لا يمكن بحال من الأحوال قراءة حادثة هروب وفرار أو بالأحرى تهريب قادة من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي الموجودين بسجن في عفرين ضمن مناطق سيطرة القوات التركية وفصائلها المحلية، بمعزل عن عدة اعتبارات، منها بشكل أساسي التلميح بوجود تسهيلات من الشرطة العسكرية لإنفاذ مهمة الهروب ووصول بعضهم إلى تركيا.

ففي ظل التقارير الحقوقية التي تبعث بصورة مأساوية عن مدينة عفرين الواقعة في أقصى شمال غرب سوريا، فإن وجود تنظيم “داعش” ارتبط عضوياً بالوجود التركي في سوريا، وكان له اليد الطولى في تنفيذ خطط أنقرة المختلفة، وقد كانت الحدود المشتركة مفتوحة ومساحة تتحول إلى ملاذ آمن لحركة التنظيم الإرهابي الذي تم دحره على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في آخر معاقله بالباغوز عام 2019، ومن ثم، تلك العلاقة التي جمعت أنقرة بـ”داعش” مثل عقد له بنود عديدة تجعل دورة الزمن تأخذ مساراتها وتتجدد طالما العداء للأكراد ووجودهم يشكل الخطر الداهم على خطاب رجب طيب أردوغان السياسي، ويشمل كل تحركاته. فأردوغان يتحالف مع الشيطان في هيئة “داعش” أو أي صورة أخرى طالما سينهي له الخطر الكُردي المزعوم.

علاقة تركيا مع “داعش”

بالتالي، تمثل العلاقة بين “داعش” وتركيا خاصة في المناطق الكُردية بسوريا حتمية وبراغماتية ولها أكثر من وجه، حيث إن الفصائل المسلحة الموجودة وتنضوي في تنظيم ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” هي نسخة خفية أو المصنع الذي يحمي “داعش”، ويوفر عناصر بصورة متجددة. فإلى جانب كون هؤلاء من خلفيات سلفية جهادية متشددة فهم كذلك من فلول التنظيم الذي خسر مساحاته بين سوريا والعراق. 

تمثل العلاقة بين “داعش” وتركيا خاصة في المناطق الكُردية بسوريا حتمية وبراغماتية ولها أكثر من وجه- “إنترنت”

وتعد الخلفية الإسلاموية الجهادية العسكرية إلى جانب الانتماء القومي المتشدد هو الآخر هما الوسيلة الكفاحية الاستراتيجية لتنفيذ أهداف تركيا المرتبطة بتوطين قوى جديدة وتشكيل بيئة معادية لاستقرار الكُردي حتى تواصل عزله ونبذه، وتعمل على مطاردته. 

وفي حين سبق لصحيفة “الاندبندنت” البريطانية أن أكدت من خلال انفرادها باعترافات لمقاتل داعشي سابق دور القوات التركية بتدريب عناصر “داعش”، حتى تقوم بمهامها العدائية العدوانية ضد الأكراد في عفرين، فإن ذلك لا يختلف عن تلك الانتهاكات الحقوقية التي وثقتها “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها الأخير العام الحالي من خلال الفصائل المسلحة، بل ويؤكد أن الأهداف لا تتغير وهي استراتيجية بما يجعل وجود “داعش” فرضية ثابتة ولها راهنية سواء بشكل مباشر وبوجههم الحقيقي أو عبر الفصائل التي تم صناعتها وتوفير الرعاية لها من قبل أنقرة.

فيما نقلت الصحيفة البريطانية عن الداعشي السابق قوله: “غالبية هؤلاء الذين يقاتلون في عفرين ضد وحدات حماية الشعب الكردي دواعش”. كما أشار إلى أن تركيا قد “دربت هؤلاء المسلحين من أجل تغيير تكتيكاتهم العسكرية، بحيث يعتمدون أساليب جديدة مختلفة عن السيارات المفخخة والهجمات الانتحارية، حتى لا تظهر العملية التعاون التركي الداعشي وتثير انتقادات دولية. حاولت تركيا في بداية العملية خداع الناس مدعية أنها تحارب داعش، لكن في الحقيقة كانت تدرب هؤلاء وترسلهم إلى عفرين”.

الأمر الأكثر أهمية في تقرير الصحيفة البريطانية، والذي يشي باعتماد أنقرة التام على “داعش” وأن صلاتهم لم تنقطع رغم ما يبدو ظاهرياً من انفكاك الرابطة القديمة التي فضحتها تقارير عديدة، ووثقتها شهادات متباينة، أن العملية العسكرية التركية التي عرفت باسم “غصن الزيتون” شارك في غالبيتها عناصر وقادة من تنظيم “داعش” الإرهابي. 

كما لمحت الصحيفة إلى أن التنظيم تم إرغامه على القتال ضمن الجيش السوري الحر، بما يجعل وجودهم ضمن فصائل ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” أمراً ممكناً وليس غريباً أو مستهجناً!

ولا يختلف ذلك عن ما سبق وكشفت عنه “وزارة الدفاع الأميركية” (البنتاغون)، التي قالت إن “الهجوم التركي على وحدات حماية الشعب كانت له انعكاسات سلبية بخصوص الحرب على داعش”. وقد أوضح الناطق بلسان “البنتاغون” الميجور آدريان رانكين-غالواي: “نحن على علم بمغادرة قسم من عناصر قوات سوريا الديموقراطية من منطقة وادي الفرات الأوسط، ونواصل الإشارة إلى التكاليف المحتملة لأي انحراف عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”. وقال إن قسد “تواصل احتواء تنظيم الدولة الإسلامية ودحره في وادي الفرات الأوسط”.

تركيا ملاذ آمن لفلول “داعش”

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فقد وصل إلى تركيا 6 من تنظيم ما يعرف بـ”الدولة الإسلامية” الذين فروا مع آخرين من سجن تشرف عليه الشرطة العسكرية التابعة للقوات التركية في ناحية بلبل في ريف عفرين ضمن منطقة “غصن الزيتون” وذلك بمساعدة عناصر الفصائل التي عملت على تهريبهم، فيما جرى اعتقال عنصرين و4 آخرين لم يتم معرفة وجهتهم حتى اللحظة.

سياسة فصائل “المعارضة السورية”، الداعمة لـ”داعش” تصب في نفس اتجاه الممارسات العنيفة التي تجري بعفرين وتماثل ما تقوم به “داعش”.

وقال المرصد الحقوقي، مقره لندن، إن 12 سجيناً من عناصر وقيادات تنظيم الإرهابي فروا من سجن تشرف عليه الشرطة العسكرية التابعة للقوات التركية في ناحية بلبل في ريف عفرين ضمن منطقة “غصن الزيتون”، بتواطؤ وتعاون مباشر من عناصر وقيادات الشرطة العسكرية، وقد نقلوا عن نشطاء قولهم إنه بعد أن تم فضح أمر الشرطة العسكرية، وللتغطية على عملية التهريب قامت باعتقال شخصين من الفارين. 

وتضم المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية في مناطق “درع الفرات”، و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” قادة من تنظيم “داعش” الإرهابي حيث يعتبر تلك مناطق بيئة أمنة لهم.

وتابع: “تم تهريبهم من سجن راجو بتواطؤ مباشر من مسؤولي السجن، مقابل مبالغ مالية تراوحت ما بين 1000 – 3000 دولار أميركي لقاء العنصر الواحد، بينما دفع البعض مبالغ مالية وصلت لحد 10 آلاف دولار أميركي حتى تمكنوا من الهروب. ويضم السجن العشرات من المواطنين من أبناء منطقة عفرين الذين جرى اعتقالهم بتهمة بالتعامل مع القوات الكُردية، ويقع السجن على مقربة من الحدود التركية السورية. 

وعملية تهريب السجناء يتم عن طريق قيادي من “التنظيم” يحمل الجنسية الجزائرية المسؤول عن ملف السجناء “التنظيم” في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، مقابل مبالغ مالية ضخمة”، طبقاً للمرصد السوري.

وبناء عليه، لا تعد الحادثة الأخيرة استثنائية بل هي متكررة واعتيادية، حيث سبق للمرصد السوري أن وثق مطلع العام الماضي حدوث واقعة مماثلة. لكن ملابسات الحادث تكشف عن عملية ارتزاق في الظاهر لعملية التهريب، الأمر الذي لا يختلف عن فرض الإتاوات ونهب موارد السكان الكُرد من الزيتون في المناطق التي تخضع لسيطرة الميليشيات الموالية لأنقرة، لكن الشيء الآخر الخفي هو تحريك “داعش” كورقة طوال الوقت يتم التلويح بها وتحريكها على السطح للتخويف أو الابتزاز أو إعادة التذكير بهذا السلاح الذي استعانت به تركيا لمجرد تنفيذ جرائمها الوحشية التي صنفتها المنظمات الأممية في “هيومان رايتس ووتش” بأنها “جرائم حرب” بحق الكُرد، فضلاً عن تحقيق أجندتها بخصوص التغيير الديمغرافي وصناعة حدود آمنة أو ما يعرف بمنطقة آمنة تشبه عمليات الفصل العنصري بحق الكُرد ضمن خطط الإبادة والتهجير.

وهذه السياسة الداعمة لـ”داعش” تصب في نفس اتجاه الممارسات التي تجري بعفرين وتماثل ما تقوم به “داعش”. فعشية “عيد النـوروز”، تم اعتقال عدة أفراد على خلفية إشعالهم النيران للاحتقال بالعيد القومي للكُرد والذي يرمز للحرية وقامت فرقة “الحمزات” بفرض مبالغ مالية كإتاوة للإفراج عن كل فرد وذلك بنحو 300 دولار للشخص الواحد. وفي تقرير “هيومان رايتس” المعنون بـ”كل شيء بقوة السلاح” ووصفت تركيا باعتبارها “قوة احتلال” تثبت بشكل ضمني أن المناطق في شمال غرب سوريا تبدو بيئة مناسبة لـ”داعش” الأمر الذي يبدو مقصوداً من تركيا والتي هي تحمي الفصائل المسلحة وتعفيها من المسائلة عن الجرائم المختلفة “جرائم الحرب” التي تجعل سجلها الحقوقي حافلاً بالوقائع المأساوية.

مع فرار عشرات الآلاف من الأشخاص إلى أجزاء أخرى من سوريا، وخارجها، أثناء التوغل التركي في عفرين، سارعت السلطات التركية إلى تنسيق إعادة توطين مئات العائلات العربية السنية النازحة من الغوطة الشرقية في منازل السكان الأكراد في عفرين- “إنترنت”

وبحسب التقرير: “السلطات التركية لا تتجاهل فقط الواقع البائس على الأرض في شمال سوريا، لكنها تتحمل المسؤولية المباشرة عن العديد من الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز وانتهاكات حقوق الملكية. غالباً ما تكون هذه الانتهاكات موجهة ضد المدنيين الأكراد وأي شخص آخر يُنظر إليه على أنه مرتبط بالقوات التي يقودها الأكراد، وهي تتماشى إلى حد كبير مع أهداف تركيا المعلنة المتمثلة في إضعاف الوجود الكُردي في شمال سوريا وإنشاء حزام أمني “متكامل” أو منطقة عازلة بين حدودها الجنوبية والمناطق التي تسيطر عليها “قسد” في شمال سوريا. 

ومع فرار عشرات الآلاف من الأشخاص إلى أجزاء أخرى من سوريا، وخارجها، أثناء التوغل التركي في عفرين، سارعت السلطات التركية إلى تنسيق إعادة توطين مئات العائلات العربية السنية النازحة من الغوطة الشرقية في منازل السكان الأكراد في المنطقة. وصل العديد من العائلات النازحة من الغوطة وريف دمشق وشمال حماة وإدلب، بما في ذلك عائلات المقاتلين المنتشرين في المنطقة، إلى عفرين في السنوات التي تلت ذلك. تم توثيق اتجاه مماثل في القطاع الواقع بين تل أبيض ورأس العين بعد العملية العسكرية التركية عام 2019.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات