على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف على مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري في العاصمة الأفغانية كابول، إلا أن التنظيم يواصل توسيع أنشطته في أفغانستان من خلال بناء معسكرات تدريبية والاستحواذ على المدارس الدينية، وحسب ما جاء به تقرير بموقع “long war journal“، فإن العديد من الدول الأعضاء بمجلس الأمن تواصلوا بالإبلاغ عن أن التركيز الكبير للجماعات الإرهابية في أفغانستان يقوّض الحالة الأمنية في المنطقة، وهذا ينفي غياب العلاقة بين تنظيم “القاعدة” وحكومة “طالبان” في أفغانستان والتي تظلّ قائمة حتى بعد مقتل زعيم التنظيم في العاصمة الأفغانية، وقد أقرّ ذلك التقرير الثالث والثلاثين المقدَّم لمجلس الأمن الذي قام به فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة، حيث نصّ صراحةً على أن “العلاقة بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة لا تزال وثيقة، ويحتفظ هذا الأخير بنمط صموده في أفغانستان تحت رعاية حكومة طالبان، وترى دول المنطقة أن وجود كبار الشخصيات في تنظيم القاعدة في البلاد لم يتغير وأن الجماعة لا تزال تشكّل تهديداً في المنطقة، وربما خارجها”.

“القاعدة” وإعادة تنظيم صفوفه بأفغانستان!

ويُعد أهم ما جاء به التقرير، الإفادة بأن تنظيم “القاعدة” أنشأ ما يقرب من ثماني معسكرات تدريب جديدة في أفغانستان، بما في ذلك أربعة في مقاطعات غزني ولغمان، وباروان، وأور، وزغان، مع قاعدة جديدة لتخزين الأسلحة في وادي بنجشير، وألمح التقرير باحتمالية أن تكون بعض هذه المعسكرات مؤقتة، موضّحاً أن المسؤول عن معسكرات التدريب وإجراء التدريب على العمليات الانتحارية لحركة “طالبان” الباكستانية هو: حكيم المصري، ومقرّه في مقاطعة كونار.

ومن سياسات تنظيم “القاعدة” في تربية النشأ، السيطرة على المدارس وهذا ما أفاد به التقرير، حيث توجد خمس مدارس تابعة لتنظيم “القاعدة” في مقاطعات لغمان وكونار، وننجرهار، ونورستانن وباروان، وتعمل هذه المدارس حسب توجيهات التنظيم ورؤيته التربوية.

أحد المدارس الدينية في أفغانستان- “أ ف ب/ غيتي”

وأفاد التقرير بأنه حسب الإحصائيات يقيم زعيم تنظيم “القاعدة” المحتمل، سيف العدل على الأغلب في إيران، وهناك العديد من كبار شخصيات التنظيم الإرهابي في أفغانستان بما في ذلك عبد الرحمن الغامدي، وثمة إشارات عدّة لوجود أفراد يسافرون للقيام بدور الاتصال بين الزعيم الفعّلي لتنظيم “القاعدة” وكبار الشخصيات، على إثر هذا جاء التقرير يقرّ بأن الجماعة تحتفظ ببيوت آمنة لتسهيل التنقل بين أفغانستان و”جمهورية إيران الإسلامية” في مقاطعات هرات وفرح وهلمند، بالإضافة إلى مواقع آمنة إضافية في كابول. كما أضاف التقرير إفادةً بانتقال ستة من عناصر “القاعدة” الجُدد إلى شرق أفغانستان للانضمام إلى كتيبة عمر فاروق تحت قيادة أبو إخلاص المصري.

العلاقة التاريخية بين “القاعدة” و”طالبان”

وتُعد العلاقة بين “القاعدة” و”طالبان” علاقة قوية على مدى التاريخ وخير شاهد على هذا، اعتراف “طالبان” الضمني بانطلاق عمليات 11 سبتمبر/ أيلول من أرض أفغانستان؛ حين وافقت على عدم دخول الجماعات الإرهابية إلى الأراضي الأفغانية، أو انطلاق عمليات إرهابية منها في مقابل انسحاب القوات الأميركية من أراضي أفغانستان، وذلك في اتفاق الدوحة الذي تمّ إبرامه مع إدارة دونالد ترامب السابقة وتم تنفيذه في إدارة جو بايدن الحالية.

وعلى الرغم من إصرار “طالبان” على تعلّمها من أخطاء الماضي إلا أنها عملت على رعاية تنظيم “القاعدة” فور عودتها للحكم، وتم بناء معسكرات للتنظيم الإرهابي في أفغانستان بعد عودة حكومة “طالبان” في 2021 حسب التقرير الرابع عشر الصادر في حزيران/ يونيو 2023، لفريق الدعم التحليلي التابع للأمم المتحدة، حيث أشار التقرير إلى وجود العديد من قيادات تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، ويتضح هذا في مقتل زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري في العاصمة كابول داخل منزل في حي السفارات يملكه، سراج الدين حقاني، وهو قيادي بارز بطالبان، وأحد كبار مساعدي وزير الداخلية بحكومة “طالبان”.

مدى عمق وقوة العلاقة بين “القاعدة” و”طالبان”، يثير المخاوف في المنطقة خاصة في حالة الثقة التي تتمتع بها الجماعات الجهادية وتيارات الإسلام السياسي بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي.

وحسب ما صرحت به الباحثة في شؤون الحركات الجهادية بالمركز المصري للدراسات الاستراتيجية منى قشطة لموقع “الحل نت”، هناك تقارير عديدة تشير بوجود كبار قادة تنظيم “القاعدة” في أفغانستان ويقومون بدور استشاري لحكومة “طالبان”، وتستعين الأخيرة بأفكارهم وكتاباتهم وتعمل على الترويج لها. وأشارت إلى أن العلاقة قديمة ووطيدة بين “القاعدة” و”طالبان”، وثمّة أقاويل بأن زعيم “القاعدة” المحتمل، سيف العدل يتنقل في الإقامة بين أفغانستان وإيران، كما وهناك روايات تقول إنه يقيم في أفغانستان وأخرى تقول إنه يقيم في إيران، وثالثة ترى أنه متنقل بين البلدين.

بعيداً عن صحة هذه الروايات من عدمه، فإن هذه الروايات تعبّر عن مدى عمق وقوة العلاقة بين “القاعدة” و”طالبان”، والذي جاء تقرير “long war journal” يؤكده، ويثير المخاوف في المنطقة خاصة في حالة الثقة التي تتمتع بها الجماعات الجهادية وتيارات الإسلام السياسي بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، التي جعلت الإسلام السياسي يسعى للعودة للمشهد العالمي ونشاط الخلايا الجهادية حول العالم.

دعم “القاعدة” المستمر لـ”طالبان”

حركة “طالبان” الآن تحكم دولة ولديها جهازها الإداري ومنظومتها السياسية، وآلياتها الاقتصادية التي تعمل على تسيير أمور الدولة من خلالها، وفي تصريح للواء محمد رشاد نائب رئيس المخابرات المصرية العامة الأسبق لـ “الحل نت”، أفاد بأن “طالبان لديها إنتاج كبير من مشتقات الأفيون والمخدرات وتعتمد على خزينة الدولة، وفي التسليح تعتمد طالبان على إيران في غالبية الأمر”، كما أشار إلى طموح “طالبان لبناء الدولة الإسلامية، وهو طموح تشترك فيه مع تنظيم القاعدة، ويتضح هذا في دعمها لحركة طالبان الباكستانية، لتكون بذلك ذراع طالبان والقاعدة في باكستان”.

وحسب ما جاء في التقرير الثالث والثلاثين المقدَّم لمجلس الأمن الذي قام به فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة، فقد أفادت التقارير أنه في تموز/ يوليو أصدر تنظيم “القاعدة” أوامر بإهداء جميع المركبات التي يستخدمها التنظيم إلى حركة “طالبان” الباكستانية، خوفاً من استهدافها من قبل الولايات المتحدة الأميركية. وبموافقة كبار قادة “القاعدة”، اختار التنظيم في جزيرة العرب ما يقرب من 15 قائداً لمساعدة حركة “طالبان الباكستانية” في شنّ الهجمات في باكستان، وفي سبتمبر/ أيلول، ورد أن تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية قام بتزويد مقاتلينَ مسلحينَ خلال الهجوم الذي شنّته حركة “طالبان الباكستانية” في شيترال بباكستان.

ولا يقف دعم تنظيم “القاعدة” لـ”طالبان” على تقديم الأسلحة والمركبات، بل يمتد إلى تقديم الاستشارات في الحكم السياسي والعسكري، ولعل هذا ما يبرّر وجود زعيم “القاعدة”، أيمن الظواهري في أفخم الأحياء في كابول وعلى مقربة من القصر الرئاسي، هذا عوضاً عن الدور الاستشاري الذي تلعبه قيادات “القاعدة” المقيمينَ في أفغانستان.

وباشتراك “القاعدة” و”طالبان” في مرجعيتهم الفكرية يُعدّ من المفهوم الدعم المتبادل بينهما، واستغلال “القاعدة” وجود “طالبان” في إدارة أفغانستان، حيث تؤمن لها وجودها على هذه الأرض وقيام المعسكرات داخلها، فتكون أفغانستان هي الدولة التي يملكها تنظيم “القاعدة” وتمكّنه من تنفيذ العديد من أغراضه، واتضح هذا في انتشار المعسكرات التابعة للتنظيم بعد وصول “طالبان” للحكم، ومقتل زعيم التنظيم بكابول، وعدم إثبات أو نفي ذلك من قبل “طالبان”.

ووفقاً لما جاء به التقرير الثالث والثلاثين المقدَّم لمجلس الأمن من إثبات لقوة العلاقة بين التنظيم الإرهابي و”طالبان”، والأبعاد الواقعية للموقف وتوغّل “القاعدة” في أفغانستان حتى على مستوى البناء المعرفي من خلال إدارة بعض المدارس، فإن مستقبل العلاقات بين “طالبان” وتنظيم “القاعدة” يوحى بمستويات أقوى في هذه العلاقة وعدم فكّها،

قوات “طالبان” تقوم بدورية على مدرج بعد يوم من انسحاب القوات الأميركية من مطار حامد كرزاي الدولي في كابول، أفغانستان، 31 آب/أغسطس 2021. رويترز / سترينجر

وقد يكون هناك توطيد للعلاقات عبر حالات النسب المعتادة في هذه التنظيمات لتوطيد أكثر لهذه العلاقة، خاصة في حالات المنفعة المتبادلة والهدف المشترك، كما أنها تمثّل تهديداً واضحاً على المنطقة يزداد ويتفاقم يوماً بعد يوم، خاصة في حال امتلاكها أراضي دولة أفغانستان ومواردها عبر تحالفها الوثيق مع “طالبان”، وربما تمثّل تهديداً عالمياً غير مأمونة عواقبه، خاصة وأن الخبراء يرون أن ثمة “عجز في قدرات مكافحة الإرهاب”، حيث تواصل التنظيمات الإرهابية والجماعات التابعة لتنظيم “القاعدة” استغلاله، وبالتالي، فإن الوضع أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى مع الخلط بين النزاعات العرقية والإقليمية وأجندات هذه الجماعات وعملياتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات