منذ أن تولت حركة “طالبان”، ذات التوجهات الإسلاموية المتشددة، مقاليد الحكم في أفغانستان قبل نحو عامين ونيف، ومظاهر الحياة في تلك البلاد تتراجع، فعلى الرغم من أنها كانت تتغنى وتقدّم الوعود في بداية تسلّمها للسلطة بأن نظامها سيكون أكثر تساهلاً من فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001، والترويج لفكرة أنها ستتصرف بشكلٍ مختلف، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المحلية مثل الحياة العام من تعليم الإناث والحريات وما شابه ذلك.

غير أن كلّ هذه الوعود لم تكن سوى حبرٍ على ورق، فسرعان ما عادت الحركة إلى تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية الذي وسم حكمها في تسعينيات القرن الماضي، حيث فرضت قيوداً صارمة على الحريات الفردية والعامة، وفي هذا الصدد أصدرت السلطات في ولاية قندهار في جنوب أفغانستان، مهد حركة “طالبان”، أوامر لمسؤوليها قبل يومين، بعدم التقاط صور أو مقاطع فيديو “للكائنات الحية”.

هذا، وكانت قد امتنعت وسائل إعلام عدة عن استخدام صور للأشخاص والحيوانات منذ عودة “طالبان” إلى دفة الحكم صيف العام 2021.

أفغانستان في ظل حكومة “طالبان”

في رسالة إلى المسؤولين المدنيين والعسكريين، أمرت وزارة الداخلية المسؤولين في قندهار بأفغانستان بـ”الامتناع عن التقاط صور للكائنات الحية في التجمعات الرسمية وغير الرسمية، لأن ضررها أكثر من نفعها”، وفق وكالة “فرانس برس“.

وقالت الوزارة في المقابل إن تغطية أنشطة المسؤولين بالنص أو الصوت مسموح بها. وفي المقابل، أكد ناطق باسم حاكم قندهار لوكالة “فرانس برس” صحة الرسالة. لكن لم يتّضح على الفور إلى أي مدى سيتم تطبيق الأمر وطريقة تنفيذه.

هذا، ولم يرد الناطقون باسم حكومة “طالبان” على الفور على طلبات التوضيح أو التعليق. وكانت “طالبان” قد حظرت التلفزيون وصور الكائنات الحية خلال فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001.

أصدرت “طالبان” قراراً في وقت سابق للقنوات التلفزيونية يقضي بضرورة ارتداء المذيعات للنقاب أثناء تقديم الأخبار- “إنترنت”

كما امتنعت وسائل إعلام عدة عن استخدام صور للأشخاص والحيوانات منذ عودة “طالبان” إلى السلطة صيف العام 2021. ومع ذلك، كثيراً ما تقوم إدارات الحكومة المركزية الرسمية بتوزيع ومشاركة صور المسؤولين المحليين بعد لقائهم بشخصيات أجنبية.

وعادة ما يتم تجنب تجسيد صور البشر والحيوانات عموماً في الفنون الإسلامية، ما ينعكس رفضاً لدى بعض المسلمين لتصوير الكائنات الحية.

وما قرار المسؤولين الحكوميين في ولاية قندهار الأفغانية إلا توسيع لنطاق تكفير حكومة “طالبان”، بل ومن المرجح أن تصدر قرارات أخرى مماثلة، مما سينعكس سلباً على البلاد عموماً.

إجراءات متشددة ومتطرفة!

حكومة “طالبان” منذ توليها الحكم في أفغانستان في صيف العام 2021، أصدرت سلسلة من القرارات التي من شأنها ضيقت الخناق على المواطنين، وقيدت الحقوق والحريات في البلاد، وهو ما أدى إلى زيادة في معدلات الهجرة من البلاد، وعدم رغبة أحد في العودة إلى بلادهم.

هذه القرارات تتعلق بتقييد حرية المرأة في أفغانستان، بدءا بإغلاق المدارس التعليمية، وصولاً إلى مطالبة النساء بتغطية وجوههن بالكامل في الأماكن العامة مع تفضيل ارتداء “البرقع”، وكذلك حرمان المرأة من العديد من الوظائف في القطاع العام ومنعهنّ من السفر دون مَحرم خارج مدنِهن.

كما أصدرت “طالبان” قراراً للقنوات التلفزيونية يقضي بضرورة ارتداء المذيعات للنقاب أثناء تقديم الأخبار وتقييد حرية التعبير والصحافة من خلال فرض قيود على الإعلام. وبالتالي اضطرت المئات من المؤسسات الإعلامية إلى إغلاق أبوابها، مما ترك الآلاف من العاملين في المجال الإعلامي بدون عمل.

كما اتخذت تدابير تشمل منعَ النساء الأفغانيات من العمل في المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية في أفغانستان. ووضعت قيوداً أخرى تحدّ من قدرة النساء والفتيات على ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

ويرتكز حكم “طالبان” للبلاد على الرجعية والتطرف، حيث تقول الحركة الإسلاموية إن المرأة في أفغانستان لا تلتزم باللباس الشرعي الإسلامي، ونتيجة لذلك اتخذت جملة من القرارات لقمع حرية المرأة الأفغانية.

رداً على سياسات “طالبان” قامت الكثير من الحكومات والمنظمات الدولية ووكالات المعونة بقطع تمويلها لأفغانستان أو تقليصه بشكل كبير.

وفي الواقع، يبدو أن حجج “طالبان” المبنية على الأحكام الشرعية الإسلامية ليست صحيحة، إذ من الواضح أنها لا تؤمن بحقوق المرأة في الأساس، فضلاً عن عدم الاعتراف بوجود وحقوق الأقليات والأعراق الأخرى، مثل طائفة “الهزارة” الشيعية، التي واجهت عقوداً من الاضطهاد على يد “طالبان” السنية التي تصفهم بـ”الكفار”.

ومنذ عودة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان، يواجه المجتمع الدولي صعوبات في تحديد سبل التعامل مع الحكام الجدد للبلاد.

ولم تعترف أي دولة رسمياً بعد بحكومة “طالبان” منذ توليها السلطة في آب/ أغسطس 2021. ورداً على سياسات “طالبان” قامت الكثير من الحكومات والمنظمات الدولية ووكالات المعونة بقطع تمويلها لأفغانستان أو تقليصه بشكل كبير، الأمر الذي شكل ضربة خطيرة لاقتصاد البلاد المتعثر أصلاً.

ولذلك فإن فشل “طالبان” في تغيير عقليتها وسياستها أو الوفاء بوعودها عما كانت تدعيه أنها ستغير نمط عقيدتها وسياستها تجاه البلاد، لم يكن سوى فقاعة للحصول على اعتراف دولي، وبقراراتها الجديدة اليوم تؤكد أكثر أنها فشلت فشلاً ذريعاً في حوكمة أفغانستان، ولن تكون إلا حكومة مدعية قمعية تضطهد شعبها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة