يبدو أن ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، لم تحظَ بعد بتوافق بين القوى الإقليمية والدولية ذات الصلة، نظراً لعدم وجود أي مشروع أو استراتيجية إسرائيلية لملء الفراغ في القطاع، في حال نجحت خطط نتنياهو الرامية إلى التخلص من حركة “حماس”. وبالمثل فإن القوى الإقليمية الفاعلة، وعلى رأسها مصر، ما زالت تتوجس من مساعي تل أبيب التي تهدف إلى اقتحام رفح الفلسطينية، وإعادة السيطرة على ممر فيلادلفيا، ومواصلة ابتزاز القاهرة بورقة التهجير.

وبحسب موقع “أكسيوس” الأميركي، حذّر وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته في اجتماع تمّ يوم الجمعة الفائت، من تراجع مكانة إسرائيل في العالم، وكذا تعرّض أمنها للخطر، مع استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة. ونبه أن “إسرائيل ربما لا تدرك ذلك، إلّا بعد فوات الأوان”. حسبما قال مصدر مطّلع لـ”أكسيوس”.

وتدرك الإدارة الأميركية جيداً عدم وضوح الاستراتيجية الإسرائيلية في قطاع غزة، فيما يتعلق بالتدابير الخاصة بحماية المدنيين، كما أنّها غير مطلعة بشكل كامل على تحركات إسرائيل في القطاع، أو خطط إدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، والتي تصر تل أبيب على تسميتها “مرحلة ما بعد حماس”.

ووفقاً لموقع “أكسيوس”، فإن بلينكن حذر من تداعيات المسار الحالي، في ظل عدم وجود خطة إسرائيلية واضحة لما بعد الحرب. مطالباً نتنياهو بوضع خطة متماسكة، وإلّا بقى عالقاً في غزة. وقال وزير الخارجية، بحسب “أكسيوس” أيضاً، إنّه في المسار الحالي، ستبقى “حماس” مسيطرة على غزة، وإلا فستكون هناك فوضى، الأمر الذي سيخلق الظروف لمزيد من الإرهاب.

ورقة التهجير ومحاولات الضغط على مصر

من الواضح حتى اللحظة، أن الحكومة اليمينية في تل أبيب، يكتنف تحركاتها نوع من الارتباك، ولربما كان مبعث ذلك هو الإصرار المصري على رفض التهجير الكلي أو الجزئي لسكان القطاع إلى سيناء، مع الإحجام عن الاضطلاع بدور في إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب.

مشهد من قطاع غزة- الصورة من الإنترنت

وبحسب مصادر مطلعة، تواصلت مع “الحل نت”، تعمل إسرائيل حالياً على محورين؛ الأول هو بناء موقف عام بين سكان القطاع مناوئ لـ”حماس”، بين المجموعات المدنية ذات التوجهات الليبرالية، و رؤوس العائلات الكبيرة في القطاع والعناصر العشائرية الموالية لمصر. والثاني ربط هذه المجموعة بشكل مباشر بالقاهرة؛ لتشكّل واجهة لإدارة مصرية أو مصرية/ سعودية (أو قوى عربية أخرى) بشكل مؤقت في المرحلة الانتقالية.

وبحسب مصدر مطّلع في قطاع غزة، فإن الضابط الدرزي في الجيش الإسرائيلي، غسان عليان، اجتمع فعلياً في أحد البيوت الآمنة، بعدد من هؤلاء الفلسطينيين، بهدف تكوين كيان سياسي مدني، يسهم في إدارة القطاع بعد الحرب، وقد ضم الاجتماع بحسب المصدر، أفراداً مستقلين بعضهم من عائلة دغمش، وجميعهم من قطاع غزة.

عليان اقترح تكوين مجلس محلي في القطاع، تتبعه ثلاث إدارات مركزية في الشمال والوسط والجنوب، تفصل بينها معابر أمنية، تديرها قوة عربية لم يسمها. كما لفت إلى انفتاحه على فكرة تكوين دوريات شرطة مسلحة تسليحاً خفيفاً، من أبناء القطاع، يتم تدريبها لاحقاً، على يد القوة العربية المشتركة.

ولم يتسع للمصدر الوصول إلى معلومات كافية حول نتائج الاجتماع، لكنه أكد أن مخطط عليان اصطدم برفض واسع بين عائلات القطاع، لفكرة التعاون مع إسرائيل أثناء الحرب.

ووفق المصدر، فإن تل أبيب سعت عبر الولايات المتحدة، إلى استكشاف مدى انفتاح القاهرة على التعاون مع هذه المجموعات الفلسطينية المحدودة وإدارتها، وأن القاهرة طالبت بدور مركزي لـ”منظمة التحرير الفلسطينية”، واقترحت بالتحديد اسم ماجد فرج، مدير الاستخبارات الفلسطينية، كممثل شرعي للفلسطينيين، وحظى مقترح القاهرة بموافقة ضمنية من بعض العشائر الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصّة عائلتي المدهون والأسطل.

ولا زالت القاهرة غير مقتنعة من الناحية الأمنية، بفعالية التخلص من “حماس”، أو قدرة إسرائيل على اقتلاع الحركة نهائياً، وأكدت ذلك لواشنطن، لافتة إلى أن “كتائب القسام” الجناح العسكري لـ”حماس”، في حال عدم دمجها ضمن ترتيبات ما بعد الحرب، سوف تتحول إلى جيوب “مقاومة شرسة”، لأي كيان يحاول اقصاءها، وبحسب مصادر أمنية مصرية مطلعة، تواصلت مع “الحل نت”، فإن القاهرة حتى اللحظة ترى ضرورة دمج “حماس” ضمن “منظمة التحرير”، والدعوة لانتخابات فلسطينية بعد مرحلة انتقالية، تشهد وقفاً فورياً لإطلاق النار، وتبادل الرهائن.

محاولات مأسسة المساعدات

بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركية، أكد بنيامين نتنياهو، أنه وافق بلينكن على ضرورة إجلاء السكان المدنيين من مناطق الحرب في غزة، وكذا توفير الاحتياجات الإنسانية لهم. وأضاف: “لكنّني أخبرت بلينكن أيضاً، أنّنا لا نستطيع هزيمة حماس، دون الذهاب إلى رفح وتفكيك المليشيات الموجودة هناك”. وتابع: “أخبرته أنني آمل أن نتمكن من القيام بذلك بدعم أميركي، ولكن إذا اضطررنا أن نفعل ذلك بمفردنا، فسوف نفعل”.

المقترح الإسرائيلي لم يحظ حتى اللحظة بأي دعم محلي داخل القطاع، ولم ترد القاهرة حتى اللحظة على طلب أميركي خاص بتولي مسؤولية تكوين لجان شعبية فلسطينية داخل القطاع، ضمن مساعي إنشاء منظومة محلية تضطلع بتوزيع المساعدات بدلاً من المؤسسات الأممية. 

مصدر فلسطيني خاص لـ”الحل نت”

وبحسب تقارير أميركية، سوف يصل مسؤولان إسرائيليان كبيران إلى واشنطن الأسبوع المقبل؛ من أجل إجراء محادثات متقدمة مع إدارة الرئيس جو بايدن؛ بشأن الهجوم الإسرائيلي المحتمل على رفح.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وصل إلى واشنطن بالفعل؛ لعقد اجتماعات مع وزير الدفاع لويد أوستن، بالإضافة إلى مدير وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرنز، ورئيس الوزراء القطري، ورئيسي المخابرات الإسرائيلية والمصرية؛ وذلك بالتزامن مع فشل الولايات المتحدة في تمرير مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة، مشروط بالإفراج عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حركة “حماس”، وهو ما اعترضت عليه موسكو وبكين، وطالبتا بوقف غير مشروط لإطلاق النار.

من جهتها، تسعى إسرائيل إلى تكوين مجموعات عشائرية فلسطينية معارضة لـ”حماس”، تقوم بدور منظمة “الأونروا” في غزة، وتتولى مسؤولية توزيع المواد الغذائية، وحصر أعداد اللاجئين في جنوب القطاع، وتقديم معلومات وافية عنهم، بداعي دراسة احتياجاتهم، مع تنظيم عملية نقلهم من رفح إلى مناطق أخرى، قبيل الهجوم المحتمل على رفح.

وبحسب مصدر فلسطيني خاص، فإن المقترح الإسرائيلي لم يحظ حتى اللحظة بأي دعم محلي داخل القطاع، ولم ترد القاهرة حتى اللحظة على طلب أميركي خاص بتولي مسؤولية تكوين لجان شعبية فلسطينية داخل القطاع، ضمن مساعي إنشاء منظومة محلية تضطلع بتوزيع المساعدات بدلاً من المؤسسات الأممية. 

وبشكل أكثر وضوحاً، تحاول تل أبيب تكوين هيكل إداري فلسطيني موازي للإدارة المحلية التابعة لـ “حماس”؛ كاختبار عملي لقدرة العناصر المحلية على إدارة القطاع بشكل أوسع، دون “حماس”.

ضغوط أميركية

قالت تقارير صحفية أميركية إن نتنياهو تفاجئ عندما اقترح عليه الرئيس بايدن خلال مكالمة هاتفية، أن يرسل الأول وفداً إلى واشنطن؛ للحديث حول عملية رفح المحتملة، وهي المرة الأولى التي يستقبل فيها الإسرائيليون طالباً من هذا النوع. ويبدو أن إدارة بايدن تدرس عدة بدائل لعملية عسكرية برية إسرائيلية محتملة على رفح، وبالتالي أرادت أن تعرض على الوفد الإسرائيلي رؤيتها حول هذا الصدد.

تل أبيب سعت عبر الولايات المتحدة، إلى استكشاف مدى انفتاح القاهرة على التعاون مع هذه المجموعات الفلسطينية المحدودة وإدارتها، والقاهرة طالبت بدور مركزي لـ”منظمة التحرير الفلسطينية”- “إنترنت”

بدوره، ردّ نتنياهو خلال اجتماع مع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، أنه وافق على إرسال الوفد إلى واشنطن احتراماً للرئيس بايدن. لكنّه أكد إصراره على ضرورة تنفيذ عملية عسكرية في رفح.

وربما طلب “البيت الأبيض” طلب عقد الاجتماع؛ لمحاولة تجنّب صدام دبلوماسي وشيك بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما يشير موقع “أكسيوس”، حول ما وُصف بالخطوط الحمراء بخصوص العملية الإسرائيلية المحتملة في جنوب قطاع غزة، حيث يقيم أكثر من مليون نازح فلسطيني. وتشعر إدارة بايدن بالقلق الشديد؛ بسبب عدم وجود خطة إسرائيلية منطقية، من شأنها حماية المدنيين الفلسطينيين أثناء العملية العسكرية البرية.

بدوره، أعرب مستشار الأمن القومي بـ “البيت الأبيض”، جاك سوليفان، في مؤتمر صحفي، عن قلقه من أّن العملية الإسرائيلية المحتملة على رفح، سوف تعرقل مسار دخول المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة، كما أنها سوف تؤدي كذلك إلى عزل إسرائيل دولياً، وإحراج واشنطن بالتبعية، في ظل تصاعد موجة التعاطف مع الفلسطينيين في الداخل الأميركي، فوفقاً لاستطلاع رأي صادر عن “مركز بيو للأبحاث”، فإن 50 بالمئة من الأميركيين يؤيدون تقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في مقابل معارضة 19 بالمئة فقط. بينما أشار الاستطلاع إلى انخفاض عدد المؤيدين لتقديم مساعدات عسكرية أميركية لإسرائيل، إلى 36 بالمئة. في مقابل 34 بالمئة يعارضون ذلك صراحة.

وقال مسؤولون أميركيون، إن البديل الذي تقترحه واشنطن، هو تأجيل العملية العسكرية في رفح، وبناء ملاجئ للمدنيين الذين تم إجلاؤهم من رفح؛ بهدف التقليل من وقوع خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين أثناء العملية المحتملة، مع تكثيف عملية تأمين الجانب المصري من الحدود. وكلها بدائل ربما لا تقنع الجانب الإسرائيلي، الذي يعمل وفق أولويات مختلفة، تضع أمامها معادلات الداخل الإسرائيلي، وتوازن القوى داخل الحكومة اليمينية المتطرفة، وعلى رأس كل هذا مستقبل نتنياهو السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة