إنها العودة أو التمهيد للعودة. هكذا يمكن وصف الخطوة الأخيرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عندما غيّر اسم تياره من “التيار الصدري” إلى “التيار الوطني الشيعي” بخط يده ومع توقيعه الشخصي، فما وراء خطوة الزعيم الشيعي الذي يملك أكبر قاعدة شعبية في العراق؟ 

خطوة الصدر أتت بعد أن ألغى منذ أيام مسمّى “موكب آل الصدر الموحّد”، داعيا أتباعه إلى “الاندماج مع سائر المؤمنين والمعزّين في وفيّات الأئمة وفي كافة الشعائر الدينية من دون أيّ مسمى غير الإسلام والمذهب والوطن”، وجاءت أيضا عقب اجتماعات له مؤخرا مع أعضاء “الكتلة الصدرية” المستقيلة من البرلمان العراقي قبل سنة ونصف.

في انتخابات 2021 النيابية المبكرة، فازت كتلة الصدر أولا بحصولها على 73 مقعدا، وسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، لكن مساعيه فشلت بعد عدم تمكنه من جمع الأغلبية المطلقة، لينسحب من العملية السياسية برمتها وتذهب الحكومة لخصومه المتكتلين في “الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى الشيعية التي توالي إيران. 

تجسيد لإرادة النجف ودغدغة لمشاعر المدنيين الشيعة 

اليوم وبعد عام ونصف من الانسحاب والهدوء، خرج الصدر بخطوة “التيار الوطني الشيعي”، ليتفاعل معها الشارع العراقي بشكل لافت، لا سيما أبناء الطائفة الشيعية على مختلف أفكارهم، بما فيهم المدنيين والليبراليين، فما الجديد الذي تحمله هذه الخطوة من قبل مقتدى الصدر؟ 

يقول المتحدث باسم حركة “وعي”، حامد السيد، إن من يصنف نفسه (وطني) عراقي فهو جزء من هذا العنوان، ومن يصنف نفسه (شيعي) عراقي فهو ايضا جزء منه، ومن يحاول أن يفصل الهويتين عن بعض فهو واهم ولا يصلح أن يتصدى لفعل سياسي أو اجتماعي جامع، ويعاني من أزمة وجودية بل كونية مع هويته الجافة والميتة. 

“الوطنية الشيعية” هي أبلغ نهج بمحدداته التي تشير إلى سيادة قرار شيعة العراق في شؤون وطنهم، وضد انتهاك الهوية الشيعية والوطنية من قبل فصائل وأحزاب  طالما تُعبر عن احترامِ النجف كمركز للفتوى والقرار، لكنَّها تقدِّم ولاءها لدولة وسياسة أخرى، يردف السيد في حديث مع “الحل نت”. 

الواضح من هذه الخطوة، أنها رسالة إلى القوى الشيعية الأخرى المنضوية ضمن “الإطار التنسيقي”، بأنها لا تمثل الشيعة الحقّة، وأن مقتدى الصدر هو من يمثّل الشيعة الحقّة في العراق، وفيها دغدغة لمشاعر معظم الشيعة من الأغلبية الصامتة ومن المدنيين وغيرهم، يمكن أن يذهبوا معه مستقبلا في تجمع سياسي ضد قوى إيران.

التحاق أو تقارب الأحزاب المدنية ذات الجذور الشيعية أو حتى الساسة المستقلين من الشيعة مع “التيار الوطني الشيعي” ييمكن أن يتحقق في أي لحظة، خاصة وأن بعض تلك الملامح بدأت تتشكّل من خلال تدوينات عدة لأعضاء في حركات مدنية ناشئة، انبثقت بعد “انتفاضة تشرين” في 2019، ومنها حركة “وعي” وكذا حركة “نازل آخذ حقي”، وسبق ذلك التحالف الشهير عندما اصطف “الحزب الشيوعي” مع الصدريين في 2018. 

المفكر العراقي غالب الشابندر وصف في تدوينة له على جداريته بمنصة “فيسبوك”، خطوات الصدر الأخيرة، بأنها “تجسيد لإرادة النجف الوطنية بريادة أبيها الذي غلق بابه بوجه  الفاسدين والذيليّين”، وهنا يقصد المرجع الديني الأعلى لظى الشيعة في العراق والعالم، آية الله علي السيستاني، الذي لم يستقبل أي سياسي أو شخصية لها باع سياسي منذ سنوات عديدة، باستثناء الصدر الذي استقبله أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، آخرها في رمضان المنصرم قبل أقل من شهر. 

في تدوينة أخرى له، قال الشابندر ما معناه، أنه في الأمس “التيار الصدري”، واليوم “التيار الوطني الشيعي”، وغدا “التيار الوطني العراقي”، فمقتدى الصدر بحسبه، “سليل النجف العراقية”، في إشارة منه إلى الصراع على مرجعية الشيعة بين النجف العروبية وقُم الفارسية، أي أن الصدر يمثّل الشيعة العرب، عكس “الإطار” الذين يوالون مرجعية “الولي الفقيه” الإيرانية، وإن أظهَروا في العلن أنهم من أتباع مرجعية النجف. 

الصدر نحو احتكار التشيّع المحلّي!

رغم الكثير ممّا يُثار ضد الصدر شخصيا، وحتى ضد والده، لكن لم يحظَ أمرٌ بأن يردّ عليه الصدر ردّا مطوّلا بقدر غضبه من خدش تشيّعه، وهذا ما تحدّث به بشكل واضح عدد من مدوّني الإطار، وأصواتهم الإعلامية، وشبّهوا الصدريين بشكل واضح على أنهم فرقةٌ جديدة، أو شبه دين جديد مثل “البابيّة”، أو “البهائيّة” أو “الحشّاشين” بالأقل، كما يقول الكاتب والصحفي علي وجيه في مقالة نشرها على حسابه بمنصة “فيسبوك”. 

وجيه أردف بالقول، إن البيت الشيعي الكلاسيكي عرّض مقتدى الصدر لإعدام رمزي، بمحاولة فرزه عن التشيّع الكلاسيكي، أو التشيّع السياسي، وهي ظاهرة تعرّض لبعضها أبوه قبله محمد صادق الصدر، وصُوّر مقتدى الصدر على أنه جزء من “مشروع إماراتي – سعودي” لإضعاف التشيّع، وأن الصدريين ليسوا شيعة بالمعنى الواضح، وأن الصدر هو “ضد التشيّع” بشكل واضح. 

يعيد الصدر تموضعه الآن شيعيا، بعد إشارات عديدة منها محاربته لـ “أصحاب القضية”، والداعين لتقويض وجود المراقد الشيعية، مثل التيارات الصرخية والمهدوية، وكما يحتكر الخطاب الصدري الوطنية والمظلومية والابتعاد عن “حكومة بني العباس”، فإن إشارة “التيار الوطني الشيعي” ستتيح لكثيرين الانضمام له، من الشيعة وخارج الشيعة، بل وحتى بعض التيارات العلمانية الشيعية التي لم تقطع الأمل بعودة الصدر، ومنها حركة “وعي”، على حد قول علي وجيه. 

الفترة المقبلة، فترة ما بعد السيستاني وخامنئي، ستشهدُ علوّا لنبرة الخطاب الشيعي لدى الصدر بشكل واضح (…) الفترةُ المقبلة، ستشهدُ استقطاب الصدر سياسيّا لجزء أساسي من مقلّدي مرجعية السيستاني (…) إعادة التموضع هذا، ينازعُ فيه الصدر خصومه على عنصر لم يراعِه بشكل كاف في الفترة السابقة، وهو احتكار التشيّع مستقبلا، التشيّع المحلي، وهو يمتلكُ عناصر تؤهله لاستمرار هذا الاحتكار، انطلاقا من تلك الحرب الشعواء إعلاميا التي تعرّض لها مع مشروع حكومة الأغلبية الوطنية”. 

وجيه يختتم مقالته المطوّلة بقوله: “ستكونُ مرحلة ما بعد السيستاني – خامنئي مرحلة ساخنة، وسيكون لاعبها الرئيسيّ مقتدى الصدر، منطلقا من تعدد خطاباته وعلى رأسها تفعيل الخطاب الجديد بشكلٍ حاد: الخطاب الشيعيّ الوطني”. 

من جانبه، يقول الباحث السياسي غيث التميمي، ‏إن “عظمة النظام الإيراني تتجلى بأنه تتعايش فيه الثورة مع الدولة، وهو يخوض تجربته ويتحمل كامل التبعات لقراراته وسياساته، ‏وهنا يفتح الباب أمام اسئلة جوهرية ظلال الولي الفقيه في العراق والمنطقة (…) هذه اللحظة يترجم كواليسها مقتدى الصدر للتنظير في مفهوم الوطنية الشيعية وكأنه يقول إن مصلحة الدولة العراقية هي مصلحة الدين والمذهب وأن العراق بالنسبة لنا هو أم القرى ومهبط الأديان والرسالات ومدفن الأنبياء والرسل والأئمة”. 

إلى ذلك يوجّه التميمي في حديث مع “الحل نت”، رسالة تحذيرية لمحور إيران، بقوله: “‏يحتاج الحشد والفصائل والمحور الولائي في العراق إلى مفكرين وصناع رأي وفقهاء مجددين يترجمون هذه التحولات إلى ثقافة مدرسية في صفوف اتباعهم ليتمكنوا من استيعاب القادم مع أقل الأضرار”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات