مثله مثل أئمة وشيوخ الجماعات الإسلاموية، كان عبد المجيد الزنداني القيادي بـ “إخوان اليمن”، له سيرة ودور كبيرَين في إطلاق مدافعه التكفيرية، وتحويل الدين لمنصة سياسية يتم استثمار الأول لحساب الأخير، فيقوم بتوظيف الفتاوى للتحريض وبعث الاستقطابات وإدامة الخصومة بين الأطراف المحلية والإقليمية بشكل دموي ومحتدم. 

فضلاً عن نشر الخرافة كما فعل في إعلان اكتشافه علاجاً لمرض الإيدز. والخرافة عند الزنداني متعددة سواء في الترويج وإشاعة أفكاره بالسياسة أو العلم. فهؤلاء المشايخ مثلما يروّجون لقدراتهم بتولي شؤون الحكم وبناء دولة، فإن لهم مواقف عديدة أخرى مثل الترويج لقدراتهم المزيفة والملفقة في العلاج بـ”الطب النبوي”، وحيازتهم المعرفة بـ”الإعجاز العلمي في القرآن”. وهي كلها أمور لا تهدف سوى إلى بناء مصائد للسيطرة والهيمنة على الأفراد، وتطويعهم بوسائط عديدة لتحقيق أغراضهم العنيفة والمشبوهة، لخدمة وصولهم للسلطة. 

لا يختلف الزنداني في اليمن عن زعيم حركة “النهضة” (إخوان تونس) راشد الغنوشي في تونس، والأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابق يوسف القرضاوي (والحالي علي القره داغي)، ومفتي الإرهاب الصادق الغرياني في ليبيا، بالإضافة إلى آخرينَ منتشرين في عواصم وبلدان عديدة، حيث إن هذه الأسماء تتشارك وتتقاسم الظواهر ذاتها من ترويج أهدافها باسم الدين، وتحرّض على القتل والعنف ضد الخصوم السياسيينَ بدعاوى تكفيرية. 

ومن بين القواسم الأخرى الرئيسية لهؤلاء، اللجوء لتركيا التي تُعد الضامن والملاذ الإقليمي لهم، بالإضافة إلى استخدام أنقرة هذه الأسماء المرتبطة بالدين لنقل دعايتها السياسية وتشكيل قواعد اجتماعية يتم الاحتماء بها وتكون بمثابة خزّان إرهابي مثلما حدث في تسفير الشباب بتونس إلى ليبيا، وكذا نقل العناصر الميليشياوية من شمال غرب سوريا للحرب في ليبيا وحتى في ناغورني قره باغ.

تركيا تستثمر بالزنداني

وسبق للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن كشف عن دور أنقرة في نقل المرتزقة السوريين إلى اليمن من خلال قطر، حيث تتولى الاستخبارات التركية بعفرين إدارة هذه العملية مستغلّة توغّلها في المنطقة التي تحتلها بشمال غرب سوريا. وإثر وفاة الزنداني كتب النائب السابق لرئيس لجنة الشؤون الخارجية بـ”حزب العدالة والتنمية” ياسين أقطاي، مقالا اعتبر فيه القيادي الإخواني يرتقي عن مصاف البشر وتبدو سلوكياتهم بعيدة عن التقييم. فيقول: “من أصغرهم إلى أكبرهم تلاحظ في شخصياتهم وسلوكياتهم ومنهجهم في التعامل مع الأمور وفي أقوالهم، ملامح النضج والحكمة والمعرفة، إلى جانب المشاعر الصادقة والحماس المتّقد”.

بحضور أردوغان، تم تشييع عبد المجيد الزنداني-“الصورة من الإنترنت”

وقال أقطاي: رحل عنا مؤخراً الشيخ عبد المجيد الزنداني، أعظم علماء اليمن، عن عمر يناهز 82 عاماً. وقد اختار الشيخ الزنداني قضاء آخر خمس سنوات من حياته في إسطنبول. لا شك أن ظروفاً قاسية أجبرته على مغادرة اليمن مسقط رأسه، والسعودية التي عاش فيها لفترة طويلة. لكن اختياره الاستقرار في إسطنبول يحمل دلالات أعمق من مجرد ظروف إجبارية. التقيت به في كل من اليمن ومكة المكرمة، وشعرت بوضوح أن تركيا، وإسطنبول على وجه الخصوص، كانتا حاضرتين في أعماق تفكيره وقلبه. فبالنسبة له كما هو الحال بالنسبة لجميع المسلمين الواعين، كانت تركيا مركزاً للخلافة. فقد كان يرى فيها أشخاصاً لا زالوا مستعدين للحفاظ على روحها وميراثها حتى بعد إلغائها. وقد ناضل الشيخ الزنداني طوال حياته من أجل توحيد المسلمين سياسياً، ومَنْحهم مكانة وقوة في السياسة الدولية والنظام العالمي”.

حديث أقطاي يحاول أن يستثمر في الزنداني بين مريديه وأتباعه والبقية الباقية من المنتمين للإسلام السياسي بتنوّعاتهم وخلفياتهم المتباينة، بحيث يجعل من تركيا المرتبطة بهذا السجل الإسلاموي (قادة حماس والإخوان وعناصر داعش) حامية للسّنة، ضمن ترويجها لمركزية “الخلافة” التي يحاول رجب طيب أردوغان استعادتها لأسباب تتصل بمشروعه في الحكم، ونفوذه المحلي، فضلاً عن طموحه الجيواستراتيجي بالمنطقة، والسيطرة على النفط في شرق المتوسط والمكتشف حديثاً بمناطق كانت تخضع لاحتلال الخلافة العثمانية قبل قرون.

لذا، جاءت وفاة الزنداني في إسطنبول لتكشف عن المكان الذي اختاره ليكون منفى اختياري له، بل وتكشف عن إحدى البؤر الإقليمية الجديدة التي تشكّل ملاذات آمنة للعناصر المتشددة والإرهابية. وقد شارك رجب طيب أردوغان، ووفد من حركة “حماس” جمع خالد مشعل وإسماعيل هنية وآخرين في تشييع الزنداني.

يُعد الزنداني الذي ارتبط بجماعة “الإخوان” منذ الستينات، ضمن الشخصيات التاريخية التي لها أدوار مؤثّرة وخطيرة، لا تتمثل في مواقفه التحريضية أو مقولاته وفتاواه التكفيرية أو دعمه لسياسات تؤدي إلى تفكيك المؤسسات الوطنية وتقويض الدولة لحساب جماعة “الإخوان” ورؤيتهم في الحكم التي تقوم على مبدأ طائفي، إنما في تدشين العديد من المؤسسات التعليمية والمعاهد ومنها الجامعات التي ترتّب عليها تفريخ أجيال إرهابية لم تتوقف عن الدوران في فلك دائرة العنف، وتبني كافة الاستراتيجيات العنيفة والراديكالية، ومنها ما يعرف بـ”جامعة الإيمان” وتأسست في صنعاء اليمنية تسعينات القرن الماضي.

علاقة أردوغان بالزنداني

ربما لم يعد خافياً الدور التفكيكي الذي قام به الرئيس التركي أردوغان في المنطقة، منذ اندلاع “الربيع العربي”، وذلك من خلال دعمه التنظيمات والشخصيات المرتبطة بالإسلام السياسي، وقد أقام معها علاقات وثيقة، للاصطفاف سويّاً في سلسلة من الأهداف التي تخدم مصالحه الخارجية والمحلية لطالما روج لـ”العثمانية الجديدة”. من ثم، كان دعم الزنداني في اليمن لا يبتعد عن صلاته الوثيقة بإخوان مصر فضلاً عن تشابك علاقاته مع لفيف من العناصر الجهادية في سوريا.

ثمة وثائق عديدة كشفت عنها المنصة السويدية “نورديك مونيتو”، وتفضح علاقات الرئيس التركي بالزنداني وضلوع شركة “سادات” العسكرية في بناء هذه العلاقة المصالحية بين الطرفين، في حين أوضحت طبيعة الأهداف الخفية التي تجعل أردوغان ينظر إلى اليمن بملء بصره لتوسيع نفوذه لا سيما مع وجود قاعدة عسكرية له في الصومال التي تفتح شهية “الخليفة” نحو باب المندب وخليج عدن.

الزنداني يوصف مثله مثل الصادق الغرياني بأنه “مفتي الإرهاب” لارتباط مواقفه الدينية وفتاواه بدعم الجماعات الميليشياوية المسلحة، والتحريض على الاقتتال الدموي للأغراض السياسية، فيما لم يتوقف هذا التحريض الدموي لحظة، بل كان يزداد وطأة في كل محطة تاريخية بنفس درجة تخريج أجيال جديدة من صفوف الهيئات التعليمية التي ساهم أو بالأحرى كان ضالعاً في تأسيسها.

واجتمع العميد السابق بالجيش التركي ومؤسس شركة “سادات” عدنان تانريفردي بالزنداني عام 2014، في إطار بحث أردوغان عن كافة الشخصيات القيادية في الإسلام السياسي وبالأخص في مناطق التوتر الإقليمي لجهة إعادة ترتيب المنطقة من الناحية الجيوسياسية وتشكيل تكتل سنّي جديد بقيادته لتحقيق رؤيته التوسعية بالمنطقة، ويؤدي “الإخوان” الدور الوظيفي فيها بينما يمنحهم الدعم اللوجستي والمالي وأحياناً الأمني والعسكري. وبحسب الوثائق سبق للزنداني أن قال “تركيا بقيادة أردوغان ستقود العالم الإسلامي قريباً”. 

الزنداني يوصف مثله مثل الصادق الغرياني بأنه “مفتي الإرهاب” لارتباط مواقفه الدينية وفتاواه بدعم الجماعات الميليشياوية المسلحة، والتحريض على الاقتتال الدموي للأغراض السياسية، فيما لم يتوقف هذا التحريض الدموي لحظة، بل كان يزداد وطأة في كل محطة تاريخية بنفس درجة تخريج أجيال جديدة من صفوف الهيئات التعليمية التي ساهم أو بالأحرى كان ضالعاً في تأسيسها وهي في حقيقتها امتدادات تنظيمية أيدولوجية تحمل أدبيات متشددة، وفي المحصلة توفر لدى الزنداني وجماعته قاعدة من الإسلامويين انخرطوا في حوادث العنف التاريخية كما حدث في حرب أفغانستان، وعليه، كان الأب الروحي لجيل جديد من الإسلاميين “الجهاديين” المرتبطين بتنظيم القاعدة الإرهابي.

ولئن صنفت الخارجية الأميركية الزنداني على قوائم الإرهاب فقد أكدت أنه “متورط في دعم العديد من التنظيمات الإرهابية وتجنيد الشباب للالتحاق بمراكز تدريب تنظيم “القاعدة”، كما لعب دوراً محورياً في شراء الأسلحة نيابة عن “القاعدة”، إضافة إلى علاقاته بجماعة “أنصار الإسلام” الإرهابية العراقية المدرجة ضمن قائمة لجنة عقوبات القاعدة في منظمة الأمم المتحدة”.

وفد حماس في تركيا في عزاء عبد المجيد الزنداني- “العربية”

استهداف الجماعات الإسلاموية التعليم كمؤسسة تنشئة مجتمعية يتم من خلالها تلقين الإرهاب، والأفكار المتشددة، فضلاً عن تشكيل حواضن تطرّف، يمكن القول إنه بمثابة استهداف تاريخي، وقد حاولوا القيام بتشكيل مدارس ومعاهد وجامعات بل والسيطرة على وزارة التربية والتعليم لتشكيل رؤية تعليمية تتوافق وأفكارهم العقائدية.

وكانت “جامعة الإيمان” في اليمن نموذجا لذلك، وقد اشترطت الالتحاق بها حفظ خمسة أجزاء من القرآن ثم تزكية اثنين من علماء ورجال الدين، وهذا الخيار الأخير يعني أن التزكية ستكون من علماء “الجماعة” الأمر الذي يتماثل مع تزكية الانضمام لداعش والقاعدة من خلال وسطاء وأئمة العنف. وكان أبو محمد الشمالي القيادي بداعش أحد الأطراف التي تتولى تزكية الأفراد للتنظيم الإرهابي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات