقت من أزماتها وعدم جر البلاد إلى تهلكةٍ قد لا يتحمل عوائقها ونتائجها أحد، وقّعت “قوات الدعم السريع” و”تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)” في السودان، الثلاثاء الفائت، “إعلان أديس أبابا” للعمل على وقف الحرب في السودان.

يؤكد اتفاق تنسيق “تقدم” برئاسة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، و”قوات الدعم السريع” برئاسة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، الذي وقّعاه بعد اجتماعهما في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أن “قوات الدعم السريع” مستعدة لوقف الأعمال العِدائية فوراً وغير مشروط من خلال المفاوضات المباشرة مع الجيش السوداني.

وبموجب البيان المشترك، فإن “قوات الدعم السريع” تعهّدت بفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى إطلاق سراح (451) أسيراً من الجيش السوداني كبادرة حسن نيّة. إضافة إلى تأكيد “التقدم” و”قوات الدعم السريع” على ضرورة تهيئة الأجواء لعودة النازحين إلى العاصمة الخرطوم ومدن ولاية الجزيرة ودارفور وكردفان، فضلاً عن تشكيل قوات لجنة وطنية لحماية المدنيين يقودها المعارضون للحرب.

كما سيقدم تنسيقية “تقدم” التفاهمات المتفق عليها مع “قوات الدعم السريع” للجيش السوداني لتكون أساساً للتوصل إلى حلّ سلمي ينهي الحرب. كما أكد طرفا الإعلان على أن السلام المستدام في السودان يجب أن يرتكز على إنهاء تعدد الجيوش بشكل نهائي وتشكيل جيش واحد محترف يمثّل الجميع وفق معيار التعداد السكاني.

“إعلان أديس أبابا” وحرب السودان

وأكد “إعلان أديس أبابا” على “القيادة المدنية للعملية السياسية مع الالتزام بمشاركة لا تستثني إلا (المؤتمر الوطني) و(الحركة الإسلامية)”. وتقول تنسيقية “تقدم”، إنها تلقت موافقة مبدئية من قيادات الجيش للقاء مماثل، والتوقيع على الإعلان السياسي من جانب الجيش، كخطوة نحو وقف الحرب في البلاد.

قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو في أديس أبابا- “إنترنت”

لكن، هذا الإعلان الموقّع بين تنسيقية “تقدم” وقوات “الدعم السريع”، أحدث جدلاً سياسياً وتصعيداً للمعارك العسكرية الدائرة في الخرطوم وولايات السودان الأخرى، حيث أظهرت قوى مدنية سياسية ترحيبها المبدئي بالاتفاق، بينما توعّدت “الحركة الإسلامية” (الإخوان المسلمون بالسودان) أطرافه، وتعهدت بـ”مواصلة المقاومة الشعبية المسلحة ضد (ميليشيا الدعم السريع)”، وحثّت الجيش على رفضه.

وقال عضو اللجنة المركزية والمتحدث باسم “الحزب الشيوعي السوداني”، إن حزبه يرحّب من حيث المبدأ بأي جهود ومحاولات لوقف الحرب والعمل على إنهائها، ورفع وتخفيف معاناة الشعب، بحسب تقارير صحفية.

لكن في المقابل، رفضت “الحركة الإسلامية” الإخوانية بالسودان، الإعلان جملة وتفصيلاً، ووصفته بأنه “ممهور بدم الشعب السوداني البريء”، معتبرة أن هذا الإعلام بمثابة “عارٍ لمن وصفتهم بالخونة والمرتزقة، وأنه لا يريد سلاماً ولا يطلب مخرجاً لأزمة السودان”، في بيان نقله موقع “إلترا سودان”.

كما كررت “الحركة الإسلامية” اتهاماتها لـ”تقدم” بأنها مؤيدة لـ”الميليشيا” التي بدأت الحرب (أي قوات الدعم السريع). وأضافت: “إنهم يحاولون جاهدين إضفاء الشرعية على انفصال البلاد، من أجل العودة إلى السلطة، حتى يتمكن حمدوك ومجموعته من العملاء من الجلوس على مقاعد السلطة المتهالكة، مستريحين على جماجم الأبرياء، ممن اغتالتهم يد الغدر واستباحت دماءهم قوات آل دقلو”، متوعدة بالوقوف مع الجيش السوداني، قائلة “موقع الشرفاء في خندق المقاومة الشعبية المسلحة التي نبارك انطلاقتها، ونقف في صفّها كتفاً بكتف مع كل أبناء السودان لأجل استئصال هذا السرطان المنتشر بأورام الميليشيا وبقايا (قوى الحرية والتغيير)”.

من جانبهم، اعتبر مراقبون أن رفض “الحركة الإسلامية” الإخوانية لـ”إعلان أديس أبابا” ينبع من محاولتها عرقلة أي جهود أو مساعٍ إنهاء الحرب المستعرة في السودان، خصوصاً بعد أن نجحت الجماعة الإخوانية في زج الكثير من القبائل في رحم الحرب، وبالتالي يعتبر هذا الاتفاق ما بين “تقدم” و”الدعم السريع” بمثابة صفعة وإن كانت محدودة، في وجه أجندات وأهداف الإخوان الذين يحاولون الوصول إلى سدة الحكم بأي طريقة كانت.

وما يدعم هذا السياق، هو أنه منذ اندلاع الصراع في السودان في 15 نيسان/ أبريل الفائت، تبنت “قوات الدعم السريع” لهجة مناهضة للإسلاميين بشدة، واتهمت الجماعة الإخوانية باختراق القوات المسلحة السودانية، وأكد يوسف عزت، المستشار السياسي لقوات “الدعم السريع”، في أكثر من مناسبة، وجود ميليشيات إخوانية مسلحة، قائلاً: “نحن نقاتل الإسلاميين، وليس القوات المسلحة السودانية. وأضاف: “لقد اختطف الإسلاميون القوات المسلحة السودانية، ويريدون السيطرة على البلاد. وهذا هو السبب الجذري للحرب، لقد وعد الإسلاميون البرهان بأن يكون رئيساً لكامل السلطة، دون قوات الدعم السريع”.

تأجيج “الإخوان” للصراع

بحسب تقارير ميدانية مطّلعة، فإنه منذ بداية الصراع ما بين “قوات الدعم السريع” و”الجيش السوداني” بقيادة عبد الفتاح البرهان، انخرطت الجماعة الإخوانية ضمن جميع القوات الموازية والميليشيات المساعدة المرتبطة بالجيش السوداني، بالإضافة إلى اللجان الشعبية في أحياء الخرطوم، بجانب زرع خلايا التجسس بغية مراقبة تحركات العناصر الشعبية الموالية لـ “الدعم السريع”.

المعركة ضد “قوات الدعم السريع” بالنسبة لـ “الإخوان” هي فرصتهم الأخيرة لاستعادة نفوذهم، والدخول في صفقة مع الجيش السوداني، وتالياً تحقيق نفوذ سياسية بالحكم.

ويرى محللون سياسيون أن “الإخوان” قلقون من أيّ تقارب بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” والقوى والأحزاب السياسية السودانية، لأنه قد ينهي الحرب التي أشعلتها من أجل العودة إلى السلطة من جديد، خصوصاً وأن الحرب المشتعلة حالياً حفّز “الجماعة الإخوانية” من فكرة أن عودتهم إلى المشهد السياسي باتت مسألة وقت.

ولذلك، فإن المعركة ضد “قوات الدعم السريع” بالنسبة لـ “الإخوان” هي فرصتهم الأخيرة لاستعادة نفوذهم، والدخول في صفقة مع الجيش السوداني، من خلال توجيه قراراته السياسية في فترة ما بعد الحرب، بعد أن قدّمت خلايا المجاهدين المسلحة، التي تضم مختلف طوائف التيار الإسلامي، نفسها كقوة ضاربة خفية للجيش، بقيادة “الإخوان” كأداة فعّالة في المعارك.

ويأتي “إعلان أديس أبابا” مع دعوة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طرفي الصراع السوداني إلى إنهاء هذه الحرب فوراً وإعادة الحكم إلى المدنيينَ، مؤكداً وقوف واشنطن إلى جانب الشعب السوداني وستعمل على إنهاء الحرب، حتى يتمكنوا من البدء في تحقيق السلام والاستقرار، مؤكداً أن الصراع في السودان أدى إلى ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي، وانعدام الأمن الغذائي الخطير، والنزوح الكبير للشعب السوداني، فضلاً عن انهيار النظام الصحي. كما عمّقت الانقسامات في السودان على أسس عرقية وقَبلية وإقليمية خطيرة، طبقا للوزير الأميركي.

ضرورة قبول البرهان

حول “إعلان أديس أبابا”، فقد قالت الخبيرة المصرية في الشؤون السودانية، الدكتورة أماني الطويل، إن “قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لم يعُد أمامه خيار إلا الانخراط في مبادرة تقدم”. ووجهت حديثها الذي جاء في منشور عبر صفحتها على منصة “فيسبوك” إلى البرهان: “أن تخسر جزئياً خير من أن تخسر كلّياً”.

دعوات تسليح المدنيين تتصاعد مع اتساع نطاق الحرب في السودان- “يورو نيوز”

وعزت الطويل خسارة الجيش السوداني للمواقع التي كانت تحت سيطرته إلى “رهان قيادته على الإخوان”. ورأت أن أساليب الاستنفار التي تعمل عليها “الحركة الإسلامية” لن تحدث فرقاً في الموازين العسكرية، محذّرة من “حرب أهلية واسعة حال إصرار البرهان عليها (الاعتماد على جبهة الإخوان)”، مخاطبة البرهان بالقول: “سوف تتحمل وحدك المسؤولية الأخلاقية والسياسية بمفردك عن حرب أهلية واسعة في السودان”.

لكن في المقابل، انتقد أستاذ العلوم السياسية بشير بابكر، تضمن اتفاق “تقدم” مع “قوات الدعم السريع” لقضايا ورؤى سياسية، قائلاً إنه “ما كان يجب المزج بين إنهاء الحرب والعملية السياسية في هذه المرحلة، إذ إن الحوار السياسي يُعد ضمن قضايا ما بعد إنهاء الحرب ووقف القتال”.

كما أشار بابكر، بحسب “إندبندنت عربية”، إلى أن “النكهة السياسية للاتفاق جعلته أقرب إلى وثيقة تحالف عسكري مدني منه إلى اتفاق وقف الأعمال العدائية وإنهاء الحرب ومعالجة القضايا الإنسانية”، معتبراً أن القفز على المراحل باستدعاء شكل الحُكم والتحول الديمقراطي أمرٌ يضر بالحوار الشامل المنتظر بمشاركة جميع الأطراف في مرحلة ما بعد الحرب.

ويأتي كل ذلك وسط استمرار المعارك والمواجهات بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” في الخرطوم، وتسبب القصف المدفعي المتبادل بين طرفي النزاع، بعدة انفجارات في العاصمة السودانية، في ظل انعدام أي بارقة أمل لإنهاء الحرب السودانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات