على مدى العقدين الماضيين، كان هناك ميل متزايد بين دول الشرق الأوسط لاستخدام الجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول كوكلاء، مما يجعلها سمة ثابتة للصراعات الإقليمية. وتعتبر كتائب “لواء فاطميون” مثال حديث على الجماعات المسلحة غير الحكومية التي ترعاها الدولة، والتي لعبت دوراً هاماً كوكلاء لإيران في سياق الصراع السوري. 

إن اهتمام إيران باستخدام المجموعات المسلحة غير الحكومية بشكل عام ووكلائها بشكل خاص في تعزيز سياستها الخارجية والأمنية متجذر، قبل كل شيء، في شعورها العميق بانعدام الأمن في المنطقة. وينبع هذا التصور بدوره في المقام الأول من “الوحدة الاستراتيجية” التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية من حيث عدم وجود حلفاء أقوياء من الدولة.

إيران تتجاهل.. “فاطميون” غاضبون

دُفنت، الأربعاء الماضي، جثث خمسة مسلحين من فرقة “فاطميون” المدعومة من إيران في مدينة مشهد شمال شرقي البلاد. حيث قُتل هؤلاء حسب وكالة أنباء “إيرنا” وهم: على حسيني (ابن أمير)، وعلى حسيني (ابن محمد حسين)، وعلى حسيني (ابن إبراهيم)، وحمزة علوي، ومحمد على أكبري، في الهجمات الأميركية الأخيرة. 

ميليشيا “لواء فاطميون” – إنترنت

وأشارت تقارير من قناة “المدافعون عن الحرم” على منصة “تليغرام”، يوم الاثنين الفائت، إلى أن أربعة من أعضاء “لواء فاطميون”، بينهم على الحسيني، وحمزة علوي، ومحمد على أكبري، ومحمد رضا سادات علوي، لقوا حتفهم في الهجوم الأميركي الأخير على سوريا. 

ويرتبط لقب “المدافع عن المقام” بالقوات التي تم إرسالها إلى سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد. وكان على الحسيني قائداً في “لواء فاطميون” شرقي سوريا، حيث وقعت الضربة العسكرية الأميركية يوم الأحد على الميليشيات التابعة لإيران في شرق سوريا في الوقت الذي كثفت فيه الولايات المتحدة ضرباتها ضد القوات المدعومة من إيران ردا على مقتل جنود أميركيين في الأردن. 

وجاءت الضربات الأميركية ردا على هجوم بطائرة بدون طيار في كانون الثاني/يناير الفائت على قاعدة عسكرية في الأردن أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين. واتهمت الولايات المتحدة ميليشيا مدعومة من إيران متمركزة في العراق بالوقوف وراء الهجوم. 

إلا أن ما أشعل الغضب في قلوب “فاطميون” هو تعامل إيران مع الحدث بتجاهل شديد، فقد نفى المسؤولون الإيرانيون علانية أن يكون أي أفراد عسكريين مرتبطين بإيران من بين الضحايا. وقال سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إرافاني، لمجلس الأمن الدولي بعد أيام من الضربات الأميركية، إن إيران ليس لها علاقة بالقواعد التي تعرضت للهجوم في العراق وسوريا. 

واتهم إرافاني، الولايات المتحدة بإلقاء اللوم زورا على إيران وقال إن المدنيين فقط هم الذين قتلوا. ولم يصدر “الحرس الثوري” بيانا يعترف فيه بوفاة الأفغان تحت قيادته كما يفعلون عادة عندما تقتل القوات الإيرانية، كما لم يهدد أي مسؤول بالانتقام لمقتلهم. 

وفي المواكب الجنائزية، كانت نعوش الأفغان ملفوفة بقطعة قماش خضراء ولكنها لم تحمل علم أي دولة. وفي مدن مشهد وقم وشيراز، كانوا يُحملون إلى المزارات الدينية للتبرك وحسب. وقال حسين إحساني، الخبير في شؤون المتشددين والحركات الإرهابية في الشرق الأوسط وهو أفغاني: “هناك قلق متزايد بين الأفغان من أنهم يتعرضون للقتل، وإيران لا تحميهم وتتبرأ من شهدائهم لحماية مصالحها الخاصة”. 

كلاجئين في إيران، “إنهم يشعرون أنهم يُستخدمون كعلف للحرب”، فيما أعرب الأفغان، بما في ذلك مقاتلو “فيلق القدس”، عن غضبهم وإحباطهم من تعامل إيران مع هذه الوفيات، ونشروا رسائل شبه يومية على قنوات التواصل الاجتماعي المخصصة لـ”فاطميون”، مشككين في صمت “فيلق القدس”، واصفين إياه بالتمييز. 

وتؤكد فوزية القاضي، الباحثة في الشأن الإيراني، في حديثها مع “الحل نت “: بأنه “ربما ما حدث قد يتسبب في أزمة مؤقتة بين الحرس الثوري وبين لواء الفاطميون، ولكن الحرس الثوري يعرف تماماً كيف يتخلص من هذه الخلافات الداخلية، وأهم ما يميز السياسة الإيرانية على مدى تاريخها هو التفاوض دون التراجع، هو ما تمارسه مع الوكلاء من أجل تحقيق طموحها السياسي والعسكري”.

“لواء فاطميون” ثورة ثمينة

قبل عقد من الزمن، تم تجنيد أعضاء “لواء فاطميون” في البداية لدعم الرئيس السوري بشار الأسد ضد مختلف الجماعات المتمردة والتهديد المتزايد الذي شكلته المعارضة بعد تحول الاحتجاجات السلمية إلى حرب. 

المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يحضر حفل تخرج طلاب القوات المسلحة الإيرانية في أكاديمية الإمام علي للضباط في طهران، إيران في 10 أكتوبر 2023. (تصوير المكتب الصحفي للمرشد الأعلى الإيراني/ غيتي)

ويقدر قوام اللواء بنحو 20 ألف مقاتل، وتمتلئ صفوف اللواء باللاجئين الأفغان الذين لجأوا إلى إيران، وينحدر الكثير منهم من أقلية الهزارة الشيعية. وهناك نقطة ملحوظة حول الهزارة وهي التمييز الشديد الذي مروا به منذ عام 1893 عندما أمر أمير البشتون في أفغانستان عبد الرحمن خان بمذبحة الهزارة الشيعة. 

طوال القرن العشرين، كان الحرمان الاقتصادي، والفقر، والتمييز، والمضايقات جزءاً من حياة ومصير الهزارة الأفغان. فهؤلاء الأفراد، الذين يقودهم مزيج من الأيديولوجية والوعد بحياة أفضل، وجدوا أنفسهم على الخطوط الأمامية لطموحات طهران الاستراتيجية. 

وبالنظر إلى الأسباب والدوافع التي أدت لتواجد الشيعة الأفغان في الحرب السورية؛ تشير جميع الروايات المنشورة لأعضاء “فاطميون” تقريبًا إلى عاملين مهمين: الأول، المعتقدات الدينية، في شكل التطوع للدفاع عن الأماكن المقدسة الشيعية، وإحدى الروايات، على سبيل المثال، هي رواية مقاتل “فاطميون” يدعى باقر، انضم إلى الحرب السورية بدافع ديني – هكذا يصف سبب وجوده في سوريا.  

وثانيًا، الحرمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي للشيعة الأفغان كأقلية دينية وعرقية، حيث يحصل المقاتل في “لواء فاطميون” حوالي 700 دولار شهرياً، وهو مبلغ مهم وحيوي بالنسبة لهم. وقد أشاد مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى مراراً وتكراراً بدور “لواء الفاطميون” في تعزيز أجندة إيران الإقليمية. 

قاسم سليماني، القائد السابق لـ”فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، أشار قبل مقتله بغارة أميركية إلى أن “لواء فاطميون” ثروة ثمينة. هذا بالإضافة للضعف المتزايد للجيش السوري والقيود التي تفرضها إيران في الحفاظ على وجود عسكري واسع النطاق في البلاد، فقد لعب اللواء دوراً حاسماً في إجراء العمليات البرية ومحاربة الجماعات المتمردة على سلطة الأسد. 

وبالتالي أصبح “لواء فاطميون” قوة عسكرية كبيرة و جزء لا يتجزأ من استراتيجية إيران في سوريا؛ كما أنه ساعد إيران على إبقاء التكاليف البشرية والمالية المحتملة لتدخلها في سوريا عند الحد الأدنى.

سياسة إيران في استدراج “الفاطميون”

يفر شباب الأفغان بانتظام إلى إيران هرباً من الفقر وعدم الاستقرار، على أمل الحصول على حياة أفضل. وبعد رحلاتهم الخطيرة مع المتاجرين بالبشر عبر الحدود، ينتهي الأمر بالعديد منهم بالانضمام إلى “لواء فاطميون”، وعندما ينضمون إلى اللواء، يتم وعدهم برواتب منتظمة وبطاقات إقامة حتى يتمكنوا من الاستقرار في إيران إلى الأبد. 

مروحية تابعة للشرطة الإيرانية تمر فوق صور المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي (على اليمين) وآية الله الخميني السابق خارج ضريح الخميني في الذكرى الخامسة والعشرين لوفاته في 4 يونيو 2014 في ضواحي طهران. (تصوير جون مور / غيتي)

كما يتم نشر دعاية دينية مغرية ومقنعة، ويقال لهؤلاء الشباب إنهم يؤدون واجبهم الشيعي من خلال الدفاع عن ضريح الإمام الشيعي الثالث في سوريا. وعلى الرغم من هذا، إلا أن الواقع والحرب في سوريا عملت على تغيير ما يدور بخيال أفراد “لواء الفاطميون” لأنهم وجدوا أنفسهم دروعا بشرية لإيران. 

إيران عملت على استغلال اللواء بعديد من الأساليب المخادعة التي تهدف من خلالها لاستقطاب مزيد من الأفغان ليكون خط الدفاع والهجوم في سوريا. فمنذ عام 2014 فصاعدًا، صورت التغطية الإعلامية الإيرانية، وخاصة من وكالة أنباء مرتبطة بـ”الحرس الثوري” الإيراني، صورة إيجابية للأفغان في إيران، وشددت على أن الأفغان مؤيدون للجمهورية الإسلامية. 

ركزت التقارير على قصص عن سوء معاملة الحكومة والمجتمع للأفغان في إيران.

كما كثف “الحرس الثوري” بشكل علني تجنيده للميليشيات الأفغانية بين عامي 2013 و2017 مع تعمق تدخله في سوريا. وخلال هذا الوقت، بدأت أيضًا تعترف علنًا بوفيات “المدافعين عن المقام”، حيث وصفتهم وسائل الإعلام بأنهم “شهداء”، وقارنتهم بالأفغان وغيرهم من المقاتلين الشيعة الذين قتلوا خلال الحرب الإيرانية العراقية، أو الدفاع المقدس. 

وبدأت الجداريات والأضرحة الخاصة بالمقاتلين الذين سقطوا في تزيين أجزاء من العاصمة طهران، وتزايدت التغطية الإعلامية للجنازات، كما زاد تداول التقارير التي تضمنت حكايات بطولية للمدافعين الأفغان عن الضريح. وعادةً ما تُقام الجنازات في المناطق التي تضم أعدادًا كبيرة من السكان الأفغان والتي يقيم فيها المقاتلون، مثل قم ومشهد وعززت المدونات الإلكترونية المخصصة لتغطية الأخبار والنصب التذكارية عن القتلى.

استغلال إيران للأفغان

كان البعض من الأفغان يشعرون بالقلق بشأن الحملات القمعية المتزايدة على المهاجرين غير الشرعيين والتهديدات طول الوقت بالرحيل. وهذا الوضع أجبر عدد كبير منهم بالانضمام إلى “لواء الفاطميون” خوفا من أعادته إلى أفغانستان. 

حزب الله إيران
المرشد الإيراني علي خامنئي – إنترنت

في هذا السياق ترى فوزية القاضي في حديثها مع “الحل نت “، أن الشخصية الإيرانية معقدة ويصعب قراءتها ففي الوقت الذي تتصور أنك صديقه، من الممكن أن تكون عدو حسبما تحكم المصالح الإيرانية، وهذا ما حدث مع “فاطميون” الذين تم تضليلهم بوعود واهية، ولم يدركون أنهم وقود للحرب لصالح مطامع إيرانية. 

عناصر “لواء فاطميون” الذي يتميزون بالقدرة القتالية العالية – وهذا ما ظهر في عديد من المعارك مثل حلب، وجنوب سوريا، وتدمر- ولكنهم يفتقروا إلى الإمكانيات ولهذا يعرضون خدمتهم مقابل المال؛ هذا العوز بالتحديد هو ما لعبت عليها إيران. 

إن إيران لا تقم وزنا لأعضاء “فاطميون” فقد تم إجلاء القادة الإيرانيين والموظفين الرئيسيين من القواعد الإيرانية تحسبا للضربات الأميركية، حيث أشارت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لمدة أسبوع تقريبا إلى أن الهجمات وشيكة. إلا أن مسؤولا إيرانياً في “الحرس الثوري” قال إن الأفغان بقوا في القواعد، لأنه لا يمكن التخلي عن القواعد العسكرية. 

سابقا، قال تشارلز ليستر، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن: “عندما تجمد الصراع السوري منذ عدة سنوات، كان هناك توقع بأن يعود فاطميون إلى وطنهم، ويتم حل وتسريح قواته”. 

لكنهم اندمجوا نوعًا ما في الشبكة الإقليمية الإيرانية ووجدوا دورًا يلعبونه، وهو الصمود وتنسيق الخدمات اللوجستية والتنسيق على نطاق أوسع على الأرض. وفي سوريا، كانت قوة “فاطميون” في كثير من الأحيان خط الدفاع الأول في المعارك الإيرانية. 

وفقا لما وثقه علي ألفونيه، وهو خبير في “الحرس الثوري” الإيراني وباحث في معهد “دول الخليج العربية” في واشنطن، فإن في الفترة من كانون الثاني/يناير 2012 إلى أيلول/سبتمبر 2019، قُتل حوالي 917 مواطنا أفغانيا في سوريا. 

وقال ألفونيه، إن القوة الوكيلة سيئة التدريب، باعتبارها خط الهجوم الأول، عانت من معدلات استنزاف تصل إلى 20 في المئة، مقدرًا أن الوجود الأفغاني في سوريا كان على الأرجح مقتصرًا على 5000 مقاتل. في حين أن “الحرس الثوري” الإيراني اعتبر المقاتلين الأفغان “وقودًا للمدافع”، مع الأخذ في الاعتبار الاستثمار البسيط الذي تم القيام به لتدريبهم والتعرض الذي واجهوه في ساحة المعركة.

وأخيرا، تتعلق الأزمات الدولية الحالية بحسابات جيوسياسية وجيواستراتيجية بقدر ما تتعلق بالإيديولوجية، وبالنسبة لإيران، فإن حماية النظام الحالي والحفاظ عليه هو على رأس أهدافها الاستراتيجية، وإن دولاً مثل أفغانستان بظروفها الاقتصادية القاسية توفر أرضاً خصبة لخلق مليشيات تساعد إيران في تحقيق مخططاتها، دون النظر إلى  إي الاعتبارات أخري كما يتضح من طريقة تعامل إيران مع “لواء فاطميون”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة