أعلنت ألمانيا أنها ستتوقف عن قبول أئمة مساجد مُرسلينَ من تركيا وستستعيض عن ذلك بتدريب رجال دين مسلمين على أراضيها. ويُتّهم “الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية” (ديتيب)، الذي يدير حوالي 900 مسجد بألمانيا، بالعمل لصالح أنقرة لكنه ينفي ذلك.

وقالت وزارة الداخلية الألمانية، الخميس، إن ألمانيا اتفقت مع تركيا على الإلغاء التدريجي لبرنامج مثير للجدل يتم بموجبه إرسال أئمة أتراك إلى المساجد في ألمانيا، موضحة أن هذه الخطوة ستعزز اندماج المسلمين في ألمانيا.

ألمانيا توقف أئمة من تركيا

أضافت وزارة الداخلية الألمانية، في بيان لها، أنه تم التوصل إلى اتفاق مع “ديتيب” للتخلي تدريجيا عن الأئمة الأجانب وتدريب 100 من رجال الدين المسلمين سنويا في ألمانيا ليحلّوا محلّهم، بحسب ما نقلته وكالة “فرانس برس“.

ويُتهم منتقدون المنظمة، التابعة لهيئة الشؤون الدينية في أنقرة، بالعمل لصالح الحكومة التركية وأجنداتها. فيما اعتبرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، الاتفاق خطوة مهمة “من أجل اندماج ومشاركة الجاليات المسلمة في ألمانيا”، مضيفة “إنني سعيدة بأنه تسنّى لنا للمرة الأولى بعد مفاوضات طويلة التوصل لاتفاق مع تركيا يتم من خلاله إنهاء إرسال أئمة عاملين في الدولة من تركيا”.

وأكدت فيزر: “نحن بحاجة إلى قادة دينيين يتحدثون لغتنا، ويعرفون بلدنا، ويلتزمون بقيمنا”. وتابعت: “نريد أن يشارك الأئمة في الحوار بين الأديان ومناقشة قضايا الإيمان في مجتمعنا”.

وسيتم تدريب نحو 100 إمام في ألمانيا كل عام بموجب اتفاقية بين وزارة الداخلية والهيئة الدينية التركية والاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية.

وبناء على ما توصلت إليه وزارة الداخلية الألمانية، من المقرر أن يحلّ محل 1000 داعية موجودين حاليا في ألمانيا، لدى هيئة الشؤون الدينية التركية “ديانت” ويعملون بصفة رئيسية في المساجد التابعة للهيئة التركية الإسلامية “ديتيب” في ألمانيا.

محاربة التطرف

في المقابل، يضم “ديتيب،” وهو أكبر اتحاد إسلامي في ألمانيا، نحو 900 مسجد، وله تأثير في الجدل السياسي في البلاد، كان آخره عندما تحدّث أحد أعضاء حركة “طالبان” الأفغانية في أحد مساجده في مدينة كولونيا (كولن) الشهر الماضي. 

على إثر اندلاع الحرب في قطاع غزة، ارتفع بشكل مطّرد حوادث معاداة السامية والإسلاموفوبيا في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان.

وبالتالي حذّرت الدول الغربية ولا سيما الأوروبية من خطر انبعاث الأعمال والهجمات الإرهابية في دولها ودول العالم بشكل عام، وخصوصاً الهجمات الإرهابية المباغتة التي قد ينفّذها أفراد ينتمون إلى تنظيمات إسلاموية متطرفة خلال فترة أعياد الميلاد (الكريسماس) أو رأس السنة.

وتدلل حادثة الطعن التي وقعت مؤخراً في باريس، على مدى ارتباطها بأحداث الحرب الدائرة في غزة، تزامنا مع تزايد التهديدات بهجمات ينفذها إسلاميون متطرفون كلما حصلت أزمة أو حرب ما يكون أحد طرفيها من مدّعي “الإسلام”، ويعتقد مسؤولون أمنيون أوروبيون أن “الذئاب المنفردة” الذين يصعب رصدهم يمثّلون الخطر الأكبر.

وقد تأهبت أوروبا للعنف منذ أن شنّت “حماس” هجومها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وغالباً ما كانت للحروب في الشرق الأوسط آثارها غير المباشرة على أوروبا، خاصة في البلدان التي يعيش بها عدد كبير من المسلمين واليهود، مثل فرنسا وألمانيا، بحسب تقرير لصحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية مؤخراً.

وفي بيان علني غير معتاد من ستّ صفحات، مؤخراً، قال هالدينوانغ رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، إن خطر هجوم متطرف في ألمانيا قد تزايد منذ فترة طويلة، لكن الطريقة غير المسبوقة التي تعامل بها تنظيما “القاعدة” و”داعش” مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أعطت مستوى التهديد شكلاً جديداً.

من المتوقع أن يكون قرار وقف استقبال الأئمة من تركيا كجزء من تحركات ألمانيا لمواجهة التطرف في ظل المخاوف من تداعيات الحرب في غزة على البلاد.

ولذلك يمكن القول إنه بالتزامن مع تشديد الحكومة الألمانية إجراءاتها وإصدار بعض القرارات ضد التنظيمات الإسلاموية وتحديدا حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين، فمن المتوقع أن يكون قرار وقف استقبال الأئمة من تركيا كجزء من تحركات ألمانيا لمواجهة التطرف في ظل المخاوف من تداعيات الحرب في غزة على البلاد، رغم أن هذا الأمر قد تم طرح في وقت سابق، لكن يبدو أن توقيت تطبيقه الفعلي مرتبط بالفعل للأحداث الجارية في الشرق الأوسط.

هذا وأثارت التصريحات الصادرة عن مراكز إسلامية في ألمانيا الداعمة لحركة “حماس” في هجومها السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل في غزة، ردود فعل قوية في ألمانيا، حيث بدت التصريحات متعارضة مع الموقف الألماني الرسمي وتعبّر عن أجندات خارجية، الأمر الذي زاد من الأصوات المطالبة بالتدخل الحكومي للمراقبة وتغيير الوضع من خلال تخريج المسؤولين عن شؤون الدين يتميزون بولائهم لألمانيا وليس للدول أو الأحزاب الأجنبية.

وفي سياق متّصل، أعلنت النيابة الفيدرالية الألمانية المكلفة بقضايا الإرهاب الخميس، اعتقال أربعة أشخاص يشتبه في انتمائهم لـ”حماس” في برلين وهولندا، بتهمة التخطيط “لهجمات محتملة على مؤسسات يهودية في أوروبا”. وقال الادعاء في بيان إن المعتقلين الثلاثة في برلين، إلى جانب مشتبه به آخر اعتُقل في هولندا، كُلّفوا على وجه التحديد بجمع الأسلحة في برلين استعدادا لتنفيذ “هجمات إرهابية محتملة ضد مؤسسات يهودية في أوروبا”، وفق تقارير صحفية.

مؤسسات مسيّسة!

وفي عام 2017، دعا مسؤولون ألمان الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، إلى إجراء إصلاحات جوهرية بعد مزاعم بأن أئمته الذين أرسلتهم السلطة الدينية التركية يتجسّسون لصالح أنقرة، وفق وسائل الإعلام.

المسجد المركزي التابع للاتحاد الإسلامي التركي في كولونيا في “يوم المسجد المفتوح” الثالث من أكتوبر الماضي- “Henning Kaiser/dpa/picture-alliance”

وبحسب معلومات الحكومة الاتحادية، فإن عشرات من الأئمة يلقون خطبا في دوائر تابعة لاتحاد الجمعيات الثقافية التركية-الإسلامية في أوروبا، وكذلك تابعة لحركة “مللي غوروش” الدينية التركية، وهما جهتان مذكورتان في التقرير السنوي الحالي للهيئة الاتحادية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية بألمانيا).

ويعيش في ألمانيا حوالي 5.5 مليون مسلم، بحسب المؤتمر الإسلامي الألماني “DIK”. أي حوالي 6.6 بالمئة من السكان. ويوجد حوالي 2500 مسجد في البلاد. وحتى وقت قريب، تم تدريب الغالبية العظمى من الأئمة في ألمانيا خارج البلاد، وخاصة في تركيا.

وكانت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، أشارت للمرة الأولى إلى مسألة تدريب الأئمة على الأراضي الألمانية، خلال خطاب ألقته أمام البرلمان عام 2018، حيث قالت إن ذلك “سيجعلنا أكثر استقلالية وهو ضروري للمستقبل”. وفي عام 2016، اتُّهم “ديتيب” بالتجسس على أفراد من الجالية التركية في ألمانيا، بعد محاولة انقلاب فاشلة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن القضية أُسقطت لاحقا لعدم كفاية الأدلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات