كاد الوضع اللبناني ينفجر في الأسبوع الفائت بعد تصفية منسّق منطقة جبيل في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان، وإطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، الذي اتّهم حزبي “القوات” و”الكتائب” بأنهما أهل فتنة ويريدان الحرب الأهلية، معتمداً في كلامه على بعض الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي الذين اتهموا “الحزب” بالتورّط في الجريمة على نحو غير مباشر، فيما لم يصدر أي اتهام مباشر من “القوات” و”الكتائب” لـ”الحزب”.

صحيح أن مرتكبي جريمة سليمان تبيّن أنهم سوريون، وقيل أن الدافع هو السرقة، إلا أنه لم تحصل أي سرقة، بل تمّ قتل سليمان ونُقلت جثته إلى سوريا، وبالتالي لم تكشف الأجهزة الأمنية حتى اليوم الدوافع الحقيقية من قتلِ سليمان، ما جعل “القوات” والمعارضة اللبنانية عموماً تطرح علامات استفهام عديدة!

سوابق حاضرة

جريمة سليمان ليست الأولى التي توجّه فيها أصابع الاتهام لـ”حزب الله”، فمنذ أقل من سنة تمّ قتل المسؤول في “القوات” إلياس الحصروني في الجنوب، ووجّهت “القوات” التي تشكّل رأس حربة في مواجهة “حزب الله” ومشروعه الإيراني، اتهامها إليه نظراً إلى توافر معطيات صلبة في هذا الإطار. 

لماذا توجّه أصابع الاتهام إلى حزب الله بعد كل جريمة سياسية؟ (1)
أقارب وأحباء الراحل في مراسم الجنازة التي أقامها البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي لتوديع باسكال سليمان، من بيروت، لبنان، في 12 أبريل/نيسان 2024. (تصوير حسام شبارو/غيتي)

وسبق ذلك تصفية الناشط الشيعي المعارض لـ”حزب الله” لقمان سليم، وهناك عشرات الشخصيات السياسية المناهضة لـ”الحزب” تمّ اغتيالها بين عامي 2005 و2013، ولم يُعرف عنها شيئاً، وكان المعارضون، لا ينتظرون أي تحقيق، فيبادرون إلى اتهام “الحزب” فوراً لعلمهم أنه كلّما يكون الأخير متورطاً في جريمة سياسية، تعجز الأجهزة الأمنية من كشف أي خيوط تؤدي إلى معرفة الحقيقة.

الباحث في الشؤون القانونية، الدكتور إلياس حتي، ذكر لـ”الحل نت” النقاط التالية:

أولاً، ما هو مؤكد بأن أي جريمة خاصة تُكشف، وفقاً للتجارب، في غضون ساعات. 

ثانياً، الجرائم التي لا تُكشف تكون سياسية بامتياز وسياقها معروف وممتدٌّ منذ العام 2004 إلى اليوم.

ثالثاً، عملية القتل من دون سرقة، كما حصل مع سليمان، تنفي عن الجريمة صفة الجنائية، وتضعها في خانة سياسية وخصوصاً إذا كان المستهدف مسؤولاً حزبياً. وبالتالي هناك درجة عالية من الاشتباه بأن هناك من خطّط وأعدّ وراقب ونفّذ، وبالتالي هو عمل محترف. 

رابعاً، تُعتبر البيئة السيادية في لبنان معرّضة دائماً للاستهداف وهذا ما يطرح علامة استفهام كبيرة.

“براءة حزب الله”!

بصرف النظر عن الجريمة الأخيرة التي استهدفت القيادي في حزب “القوات” باسكال سليمان، والتي يكتنفها الغموض، تشير الصحفية اللبنانية، منى شحادة، في حديثها لـ”الحل نت”، إلى أن حسن نصرالله يتمتع بقدرة كبيرة على قلب الحقائق وتزوير الوقائع، يعتمد على نظرية “غوبلز”، ولكنه يعرف أن جمهوره حتى غير قادر على تصديق بعض ما يقول، وإنْ صدّق بعض الكلام الآخر.

لماذا توجّه أصابع الاتهام إلى حزب الله بعد كل جريمة سياسية؟ (1)
أقارب وأحباء الراحل في مراسم الجنازة التي أقامها البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي لتوديع باسكال سليمان، من بيروت، لبنان، في 12 أبريل/نيسان 2024. (تصوير حسام شبارو/غيتي)

وتذكّر شحادة بأن نصرالله هو صاحب مقولة:”السلاح لحماية السلاح”، فـ سلاح “المقاومة” الشريف، يقصد به نصرالله سلاح حزبه الذي اجتاح بيروت وجبل لبنان عام 2008، والذي شارك في اغتيال شخصيات وطنية ليس أولها الرئيس رفيق الحريري، بحسب حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

وأيضا هو نفسه السلاح الذي قتل به آلاف السوريين وحاصر مدنهم وقراهم حتى مات بعضهم جوعاً. ولهذا السلاح تاريخ حافل من الجرائم داخل حدود لبنان وخارجها، من الكويت إلى السعودية وسوريا، وغيرهم. 

ولكن بالحديث اليوم عن “براءة حزب الله” من تهمة تصنيع المخدرات- وتحديدا الكبتاغون- والإتجار بها. علماً أن تجارته هذه، بشكل عام تعود إلى أكثر من ثلاثين عاماً، عندما بدأت “إدارة مكافحة المخدرات” المسؤولة عن “مركز عمليات مكافحة الإرهاب” التابع لـ”شعبة العمليات الخاصة” (تحت مظلة وزارة العدل الأميركية) بمتابعة نشاط “الحزب” المتعلق بالاتجار في المخدرات وتبيض الأموال. 

هذه التجارة غير الشرعية والمحرّمة دوليا، والتي ينتج عنها تمويل عملياتٍ توصف بالعمليات الإرهابية منذ نحو ثلاثين عاماً، عندما أوقفت بيع شحنات تقدّر بالأطنان من “الكوكايين” كان يجريها شركاء “حزب الله” بالتعاون مع كارتل المخدرات الكولومبي “لا أوفيسينا دي انفغادو”.

وتلفت شحادة، إلى أن ادعاءات نصرالله وقادة حزبه لم تعد تنطلي على الغالبية العظمى من الناس، فالجريمة المنظّمة لا يمكن أن تُسمى “مقاومة”، وأول من يدفع ثمن هذه الجرائم هم أبناء الطائفة الشيعية أنفسهم، عدا القلة المستفيدة والمشاركة مع “حزب الله” في ارتكاب هذا الكمّ من الجرائم.

بين الدولة وسلطة “الحزب”

أما الكلام الأكثر دقة ومسؤولية فكان لعضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني، الذي يعتبر أنه ليس الهدف اتهام “حزب الله” بكل جريمة تحصل في لبنان، لكن بالتوقّف أمام الجرائم الكبرى التي ترتبط بالوضع العام وخصوصاً الجرائم ذات الطابع السياسي والأمني، وتعود أسبابها إلى تفلّت السلاح في الداخل اللبناني، والتفلّت الأمني على الحدود اللبنانية-السورية، يعني حيث هناك تداخل بين الوجود العسكري غير النظامي من الجانبين اللبناني والسوري كبلدة القصير مثلاً. 

زعيم حزب الله حسن نصر الله يلقي خطابا متلفزا في خربة سلم بجنوب لبنان في 14 يناير 2024، بمناسبة مرور أسبوع على مقتل القائد الميداني وسام الطويل. (تصوير محمود الزيات/وكالة الصحافة الفرنسية)

إضافة إلى أن هناك استخدامات متعددة للحدود من قِبل “حزب الله” بحجة الأعمال العسكرية، فأصبحت تُستخدم للتهريب ونقل السلاح وعمليات ذات طابع أمني، ما أدى إلى خلل أمني يخلق الفِتن بين اللبنانيين واللاجئين السوريين وتوجيه رسائل معيّنة.

من المؤكد أن “حزب الله” يؤمن بحدود من لبنان إلى إيران، لذلك هي مشرّعة لكل أنواع التفلّت، ويعتبر حاصباني “أن أساس ذلك هو تحلّل الدولة وإضعاف القوى الأمنية والعسكرية في البلد، فيما المطلوب فرض سيادة الدولة على أراضيها”.

رغم كل الاتهامات لـ”حزب الله” بالجرائم السياسية منذ اغتيال الحريري، إلا أنه لم يعترف بأي جريمة، ويرى حاصباني، “أن تحقيقات الأجهزة الأمنية لم تصل إلى كشف الحقيقة في أي جريمة، والقضاء عاجز عن البتّ بالملفات العالقة ولا نلمس أي قدرة على كشف الحقائق كاملة إلا ببعض الأمور الثانوية والفرضيات”. 

لكن المستغرب أن “حزب الله” يضع نفسه دائماً في موضع الاتهام، وردات فعله تظهره كأنه متّهم، ولا يمكن محاسبة الناس التي تتّجه أنظارها عند حصول أي خلل أمني إلى الفئة الخارجة عن الإطار الشرعي للدولة. 

هذه الفئة ترى فيه أساساً لتحلّل الدولة التي تؤدي إلى مشاكل أمنية، سواء كانت مسؤولية “حزب الله” مباشرة أو غير مباشرة، فهو ملزم بتحمّل المسؤولية عند حصول أي خلل، فالدولة ليست عملاً اختيارياً ومجتزأً، فيفتحون الحدود وتصبح عرضة للتهريب والفلتان حيناً، ويتملّصون من المسؤولية ويضعونها في حضن الدولة أحياناً أخرى.

لبنان نحو الأمن الذاتي؟

اللافت أن “حزب الله” عمل على “خصي” إدارات الدولة القضائية والأمنية والعسكرية وغيرها من خلال منعها من العمل في مناطق معينة، أو في قضايا معينة، أو في أي أمر يتعلق بأي شخص ينتمي إلى محور الممانعة. 

أبناء قادة حزب الله بين السلاح والعمالة وتجارة المخدرات! (6)
شاشة تلفزيونية في مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين تبث خطاباً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 5 يناير/كانون الثاني 2024 في بيروت، لبنان. (تصوير مروان طحطح/غيتي)

ويشير حاصباني، إلى أن “حزب الله” كسر هيبة الدولة بالسلاح والصواريخ، وكسر هيبتها في بعض المواقع الأساسية كالقضاء والأجهزة الأمنية، لكن لا يزال هناك أمل بأن تستعيد الدولة نشاطها إذا انضوى الجميع، ومن بينها “الحزب” تحت سلطة القانون، وإلا فلبنان أمام نهاية الدولة، وحلول دولة مختلفة عنها، تقوم على الفوضى.

ويتطرق الحاصباني إلى الجرائم التي تطال شخصيات من المعارضة وآخرها المسؤول في “القوات” باسكال سليمان، ويؤكد “أننا ننتظر التحقيقات لكن يحق للرأي العام طرح تساؤلات عدة، وخصوصاً أن التاريخ في لبنان يثبت أن كل هذه التحقيقات لم تصل في الجرائم السابقة، كحد أقصى، إلا إلى معلومات ميدانية، وتبقى الدوافع مجهولة”.

والمفارقة أن ما هو مستجد في لبنان هو استغلال أوضاع اللاجئين السوريين، ويعتبر حاصباني أن 500 سوري غير منضبط يمكن أن ينظّموا عصابات، فيستخدمهم أي طرف لخلق بلبلة في البلد، وقد عاشت بيروت هذه التجربة عام 1974 مع اللاجئين الفلسطينيين، والآن يتكرر الأمر نفسه مع السوريين. 

إلا أننا -والحديث لعضو تكتل “الجمهورية القوية”- لا نعتبر كل سوري موجود على الأرض اللبنانية مجرماً، كما أنه ليس كل سوري في لبنان ملتزم بالقانون ووجوده شرعي، وللأسف أن هناك استغلال لهذا الموضوع لخلق تشنجات غير حميدة.

يعيش السياسيون اللبنانيون المعارضون لـ”حزب الله” في قلق، ويشعرون بأنهم معرّضون للخطر، ويلفت حاصباني إلى “أنه لا يمكن أن نتجه إلى الأمن الذاتي لأنه قد يؤدي إلى احتكاكات وتفلّت أكثر”، والتي قد تكون بوابة جديدة لرعونة “حزب الله”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات