منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، إثر الهجمات المباغتة التي شنّتها حركة “حماس” ضد إسرائيل، وأمست منطقة الشرق الأوسط، ومصالح إقليمية ودولية مرتهنة بسياق القوى المنخرطة في الصراع، وبخاصة قوى ما تُعرف بـ”المقاومة” التي قامت بتحريك أذرعها الولائية في لبنان وسوريا واليمن، وتشكّل من خلال “مبدأ الساحات” صيغة لتطويق عدة أطراف والضغط عليها لتمرير باقي مصالحها. 

المدنيون وحدهم يدفعون ثمن تلك المغامرة الإقليمية على مذبح القضية الفلسطينية التي يتم استغلالها بشكل مشوه وغير عادل لأغراض أبعد ما تكون عن حقوق الفلسطينيين.

سوريا والأردن وفلسطين والعراق ومصر وأوروبا كلها مُهدّدة بتداعيات الحرب التي فرضتها إيران بسبب وكلائها، فهل ستُصبح المنطقة بأكملها ساحة صراع، وكيف سيواجه “حزب الله” تحدّيا وجوديا، والأبرز من ذلك، أن رجال الأعمال والسياسيون اللبنانيون المُتورّطون مع “حزب الله” سيواجهون مصيرا مُجهولا، وربما سيصبحون لاجئينَ في روسيا أو إيران؟

وكلاء إيران.. كارثة مُدمّرة

في ظل عسكرة “الحوثي” للملاحة الدولية، وتهديد السفن النفطية في البحر الأحمر، فإن خسائر عديدة تكبّدها العالم جرّاء ذلك، وقد خسرت مصر إيرادات قناة السويس التي تراجعت لنحو 46 بالمئة، وخلال الشهر الماضي، واصلت خسائر القاهرة قرابة 508 مليون دولار بفعل تهديدات “الحوثي” المستمرة. 

بعد الأردن مصر في رادارات إيران وغزة البوابة (1)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يؤدي التحية أثناء تفقده القوات مع وزير الدفاع صدقي صبحي، في مدينة السويس الساحلية على البحر الأحمر، مصر. (مينا عبر أسوشيتد برس)

موقع “العربية” نقل عن “بلومبيرغ إنتليجنس”، ترجيحها بشأن “تراجع إيرادات قناة السويس المصرية بنسبة 44 في المئة خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي، على أساس سنوي، وذلك بسبب تهديد حركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث قامت أكبر شركات الشحن في العالم بتحول مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، لتجنب هجمات الحوثيين”.

في الوقت نفسه، تعتقد شركة الشحن العالمية “ميرسك”، أن تحويل مسار سفنها بعيدا عن مضيق باب المندب يمكن أن يستمر حتى النصف الثاني من العام الحالي، مؤكدة أنه ينبغي على العملاء أن يضعوا في حسبانهم دمج وقت الرحلات الأطول في سلاسل التوريد الخاصة بهم

بلومبيرغ إنتليجنس

وفي بيان حديث، توقعت “ميرسك”، استمرار التوترات في البحر الأحمر، حتى النصف الثاني من العام الحالي. وقال الرئيس الإقليمي لشركة “ميرسك” أميركا الشمالية، تشارلز فان دير ستين، إنه “لسوء الحظ، لا نرى أي تغيير في البحر الأحمر يحدث في أي وقت قريب، إذ قد يستمر عبور السفن من الطرق الأطول إلى الربع الثاني وربما الربع الثالث من 2024”. 

وأضاف: “سيحتاج العملاء إلى التأكد من حصولهم على وقت عبور إجمالي أطول مدمج في سلسلة التوريد الخاصة بهم”.

السيولة الأمنية المتسببة فيها الصراع بغزة بعدة مناطق في سوريا والعراق واليمن من خلال وكلاء إيران، يفاقم المشهد السياسي، الأمر الذي برز من خلال اتساع وتيرة تهريب المخدرات “الكبتاغون” ومعها الأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر من سوريا باتجاه الأردن. وقد كان اجتماع عمان عن “آفة المخدرات” محاولة لضبط هذا النشاط المقلق، بين الأردن ولبنان والعراق وسوريا. 

وتكشف هذه الصناعة وعملية التهريب عن أدوار خفية المعلن منها هو هذا المنتج فقط. لكن في الحقيقة وراء ذلك شبكة ضخمة وهائلة ترعاها قوى سياسية وإقليمية، لاسيما الحكومة السورية بدمشق والنظام الإيراني، لهما مصلحة في استمرار الأمر الذي يوفّر عبر عوائده المالية موارد للسلاح التي تعتبر اقتصاديات الحرب والميليشيات.

ثلاثة مراحل ما بعد الحرب

يمكن القول إن مرحلة ما بعد الحرب في لبنان، ستتجه إلى ثلاث مراحل لتهدئة الوضع في الجنوب، وفق مصدر سياسي مطلع، حيث قال لـ”الحل نت” إنها ستبدأ بإنهاء للصراع وتوقف إطلاق النار وغيرها من الأعمال الميدانية والعسكرية بما يجعل عودة النازحين خاصة في شمال إسرائيل ممكنة ومن دون تهديدات. 

في هذه الصورة الأرشيفية التي قدمها المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية (GPO)، نساء لبنانيات يمررن تحت أنقاض موقع مسلح مدمر خلال حملة “سلام الجليل” العسكرية الإسرائيلية في تموز (يوليو) 1 تشرين الأول 1982 في عين الحلوة في لبنان. (تصوير يعقوب ساعر/غيتي)

أما المرحلة الثانية فتشمل استبعاد قوات النخبة “الرضوان” من المناطق الحدودية، تحديدا جنوب نهر الليطاني، وإدخال قوات الجيش اللبناني مع قوات حفظ سلام دولية. وتصل المرحلة الثالثة إلى إمكانية الجلوس على طاول المفاوضات لإنهاء قضية الحدود البرية.

من جانبه يذهب محمد شمس الدين، كبير الباحثين بالمؤسسة الدولية للمعلومات، إلى أن الحرب التي اندلعت في غزة منذ شهور وعلى تخومها اشتعلت جبهة الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” في جنوب لبنان، لها بلا شك خسائر كبيرة في لبنان على كافة المستويات. 

إضافة إلى الضحايا الذين سقطوا فضلاً عن الدمار الذي أصاب ألف وخمسمائة منزل في جنوب لبنان. ودمار جزئي لما يقرب من ثلاثة آلاف منزل وتضرر طفيف لنحو أربعة آلاف منزل وحرائق لسبعة ملايين متر مربع من الأحراش والحقول الزراعية.

ويتابع شمس الدين في تصريحاته التي خصّ بها “الحل نت” بقوله: إن هناك أيضا كسادٌ غلّف الوضع الاقتصادي للبلاد ومحفظة المواطنين، خاصة في القطاع الزراعي إذ إن موسم الزيتون لم يستطع أصحاب الأراضي جني ثمار محصولهم، وكذا عدم استطاعة المزارعين منذ شهرين مضوا البدء بزراعة شتلة التبغ وهي مصدر دخل أساسي لأهالي الجنوب.

نتيجة لتلك الأحداث والحرب، بطبيعة الحال، لن يستطع أهالي القرى الحدودية التي تشهد معارك من زراعة شتول التبغ؛ بالتالي هذه خسارة في المستقبل.

محمد شمس الدين، كبير الباحثين بالمؤسسة الدولية للمعلومات

يلفت كبير الباحثين بالمؤسسة الدولية للمعلومات، أن الأضرار التي أصابت مباشرة الجنوب تقدر بنحو أربعمائة مليون دولار. أما الأضرار بشكل عام على مستوى لبنان فإننا نقدر الناتج المحلي في لبنان باثنين وعشرين مليار دولار. أي أنه نحو ستين مليون دولار يوميا والخسارة هي بنسبة عشرة بالمئة تعطل حركة الاقتصاد وكذا ركود وتراجع لأعداد حركة القادمين والمغادرين. 

أي أن الخسارة اليومية هي ستة ملايين دولار؛ وبالتالي منذ بدء الحرب حتى اليوم تقدر الخسارة الإجمالية غير المباشرة التي أصابت الاقتصاد اللبناني بنحو تسعمائة وخمسين مليار دولار حتى مطلع شهر آذار/مارس الجاري.

ويختتم محمد شمس الدين تصريحاته لـ”الحل نت”، بالإشارة إلى أن مرحلة ما بعد الحرب ستكون لها تداعيات اقتصادية على مختلف دول المنطقة؛ لبنان مصر سوريا الأردن وحتى منطقة الخليج العربي. 

الدولة و”حزب الله”

مؤكد أنه من المبكّر الحديث عن هذه التداعيات، لأننا لا نعرف متى ستتوقف هذه الحرب وعبر أي سيناريو سيتم هذا ومتى ما تعرف الجغرافيا الساخنة الهدوء سواء كان ذلك بعد أسابيع أو أشهر وعلى أي نحو سيكون هناك إمكانية لإحصاء الأضرار والتداعيات الاقتصادية على هذه المنطقة.

الوجه الآخر لـ"حزب الله": استخدام التنظيمات السنية لإنشاء حليف وهمي!
رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي خلال لقاء مع المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوشستين في بيروت في 11 يناير 2024 وسط استمرار التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. (تصوير جوزيف عيد / وكالة فرانس برس)

نحو ذلك، يرى الكاتب اللبناني حنا صالح، أن لبنان في قلب الحرب فعليا، ويصف الوضع أنه بعيد عن محددات الحرب المحدودة كما أنه لا يمكن احتوائه كما جاء في موقف أعلنه الموفد الأميركي آموس هوكشتاين. 

ويتابع صالح في تصريحاته لـ”الحل نت”، أنه واقعيا وبعد خمسة أشهر على ما اسماه “حزب الله” “المشاغلة”، هناك دمار في جنوب لبنان يفوق ما كان في حرب العام 2006 . إسرائيل على الأرض تمكنت من إقامة حزام أمني بالنار دمرت من خلاله عشرات البلدات الحدودية وهجرت نحو مئة وخمسين ألف لا يجدون مأوى كلهم في العراء ولا يجدون سلطة تؤمن لهم الحد الأدنى.

الأطراف المحلية الطائفية لا هاجس لها إلا أن تحمي زمرها التابعين المباشرين وليس المواطن العادي. ويضيف حنا صالح أن ما يقوم به “حزب الله” ليس دفاعا عن لبنان وليس نصرة للفلسطينيين، إنه يريد البقاء على طريق القدس حتى تتمكن طهران من انتزاع موقف مؤثر في مفاوضات، لابد أن تأتي بعد الحرب على غزة. 

إذاً ولا ريب أن هناك تداعيات على لبنان الآن كبيرة جدا سيما ضرب للدورة الاقتصادية، وشلّ لحركتها ما فاقم معاناة الناس في كل ربوع لبنان.

إن تفاقم هذه الحرب ليس فقط نتيجة إصرار “حزب الله” على تنفيذ الأجندة الإيرانية، بل وكذلك نتيجة غياب السلطة في لبنان عن مسؤوليتها الوطنية وعن الحد الأدنى من دورها لحماية الناس. وهذا حتما مسؤوليتها الأساسية. 

إن السلطة اللبنانية وهي سلطة تصريف أعمال لم تحظَ بأي ثقة وبالأحرى هي سلطة عيّنها “حزب الله” وجاء بنجيب ميقاتي رجل البنوك المتهم في لبنان والخارج بارتكابات مالية جاءت به لرئاسة الحكومة، بحسب الكاتب اللبناني حنا صالح.  

يردف المصدر قائلا: إن “ميقاتي هاجسه إكمال النهب وإكمال السيطرة لمصلحة نظام المحاصصة أو النافذين الطائفيين في نظام المحاصصة الغنائمي المحمي من بندقية لا شرعية هي بندقية حزب الله.. لو كان هناك أي هامش بين السلطة السياسية وحزب الله لكان الوضع اختلف”. 

واقعيا القوى السياسية اللبنانية إلى جانب الحكومة والتي ترفع الصوت ضد الهيمنة التي يفرضها “حزب الله” على البلد، هي مجرد قوى عاجزة فاشلة وهي معارضة صوتية لا أكثر لسبب بسيط أنها لا تحوز ثقة الناس لأنها تعاملت منذ العام 2005 منذ الاتفاق الرباعي الخطير مع “حزب الله” – بعد انتفاضة الاستقلال – في اللجان البرلمانية وفي الحكومات التي أدت إلى تدمير البلد وهي شريكة مع “حزب الله” بشعار مشؤوم (شعب جيش ومقاومة). 

ليصبح وفق حنا الموضوع “مقاولة” وليس مقاومة؛ بالتالي فقد دور الشعب وفقد دور الجيش وإدارة الظهر لكل شيء. إنها مقاولة تم تغطيتها من جانب القوى السياسية فكان اختطاف الدولة. والنتيجة أن المستقبل رهن حسن نصر الله الذي يهدد ومثله نتنياهو يريد إطالة الحرب للبقاء في السلطة، وهاجس “حزب الله”، البقاء على طريق القدس خدمة للأجندة الإيرانية.

الخاسرون رجالات “حزب الله”  

يجد الشرق الأوسط هذه الأيام وبسبب إيران ووكلائها نفسه على شفا صراع محتمل آخر؛ فالأجواء مشحونة بالتوتر، وهي مقدمة صامتة لنشاز الحرب التي قد تتبعها قريباً. فإسرائيل، وعينها على الحدود الشمالية، تعكف على صياغة استراتيجية للتوغل البري في لبنان – وهي خطوة قد تعيد رسم خطوط القوة والنفوذ في المنطقة.

زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله – إنترنت

ويقال إن جيش الدفاع الإسرائيلي، تحت إشراف العميد موشيه تامير، يخطط بدقة لمستويات مختلفة من الاشتباك، ويعبّر هذا الاستعداد عن مدى الجدّية التي تنظر بها إسرائيل إلى التهديد الذي يشكله “حزب الله”، الجماعة الشيعية المسلحة التي لطالما شكلت قوة هائلة في لبنان دون ردعها من الدولة.

وسائل إعلام إسرائيلية أفادت اليوم الأربعاء، أن الاستعدادات بدأت لعملية تسمى “المرساة الصلبة” حيث طلبت القيادة العسكرية الإسرائيلية تعزيزات للجنود الذين يقاتلون على الحدود مع لبنان.  بالإضافة إلى ذلك، يتم اتخاذ تدابير لحماية عشرات الآلاف من الإسرائيليين من خلال إعداد الملاجئ الجماعية.

يتكشف السيناريو على النحو التالي وفق الخبير العسكري، العميد عبد الله حلاوة، : يشن الجيش الإسرائيلي، بعد أشهر من الحشد العسكري والعمليات الاستخباراتية، هجومًا بريًا. وتهدف العملية السريعة والدقيقة إلى تفكيك البنية التحتية لـ “حزب الله” وتقليص قدراته العسكرية. والنتيجة هي لبنان محروم من أحد أكثر الأطراف المسلحة تأثيرا في لبنان، تاركا فراغا يموج في النسيج الاجتماعي والسياسي في البلاد.

بالنسبة لـ”حزب الله” وقادته، فإن الهزيمة أكثر من مجرد نكسة عسكرية؛ إنها أزمة وجودية؛ فقد تتركهم العقوبات في عزلة، مع عدم قدرة الحليفين التقليديين روسيا وإيران على توفير شريان الحياة الاقتصادية الضرورية. ويجد القادة أنفسهم في متاهة من الخيارات المتضائلة، حيث يتضاءل نفوذهم وتتداعى شبكاتهم المالية.

أيضا وبحسب تحليل حلاوة لـ”الحل نت”، فإنه سيواجه رجال الأعمال والسياسيون اللبنانيون، الذين كانوا منخرطين مع شبكة “حزب الله” الاقتصادية الواسعة، حسابا خاصا، حيث أوقعتهم العقوبات في شراكها، ومع انهيار “حزب الله”، أصبحوا هم أيضًا بلا هدف؛ فثرواتهم التي كانت مضمونة من قبل برعاية الحزب، أصبحت الآن رهينة لأهواء السياسة الدولية.

وفي ظل هذا النظام الجديد الذي سيتشكل ما بعد الحرب، لم تعد روسيا وإيران، رغم أنهما لا تزالان قوتين إقليميتين، قادرتين على توفير الملاذ لحلفائهما اللبنانيين. فالمنصات الاقتصادية التي كانت توفرانها في السابق أصبحت الآن سراباً في صحراء من الخراب الاقتصادي. ويتعين على رجال الأعمال والسياسيين التعامل مع هذا الواقع الجديد، حيث ستتغير القواعد ولم تعد التحالفات القديمة توفّر حماية تذكر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات