لو كانت إيران تعلم أن هجومها بحوالي 300 مُسيرة وصاروخ على إسرائيل ليلة السبت الماضي قد يودي بتلك النتائج والمكاسب، ربما كانت فكرت في خيارٍ آخر للرّد على العملية الإسرائيلية في القنصلية الإيرانية بدمشق.

حاولت إيران “ترسيخ معادلة جديدة” بأنها ستردّ من أراضيها مباشرة، وليس عبر وكلائها في المنطقة على أي عملية إسرائيلية ضدها، وعلى الرغم من ذلك جاءت النتائج لصالح إسرائيل، وخلقت وضع وفرص جديدة لتل أبيب لم تكن لديها قبل أيام فقط من الهجوم.

خطأ استراتيجي لإيران

لم تُعرف العواقب المباشرة للهجمات الإيرانية بالطائرات بدون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية ضد إسرائيل في الساعات الأولى من الهجوم، الذي احتاج عدة ساعات كي تصل الصواريخ والمسيرات إلى إسرائيل والتي كان العالم ينتظرها على الهواء مباشرة.

أجزاء من صاروخ تم إطلاقه من صاروخ سقط في منطقة مرج الحمام، خلال الغارات الجوية الإيرانية ضد إسرائيل، في عمّان، الأردن، في 14 أبريل/نيسان 2024. (تصوير أحمد شورى/غيتي)

بعد وصول المُسيّرات والطائرات بدا واضحاً أن الهجوم لم يحقق أهدافاً مدوّية، وبدا أن إيران أخطأت في تقدير استراتيجي كبير، وبدلاً من أن تكون أول مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران علامة لا تنسى في الشرق الأوسط، أصبحت مدعاةً للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

كان بإمكان إيران أن تختار ردّاً أقل على الهجوم الذي وقع في الأول من نيسان/أبريل على مجموعة من قادة “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، الذين كانوا يجتمعون في دمشق، لكن اختيارها للعدد الهائل من الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تم إطلاقها – وحقيقة أنها أطلقت من الأراضي الإيرانية على الأراضي الإسرائيلية أعطى أنطباعاً أنها تريد أن تحدث ضجة مركزها عدد الصواريخ الكبير. 

لكن مع حقيقة وجود عدم أضرار تُذكر (إصابة طفلة مسلمة واحدة، وأضرار جانبية في قاعدة نفتايم العسكرية)، فإن الأمور انقلبت رأساُ على عقب، ويأتي هذا في الوقت الذي تحاول إيران بالطبع تحويل الفشل إلى انتصار أمام شعبها من خلال الأخبار الكاذبة، لكن الجمهور في إيران عرف خلال أيام قليلة ما حدث.

صورة نصر استراتيجية

أولى المكاسب التي حققتها إسرائيل من الهجوم الإيراني، هو تحقيق صورة نصر استراتيجية، فمن أصل 100 صاروخ باليستي تم إطلاقها من إيران، يمكن عد تلك التي عبرت الحدود إلى إسرائيل على أصابع اليد.

الرد الذي تحول إلى مكاسب كيف استفادت إٍسرائيل من الهجوم الإيراني؟ (1)
العميد في الاحتياط العميد دورون غافيش، القائد السابق لقوات الدفاع الجوي، يتحدث خلال مؤتمر صحفي بالقرب من بطارية القبة الحديدية المضادة للصواريخ في منطقة في جنوب إسرائيل، بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، في 17 أبريل/نيسان 2024. (تصوير جاك غيز/ AFP)

وفي الوقت نفسه، لم تصل طائرة بدون طيار أو صاروخ “كروز” واحد من بين حوالي 200 قطعة إلى إسرائيل، حيث اعترض الأميركيون وحلفاؤهم حوالي 70 طائرة بدون طيار، بينما اعترضت طائرات القوات الجوية الإسرائيلية معظم الصواريخ الباليستية، وفقاً لتقرير في موقع “يديعوت أحرونوت”.

بلغت نسبة الاعتراض لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية للهجوم 99 بالمئة، وهي تثبت بشكل قاطع فشل الهجوم الإيراني، ونجاح القوات الجوية الاعتراضية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة والحلفاء في صد الهجوم بشكل يدعو للفخر؛ فهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي تنجح فيها دولة في التعامل مع أسراب شملت أكثر من 100 طائرة مسيرة وإطلاق نحو 30 صاروخ كروز في وقت واحد. 

وللمقارنة، شمل الهجوم الإيراني على منشآت النفط في السعودية عام 2019، 17 طائرة مسيرة وأربعة صواريخ كروز، ولم يتم اعتراض هذه النسبة.

قدّم الهجوم الإيراني خدمة لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي ونظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابع للجيش الإسرائيلي أمام العالم، وربما قد يؤثر بشكل فعّال في مبيعات الأنظمة الجوية الإسرائيلية خلال السنوات المقبلة.

تقارب مع واشنطن بعد توتر

ثاني المكاسب التي حققتها إسرائيل، هو ترميم العلاقة مع واشنطن، بعد أن ساد التوتر بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأسابيع الأخيرة على خلفية الحرب في غزة، واختلاف وجهات النظر بين الجانبين. 

الرد الذي تحول إلى مكاسب كيف استفادت إٍسرائيل من الهجوم الإيراني؟ (2)
عدد قليل من النشطاء المؤيدين لإسرائيل يعارضون المظاهرة المؤيدة لوقف تسليح إسرائيل خارج البرلمان في 17 أبريل/نيسان 2024 في لندن، إنجلترا. (تصوير غاي سمولمان/غيتي)

واشنطن أرادت وقف عملية رفح والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، بينما هدد نتنياهو باجتياح رفح، وماطل في مفاوضات الاتفاق، فيما وصل التوتر إلى حد إمكانية أن يفرض بايدن شروط على المساعدات المقدّمة لإسرائيل – وهي خطوة كان قد استبعدها في السابق.

تغير الموقف الأميركي كُلياً، عندما أصبح من الواضح أن إيران على وشك إطلاق مئات الطائرات بدون طيار على إسرائيل، حيث سارع بايدن من منزله الشاطئ في ديلاوير إلى “البيت الأبيض” يوم السبت الماضي. وجاء بيان المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بـ”البيت الأبيض، أدريان واتسون، واضحا لا لبس فيه: “دعمنا لأمن إسرائيل قوي”. وأضاف البيان: “الولايات المتحدة ستقف إلى جانب شعب إسرائيل وتدعم دفاعه ضد هذه التهديدات من إيران”.

وقال بايدن: “غداً، سأجتمع مع زملائي من زعماء مجموعة السبع لتنسيق رد دبلوماسي موحد على الهجوم الإيراني الوقح”، في إشارة إلى مجموعة من القوى الصناعية السبع الكبرى، ولكن بايدن قد أوضح بشكل قاطع أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي عمل هجومي ضد إيران.

كما تعهد “الجمهوريون” وبعض “الديمقراطيين” بتسريع حزمة المساعدات الطارئة التي طال انتظارها بقيمة 14 مليار دولار والتي طلبها بايدن بعد بدء الحرب.

كما أعرب نتنياهو، الذي انتقد الديمقراطيين وإدارة بايدن مرات خلال الفترة الأخيرة عن امتنانه للموقف الأميركي. وقال في خطاب بالفيديو: “نحن نقدر وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، وكذلك دعم بريطانيا وفرنسا والعديد من الدول الأخرى”.

نصر سياسي ودبلوماسي

ثالث المكاسب التي حققتها إسرائيل هو خروجها من العزلة التي سببتها حرب غزة، وتعزيز التحالفات مع الغرب والدول العربية مرة أخرى، حيث قام الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون، والقوات الجوية السعودية والأردنية أيضًا، بالتعاون لصد الهجوم.

الاستراتيجية والخيارات كيف سترد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟ (5)
طائرة مقاتلة من طراز f-15 تابعة للجيش الإسرائيلي تحلق فوق وسط إسرائيل في 15 أبريل/نيسان 2024. (تصوير مناحيم كاهانا/وكالة الصحافة الفرنسية)

حيث وفر الحلفاء لإسرائيل حزام كشف أمامي للصواريخ الباليستية، والطائرات بدون طيار، وصواريخ كروز التي أطلقتها إيران بالمئات ونتيجة للاكتشاف المبكر، تمكنت منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية من تركيز جهودها واعتراضها حتى قبل أن تصل إلى أراضيها، وفقاً لموقع “جيروزاليم بوست”.

كما كشف الهجوم التهديد الذي تسببه إيران، بسبب دعمها للعنف والاضطرابات الإقليمية، وقال آفي ميلاميد، مسؤول المخابرات الإسرائيلية السابق والمتخصص في الشؤون العربية، إن الهجمات كانت بمثابة دعوة للاستيقاظ من المخاطر التي تشكلها إيران.

رابع المكاسب التي حققتها إسرائيل، هو صرف انتباه العالم عن سلوك إسرائيل في الحرب في غزة، ومنح الغرب فرصة جديدة لإسرائيل لاستعادة شرعيتها والخروج من العزلة السياسية التي كانت عليها في أعقاب الأزمات الإنسانية التي خلقها نشاط الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.

كما استفادت إسرائيل من الدعم الدبلوماسي الذي اكتسبته، حيث دعت إسرائيل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لعقد جلسة طارئة يوم الأحد الماضي لبحث الهجوم الإيراني، وتحولت إسرائيل من دولة يتم جرها إلى مجلس الأمن بسبب حرب غزة، إلى دولة لديها شرعية دولية ويتم الهجوم عليها وتكسب دعم العالم.

من ناحية أخرى، فإن من الممكن اعتبار أن الهجوم ونتائجه، رسالة واضحة لوكلاء إيران وعلى رأسهم حزب الله (الذي يمتلك ترسانة أسلحة ضخمة)، عن قدرات إسرائيل الدفاعية والاعتراضية، فيما تحذرهم النتائج إنهم إذا قرروا بدء حرب مع إسرائيل، فلن تكون الدفاعات الجوية الإسرائيلية فعالة فقط بل أيضاً سيواجهون تصعيد مشترك من إسرائيل وحلفاءها في المنطقة.

كما أن هناك افتراض طرحته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن الهجوم قد يدفع أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، للاقتراب من الاتفاق على تسوية دبلوماسية للصراع الذي بدأه على الحدود الشمالية بعد الحرب في غزة.

ومن خلال الصورة الأشمل، أعاد الهجوم الإيراني الوضع في المنطقة إلى أبعاده التي كانت قبل حرب غزة، حيث أن إيران ووكلائها، بما في ذلك “حماس”، هم الذين يهددون استقرار الشرق الأوسط ويهددون بإشعال حرب شاملة.

تهدئة داخلية وفرصة لنتنياهو

أما المكسب الخامس من الهجوم فهو يمسّ بشكل مباشر الداخل الإسرائيلي، فبدلا انقسام الإسرائيليين بين أولئك الذين يريدون هزيمة “حماس” وأولئك الذين يريدون رؤية عودة الرهائن الذين اختطفتهم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أن النظام الإيراني منح إسرائيل ما كانت تريده منذ أسابيع وهو توحيد صفوف الإسرائيليين.

والمستفيد الأكبر من هذا التوحيد هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اشتدت التظاهرات الاحتجاجية ضده خلال الأسابيع الأخيرة، والتي كانت تطالب بإسقاط حكومته وإجراء انتخابات مبكرة، لكن الهجوم الذي أعاد توحيد الإسرائيليين مرة أخرى في مواجهة الخطر قد سيساعد على إبقائه في السلطة لفترة أخرى. 

وفضلاً عن ذلك، فقد يساعد الهجوم نتنياهو في الخروج من مأزقه الذي يتعلق بتوتر العلاقات مع واشنطن، حيث كانت أصابع الاتهام تتوجه إليه بأنه سبب هذا التوتر، ولكن بعد خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن حول “الدعم القوي” لإسرائيل فإن نتنياهو خرج من مأزقه.

ومن جانبه، علق الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعتي “القدس” المفتوحة و”الأقصى”، حول استفادة إسرائيل من هجوم إيران، قائلاً: “أولاً منح الهجوم الضوء الأخضر لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأميركية والغرب باجتياح رفح، حيث تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية أن الاجتياح بات وشيكاً، وبالفعل بدء إجلاء النازحين من رفح.

وأضاف الرقب في حديثه لـ”الحل نت”، أن لو إيران ضربت إسرائيل وأوجعتها لكنا الأمر مختلفاً، لكن إيران كانت تستعرض بخروج طائرات مسيرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية وكل الأطراف كانت تعلم بخط سيرها وتنتظرها، لو كانت أرادت إيران أن توجع إسرائيل لنفّذت الهجوم من قبل “حزب الله” وليس من طهران، لكنها كانت تريد استعراض قوتها وإحداث متغير مهم جدا. لذلك بشكل واضح وجلي استفادت إسرائيل من هذا الهجوم غير المؤلم لها، وغيرت أنظار العالم عن ما يحدث في غزة على الأقل مؤقتاً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة