في زيارة رسمية بطلب من واشنطن، التقى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، أمس الاثنين، في “البيت الأبيض”، الرئيس الأميركي جو بايدن، بحثت العديد من الملفات المشتركة بين العراق وأميركا، أهمها الأمنية والاقتصادية ووضع المنطقة، فما الذي تمخض عن اللقاء؟ 

بايدن قال خلال لقائه السوداني: ملتزمون بحماية مصالح أميركا وشركائها في المنطقة، بما فيها العراق، مؤكدا عزمه الابتعاد عن تمدد الصراع في الشرق الأوسط، فيما قال، إن الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق بالغة الأهمية ونرى ذلك في اتفاقية الإطار الاستراتيجي ومحاربة تنظيم “داعش”.

وفي تغريدة له عبر منصة “إكس” اليوم الثلاثاء، قال بايدن: “التقيت اليوم برئيس وزراء العراق السوداني لإجراء محادثة واسعة النطاق حول رؤيتنا لعلاقة واسعة ومتعددة الأوجه”، مردفا، أن ‏”المحادثات تراوحت بين الاستقرار الإقليمي وتوسيع الفرص للعائلات العراقية وتعزيز سيادة العراق وأمنه”.

أما رئيس الحكومة العراقية، السوداني، فقال: نعمل على الانتقال مع العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع الولايات المتحدة، مضيفا، أن العراق جاد في تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وأكد لبايدن: نريد وقف الصراع بالشرق الأوسط ومنع اتساعه.

السوداني أردف: زيارتنا إلى واشنطن تأتي في وقت حساس ودقيق ولها أهمية في تاريخ العلاقة بين البلدين، إذ قال: قاتلنا معا وانتصرنا على الإرهاب وتحقق ذلك بفعل الشعب العراقي وتكاتف مكوناته، وضعنا المنهجية السليمة للانتقال العسكري من خلال اللجنة العليا التي ستقدر الموقف وقدرات الأجهزة الأمنية، لافتا إلى أن وجوده في واشنطن يحمل الرغبة بالنهوض بواقع شعب بلد عريق مثل العراق.

تفاصيل لقاء السوداني وبايدن الدقيقة 

لاحقا، صدر بيان مشترك للمباحثات العراقية الأميركية التي جرت في “البيت الأبيض”، جاء فيه، أن الرئيسين السوداني وبايدن أكّدا التزامهما بالشراكة الاستراتيجية الدائمة بين العراق والولايات المتحدة وناقشا رؤيتهما للتعاون الثنائي الشامل بموجب اتفاقية الإطار الإستراتيجي بين العراق الولايات المتحدة لعام 2008، واتفق الرئيسان على أهمية العمل معا لتعزيز الاستقرار الإقليمي واحترام سيادة العراق واستقراره وأمنه.

كما أكد رئيس الوزراء العراقي والرئيس الأميركي، أن الاقتصاد العراقي المتنوع والمتنامي والمتكامل مع المنطقة والنظام الاقتصادي العالمي هو الأساس للاستقرار الدائم في المنطقة والازدهار لشعب العراق.

وتبادل الرئيسان وجهات النظر حول سُبل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين العراق والولايات المتحدة لتعزيز الأهداف المشتركة، بما في ذلك دعم دولة عراقية قوية ومستقرة تعمل على تعزيز السلام والتقدم في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير، وفق البيان.

البيان المشترك، قال إن الرئيس بايدن أشاد بالتقدم الذي أحرزه العراق بتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وناقش الرئيسان الفرص المستقبلية من أجل تحقيق التعاون الثنائي في هذا الصدد لتحقيق الاكتفاء بحلول عام 2030 وبمساعدة من الشركات الأميركية.

وأكد بايدن استمرار دعم الولايات المتحدة جهود العراق لتحديث قطاع الطاقة لديه وتقليل انبعاثات غاز الميثان، وتحسين الصحّة العامة، وتوفير الكهرباء بشكل أكثر موثوقية للشعب العراقي، وإكمال ربط شبكات الطاقة الكهربائية مع الدول المجاورة، لا سيما مع الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي.

وبحسب البيان المشترك، فقد أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس بايدن أهمية ضمان وصول النفط العراقي إلى الأسواق الدولية، وأعربا عن رغبتيهما في إعادة فتح خط الأنابيب بين العراق وتركيا.

بايدن أكد أيضا، دعم الولايات المتحدة للعراق في تعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي، ودول المنطقة؛ لضمان الأمن والاستقرار وتعزيز الرخاء لشعوبها، وتعهد أيضا بمواصلة دعم الولايات المتحدة لتحقيق تكامل اقتصادي أكبر للعراق مع منطقة الشرق الأوسط.

كما ناقش السوداني وبايدن وجهة نظرهما المشتركة بأنّ إقليم كردستان العراق جزء لا يتجزأ من الرخاء والاستقرار الشامل في العراق، إذ أشاد بايدن بجهود رئيس مجلس الوزراء وحكومة إقليم كردستان العراق للتوصل إلى حل جميع القضايا الموروثة العالقة بما فيها الترتيبات الحالية لدفع رواتب شهرين لموظفي حكومة إقليم كردستان العراق، وشجع على الاستمرار بالتقدم، وأكد الرئيس الأميركي دعم الولايات المتحدة لترسيخ الديمقراطية في العراق، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة وعادلة وشفافة في إقليم كردستان العراق.

وناقش الرئيسان وفق البيان، جهود العراق المتقدمة لإصلاح القطاعين المالي والمصرفي التي تساعد على ربط العراق بالاقتصاد الدولي وزيادة التجارة مع حماية الشعب العراقي من الآثار الضارة للفساد وغسل الأموال، وما تحقق خلال عامي 2023 و2024، بقيام البنوك في العراق بتوسيع (علاقات المراسلة) مع المؤسسات المالية الدولية لتمكين تمويل التجارة، حيث تتم الآن غالبية عمليات تمويل التجارة من خلال هذه القنوات، وأكد الرئيسان أهمية هذه الإجراءات وغيرها بتحسين مناخ الاستثمار في العراق لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي.

البيان قال، إن العراق يلتزم مع الولايات المتحدة بتعزيز تعاونهما؛ لتحقيق قدر أكبر من الشفافية والتعاون ضد عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاحتيال والفساد والأنشطة الخاضعة للعقوبات، التي يمكن أن تقوض سلامة الأنظمة المالية في كلا البلدين، كما يلتزمان بدعم “البنك المركزي العراقي” في إنهاء منصّة المزادات الإلكترونية للتحويلات المالية الدولية بحلول نهاية عام 2024، من خلال التعامل المباشر بين البنوك المرخصة في العراق والبنوك العالمية المراسلة المعتمدة؛ لتحقيق هذا التحول الذي سيربط العراقيين والشركات العراقية بالمنظومة الاقتصادية الدولية. 

واتفق رئيس مجلس الوزراء العراقي والرئيس الأميركي، على أن قوات الأمن العراقية يجب أن تكون قادرة على ضمان عدم تمكن “داعش” من إعادة تشكيل صفوفه مرة أخرى داخل العراق؛ لتهديد الشعب العراقي أو المنطقة أو المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، وأشار بايدن، إلى أن الهزيمة الدائمة لتنظيم “داعش” ستساعد في ضمان أمن العراق والمنطقة والعالم في المستقبل، بما ينعكس على تحقيق تطلعات الشعب العراقي في التطور الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي ولعب دور قيادي في المنطقة.

عقب ذلك، عقد السوداني اجتماعا مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أكد خلاله حرص الحكومة على إدامة العلاقات بين البلدين، وأكد بدء العمل نحو علاقة شراكة من خلال اللجنة التنسيقية العليا لتقييم الموقف العسكري ومخاطر “داعش”، وقدرات الأجهزة الأمنية للوصول إلى مقترحات تتعلق بجدول زمني لإنهاء مهمة “التحالف الدولي” في العراق.

كما أكد السوداني، أن اللجنة المعنية ستعقد اجتماعها الثاني في شهر تموز/ يوليو المقبل؛ من أجل التعاون الثنائي وفقاً للدستور العراقي والاتفاقية الستراتيجية، مشدّدا على اهتمام العراق بالحصول على الخبرات والتسليح والتجارب والحرص على الشراكة الأمنية مع واشنطن.

أما أوستن، فقد عبّر عن تقديره للشراكة المستمرة مع العراق التي ازدادت قوة في ظل حكومة السوداني، مؤكدا الالتزام بما يقوم به العراق في مواجهة الإرهاب، مشدّدا على عمق العلاقات المشتركة بما فيها التعاون الأمني والرغبة في الحوار نحو علاقة ستراتيجية في إطار الاتفاقية بين البلدين.

نتائج اجتماع اللجنة التنسيقية المشتركة 

في سياق آخر، عقدت اللجنة التنسيقية العليا (HCC) بين العراق والولايات المتحدة اجتماعا في واشنطن، إذ ذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، أن “وفد جمهورية العراق ترأسه نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط محمد تميم، ووفد حكومة الولايات المتحدة، بقيادة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وأن الاجتماع جاء وفقا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة لعام 2008”.

وأكد الجانبان، وفقا للبيان، أهمية الشراكة الثنائية ودور العراق الحيوي في أمن المنطقة وازدهارها، وأعربا عن رغبتها في توسيع عمق ونطاق العلاقة بين البلدين، بما في ذلك في مجالات استقلالية الطاقة، والإصلاح المالي، وتقديم الخدمات للشعب العراقي، وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، وتعزيز العلاقات التعليمية والثقافية، كما شارك ممثلون عن حكومة إقليم كردستان العراق في الاجتماع.

وعبر الوفد العراقي والوفد الأميركي، عن رأي مشترك بأنّ “العراق يمتلك القدرة على استغلال موارده الهائلة من الغاز الطبيعي، والاستثمار في بنية تحتية جديدة للطاقة ومصادر الطاقة المتجددة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030، وأثنت الولايات المتحدة على العراق للتقدم الذي أحرزه في مجال تقليل انبعاثات الغاز والعمل على تسويق الغاز المصاحب، وتعد إمكانات الغاز الكبيرة في إقليم كردستان العراق عنصرًا رئيسًا بأمن الطاقة في العراق، كما هو الحال مع زيادة استثمارات القطاع الخاص”.

وأضاف البيان، أنه “”للسماح للعراق بالاستفادة من التكنولوجيا والخبرة الرائدة للقطاع الخاص الأميركي، أعلن العراق والولايات المتحدة عن توقيع مذكرات تفاهم جديدة لمعالجة الغاز المحترق وتحويله إلى كهرباء قابلة للاستخدام للشعب العراقي، كما أكد الجانبان أهمية استئناف صادرات النفط عبر خط الأنابيب العراقي التركي”.

وأشادت الولايات المتحدة بـ”العراق لجهوده الكبيرة في زيادة التواصل الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بالربط الكهربائي مع الأردن والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وبعد سنوات من العمل لبناء ترابطه مع الأردن، بدأ العراق في استقبال 40 ميغاواط من الكهرباء لشعبه؛ ومن المقرر أن تزداد الطاقة في المراحل المستقبلية إلى 900 ميغاواط، وقد أكد العراق أن تعزيز الروابط، التي تقوم على المصالح المشتركة مع الجيران، أمر أساس للازدهار المحلي”.

وتابع البيان، أن “العراق والولايات المتحدة ناقشا أيضا، اهتمام العراق باستخدام الطاقة النووية السلمية، بما في ذلك التقنيات النووية الناشئة، كما ناقشا التقدم الكبير الذي أحرزه العراق في تحديث قطاعه المالي والمصرفي، مما أدى إلى توسيع علاقات المراسلة مع البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا”.

وقرر الجانبان، بحسب البيان، “تعزيز التعاون من خلال خطة مشاركة معززة بين الأطراف الفاعلة الرئيسة في حكومة العراق ووزارة الخزانة الأميركية، كما أشار العراق والولايات المتحدة إلى أهمية تحسين مناخ الاستثمار في العراق ومكافحة الفساد، وهي الركائز الأساسية لجهود رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الإصلاحية”.

وأشار البيان، إلى أنه “لدعم تطوير الأعمال الخاصة في العراق، ستقدم مؤسسة التمويل الدولية للتنمية التابعة للولايات المتحدة قرضا بقيمة 50 مليون دولار، بتسهيل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية للبنك الوطني العراقي؛ من أجل تقديم القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على الأعمال التي لم تكن لها حسابات بنكية سابقة والأعمال التي تقودها النساء”.

وجدد العراق التزامه “بجهوده المستمرة بشأن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وحماية حقوق الملكية الفكرية، كما التزمت الولايات المتحدة بدعم سلسلة من مشاريع برنامج الزائر الدولي القيادي للعراقيين لتطوير الخبرات في هذه المجالات، وأقرّ الطرفان بأهمية المشاريع الإستراتيجية والبنية التحتية في العراق، التي ستدعم التكامل الإقليمي وتعزز التجارة الدولية”.

كما أعربت الولايات المتحدة عن “قلقها بشأن تأثيرات تغير المناخ التي يشعر بها الشعب العراقي، وتعهدت بمواصلة دعمها لحل أزمة المياه في العراق وتحسين الصحة العامة، وأشادت بعمل اللجنة العليا للمياه لتحسين إدارة موارد المياه في العراق، ويعتزم البلدان العمل معا بشكل وثيق لمعالجة تغير المناخ وشح المياه في العراق، وإنهاء حرق الغاز للحدّ من انبعاثات الميثان”.

وفيما يخص التعليم العالي والثقافة، بحثت الحكومتان، بحسب البيان، دعم الولايات المتحدة لبرنامج المنح الدراسية، الذي أعاده رئيس الوزراء العراقي بهدف زيادة عدد الطلاب العراقيين الذين يدرسون في الخارج، إذ تعتزم حكومة العراق إرسال 3 آلاف طالب وطالبة للدراسة في الولايات المتحدة، من أصل 5 آلاف طالب وطالبة تخطط لإرسالهم للدراسة في الخارج، ورحبت الدولتان بالمبادرات التي تهدف إلى توسيع تعليم اللغة الإنجليزية وإرشاد الطلاب العراقيين المهتمين بالدراسة في الولايات المتحدة، أو الذين ينوون السفر إليها.

واستعرض الوفدان، وفقا للبيان، التقدم المحرز في جهودهما المشتركة للحفاظ على التراث الثقافي الغني للعراق وتنوعه الديني، وأكدا عزمهما على الاستمرار في تسهيل إعادة الممتلكات الثقافية العراقية إلى مكانها الصحيح في العراق، وبناء على ذلك، وخلال اجتماع اللجنة التنسيقية العليا، نسقت وزارة الخارجية الأمريكية نقل قطعة أثرية سومرية قديمة أعادها متحف متروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك إلى العراق، والتزمت بإعادة المزيد من القطع الأثرية العراقية في المستقبل. 

في النهاية، أكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى بغداد، آلينا رومانوسكي، اليوم الثلاثاء، أن أميركا ملتزمة بتعزيز سيادة وأمن العراق، قائلة في تغريدة عبر منصة “إكس”: “نحن ملتزمون بتعزيز الاستقرار الإقليمي وتوسيع الفرص الاقتصادية للعراقيين، وتعزيز سيادة وأمن العراق”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات