إثر استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، جاء إعلان كتائب “حزب الله” العراقية أنها جهّزت أسلحة وقاذفات ضد الدروع وصواريخ تكتيكية لـ”مقاتلين في الأردن” تحت اسم “المقاومة الإسلامية في الأردن”. 

فيما أشار المسؤول الأمني لـ كتائب أبو علي العسكري، الاثنين الماضي، في منشور على قناته عبر تطبيق “تلغرام” إلى أن “المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدّتها لتجهيز المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات لنكون يداً واحدة للدفاع عن إخوتنا الفلسطينيين”.

وأعرب العسكري في منشوره عن حضور “المقاومة في العراق نحو الشروع في التجهيز”، متابعاً “ويكفي في ذلك التزكية من حركة حماس أو الجهاد الإسلامي لنبدأ أولاً بقطع الطريق البري الذي يصل إلى إسرائيل”.

وهنا يجدر السؤال: هل بات الأردن قاب قوسين أو أدنى من دائرة الشّر الإيراني؟ وما قصة “المقاومة الإسلامية في الأردن”؟

المؤامرة الإيرانية

نحو ذلك، طرح عديد الخبراء أكثر من رؤية حول قراءة مضمون البيان ومدى ضرورة الالتفات إليه والتدقيق في المعلومات الواردة بين سطوره وفقراته، خاصة في ما يتعلق بوجود ما سمّاه البيان “المقاومة الإسلامية في الأردن” واعتبار أن ذلك محض بيانات إعلامية للتشويش على تحركات أخرى تجريها جماعات إيران الوظيفية، خاصة في الممرات المائية والبحر الأحمر تحديداً من قبل “الحوثيين”. 

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (يسار) ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (أعلى) ينظران إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (وسط) يصافح شخصية أخرى (خليل مزرعاوي/وكالة الصحافة الفرنسية)

كما يهدف إلى تخفيف الضغط على “حزب الله” في لبنان، ورفع ثقل الضربات الإسرائيلية على هذا المحور. بيد أن ذلك كله لا يمنع من حتمية المضي قدمًا نحو سبر أغوار استهداف الأردن غير مرة، خلال الأيام الفائتة، وما إذا كان ثمة تحرّك خاص من جانب طهران ضد عمان بالتحديد.

بل وماهية النقاط التكتيكية التي ترغب في تحقيقها من خلال ذلك سيما كون المملكة تتمتع بجغرافيا حدودية مع العراق وسوريا والضفة الغربية وإسرائيل. فضلا عن عمليات تهريب المخدرات والأسلحة والتي تتعاون الأردن فيها مع سوريا والعراق من خلال الأجهزة الأمنية.

جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية، نقلت عن مصدر حكومي أردني، قوله إن بلاده “أفشلت في الآونة الأخيرة محاولات ومخططات متعددة من قبل تنظيمات مسلحة نشطة على الحدود مع العراق”.

في هذا السياق يعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي، عمر الرداد، أن البيان في حد ذاته بصدوره من خلال قائد رئيسي كـ أبو علي العسكري وهو أحد القادة الرئيسيين فيما يعرف بـ “حزب الله” العراقي صحيح في بنيته كبيان، لافتاً في حديثه لـ”الحل نت” إلى أن الإشكالية تكمن بما يتضمنه من معلومات وتوجيهات واستعدادات، وتظل الإشكالية قائمة رغم أن ذلك جاء داخل سياقات عامة في إطار الموالاة للقيادة الإيرانية واستهداف الأردن.

لكن ما تضمنه بخصوص الاستعداد وجملة “المقاومة الإسلامية بالأردن”، فمن المرجّح أنه غير دقيق. بيد أن تقديري، والحديث للخبير الأمني والاستراتيجي، يذهب كونه يقصد “المقاومة الإسلامية” أي تلك الفصائل التي تنتمي إلى ما يُعرف بتحالف “المقاومة” و”وحدة الساحات”، حيث إن “الأردن لا يعرف حضور وحدات مقاومة إسلامية بالمعنى الذي تريده إيران إلا إذا كان يقصد خلايا نائمة لحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي”.

ويضيف الخبير الأمني، الدكتور عمر الرداد، في سياق تصريحاته لـ “الحل نت”، أنه لا يمكن التعامي عن تلك الإشارات التي حملها البيان بل من الضروري التعاطي معه بكل الجدّية.

متغيرات نوعية

المعطى الثاني، وفقاً للخبير الأمني الأردني، في الحقيقة هو مهم ولافت، فهذا البيان صادر لمخاطبة قواعد “حزب الله” العراقي الشيعي داخل العراق وحول “المقاومة”. وقد ثُبت أن هذه القواعد اليوم مغيّبة حتى لا تعرف الحدود ولا تعرف الساحات بالجغرافيا ولا مواقع المدن.

الأردن قاب قوسين أو أدنى من دائرة الشر الإيراني ما قصة المقاومة الإسلامية في الأردن؟
آلاف الأشخاص يتجمعون في مسجد الكالوتي في منطقة الرابية في عمّان، الأردن، في 26 مارس/آذار 2024، للتضامن مع الفلسطينيين في غزة والمطالبة بإغلاق السفارة الإسرائيلية. (تصوير ليث الجنيدي/غيتي)

بل وتعتقد ببيان مثل هذا حصد المزيد من الشعبية من خلال الزعم بأن في ذلك ثمة اصطفاف إلى جانب فلسطين ضمن عناوين براقة لا ترتقي إلى عمل جدّي على الأرض. ويقول الرداد، إن الضغط على الأردن أصبح حقيقة واقعة اليوم عبر المسيرات التي يقودها “الإخوان المسلمون”.

فالمسيرات التي تجري بالأردن بمنطقة السفارة الإسرائيلية قسم كبير منها هي لأناس يعبرون عن رأيهم وتعاطفهم وهم من شتّى الأصول والمنابت من كافة المكوّنات الأردنية. لكن منذ أسبوع أو عشرة أيام تقريباً تم اختطاف هذا الحراك بمرجعيات عاطفية جياشة. 

الخبير الأمني والاستراتيجي، عمر الرداد

و المتغير النوعي يمكن ملاحظته من خلال العديد من المتغيرات التي يمكن تفسيرها خلال العشرة أيام الماضية الأولى أولًا على الصعيد الميداني داخل قطاع غزة إذ إنه واضح جداً ما تتعرض له اليوم حركة “حماس” من خسائر على المستوى العسكري وهي خسائر حادة وهذا لا يظهر بإعلام الممانعة العربي.

بينما الجانب الثاني، هو أن هناك طروحات كثيرة جداً اليوم وأفكار تطرح حول إدارة قطاع غزة ومن هي السلطة التي ستحكم وتوزع المساعدات وتتولى إعادة الإعمار.. واضح كذلك أن القاسم المشترك بين كل هذه الطروحات هو أنها تستثني حركة “حماس” ولا تعترف بوجودها.

هذه الإشكالية تضغط على حركة “حماس”؛ وبالتالي تحرّك كافة قواعدها وارتباطاتها سواء بتنظيم “الإخوان” أو ميلشيات إيران نحو بعض الدول العربية مثل الأردن من خلال تنظيم “الإخوان المسلمين” في الأردن.

هلال إيران يتولد في الأردن

ربما من الأهمية بمكان أن لا يتم إغفال كون إيران لديها استراتيجية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وهذه الاستراتيجية المعروفة بالهلال الشيعي والذي يمرّ عبر العراق ثم سوريا إلى لبنان. لكن هذا الهلال الشيعي يصطدم بالتواجد الأردني. ولذلك إيران تجد في الأردن عائق مهم بالنسبة لمشروعها الاستراتيجي؛ الهلال الشيعي.

الحرب بالوكالة: بصمة إيران المتزايدة في الشرق الأوسط. (تصوير: محمود الزيات/ وكالة الصحافة الفرنسية)

ولهذا نجد إيران دائماً تقوم بمحاولة إيذاء المملكة الأردنية من خلال المخدرات أو من خلال الإرهاب أو من خلال الجماعات المتطرفة في الداخل، خاصة جماعة “الإخوان المسلمين” على خلفية علاقتهم مع إيران وبالتحديد مع جماعة “حماس”. لهذا فإن إيران وميليشياتها في المنطقة تحاول التحريض على تهديد أمن الأردن.

الأساليب السابقة التي اتّخذتها إيران فشلت. فلذلك الآن وجدت بموضوع غزة والقضية الفلسطينية أنّها تستطيع التأثير على الداخل الأردني من خلال المسيرات الشعبية.

وذلك يتم كله عبر تنسيق الأدوار من خلال الرأس الاستراتيجي في طهران وتمريره للفصائل التنفيذية الولائية في العراق ضد الأردن تحديدا كما حدث في بيان كتائب “حزب الله” العراقية.

من جانبه يرى الباحث في الشؤون السياسية والأمنية، منتظر القيسي، أن توجيه البوصلة الإيرانية باتجاه الأردن في هذا التوقيت بالذات، أتى لأسباب عديدة من أهمها، السعي لتعويض الخسارة الاستراتيجية التي لحقت بـ”محور المقاومة”، معنويا ودعائيا من خلال التخلي عن “حماس” في ساعة الحقيقة وترك غزة تواجه مصيرها بعد عقود من دعم وتحريض حركات المقاومة الفلسطينية على تحويل غزة إلى جبهة لمشاغلة إسرائيل ومصر على حد سواء، دون اعتبار لردود الفعل الانتقامية ضد سكان القطاع المحاصرين.

يتابع الباحث العراقي تصريحاته التي خص بها “الحل نت” بقوله: إن ذلك كله من نتائجه إسقاط إحدى أهم الأوراق الرابحة من يد النظام الإيراني، الذي كشفت الحرب مدى انتهازيته بشكل لم يسبق له مثيل. وميدانياً وعسكريا من خلال تقلص هامش المناورة التكتيكية في التصعيد المحسوب ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنياً.

أزمة إيران وميليشياتها

في ظل هذه المعطيات، والحديث للقيسي، لم يتبقَّ أمام إيران من أهداف يمكن استهدافها لإغلاق هذه الثغرة الخطيرة في منظومتها الدفاعية التي تضم “حماس” و”حزب الله” اللبناني و”الحوثي” والميليشيات العراقية، غير نقل الأزمة إلى أضعف الدول الحليفة لواشنطن. 

عناصر لحركة "النجباء" العراقية - إنترنت
عناصر لحركة “النجباء” العراقية – إنترنت

بل واستثمار تلك الأجواء للعمل على المسافة البينية فيما بين الحالة النفسية للجماهير والمواطنين والرؤية السياسية الرسمية التي تحكمها قواعد النظام الدولي والدبلوماسية الرسمية خاصة تلك المطالب التي تستقر صوب طرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات مع الدولة العبرية.

يضيف الخبير العراقي منتظر القيسي، أن هذه الأجواء تمثّل فرصة ذهبية أمام إيران ووكلائها العراقيين إلى تنفيس أزمة الشرعية “الجهادية” التي أصبحوا يعانون منها إثر النكوص عن كل تعهّداتهم السابقة بالتحرّك لنصرة فلسطين في اللحظة المناسبة. 

هذه اللحظة التي رهنوا من أجلها مصير شعوب لبنان وسوريا والعراق واليمن لصالح الاستراتيجية التوسعية الإيرانية في المنطقة. إذ لا يمكن لعاقل تصور لحظة أكثر مناسبة لإشعال “حرب تحرير” شاملة، من المذبحة المستمرة في غزة طوال الأشهر الماضية.

المفارقة في تقدير القيسي، أن بيان الناطق باسم كتائب “حزب الله”، سيؤدي غالبا إلى نتائج عكسية، لاسيما وأن العِداء الشعبي في الأردن تجاه إيران ووكلائها العراقيين خصوصاً، يكاد يكون أشبه بالعقيدة الدينوسياسية، التي تتغذى على الموقف المعادي للنظام العراقي “الشيعي” القائم في العراق، والموقف الموالي الراسخ للنظام العراقي السابق. 

فضلا عن أن البيان سيمنح النظام الأردني مساحة مهمة أن تكشف عن الخلايا النائمة من تنظيمات الإسلام السياسي التي تسعى نحو استثمار تلك الأجواء لصالحها وكذا اتخاذ إجراءات عسكرية أكثر عدائية ضد تواجد الميليشيات الشيعية في عمق الجغرافيا السورية، بمباركة ودعم الإدارة الأميركية التي مؤكد بأنها لن تقف هي الأخرى مكتوفة الأيدي أمام تهديد حلفائها التاريخيين في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات