طرحت حركة مجتمع السلم (حمس) في الجزائر، نموذجاً مغايراً للتحركات السياسية التي ميزت الأذرع الإخوانية في المغرب العربي، منذ أشرك الجيش الجزائري قيادات الحركة في مناصب وزارية في العام 1995. ومنذ ذلك الحين، حصلت “حمس” على سبع حقائب وزارية. وهو ما تطور في العام 2004، حيث أصبح الحزب جزءا من تحالف سياسي مع حزبين آخرين، لتوطيد سلطة الرئيس المدعوم من الجيش، آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة.

ويمكن القول إن انخراط الإخوان ضمن تحالف السلطة في الجزائر، أفقدهم قدراً كبيراً من الشعبية، في ظل عدم قدرتهم على تحقيق إصلاحات حقيقية، أو التأثير على السلطة المدعومة من المؤسسة العسكرية، ممّا عرّض الحركة لانتقادات حادة، الأمر الذي دفع مجموعة رئيسية في الحزب إلى الانشقاق؛ وذلك بخروج القيادي في الحركة عبد المجيد مناصرة ومجموعته، إثر انفجار الصراع بين التيار الذي يقوده الأول وجناح أبو جرة سلطاني، إثر تقلد الأخير منصب وزير دولة بدون حقيبة، ثم تلى ذلك انعقاد المؤتمر الرابع في العام 2008، حيث بلغت الأزمة ذروتها؛ بعد فوز أبي جرة سلطاني بعهدة ثانية، وقيامه بإقصاء خصومه من المناصب الهامة في الحزب.

مقري يجمع شتات “الإخوان”

سرعان ما ظهرت القيادة الديناميكية، التي افتقدتها “حركة مجتمع السلم”، منذ رحيل المؤسس، الشيخ محفوظ نحناح، في العام 2003. إثر بزوغ نجم القيادي عبد الرزاق مقري، الذي عمل نائباً لسلطاني، قبل أن ينفرد بقيادة “حمس” منذ العام 2013.

بعد وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة، حافظ مقري على مسافة بينية جيدة مع الرئاسة، حيث تعددت اللقاءات بين الرئيس الجزائري، وزعيم الإخوان.

صنع عبد الرزاق مقري مجده الخاص إبان حادثة السفينة مرمرة في العام 2010، بمشاركته ضمن قافلة الحرية التركية، التي استهدفت كسر الحصار عن قطاع غزة، في 31 أيار/ مايو من العام 2010، وهاجمتها البحرية الإسرائيلة في المياه الدولية، حيث قتل تسعة من الأتراك الذين كانوا على متن السفينة، واقتيد الباقيين ومنهم مقري إلى الشاطئ، قبل أن يطلق سراحهم جميعاً.

وسرعان ما انخرط الزعيم الجديد لـ”حمس” ضمن أنشطة التنظيم الدولي للإخوان، في مرحلة شهدت صعوداً كبيراً للأذراع الإخوانية في المغرب العربي، حيث هيمن “حزب العدالة والتنمية” (المصباح) على الحكم في المغرب، وفرضت “حركة النهضة” التونسية سطوتها على الحياة السياسية في تونس، كما شهدت تلك الفترة صعوداً ملحوظاً لـ”حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” (تواصل) في موريتانيا. بينما وقف الإخوان في الجزائر عند الحدود التي قررتها السلطة، الأمر الذي دفع مقري إلى المناورة، وعدم المخاطرة بقبول الفتات السياسي، رافعاً شعار المقاطعة، والقيام بدور المعارضة؛ علّ الحركة تفلح في استعادة بريقها السياسي على الصعيد الشعبي.

وفي المقابل، لمع نجم مقري داخل صفوف التنظيم الدولي؛ ليصبح الأمين العام لمنتدى كوالالمبور في العام 2015، وهو البوابة الآسيوية الأبرز، لأنشطة التنظيم الدولي للجماعة.

واصل مقري سياسة المقاطعة، وأعلن في العام 2014، رفضه المشاركة في المشاورات التي أطلقتها الدولة حول الدستور؛ واتهم السلطة بأنّها “احتكرت مسار المشاورات الخاصّة بالتعديل الدستوري، لأنّها تشرف على كل مسار المشاورات حول الدستور، فهي من تكتب المسودة وهي من تختار المدعوين؛ ثم تقرر وحدها كيف تأخذ الاقتراحات، وفي الأخير هي من تصيغ النسخة الأخيرة”. بحسب قوله، مؤكداً أن “السلطة لن تأخذ بأي اقتراح، وأن النص الدستوري الجديد بصدد صياغته من طرف جهات خفية”.

استراتيجية المقاطعة

تلقت الحركة في أيار/ مايو 2017، عرضاً من الرئاسة بالمشاركة في الحكومة، بعد نتائج الانتخابات النيابية، وبحسب مصادر خاصّة تحدثت إلى “الحل نت”، فإنّ عبد الرزاق مقري التقى برئيس الوزراء، آنذاك، عبد المالك سلال، حيث رفض مقري العرض المقدم إليه، مطالباً بوزارة سيادية، وحقيبتين أخريين، وهو ما رفضه رئيس الحكومة، والذي تواصل بعد اللقاء، بحسب المصدر الخاص، مع عناصر من داخل الحزب، للالتفاف على رفض مقري للعرض، وتجاوزه.

ومع الميل إلى المشاركة في الحكومة لدى بعض قيادات “حمس”، هدّد مقري بالاستقالة؛ حال جاء تصويت مجلس شورى الحركة لصالح عرض المشاركة في الحكومة. بل وخرج على الملأ؛ ليعلن ذلك في مؤتمر صحفي، قال فيه: “سأستقيل من منصبي؛ إذا صوت مجلس الشورى على قرار دخول الحزب للحكومة القادمة”. وبالفعل نجح الرجل القوي في احتواء المعارضة داخل الحزب، وتم رفض العرض.

ومع انفجار المظاهرات الرافضة لترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، انتهجت الحركة استراتيجية حذرة، حيث لم تفرط في دعم المعارضة؛ ولم تنخرط في الحراك الاحتجاجي، إلا بعد وضوح الصورة، الأمر الذي دفع المجموعات الثورية إلى رفض مشاركة “حمس”، بل وطرد عبد الرزاق مقري من إحدى الفعاليات الاحتجاجية، حيث حاول الأخير اللحاق بالموجة الأخيرة من الحدث الثوري.

اجتماع قيادة حركة “مجتمع السلم” (حمس)- “حساب الحزب”

وبعد استقالة بوتفليقة؛ تحت ضغط الشارع وبتدخل من الجيش، أحجمت “حمس” عن الدخول إلى معترك الانتخابات الرئاسية، بداعي افتقادها للشفافية وللضمانات اللازمة، على الرغم من شروع مقري في اتخاذ خطوات جادة للترشح، وهو ما أكده بيان رسمي صادر عن “حمس”، قالت فيه إن “المكتب الوطني للحركة يدعو كافة المناضلين والمنتخبين، إلى التأهب والاستعداد لجمع التوقيعات لخوض غمار الرئاسيات بمرشحها بجدارة واستحقاق”. قبل أن تتراجع الحركة عن الدفع بمرشحها، إلا أن حلم الرئاسة لم يغادر عقل مقري.

وبعد وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة، حافظ مقري على مسافة بينية جيدة مع الرئاسة، حيث تعددت اللقاءات بين الرئيس الجزائري، وزعيم الإخوان، للتشاور حول الشأن العام.

وفي حزيران/ يونيو 2019، أعلنت “حركة مجتمع السلم”، من جديد، رفضها المشاركة في الحكومة الجزائرية الجديدة، برئاسة أيمن بن عبد الرحمن، في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية التي حصدت فيها “حمس” المرتبة الثالثة بـ 65 مقعداً من إجمالي 407 مقعداً. وزعم عبد الرزاق مقري أن قراره يأتي بسبب ما وصفه بــ “التزوير الممنهج الذي قادته بقايا العصابة”.

حلم الرئاسة يراود مقري

عشر سنوات في قيادة “حركة مجتمع السلم”، ومثلها في ممارسة أدوار قيادية داخل التنظيم الدولي للإخوان، كانت كفيلة بإصابة عبد الرزاق مقري بتضخم الذات، ومع اقتراب عهدته الثانية في رئاسة الحركة على الانتهاء، جرت مساعي حقيقية لتغيير اللائحة الداخلية لـ”حمس”، من أجل تمكين مقري من الحصول على ولاية ثانية، وهو ما أثار حالة من اللغط بين شباب الحركة، آثر في أعقابها مقري حماية الحزب من التصدع، والدفع خلف عبد العالي حساني شريف، أحد المقربين منه، ليترأس الحزب.

مقري أعلن في أكثر من مناسبة، أنه لا يستبعد خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن أحجم عن خوض الانتخابات السابقة، رغم خروج إشارات منه، آنذاك، تدعم الفكرة، إلا أن مصادر مقربة من الحزب الإخواني أكدت لـ”الحل نت” وجود انقسام داخل الحزب، حول دعم مقري.

ومع الوقت، يبدو أن حساني الذي راح يثبت أقدامه داخل الحركة، يحاول التخلص من الضغوطات التي مارسها الجناح الموالي للرئيس السابق، وبلغ الأمر ذروته، بحسب مصدر أمني جزائري مطلع تواصل مع “الحل نت”، في أعقاب توقيف مقري، إثر مخالفته لأوامر السلطات الأمنية، بضرورة ترخيص التظاهرات الخاصة بالتضامن مع غزة، حيث ظهر مقري وهو يجوب الشوارع في قلب العاصمة، ويخاطب المواطنين محرضاً على التظاهر، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما دفع الشرطة إلى توقيفه، قبل الإفراج عنه، بعد نحو ساعتين من التحقيقات.

توقيف مقري، ومخالفته للتعليمات الأمنية، وضعت الحركة في مأزق سياسي، وقد ظهرت وكأنها باتت خارجة على القانون، الأمر الذي دفع، بحسب المصدر الخاص، حساني إلى التأكيد على أن تصرفات الرئيس السابق تمثله وحده، وذلك في اجتماع مع قيادة أمنية رفيعة، وأن “حركة مجتمع السلم” وإن كانت ترفض توقيف رئيسها السابق؛ إلا أنها حريصة على النظام وتشعر بالمسؤولية تجاه الأولويات الأمنية في البلاد.

في أعقاب الاجتماع، سُمح للحركة بتنظيم فعالية حاشدة، غاب عنها رئيسها السابق، في رسالة واضحة من الحركة إلى السلطة، بأنها سوف تلتزم بالمعايير الأمنية، في حين واجه مقري عقوبة جديدة، في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، حيث منعته شرطة الحدود من الخروج من البلاد، وهو ما وصفه مقري بأنه عقاب شخصي له؛ بسبب تضامنه مع فلسطين. مضيفاً: “خرجنا للشوارع دون ترخيص في زمن زروال وبوتفليقة، ضدّ التزوير، ومن أجل العراق، وتضامنا مع غـزة والمقـlومة، وضدّ العهدة الرابعة، وضدّ الغاز الصخري وضد الإساءة ولم يتم التصرف مع أي كان بالشكل المعمول به حالياً في هذه الفترة”.

ومن جديد، حاول حساني امتصاص التداعيات الناتجة عن تصريحات عبد الرزاق مقري، حيث استفسرت الحركة على استحياء عن الأسباب الكامنة خلف منع رئيسها السابق من السفر، قبل أن تباشر نشاطها السياسي دون التفات إلى الأمر، وتجلى ذلك في اللقاء الذي استقبل فيه الرئيس تبون، زعيم “حركة مجتمع السلم”، وظهر مدى التوافق بين الطرفين حول مختلف القضايا، رغم الأدوار التي يقوم بها رئيس الكتلة البرلمانية، أحمد صادوق، والتي تبدو معارضة للحكومة، لكن ذلك يجري وفق حدود بعينها.

مقري أعلن في أكثر من مناسبة، أنه لا يستبعد خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن أحجم عن خوض الانتخابات السابقة، رغم خروج إشارات منه، آنذاك، تدعم الفكرة، إلا أن مصادر مقربة من الحزب الإخواني أكدت لـ”الحل نت” وجود انقسام داخل الحزب، حول دعم مقري، أو الدخول في صفقة سياسية يدعم فيها الحزب الرئيس تبون، مقابل الاشتراك في الحكومة المقبلة، الأمر الذي قد يمثل صفعة حقيقية للرئيس السابق للحركة، خاصّة وأن الرئيس الحالي لـ”حمس”، عبد العالي حساني يدعم هذا الاتجاه.

حساني أعلن في شباط/ فبراير الفائت مشاركة حزبه في الانتخابات الرئاسية، المقررة نهاية العام الحالي، دون أن يعلن عن طبيعة هذه المشاركة، وهل ستكون على غرار قيام الحزب في العام 2004، بدعم عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثانية. لافتاً إلى أن الكلمة الأخيرة بخصوص المشاركة في الانتخابات تعود إلى مجلس الشورى المركزي، والذي يتألف من 250 عضواً.

وعندما سئل حساني عن مدى صحة إعلان الرئيس السابق عبد الرزاق مقري، الترشح للانتخابات باسم “حركة مجتمع السلم”؛ ردّ باقتضاب شديد: “لا يمكن لأحد أن يقرر مكان مجلس الشورى، وحتى أنا لا يمكنني أن أزعم أنني مرشح”.

وأمام “حركة مجتمع السلم” مسار آخر، ربما لا تقدم عليه، وهو الاصطفاف خلف أحزاب التحالف الوطني الجمهوري، ودعم الوزير السابق بلقاسم ساحلي الذي أعلن نيته الترشح، وهو خيار تدرك “حمس” صعوبة تحققه، نظراً لضعف أحزاب المعارضة الخمسة التي يتكون منها التحالف، ويبدو السيناريو الأول هو الأقرب لصناع القرار في “حمس”، وهو دعم الرئيس تبون، والتخلي عن مقري، في مقابل عدة حقائب وزارية، تعيد بها الحركة سيرتها الأولى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات