مع ظهور تنظيم “داعش”، ظهرت أمام العالم العديد من العقبات والأزمات، لأنه يعتبر تهديداً عالمياً، إذ يطالب هذا التنظيم الإرهابي العالم بالخضوع لأوامره ورؤيته، الذي يعطيه طابعاً إلهياً، ويرى فيما يفعله في غالبية الأحيان نيابة إلهية أي يفعله نيابة عن الله أو بموجب أمر إلهي، والعالم اليوم يعرف خطورة مثل هذا الفكر والأيديولوجيا، لما في ذلك من خطورة وتهديد لجميع دول العالم وليس لدولة أو منطقة معينة.

تمثّل الديكتاتورية باسم الإله نوعاً مختلفاً من الديكتاتورية حيث يكون مشرعناً من قبل كيانٍ أعلى منفصل عن الكيان الإنساني، وغير قابل للمساءلة، وهذا ما قدّم به نفسه تنظيم “داعش” للعالم، فجاء خطابه يلوم العالم على كفره وطغيانه ويحاسبه على هذا ويطالبه بالإذعان لأوامره إمّا طواعية أو بالسلاح.

أدوات “داعش” الإعلامية

ما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي من ثورات وتغيير، وطرحها إمكانية الوصول للجميع دون قيود كما المؤسسات الإعلامية التقليدية جعلها ثروة كبيرة في أيدي كل من يطرح فكر ما أو يتبنى قضية ما.

وبالنظر إلى تنظيم “داعش” نجد أنه يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد أعضاءه الجدد في الجماعات الإرهابية، فقد كان الظهور الأول للجهاز الإعلامي لتنظيم “داعش” بصورة واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2012، وكان أداة جيدة للتعبير عن قوته؛ فمكّنته التكنولوجيا من الوصول إلى قاعدة عريضة من الناس، وكذلك من إعادة صياغة نفسه وطرح نفسه كما يرغب بشكل واضح لفئات متعددة حول العالم.

الواقع أن تنظيم “داعش” نجح في خطابه الإعلامي وصنع صورة عنه بوصفه “دولة الخلافة” داخل أذهان العديدين- “أ ف ب”

ويقدم تنظيم “داعش” نفسه كقوة قاهرة من دون أيّ خوفٍ من خلال مواقعه الإلكترونية وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويهتم ببناء هذه الصورة وذلك من خلال عرض عمليات قطع الرؤوس أثناء حدوثها، كما يقرّ التنظيم علنا بمواقفه وأنشطته المختلفة، وذلك من خلال ما يشاركه وينشره على الإنترنت بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي، التي تسلّط الضوء على نيّة التنظيم بترهيب جميع أعدائه وهي استراتيجية تهدف إلى هزيمة الخصوم من دون إطلاق رصاصة واحدة.

وحسب دراسة منشورة بـ “المركز الديمقراطي العربي” ببرلين أعدتها الباحثة، نورا بندارى عبد الحميد فايد، تقرّ “بأن 80 بالمئة من عمليات التجنيد الآن تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بينما 20 بالمئة فقط يتم داخل السجون أو المساجد” وهو ما يعكس إدراك تنظيم “داعش” لأهمية الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها والاشتغال عليها.

والواقع أن تنظيم “داعش” نجح في خطابه الإعلامي وصنع صورة عنه بوصفه “دولة الخلافة” داخل أذهان العديدين، ومكّنه هذا من دعوة العديد من الأفراد من البلدان العربية والغربية كذلك، وبثّه لفيديوهات القتل، الأمر الذي زرع الخوف في النفوس قد يكون مبالغ فيه لدى العديد من الأفراد والدول كذلك.

“داعش” وتجنيد الألمانيات

حسب تقارير إعلامية ألمانية أُصدرت في ربيع 2015 فإن تجنيد الفتيات الألمانيات في “داعش” جاء ممنهجاً، وأفادت التقارير ببحث مؤيدو “داعش” بشكلٍ ممنهج في شبكات التواصل الاجتماعي، والعمل على استدراج الفتيات اللاتي في سنّ المراهقة، وغالباً ما يتزوجن من عناصر التنظيم وهن دون السن القانوني، ويجبرن على إنجاب مقاتلين جدد.

وتفيد قناة “دويتشه فيله” (DW) الإعلامية في وثائقي تقدّمه تحت عنوان “داعش- ألمانية في دولة الإرهاب” أن هناك العديد من الألمانيات سافرن إلى سوريا وانضممن لـ”داعش”، ولكن سرعان ما انتبهن إلى خطورة الأمر، ووحشية التنظيم والأفراد الذين سافرن من أجلهم.

وحسب الوثائقي، فإن هناك حالة لفتاة ألمانية سافرت وتزوجت بأحد المقاتلين وهي في سنّ الخامسة عشر، وكانت الزوجة الثالثة له، وبعد شهرين طلبت من أبيها الترتيب لهروبها من مدينة الرقة، وبعد عدة محاولات فشلت عملية هروبها، وانتهى الأمر بموتها إثر غارة جوية.

ووفقاً لتقارير وإحصاءات عدة لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة، بل هناك الكثير. وهذا ما أفاد به الباحث بـ”مركز اللاهوت الإسلامي” في توبنغن عبد الغفار سالم لـ”الحل نت”، أن العائدين من تنظيم “داعش” بنسبة كبيرة بعضهم نادمون على هذه الفترة، وبعضهم خاب أمله وفاق من الوهم الذي عاشه، فهناك فتيات ذهبن خلف من يحبونه و بسجنه أو بموته انتبهت إلى أنها تعيش بمخيمات، وربما هي وطفلها الذي ولد أو لم يولد بعد؛ ومن ثم انتبهت إلى الفاجعة التي نالت بها وأفاقت لنفسها. وهناك من لديه صعوبة للعودة إلى ألمانيا لأنه لا زال في سوريا ولا يستطيع العودة.

بقدر ما كانت هناك مساع لألمانيا لعودة المحتجزين في معسكرات “داعش” فإن تحدياتها تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً.

وأطلقت ألمانيا على الحالات المفقودة والعاجزة عن الهروب من هذه المعسكرات اسم “أُسر ألمانيا في معسكرات الاعتقال”، وواصلت وزارة الخارجية الألمانية جهودها لعودة النساء والأطفال المحتجزين في هذه المعسكرات، وخرج ذلك من حملهم لجنسية الدولة الألمانية وواجب الدولة نحوهم كمواطنين ألمان في نهاية الأمر.

وفي الوقت الذي كانت ألمانيا تعمل فيه على عودة المحتجزين في هذه المعسكرات، كان عليها أن تعمل على التحقيق مع العائدين كي تضمن استقرار وسلامة المجتمع الألماني، فلا يمكن الجزم بسلامة نيّتهم أو عدم ارتكابهم جرائم حرب أو عنف وإرهاب، وكانت هذه المعادلة الصعبة التي عملت أوروبا بأكملها على تحقيقها.

تحديات ألمانيا أمام عودة عوائل “داعش”

بقدر ما كانت هناك مساع لألمانيا لعودة المحتجزين في معسكرات “داعش” فإن تحدياتها تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً، خاصة بعد القضاء على تنظيم “داعش” ووجود العديد من النساء والأطفال والعائلات الراغبين في العودة لأوطانهم، ولا يمكن الجزم بعدم اشتراكهم في أي جرائم عنف وإرهاب.

فهناك أكثر من جانب للموضوع، فهناك أشخاص يرغبون في العودة لألمانيا، والدولة الألمانية لا ترفض عودتهم، طالما أنهم يحملون الجنسية الألمانية، لأنهم بموجب القانون الألماني هم مواطنون ألمان ولا يمكن رفض عودتهم لألمانيا.

فعلى الرغم من الإصدار الفعلي لقانونٍ من البرلمان الألماني بسحب الجنسية الألمانية من الألمان الذين انتموا لـ”داعش” عام 2019، في حالة حملهم جنسيات أخرى، ولكنه لا يطبق على هؤلاء الأشخاص لأنهم سافروا قبل إصدار هذا القانون، والقانون لا يطبّق بأثر رجعي. فألمانيا بموجب القانون لم تكن قادرة على رفض عودتهم.

ووجود بقايا تنظيم “داعش” وعائلاته كان عبئاً وتحدّياً كبيرين أمام الدول، وهذا ما جعل كل دولة ترحّل غير المنتمين لها، وكان المعظم الذي استقبلته ألمانيا حسب ما أفاد عبد الغفار سالم لموقع “الحل نت”، حيث تم ترحيلهم من دولٍ أخرى، فتركيا على سبيل المثال رحّلت في الفترة ما بين 2019 و2020، قرابة 100 شخص ممن كانوا ينتمون إلى “تنظيم الخلافة”، وكان معظمهم من الشباب والسيدات.

وأردف سالم، أنه قد تم التعامل معهم بموجب القانون الألماني، حيث من أُثبت في حقّه الإدانة بموجب دعاوى رفعت سواء من الدولة الألمانية أو من الأفراد، بأن هؤلاء الأشخاص قاموا ببعض الجرائم الإرهابية، واستطاع القضاء إقامة الأدلة وإثبات ارتكابه لبعض الجرائم، يتم معاقبتهم بالحبس حسب ما ينصّ القانون، وهناك الكثير منهم تُنفذ عليهم عقوبة السجن الآن في سجون ألمانيا.

وبعض الناس لم يثبت في حقّهم ارتكاب جرائم حرب بموجب الأدلة، ولكنهم سافروا إلى هذه المنطقة وتزوجوا، ولم يرتكبوا بشكلٍ واضحٍ وصريح أيّ جرائم، ولا توجد دعاوى ضدهم أو أدلة ضدهم فلا يتم معاقبتهم، وهناك البعض مما يعيشون في الخفاء، ومنهم من تعلم الدولة الألمانية بانتماءاتهم ونشاطاتهم وتضعهم تحت المراقبة خوفاً من التخطيط لعمليات إرهابية في ألمانيا، أو إقامة أي نشاط غير مشروع، هذا ما اختتم به سالم حديثة.

بقدر ما كانت هناك مساع لألمانيا لعودة المحتجزين في معسكرات “داعش” فإن تحدياتها تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً- “إنترنت”

والواقع أن للصورة جوانب عدة، والفيصل أن تكون الدولة الألمانية على معرفة بهؤلاء الأشخاص، ولديها أدلة ضدهم، وهذه هي المعضلة التي تواجهها الدول الأوروبية؛ عدم معاقبة أي شخص دون دليل إدانة، وطالما لا يوجد دليل إدانة فلا يمكن معاقبة أي شخص، حتى لو سافر، لأن السفر في حدّ ذاته ليس جريمة، والعثور على مثل هذه الأدلة أمر صعب للغاية.

على ذلك تأخذ أوروبا لا سيما ألمانيا حذرها في حدود القانون، وتعمل على إجهاض أي محاولات عنيفة، وتتعامل مع الخطابات العنيفة وغير المسالمة بحساسية شديدة وحزم، ولكنها في الوقت عينه لا تتجاوز القانون، ولا تملك سحب الجنسية أو رفض عودة عوائل “داعش” الحاملين الجنسية الألمانية، لأنهم مواطنين ألمان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة