وسط ظروف مأساوية لما آلت إليه أحوال المدنيين في قطاع غزة وتحديداً في مدينة رفح مؤخراً، وخروج أعداد كبيرة من المدنيين باتجاه وسط غزة نتيجة التحذيرات الإسرائيلية بإخلاء شرق رفح بغية تنفيذ عملية عسكرية برية بهدف استهداف وحدات مسلحة من “حماس” التي استهدفت معبر كرم أبو سالم، لم يتم التوصل بعد إلى هدنة حتمية ونهائية بين طرفي الصراع، نتيجة وجود العديد من نقاط الخلاف، ولعل أبرزها إصرار “حماس” على اتفاق تدريجي وشامل يؤدي إلى وقف الحرب نهائياً، مقابل الرفض الإسرائيلي القاطع الذي يرى في مثل هكذا اتفاق هزيمة لها في المواجهة مع حركة “حماس”.

وضمن إطار التصعيد القائم وتأزم الأوضاع السياسية والأمنية، ثمة محاولة أخيرة تجري بواسطة مصر للوصول إلى صيغة وحل سياسيين عبر المفاوضات بهدف أفق يحدث انفراجة ومسار باتجاه الحل. وكان استيلاء الجيش الإسرائيلي على المعبر الحدودي الرئيسي بين غزة ومصر في رفح جنوب غزة، قد وضع مسار الحرب أمام منعطف جديد يتخطى حدود الصراع بين “حماس” وإسرائيل إلى توتر العلاقات بين الأخير والولايات المتحدة فضلا عن الرفض المصري لتلك الخطوة منذ التلويح بها وذلك بما يتوافق مع المقاربة الأميركية.

وفي ما يبدو أن الوفود المشاركة في القاهرة من واشنطن وحماس وإسرائيل ترجح الوصول إلى نتيجة القبول بالمقترح المصري للحل. ويمكن القول إن تنفيذ “حماس” لعملية مباغتة في ظل مسار التفاوض التي تجري بالقاهرة وكانت تشهد تقدماً في أحد المناطق المتاخمة لمعبر كرم أبو سالم قد سبب تجلطاً في شرايين العملية التفاوضية، وثبط الجهود وراكم وضعاً متدهوراً بشكل مفاجيء وسرع من تنفيذ القوات الإسرائيلية لتهديداتها في رفح.

غير أن المقترح المصري الذي يتضمن ثلاث مراحل ربما يلاحق الزمن ويضع حدوداً للوصول إلى الحافة ويضع بعين الاعتبار الوضع الإنساني وإنهاء أزمة الرهائن والمحتحزين مع وقف إطلاق النار والدخول في تهدئة ووصول المساعدات الإنسانية والإغاثية بهدف الوصول إلى تسوية سياسية يمكن بعدها التوافق على الشكل الأمني المطلوب لإدارة القطاع أمنياً وميدانياً وسياسياً وضمانات ذلك.

ومن المؤسف أن طرفا الصراع ما زالوا متمسكين بشروطهما، ولم يتنازل أي منهما حتى الآن لصالح إنهاء مأساة المدنيين هناك، وخاصة حركة “حماس”، ذلك الطرف الذي لم يوفر أي حماية للمدنيين في غزة قبل بدء هجومها المباغت في السابع من أكتوبر من العام الماضي. ويبدو أن “حماس” ترى مصالحها السياسية فوق كل اعتبار، سواء سلامة المدنيين أو وقف هذه الحرب.

تفاصيل مقترح هدنة غزة

وتم تقديم مقترح من قبل مصر وقطر وبدعم الولايات المتحدة الأميركية، إلى طرفي الصراع في غزة. ووافقت عليه “حماس”، بينما تحفظت إسرائيل عليه وقالت إنه اقتراح تم تعديله ومن ثم تم عرضه على الحركة الفلسطينية. وحيال ذلك نقلت وسائل إعلام إسرائيلية رسمية عن مسؤولين قولهم إن “إسرائيل لم تأخذ إعلان حماس قبولها مقترح الهدنة محمل الجد، مشيرين إلى أن حماس وافقت على صيغة معدلة من المقترح الذي لم توافق عليه إسرائيل بعد”.

صورة من غزة- “رويترز”

ومن الواضح أن إسرائيل غير راضية عن شروط هذه الهدنة، والتي تتمثل في عدة نقاط. ولعل النقطة التي تعترض عليها إسرائيل، هي وقف نهائي لإطلاق النار، وهو الشرط الذي يبدو أن الطرف الآخر يصر عليه، وهو جوهر الخلاف بينهما حتى الآن، بل والعقبة الأساسية منذ أشهر في طريق التوصل لأية هدنة حتى الآن.

وبحسب وكالة “رويترز” نقلاً عن مسؤولو “حماس” ومسؤول مطلع على المحادثات، فإن المقترح يتضمن ثلاث مراحل، أولها وقف إطلاق النار لمدة 42 يوماً، وإطلاق “حماس” سراح 33 من الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وسحب إسرائيل قواتها جزئياً من غزة والسماح للفلسطينيين بحرية الحركة من جنوب القطاع إلى شماله.

أما المرحلة الثانية، فتتضمن فترة إضافية مدتها أيضاً 42 يوماً تتضمن اتفاقاً لاستعادة “هدوء مستدام” في غزة، وهي عبارة قال مسؤول مطلع على المحادثات، وفقا لـ”رويترز”، إن “حماس وإسرائيل اتفقتا عليها من أجل عدم مناقشة وقف دائم لإطلاق النار”، فضلاً عن انسحاب كامل لمعظم القوات الإسرائيلية من غزة، وأخيراً إطلاق الحركة الفلسطينية سراح أفراد من قوات الاحتياط الإسرائيلية وبعض الجنود مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين.

والمرحلة الثالثة تتمثل في الانتهاء من تبادل الجثامين والبدء في إعادة الإعمار وفقاً لخطة تشرف عليها قطر ومصر والأمم المتحدة، وتالياً إنهاء الحصار الكامل على القطاع.

التمسك بالمطالب

مساء يوم الاثنين 6 أيار/ مايو الجاري، أعلنت “حماس”، قبولها المقترح الذي تقدمت به مصر وقطر. وقالت الحركة في بيان إن رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، أجرى “اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومع مدير المخابرات المصرية، عباس كامل، وأبلغهما موافقة حركة حماس على مقترح وقف إطلاق النار”، وفق ما نقلته “الحرة”.

أما بخصوص رد الجانب الإسرائيلي، فقد أفاد مصدر إسرائيلي لـ”هيئة البث الإسرائلية” أن إعلان “حماس” قبول المقترح يشكل فقط ضغطاً على إسرائيل، بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيرفض هذا المقترح.

وأردف أن ما حدث خلف الكواليس وبعد تحفظات “حماس” التي ابدتها في الأيام الأخيرة، قدمت مصر وقطر “اقتراحاً محدثاً”، دون موافقة إسرائيل.

وأوضح أن من الأمور التي اعترضت عليها “حماس” مطالبتها الوسطاء بتثبيت التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار بعد إطلاق سراح المختطفين، وعدم الاكتفاء بالنص الذي ظهر حتى الآن والذي تحدث عن “الهدوء المستدام”.

كما وقال مسؤول إسرائيلي، لم تكشف وكالة “رويترز” عن هويته اليوم الأربعاء، إن إسرائيل لا ترى أي علامة على تحقق انفراجة في المحادثات التي تتوسط فيها مصر بشأن هدنة مع “حماس”، لكنها تُبقي على وفد مفاوضيها متوسطي المستوى في القاهرة حالياً.

ما الخلاف؟

وفي حين تجري مفاوضات “الفرصة الأخيرة” للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل و”حماس” في القاهرة، حيث تتواجد وفود من إسرائيل وقطر و”حماس” والولايات المتحدة، بحسب قناة “القاهرة الإخبارية” المحلية، فإن حالة من التشاؤم تسود الأجواء وسط تشبث الطرفين بشروطهما.

يسعى الوسطاء بشكل حثيث لممارسة الضغوط على طرفي الصراع من أجل وقف نزيف الدم بغزة، فمصر وقطر والولايات المتحدة يعملون لتجنب انهيار المفاوضات، خاصة وأن خطر التصعيد ممكن جداً مع بدء إسرائيل لعملية عسكرية في مدينة رفح.

ومن الواضح أن كل من طرفي الصراع متمسك بشروطه بقوة، بل ومستمرين في التصعيد العسكري بدلاً من تخفيضه ولا سيما أثناء المحادثات التي كانت تجري في القاهرة بين وفود الطرفين في القاهرة.

وهذا ما بدا واضحاً من حديث نتنياهو، حين قال يوم الثلاثاء، بأن أحدث اقتراح للهدنة قدمته “حماس” لا يفي بمطالب إسرائيل الأساسية، مضيفاً أن الضغط العسكري لا يزال ضرورياً لإعادة الرهائن المحتجزين في غزة، وفق “رويترز”.

وقال نتنياهو إنه طلب من الوفد المفاوض الموجود في العاصمة المصرية القاهرة، الإصرار على الشروط المطلوبة للإفراج عن المحتجزين لدى حركة “حماس” في غزة. ونقل المتحدث باسم نتنياهو أوفير جندلمان عنه القول: “أوعزتُ إلى الوفد الذي اتجه اليوم إلى القاهرة بمواصلة الإصرار بحزم على الشروط المطلوبة للإفراج عن مختطفينا، ومواصلة الإصرار بحزم على المطالب الضرورية لضمان أمن إسرائيل”.

وقال إن “الحكومة الإسرائيلية ترفض تماماً وقف إطلاق النار قبل القضاء على حركة حماس كما ترفض رفع الحصار عن القطاع لأن هذا يزيد من الخطر على دولتنا في المستقبل من خلال إمكانية تشكيل خط مباشر بين إيران وقطاع غزة، ومع ذلك وافقت إسرائيل على إرسال وفد إلى القاهرة لمواصلة المحادثات”.

وقالت رئاسة الوزراء الإسرائيلية إن مجلس الحرب قرر بالإجماع أن تواصل إسرائيل العملية في رفح، لممارسة الضغط العسكري على “حماس” من أجل تعزيز إطلاق سراح الرهائن، وتحقيق الأهداف الأخرى للحرب.

منشورات تم رميها على المدنيين في رفح للمغادرة- “الصورة من الإنترنت”

ويبدو أن “حماس” أيضاً لا تتنازل عن شروطها، التي تتمسك فيه بقوة ولا تملك أي ورقة ضغط سوى المحتجزين الإسرائيليين لديها، بينما لا ترى في مأساة المدنيين في قطاع غزة أي مبرر لتقديم بعض التنازلات في سبيل إنهاء هذه الحرب التي هي بدأته ومن ثم تريد أن تنتهي دون التفاوض في سلطة القطاع والتفاضل بالانفراد بها لوحدها، وهذا ما لا تقبله إسرائيل قطعاً.

ضغوط أميركية

في المقابل، يسعى الوسطاء بشكل حثيث لممارسة الضغوط على طرفي الصراع من أجل وقف نزيف الدم هذا، فمصر وقطر والولايات المتحدة يعملون لتجنب انهيار المفاوضات، خاصة وأن خطر التصعيد ممكن جداً مع بدء إسرائيل لعملية عسكرية في مدينة رفح، على حدود مصر.

وبحسب مصدر مصري دبلوماسي خاص، فإنه مصر وبالتعاون مع الوسطاء يبحثون في الوقت الراهن عن صيغة توافقية ترضي طرفي الصراع بغزة، على الرغم من أن إيجاد توافق وسط صعوبة شروط الطرفين، بل وتمسكهما بشروطهم، يبدو صعباً جداً، لكن في العموم يعملون بكل مافيهم.

وأضاف المصدر لـ”الحل نت”، أن خطوة واشنطن بإيقاف شحنة أسلحة أميركية، كانت متجهة إلى إسرائيل، إحدى أوراق الضغط على إسرائيل بشأن موقفها ونيتها بشن عملية عسكرية على مدينة رفح، بينما تسعى مصر وقطر لفرض ضغوط على “حماس” كي تتنازل وتقبل بهدنة وإن كانت مؤقتة، إلى حين إيجاد صيغة تفضي لإنهاء الحرب لاحقاً.

وأمام تمسك كل من “حماس” وإسرائيل بشروطهما، فإن ذلك يعني انهيار المفاوضات الجارية، وهو خيار مرجح جداً في ظل عدم تنازل أي من الطرفين، وهو ما يعني إدامة الحرب وتعقيد مسار الحرب بغزة أكثر مما هو عليه، ولا يدفع ضريبته سوى المدنيين في غزة ككل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات