اتهامات متبادلة بين روسيا وألمانيا أعقبت نشر موسكو تسجيل صوتي لمحادثات عسكرية سرية بين ضباط في الجيش الألماني بشأن الحرب في أوكرانيا، إذ اتهمت الحكومة الألمانية بشكل رسمي، روسيا، بشن حرب معلومات بهدف خلق انقسامات داخل البلاد، فيما ردت موسكو بأن الواقعة تظهر أن الغرب ضالع في حربها ضد أوكرانيا.

التسجيلات المسرّبة -مدتها 38 دقيقة- تظهر أربعة ضباط ألمان، بينهم قائد لسلاح الجو، يناقشون تسليم صواريخ “كروز” من طراز “توروس” إلى أوكرانيا، كما ناقشوا أيضاً تفاصيل شحنات صواريخ “سكالب” بعيدة المدى من فرنسا وبريطانيا إلى أوكرانيا.

واعتبر وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، أن “الواقعة أكبر بكثير من مجرد اعتراض محادثة وبثها. إنها جزء من حرب معلومات يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إنه هجوم مركب بهدف التضليل. يتعلق الأمر بزرع الانقسام السياسي الداخلي. إنه يتعلق بتقويض وحدتنا”.

في المقابل، قالت الرئاسة الروسية “الكرملين”، إن التسجيل الصوتي أظهر أن القوات المسلحة الألمانية تناقش خططاً لشن هجمات على الأراضي الروسية، وتساءل “الكرملين” عمّا إذا كان المستشار أولاف شولتس يسيطر على الوضع.

موسكو وسر التوقيت 

من الواضح أن موسكو اختارت التوقيت بعناية لنشر هذه التسجيلات التي بثتها رئيسة تحرير قناة “RT” التلفزيونية الحكومية الروسية مارغريتا سيمونيان، في الأول من الشهر الحالي على الرغم من أن هذه المحادثات جرت في 19 شباط/ فبراير المنصرم، إذ جاءت في نفس اليوم الذي دفن فيه زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني. وظهر التسجيل أيضاً قبل نحو أسبوعين من الانتخابات الرئاسية الروسية المقررة في الـ 17 من آذار/ مارس الجاري.

لكن أكثر ما يقلق موسكو هو مناقشة برلين تسليم صواريخ “توروس” الاستراتيجية إلى كييف، على الرغم من أن شولتس يرفض علنا وبشدة فكرة تسليم هذه الصواريخ، القادرة على إصابة أهداف على بعد ما يصل إلى 500 كيلومتر، إلى أوكرانيا، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد النزاع وإثارة توترات إضافية مع روسيا.

كان شولتس قال في إحدى المناسبات: “لا يمكنك تسليم نظام أسلحة بمدى واسع جداً بدون التفكير في كيفية التحكم فيه”. وأضاف “إذا كنت تريد التحكم، وهذا لن يحدث إلا بمشاركة جنود ألمان، فهو أمر غير وارد بالنسبة لي”.

تقاوم ألمانيا حتى الآن إرسال صواريخ “توروس” إلى أوكرانيا خشية الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا – (أ ف ب)

رودريش كيسفيتر من حزب المحافظين المعارض في ألمانيا اعتبر في حديث لقناة “ZDF” الألمانية، أن “روسيا سربت المحادثة عمداً في هذا الوقت بنية محددة، هي منع ألمانيا من تسليم صواريخ توروس لكييف”، وأضاف، أنه من المؤكد تم التنصت على عدد من المحادثات الأخرى وقد يتم تسريبها في وقت لاحق لصالح روسيا.

تقارير أشارت، إلى أن المناقشة التي دارت بين الضباط، قد تمت إدارتها عبر منصة “ويبيكس Webex”، وهي منصة أميركية خاصة بعقد المؤتمرات عبر الإنترنت. ونقلت صحيفة “بيلد أم زونتاج” عن مصادر أمنية القول، إن الاجتماع الذي تم عقده عبر “ويبيكس”، تم إرسال تفاصيله إلى الهواتف المحمولة الخاصة بالضباط، عبر خط أرضي تابع لمكتب الجيش الألماني.

تربص موسكو

بالنسبة لموسكو فإن جمع المعلومات ليس الهدف منها فقط التكتيك العسكري، وإنما إحداث شرخ بين الحلفاء أيضا في حال كان هناك اختلاف في الآراء، إضافة لزعزعة المجتمع الألماني الذي يخشى من توسع نطاق الحرب. 

بحسب المحلل السياسي والعسكري الدكتور نضال أبو زيد، فإن الجانب الروسي ظل يتربص استخبارياً للجانب الألماني إلى حين حصل على التسريبات الصوتية التي تم نشرها في المواقع الروسية، وبالتالي يبدو أن موسكو تهدف من خلال هذه التسريبات إلى إحراج برلين أمام المجتمع الألماني وأمام الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن ألمانيا هي عضو رئيسي في الاتحاد الأوروبي. 

“التسريبات التي صدرت تحوي أو تشير إلى أن الجانب الروسي أراد إظهار ألمانيا بشكل المتنحي أو الجانب الذي يعمل لوحده بمعزل عن الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بالملف الأوكراني”، يردف أبو زيد في حديث لـ “الحل نت”.

“البيت الأبيض”، اعتبر أن التسجيل الصوتي المسرّب لضباط ألمان يناقشون الحرب في أوكرانيا هو محاولة واضحة لروسيا لزرع الشقاق وإظهار انقسام وجعل الأمر يبدو وكأن الغرب ليس موحداً، وفق ما جاء على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي. 

في حين وصف وزيرا خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون وألمانيا أنالينا بيربورك، التنصت الروسي على العسكريين الألمان، بأنه محاولة لتقسيم الحلفاء الغربيين، ضمن ما يصفونه بـ “الحرب الهجينة”.

تفاصيل التحقيقات الأولية

التحقيقات الأولية، أظهرت أن ضابطاً بالجيش الألماني استخدم خط هاتف “غير آمن” في أحد فنادق سنغافورة للانضمام إلى مؤتمر عبر الهاتف اخترقه روس وتم تسريبه للعامة، وفق “اندبندنت” البريطانية.

وقال وزير الدفاع الألماني، أثناء اطلاعه الصحافيين في برلين على النتائج الأولية للتحقيق الجاري: “لم يلتزم جميع المشاركين بإجراءات الاتصال الآمن على النحو المنشود”.

الوزير أوضح، أن الضابط المعني، الذي لم يذكر اسمه، شارك في معرض سنغافورة الجوي، الذي حضره ضباط عسكريون رفيعو المستوى من جميع أنحاء أوروبا، ثم اتصل بمكالمة “WebEx” باستخدام هاتفه المحمول أو خدمة الواي فاي الخاصة بالفندق ولكن ليس خطاً آمناً كما يعتبر إلزامياً لمثل هذه المكالمات.

تعد ألمانيا من أبرز الداعمين الرئيسيين لأوكرانيا -ثاني أكبر مورد للمساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة- حيث قدمت برلين لكييف مساعدات إنسانية ومالية وعسكرية بأكثر من 22 مليار يورو منذ بدء الغزو الروسي قبل أكثر من عامين، بينما تخطط الحكومة الألمانية لتقديم أسلحة لأوكرانيا تصل قيمتها إلى أكثر من 7 مليار يورو هذا العام.

القوات الألمانية خلال تدريب مشترك مع أوكرانيا – (أ ف ب)

ووافق المشرعون الألمان في نهاية شباط/ فبراير الفائت على اقتراح يدعو الحكومة، إلى تسليم “المزيد من أنظمة الأسلحة والذخائر بعيدة المدى الضرورية” إلى أوكرانيا، لكنهم رفضوا دعوة المعارضة صراحة لإرسال صواريخ “كروز” طويلة المدى من طراز “توروس”، خوفاً من استخدامها لضرب الأراضي الروسية.

المستشار أولاف شولتس، دعا مؤخراً الدول الأوروبية الأخرى، إلى تكثيف عمليات تسليم المزيد من الأسلحة. وتعمل حكومته على زيادة المساعدات لأوكرانيا هذا العام، في وقت كانت برلين، قدّمت أنظمة دفاع جوي ودبابات وناقلات جنود مدرعة من بين مساعدات أخرى. وفي الأسبوع الماضي، وقع شولتس اتفاقية أمنية ثنائية طويلة الأمد مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

استخدام المجتمع الألماني 

موسكو وجهت التسجيل أيضا إلى المجتمع الأوروبي، خاصة الألماني، الذي يخشى توسع الحرب، إذ كشفت نتائج استطلاع للرأي في ألمانيا، أن غالبية المواطنين يتخوفون من اتساع نطاق الحرب الدائرة في أوكرانيا لتطال أراضي تابعة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

وأوضحت نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد “إينزا” لصالح صحيفة “بيلد أم زونتاغ” الألمانية، أن 61 بالمئة من الألمان لديهم هذه المخاوف، مقابل 31 بالمئة استبعدوا اتساع نطاق الحرب، وبالتالي فإن روسيا تعتقد أن هذا التسجيل سيساهم إلى حد ما بالضغط على الحكومة الألمانية. 

أما فيما يتعلق بالرد الألماني، فبحسب المحلل السياسي نضال أبو زيد، فإن برلين لا تمتلك الأدوات العسكرية والأمنية في الوقت الحالي، لكن لديها أدوات دبلوماسية، إذ يمكن أن تشوش على الجانب الروسي فيما يتعلق بالعمليات في أوكرانيا كالتصعيد في الملف الإنساني، إلى جانب التأثير على موسكو بما يتعلق في الملف الاقتصادي أو بعض الشركات التي لها امتدادات في روسيا، بمعنى أن تقوم بتشديد العقوبات الاقتصادية على موسكو. 

بناء على ذلك، فإن أكثر ما تخشاه موسكو هو تسليم برلين لكييف صواريخ “توروس” المتطورة، والذي وصفه المراقب العسكري ميخائيل خودارينوك، في مقال بصحيفة “غازيتا” الروسية، بأنه “السلاح المعجزة” الذي سيمكّن أوكرانيا من تغيير مسار العمليات العسكرية لفائدتها مع أنواع صواريخ أخرى، مؤكدا، أن هذه الصواريخ إن وصلت إلى أوكرانيا، إلى جانب “إف – 16″، فستخلق مشاكل كبيرة للغاية للقوات الروسية، حتى وإن كانت لن تضمن النصر الكامل.

لكن آثار هذا التسريب لن تدوم طويلا، في ظل اتفاق الدول الغربية على معارضة الغزو الروسي لأوكرانيا، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل سترد برلين على موسكو بتزويد كييف بصواريخ “توروس” بعد هذا الحدث؟ 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات