ما تزال قضية مخيم “الهول” في ريف الحسكة بشمال شرقي سوريا، والذي يتواجد فيه بحسب إحصائيات أممية، قرابة 43 ألفاً من أفراد عائلة مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي، يمثل معضلة غير عادية، وتكاد تكون أزمة تفاقمها صعوبات عديدة. ومن بين تلك الصعوبات التي تقع تحت وطأة “الإدارة الذاتية” التي يقع المخيم ضمن مناطق سيطرتها، عملية استعادة عوائل وأفراد “داعش” بالمخيم، وهم من جنسيات عربية وأوروبية من حوالي 45 دولة. 

والقضية لا تقف عند حدود عودة هؤلاء إلى بلدانهم إنما إعادة تعيينهم بالمجتمع ودمجهم كأشخاص طبيعيين بعد محاكمتهم وفرز كل شخص بمعزل عن الآخر، والكشف عن الضحية أو المجرم الذي انخرط ضمن تنظيم إرهابي ويمثل تهديداً للأمن القومي العالمي والإقليمي والمحلي، ناهيك عن الأشخاص الذين من الممكن تحريرهم أو تعديل سلوكهم الإرهابي.

“داعش” ومعضلة المخيم

فمع خسارة “داعش” “الخلافة” المزعومة في آخر معاقله بالباغوز عام 2019، تكررت نداءات “الإدارة الذاتية” بضرورة إيجاد حل لهذه القضية التي تشكّل تهديداً مباشرة لشمال وشرق سوريا. بينما تبدو مثل ألغام تهدد استقرار المنطقة. فالمخيم يقع بين المدنيين، وفي مساحات شاسعة صحراوية وعلى امتداد حدودي مع العراق، الأمر الذي يجعل عملية السيطرة الأمنية تواجه صعوبات ليست هيّنة، لا سيما مع فلول “داعش” وكمونهم لتنفيذ هجمات مباغتة على طريقة “ذئاب منفردة” بين الحين والآخر. 

سيدة تحمل طفلاً داخل مخيم الهول لعوائل “داعش”- “أ ف ب”

وهذه الذئاب لا تتورع عن تقديم الدعم وتشكيل حواضن للإرهاب، وتساعد في تهريب بعضهم من المخيم، أو نقل الأموال والسلاح لهم. كما أنها تتواصل مع عناصر “داعش” داخل المخيم خصوصاً ببعض الأقسام التي لا تخضع لسيطرة كاملة، وقد سبق لقوات ” الأمن الداخلي” (الأسايش) أن أعلنوا أنه بمجرد أن يحلّ المساء تنعدم فرص قوى الأمن عن دخول المخيم  أو فرض السيطرة النهائية والآمنة.

وبإطلالة سريعة على ما يتوفر من معلومات أخرى من مصادر حقوقية، محلية أو أجنبية، بخصوص المخيم، يتبدى لنا أهمية النداء المتكرر من “الإدارة الذاتية”، ووطأة المخاوف بشأن خروج الأمور عن السيطرة. فالمخيم كتلة بشرية مخيفة تحمل فكراً هو الأكثر شراسة وعنفاً وتوحّشاً بالتاريخ. وهناك أطفال داخل المخيم يقع الكثير منهم بين محاضن الفكر الإرهابي، ما يجعل سيرة العنف ممتدة من دون توقف. 

ومع غياب الإمكانيات المادية وندرة الموارد فضلاً عن الأزمات السياسية والاقتصادية والتهديدات التركية العسكرية ووجود عناصر إسلاموية برعاية تركيا في شمال غرب سوريا، فإن المخيم قابل للاشتعال والانفجار في أي لحظة. 

وقد سبق للمخيم أن شهد جرائم عنف، وتم توثيق أنه في بعض القطاعات والأقسام بداخله هناك “دويلة” داعشية صغيرة يتم تطبيق الأحكام الدينية المتشددة بداخلها وفقاً للفهم المغلوط للتنظيم الإرهابي. ومع مطلع العام 2022 بلغ عدد القتلى داخل المخيم لنحو 18 شخصاً، وقد لفت “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أن شهر أيار/ مايو من العام ذاته، وقع فيه ستّ جرائم عنف أفضت للموت، منها “مقتل امرأة عراقية”، وجدت قوات “الأسايش” رأسها مقطوعاً.

أعمال عنف داخل المخيم

ومع تطور الوضع لهذا الحد، قالت مديرة لجنة الإنقاذ الدولية تانيا إيفانز، إن مقتل فتاتين يسلّط “الضوء على الحاجة الماسة لإيجاد حلول طويلة الأمد للأطفال في مخيم الهول”. وعاودت المطلب ذاته الذي تلحّ عليه “الإدارة الذاتية” بخصوص ضرورة أن “يتعين إعادة دمج الأطفال السوريين بأمان في مجتمعاتهم المحلية، وإعادة الأطفال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية بطريقة آمنة وكريمة”. 

وفي تقرير/ بيان مماثل، أوضحت مدير العمليات في منظمة “أطباء بلا حدود” مارتن فلوكسترا، أن مخيم “الهول في الحقيقة هو سجن مفتوح، وغالبية قاطنيه من الأطفال، الكثير منهم ولدوا فيه، وحُرموا من طفولتهم، وحُكم عليهم أن يعيشوا حياة معرّضة للعنف والاستغلال، ومن دون تعليم، وفي ظل رعاية صحية محدودة”.

وكان “المرصد السوري”، قد لفت إلى نقطة مهمة حول الاستعانة بالأسلحة البيضاء إلى جانب الأسلحة النارية لتنفيذ عمليات القتل والذبح الداعشية داخل المخيم، الأمر الذي يلقي الضوء على احتمالية وجود موارد مالية ولوجيستية تصل إلى عناصر التنظيم من حواضنهم بالخارج لاستمرار واستئناف أعمال الرعب والإرهاب.

تشير الاغتيالات وأعمال العنف داخل المخيم إلى خطورة كبيرة، وأنه مكان ليس بالآمن والتعاطي معه يحتاج لجهود دولية لإنهاء مخاطر قد تطاول الأطراف كافة على المستوى المحلي والخارجي.

يتفق والمعلومات ذاتها، ما جاء في تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، قبل ثلاثة أعوام، ونقلت عن مسؤولين بمخيم “الهول”، أن ما يتجاوز 70 شخصاً قتلوا داخل المخيم في شمال شرقي سوريا منذ مطلع عام 2021.

وقد شدد التقرير بالصحيفة الأميركية إلى خطورة تفشّي وانتقال عدوى التشدد الديني وفكر “داعش” الإرهابي بين العناصر والقطاعات غير المنتمية لهذا الفكر، فضلاً عن الإيذاء والعنف الذي يلاحق كثيرينَ بالمنطقة من جرّاء الفهم المغلوط والمتشدّد للدين وكذا تصفية الحسابات و بغرض الانتقام أحياناً.

الافتراضات السابقة لها أهميتها وواقعيتها مع إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) نهاية العام الماضي، مقتل قيادي داعشي وصفته بأنه المسؤول عن مخيم “الهول”، وقد أشارت في بيان إلى أن وحداتها العسكرية والأمنية نجحت في تنفيذ مداهمة ليلية بدعم من التحالف الدولي للوصول إلى خيمة أبو عبيدة العراقي. 

وقالت: “بعد أن طلبت منه قوّاتنا الاستسلام، رفض وحاول أن يفجّر الحزام الناسف الذي يرتديه، إضافة إلى مبادرته بإطلاق النار على قواتنا ومقاومتها، فاضطرت قواتنا إلى التعامل معه بالمثل وإطلاق النار عليه وقتله”.

من ثم، تشير هذه المعلومات والمعطيات التي تكشف عن جهود “الإدارة الذاتية” والأعباء الثقيلة من جرّاء ملاحقتها الإرهابيين الدواعش داخل المخيم، وتصفية العناصر الخطيرة فيها، فضلاً عن ملاحقة المتورّطين في جرائم وهجمات بحق المدنيين أو عناصر “الأسايش”، إلى خطورة المخيم، وأنه مكان ليس بالآمن والتعاطي معه يحتاج لجهود دولية لإنهاء مخاطر قد تطاول الأطراف كافة على المستوى المحلي والخارجي. 

ما يتجاوز 70 شخصاً قتلوا داخل مخيم “الهول” في شمال شرقي سوريا منذ مطلع عام 2021- “أ ف ب”

وما يزال التنظيم الإرهابي يملك قيادة تنظيمية و يمتثل لأوامرها حتى داخل المخيم ويسعى لترويج ونشر الأفكار، وفق ما ذكر بيان “قسد” حول أبو عبيدة “أحد القيادات العليا” في تنظيم “داعش” داخل المخيم، واتهمته بأنه “متورط في مقتل العديد من النساء والرجال في المخيم”. بل يعد “المخطط الأول” لهجمات تم تنفيذها ضد حواجز أمنية وعسكرية كُردية.

السويد والخوف من الإرهاب

عاد الطرح من جديد إلى واجهة الأحداث، وبدا ملحاً، مع إعلان وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، قبل أيام قليلة، أن بلاده ترفض استعادة “الدواعش”، ونقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن الوزير السويدي قوله: “الحكومة لن تعمل من أجل جلب المواطنين السويديين والأشخاص الذين تربطهم علاقات بالسويد والموجودين في معسكرات أو مراكز احتجاز في شمال شرقي سوريا، إلى السويد”.

وقال بيلستروم: “السويد لا يترتب عليها واجب قانوني بالتحرّك لإحضار هؤلاء الأشخاص إلى السويد. وهذا ينطبق على النساء والأطفال والرجال”. وبحسب الوزير السويدي فقد سبق للدولة أن “عرضت عليهم (أي عناصر داعش السويديين) لسنوات فرصة مغادرة (مخيم الهول) والعودة إلى السويد، لكنهم رفضوا ذلك مراراً”.

بالتالي، يستبعد وزير الخارجية السويدي إمكانية تكرّر الفرصة في الوقت الراهن، واستقبال أي منهم، في ظل الوضع الأمني المتراجع و المأزوم في بلاده، حسبما ألمح، بل اعتبر أن وجودهم في السويد قد يمثّل خطورة أمنية يتعين تفادي وقوعها أو تفاقم صورتها. 

وذكر أنه “لا يمكننا أن نستبعد احتمال أن يشكّل المواطنون السويديون البالغون والأشخاص الذين تربطهم علاقات بالسويد وما زالوا في معسكرات أو مراكز احتجاز في شمال شرقي سوريا تهديداً لأمن السويد إذا ما عادوا”. وتابع: “مسؤولية الأطفال تقع على عاتق آبائهم الذين اختاروا السفر إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم (داعش) إحدى أكثر المنظمات الإرهابية وحشية في العالم”.

وبحسب مؤشر الإرهاب الصادر عن “المركز الأوروبي” لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات لعام 2022، فقد باتت السلفية “الجهادية” لديها نفوذ قوي في السويد منذ عام 2018 ولا تزال السلفية الجهادية في السويد لديها رؤية سلبية ومتشددة لتمدّن وتطوّر المجتمع. 

وسعت الجماعات المتطرفة خلال عام 2022 لاستغلال الأزمات والأحداث التي تمرّ بها السويد لبث معلومات مضللة وخطابات دعائية على شبكة الإنترنت وكذلك الموقع الإلكتروني “شؤون إسلامية”، الذي نشر نحو (20) تسجيل فيديو دعائي. وما زال جماعات الإسلام السياسي كتنظيم “الإخوان المسلمين” لديها علاقات بتنظيمات متطرفة، وتسعى إلى إنشاء ما يسمى بالمجتمع الموازي في السويد.

ويقدّر جهاز الاستخبارات السويدي (سابو)، وجود نحو ألفي “متطرف إسلامي” في عموم البلاد، ومن بينهم نحو 150 ممن عادوا من القتال، فيما قُتل العشرات في العمليات القتالية للتنظيم في سوريا والعراق حتى عام 2017. 

يحتاج ملف مخيم “الهول” إلى أن يكون حاضراً على طاولة النقاش السياسي والمجتمعي، محلياً وإقليمياً ودولياً.

وبحسب وكالة “رويترز” للأنباء، فإن تقييم مستوى الإرهاب بالسويد ما زال عند المؤشرات المرتفعة حتى العام الحالي بحسب ما أعلن جهاز الأمن، والذي يصنّفه عند المرتبة الرابعة على مقياس يصل مداه لنحو خمس درجات. وتابع: “الصورة المرسومة عن السويد كدولة معادية للإسلام ساهمت بقوة في زيادة التهديد الإرهابي”.

في المحصلة، يحتاج ملف مخيم “الهول” إلى أن يكون حاضراً على طاولة النقاش السياسي والمجتمعي، محلياً وإقليمياً ودولياً، بل ويكون داخل العيادة النفسية بمراكز مختصة بالتعديل السلوكي ومراقبة الممارسات المختلفة وتحديداً ما يرتبط بالعنف الديني ودوافعه العميقة التي قد لا تكون أساسها الدين إنما أعراض أخرى مجتمعية ومَرَضية وذهنية إلى جانب الدافع الديني المتشدد بطبيعة الحال، ولا نستثني العناصر الانتهازية التي تجعل الأفراد يلتحقون بجماعاتٍ للارتزاق.

وهذه المعضلة التي يُنظر لها من ناحية أمنية فقط، تتحول إلى عبء أمني يُلقى على طرف، كما هو الحال مع “الإدارة الذاتية” بما يؤدي إلى تفاقم أوضاع المنطقة سياسياً واقتصادياً ومن ثم إطالة أمد أزماتها بدلاً من مساعدتها في التقدّم وتطوير مشروعٍ يجعلها تتعافى مما راكمه البعث السوري مرة وإرهاب “داعش” مرة أخرى و”جرائم حرب” الجانب التركي مرات ومرات من دون توقف.

وهنا، سبق لتقرير “هيومن رايتس ووتش” أن ذكر على لسان ليتا تايلر، باحثة أولى في شؤون الإرهاب ومكافحته في “هيومن رايتس ووتش”: “النساء والأطفال الأجانب محبوسون إلى أجل غير مسمى في جحيم رملي في شمال شرق سوريا، بينما تشيح بلدانهم الأصلية بنظرها عنهم. ينبغي للحكومات أن تفعل ما في وسعها لحماية مواطنيها، وليس تركهم للمرض والموت في صحراء غريبة”.

مشهد من داخل مخيم “الهول” في شمال شرقي سوريا- “الصورة من الإنترنت”

ونقل التقرير الأممي، عن مسؤولين بـ “الإدارة الذاتية” قولهم، “إنهم لا يعتزمون محاكمة النساء والأطفال. وعند سؤالهم عن الوضع القانوني للنساء والأطفال، اكتفوا بالقول في تصريح مكتوب موجز إنه عندما غادرت النساء والأطفال المناطق الخاضعة لـداعش، نقلوا إلى الهول ليتم العمل على تسليمهم إلى دولهم كونهم من جنسيات مختلفة”. 

وقد طلبت “الإدارة” مراراً وتكراراً من البلدان الأصلية استعادة جميع مواطنيهم المحتجزين تحت رعايتها. حيث قال أحد مديري المخيم “لقد أُثقل كاهلنا”.

وتابع: “ينبغي أن تساعد الدول على الفور جهود مواطنيها المحتجزين في مخيم الهول للعودة إلى ديارهم إذا اختاروا القيام بذلك. وينبغي للإدارة الذاتية، وكذلك البلدان الأصلية، ضمان ممارسة الاحتجاز فقط وفقاً للقانون، على أساس فردي وبحماية الحقوق الأساسية للمحتجزين بموجب القانون الدولي، بما في ذلك المراجعة القضائية للاحتجاز”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة