ماذا كشف الهجوم الإيراني على إسرائيل ضد الأردن؟ ولماذا تعمّدت إيران المسارح العربية مثل سوريا والعراق ولبنان وتحديدا الأردن وأجوائه كساحات للمواجهة الإسرائيلية- الإيرانية؟ وهل نجحت إيران في جر الأردن إلى معركة مباشرة؟ كل هذه الأسئلة ما تزال بلا أجوبة صريحة حتى الآن.

إلا أن الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل الذي حدث ليل السبت – الأحد، ذهب نحو نتيجة واحدة، هو أن طهران جرّت الأردن إلى معركة رسمية، بعد أن كانت سابقا تنحصر بمعادلة الحرب الباردة، لا سيما وأن “الحرس الثوري” تعمّد استخدام أجواء الأردن دون سابق إنذار، من أجل مرور صواريخه وطائراته المسيّرة نحو إسرائيل، وهو يعلم أنه سيتم إسقاطها.

الهدف الإيراني المتواري عن الأنظار، والذي يصنّف سياسيا أنها “لعبة خبيثة”، كان يسير نحو اتجاهين: الأول، استخدام أجواء الأردن لمعرفة ردّة فعل الدولة، وفيما إذا يمكن استباحة هذه الأجواء لاحقا. أما الاتجاه الثاني: هو تأليب الحواضن الشعبية والعربية ضد ردة فعل الجيش الأردني إذا قرر حماية أجوائه وضرب الأسلحة الإيرانية العابرة لها، وهو ما نحج به نسبيا.

الهدف عمّان وليس تل أبيب

في تصعيد مذهل للتوترات في الشرق الأوسط، وجد الأردن نفسه منجذبًا دون إرادة منه إلى حرب الظل الدائرة بين إسرائيل وإيران. كان المحفّز على ذلك هو استخدام إيران الوقح للمجال الجوي الأردني في هجوم بطائرة بدون طيار على أهداف إسرائيلية، وهو الحادث الذي كشف عن موقف الأردن غير المستقر في الصراع الإقليمي على السلطة.

تهديد مباشر رسميا الأردن يدخل معركة مع إيران (1)
تُظهر هذه الصورة التي التقطت في 14 أبريل/نيسان 2024 صواريخ تم اعتراضها أطلقت من إيران باتجاه إسرائيل، كما تظهر فوق شمال الأردن. (تصوير جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)

في ساعات صباح الأحد الفائت، اعترضت الدفاعات الجوية الأردنية سربًا من الطائرات الإيرانية بدون طيار التي تسللت بعض منها إلى المجال الجوي الإسرائيلي من طريق غير معتاد – عبر الأردن. وقد تم إسقاط الطائرات بدون طيار، التي يُعتقد أنها كانت محمّلة بالمتفجرات، قبل أن تتمكن من الوصول إلى أهدافها، والتي شملت منشآت عسكرية إسرائيلية حساسة ومراكز سكانية مدنية.

إيران التي أعلنت أن الهجوم جاء ردّاً على الضربات الإسرائيلية الأخيرة على القنصلية الإيرانية في سوريا، لم تكتف بتوجيه ضربة مباشرة عبر طيران حربي على إسرائيل كما تفعل الأخيرة بالعادة معها، بل فضلت جر المسارح العربية سواء كانت سوريا والعراق ولبنان والأردن لساحات للمواجهة الإسرائيلية- الإيرانية.

في خطوة دبلوماسية حازمة، قامت وزارة الخارجية الأردنية بدعوة السفير الإيراني في عمّان، مسلطة الضوء على الحاجة الملحة لوقف التصريحات التي تمس سيادة الأردن وتشكك في مواقفه.

في تصريح لقناة “المملكة” الأردنية، أعرب وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن قلقه إزاء التوترات الأخيرة، مشيرًا إلى أن الأردن كان قد أبدى تحفظاته مسبقًا. وأكد الصفدي على استعداد الأردن التام لمواجهة أي تهديدات قد تمس أمن البلاد ومواطنيها، مستخدمًا كافة الوسائل والإمكانيات المتاحة لضمان الاستقرار والسلام.

استدعاء السفير الإيراني في عمّان، جاء بعد أن نقلت وكالة أنباء “فارس” شبه الرسمية في إيران عن مصدر وصفته بالمطلع قوله إن القوات المسلحة الإيرانية ترصد بدقة تحركات الأردن خلال الهجوم على إسرائيل. 

المصدر زاد في تصريحاته الهجومية، وكشف أنه “في حال شارك الأردن في أعمال محتملة (لصد الهجوم) فسيكون حينذاك الهدف التالي”، بحسب ما نقلته الوكالة. وأضاف: “تم قبل العمليات توجيه التحذيرات اللازمة إلى الأردن ودول المنطقة”.

إلا أن الكشف عن دور الأردن غير المقصود في الهجوم هو الذي أحدث صدمة في المنطقة. فقد سارعت السلطات الأردنية، التي يبدو أنها فوجئت على حين غرة، إلى التحقيق في كيفية تمكن الطائرات الإيرانية بدون طيار من اختراق مجالها الجوي دون أن يتم اكتشافها.

الأردن في مرمى النيران

وضع الحادث الأردن في موقف صعب. وباعتباره إحدى الدول العربية القليلة التي تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل، فقد سار الأردن منذ فترة طويلة على حبل مشدود بين الحفاظ على هذه العلاقة واسترضاء سكانه المؤيدين للفلسطينيين في غالبيتهم. وقد أخلّت الإجراءات الإيرانية بهذا التوازن الدقيق.

أجزاء من صاروخ تم إطلاقه من صاروخ سقط في منطقة مرج الحمام، خلال الغارات الجوية الإيرانية ضد إسرائيل، في عمّان، الأردن، في 14 أبريل/نيسان 2024. (تصوير أحمد شورى/غيتي)

ففي العلن، أدان الأردن بشدة التدخل الإيراني وتعهد بتعزيز دفاعاته الجوية. ولكن يقال إن المسؤولين الأردنيين غاضبون في السر بسبب انجرارهم إلى صراع حاولوا بعناية تجنبه، وهو ما أثار غضب المسؤولين الأردنيين. 

يعتقد المحللون أن استخدام إيران للمجال الجوي الأردني كان خطوة استراتيجية مدروسة. فمن خلال شن الهجوم من الأردن، هدفت إيران إلى تحقيق عدة أهداف:

1- اختبار الدفاعات الجوية الأردنية وقدرات الرد الأردنية.

2- إحداث شرخ بين الأردن وإسرائيل وبين الأردن والحواضن العربية المؤيدة للقضية الفلسطينية

3- إرسال رسالة إلى إسرائيل مفادها أن إيران قادرة على توجيه ضربات من اتجاهات غير متوقعة.

4- تشتيت الانتباه عن أنشطتها في النقاط الساخنة الإقليمية الأخرى مثل سوريا والعراق ولبنان.

إن استخدام إيران للمسارح العربية في صراعها مع إسرائيل ليس بالأمر الجديد. فـ لطالما استخدمت وكلاءها في سوريا والعراق ولبنان لمهاجمة المصالح الإسرائيلية. لكن الاستخدام المباشر للمجال الجوي الأردني يمثل تصعيدًا كبيرًا.

خلال اتصاله مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحد الفائت، قال الملك عبدالله الثاني إن “الأردن لن يكون ساحة لحرب إقليمية”، وحذّر من “تبعات العدوان الإسرائيلي على غزة والتصعيد المستمر في الضفة الغربية”، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الأردنية (بترا) نقلا عن بيان الديوان الملكي الأردني.

من جهته، وزير الخارجية الأردني، الصفدي، قال: “التقيت أنا ووزير الخارجية الإيراني أكثر من مرة، وكان الحوار بيننا صريحًا، نريد علاقات طيبة لكن من أجل أن نصل إلى هذه العلاقات الطيبة يجب أن ننهي أسبابها، وبعض من أسبابها مرتبط بممارسات تستهدف الأردن، سواء عبر ما نراه من تهريب للمخدرات والسلاح من سوريا إلى الأردن من جماعات مرتبطة بإيران بشكل أو بآخر، سواء من هجمات سيبرانية تمت على مؤسساتنا في المملكة الأردنية الهاشمية وغيرها من التهديدات”.

الأردن بين أخطر مشروعين 

بالنسبة لإسرائيل، يعتبر الهجوم تنمّياً جديدا لطبيعة التهديد الإيراني. فهو يظهر قدرات إيران الجديدة في مجال الطائرات بدون طيار واستعدادها لاستخدامها ضد إسرائيل حتى عبر استخدام أجواء دول المنطقة التي طالما اعتبرت سابقا محرمة أمام طهران ونظامها.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يصفق خلال مؤتمر صحفي في مقره في طهران في 14 أبريل/نيسان 2024. (تصوير أفتا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية)

أحدث هذا الهجوم تموجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فالدول العربية الأخرى تراقب عن كثب لترى كيف سيكون رد الأردن. إذ قد يؤدي الرد الضعيف إلى مزيد من التوغلات الإيرانية، بينما قد يؤدي الرد القوي إلى تصعيد الصراع.

وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، قال إن الأردن يواجه خطر مشروع إسرائيلي يريد تحويله لدولة للفلسطينيين عبر التهجير والتوطين ومشروع فارسي يريد تحويله إلى دولة ميليشيات تتبع ولاية الفقيه أو الولاء السياسي، وكلا المشروعين لهما أدوات من أبناء العروبة.

وأضاف المعايطة، “أما خيار الأردنيين فهو حماية دولتهم المستقرة”. فالأردن ليس طرفا في صراع النفوذ الإيراني الإسرائيلي في المنطقة، وهو تنافس نراه منذ سنوات في سوريا وغيرها لكن الجديد هو أن الجغرافيا الأردنية أرادتها إيران جزءا من ساحات صفقاتها، وما فعله الأردن حماية أرضه ومواطنيه. إيران لم توجه صواريخها دفاعا عن غزة بل عن قنصليتها في دمشق.

الرد الإيراني وفق وزير الإعلام الأردني الأسبق، “خذل الغارقين في وهم إيران، والمستفيد الأول هو نتنياهو شخصيا وحكومته، إذ لم يقتل جندي إسرائيلي واحد، إيران تبيع الوهم منذ عقود، وللأسف لها زبائن رغم أنها في كل مرة لا تخدم إلا مشروعها الفارسي. الأردن أولويته أمنه ومصالحه ونصرة المظلومين في غزة وليس كومبارس في صفقات الفرس”.

حالة طوارئ عامة

عين النظام الإيراني على الأردن من سنوات، وما يدل على تعمد طهران ضم المملكة لمشروعها، كان ما حدث على إثر استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث جاء إعلان كتائب “حزب الله” العراقية أنها جهّزت أسلحة وقاذفات ضد الدروع وصواريخ تكتيكية لـ”مقاتلين في الأردن” تحت اسم “المقاومة الإسلامية في الأردن”. 

رجل إيراني يجلس على رصيف في وسط مدينة طهران، إيران، إيران، في 14 أبريل/نيسان 2024، يحمل صحيفة “جام جام جام” اليومية التي تحمل صورة مصورة لهجوم الحرس الثوري الإيراني بالصواريخ والطائرات بدون طيار. (تصوير مرتضى نيكوبازل/ غيتي)

فيما أشار المسؤول الأمني لـ كتائب أبو علي العسكري، الاثنين الماضي، في منشور على قناته عبر تطبيق “تلغرام” إلى أن “المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدّتها لتجهيز المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات لنكون يداً واحدة للدفاع عن إخوتنا الفلسطينيين”.

وأعرب العسكري في منشوره عن حضور “المقاومة في العراق نحو الشروع في التجهيز”، متابعاً “ويكفي في ذلك التزكية من حركة حماس أو الجهاد الإسلامي لنبدأ أولاً بقطع الطريق البري الذي يصل إلى إسرائيل”.

ومع انقشاع غبار الهجوم بالطائرات بدون طيار، لا يزال مستقبل الصراع الإسرائيلي الإيراني ودور الأردن فيه غير مؤكد. وسيعتمد الكثير على الطريقة التي سيختار كل طرف الرد بها في الأيام والأسابيع القادمة.

فبالنسبة للأردن، يعتبر الحادث تذكيراً صارخاً بمخاطر الوقوع بين خصمين إقليميين أقوياء. وسيحتاج الأردن إلى التعامل بحذر مع هذه الأزمة لتجنّب الانجرار أكثر إلى صراع لا يريد أن يكون طرفاً فيه.

بالنسبة لإسرائيل وإيران، من المرجح أن يؤدي الهجوم إلى تأجيج المزيد من الأعمال العدائية. وسيعيد الطرفان تقييم استراتيجياتهما وقدراتهما في ضوء هذا التطور الجديد.

الموقف الأردني قانونياً ودولياً يعتبر سيادي بإعلان الدولة أنها ستسقط أي مسيرات تعبر الأجواء الأردنية، فالحفاظ على الأجواء الأردنية عمل سيادي، فسماء البلاد مثل أرضه وليست ساحة لأي دولة أو لخدمة أي دولة في صراع النفوذ، وفق تصريحات المعايطة. 

في النهاية، كشف الهجوم الإيراني بالطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية عن شبكة المصالح والخصومات المعقّدة التي تحدد الشرق الأوسط الحديث، إلا أن الأهم، هو ظهور نيّة النظام الإيراني الحقيقة في جرّ الأردن نحو المعركة رسميا والزّج به في الخطوط الأمامية للصراع الإسرائيلي الإيراني دون إرادته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة