أثارت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة لمصر العديد من التساؤلات حول الموقف التركي من جماعة “الإخوان المسلمين”، خاصة أن أردوغان كان من المتبنينَ لموقف “الإخوان” تجاه النظام السياسي الحالي في مصر، وأول الداعمينَ للتيار “الإخواني”، بل أن أردوغان غالباً ما يُحسب على جماعة “الإخوان”، وتصويرهم له عادة في صورة الرجل المنقِذ لهذه الشعوب المقهورة، أو التأكيد على ما يحب أن يُقدّم نفسه.

ومن زاوية أخرى، عادة ما يتبنى أردوغان موقف “الإخوان”، وهو من أوائل الداعمين لهذه الجماعة، لكنه في الوقت نفسه ليس عضواً في جماعة “الإخوان”. بل هو من أنصار الإسلام السياسي. وأردوغان هو قائد “حزب العدالة والتنمية”، وهو حزب إسلاموي جاء من أنقاض “حزب الرفاه”.

وممثّل “الإخوان” في تركيا هو “حزب سادات” أو “حزب السعادة”، ولا ينفي هذا وجود التضامن بينهما، خاصة أنهما يملكان خلفية إسلامية مشتركة، ويظهر هذا في تبنّي “حزب العدالة والتنمية” للرؤية “الإخوانية” تجاه النظام السياسي الحالي في مصر في بداية الأمر، ولكنه أقرّ في الأخير بشرعية هذا النظام وعمل على تعزيز العلاقات بالزيارة الأخيرة لمصر.

تخفف أردوغان من “الإخوان”

من الضروري أن يؤدي الفشل السياسي لـ “الإخوان” إلى سعي العديد من الأطراف الداعمة لها للتخفّف من أعبائها، خاصة بعد التضامن الذي أبدته الجماعات الجهادية معها وتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في مصر، وهذا ما دفع بجماعات الإسلام السياسي إلى بؤرة الاتهام. ويرجع ذلك إلى ظهور العمليات الإرهابية والعنيفة عقِب سقوطه في المنطقة بشكل عام، وخيبة أمل كُبرى الجماعات الجهادية المعروفة ومحاولاتها إعادة الحُكم إلى الإسلام السياسي من جديد ولو بالعنف.

أردوغان يستخدم ورقة “الإخوان المسلمين” وفق مصالحه البراغماتية- “الصورة من الإنترنت”

وحسب ما قال الباحث المصري في شؤون الإسلام السياسي أحمد زغلول شلاطة لـ”الحل نت”، فإن ظهور هذا الاتجاه الدولي الساعي إلى حظر جماعات الإسلام السياسي، دفع العديد من الحركات الإسلاموية إلى نفي اتهامات الإسلام السياسي لها، ولمحاولة الخروج من هذا الفضاء، أعلن اتحاد الجماعات الإسلامية في أوروبا، أنه لا علاقة له بتنظيمات الإسلام السياسي، والتزامه بالقوانين الداخلية الأوروبية، وتحرص كل التيارات على ذلك. وهذه نتيجة طبيعية للحظر السياسي والقانوني الذي يدفع كافة الجماعات إلى نفي هذه التّهمة الموجّهة إليها، لا سيما أن المجتمع الدولي لا يتفاهم في مسألة الحظر القانوني، فإذا تم حظر جماعة “الإخوان المسلمين” في أوروبا ستُعد هذه نهاية فعلية لهم، خلاف ما حدث في مصر، لأنه في هذه الأثناء لا يصبح بمقدورهم السفر أو القيام بأعمالهم الاستثمارية أو التواجد في أوروبا. أي دولة باستثناء الدول التي تعمل على تحدّي القانون الدولي.

ويُعد هذا سبباً رئيسياً في تحويل دفة السياسة التركية وهذا ما أوضحه الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الإرهاب هشام النجار لموقع “الحل نت” قائلاً: إن الاستدارة السياسة التي عرفتها الخارجية التركية مؤخراً جاءت بعد هزيمة تيارات الإسلام السياسي منذ ثورة حزيران/ يونيو 2013، وحلفائهم من الجماعات الإسلامية المسلحة، والهزيمة جاءت بثورة ولفظ شعبي دعمه الجيش ووقف إلى جواره، وفي المقابل فشل “الإخوان” ومعاونيهم للعودة للسلطة سواء عن طريق انتهاج الإرهاب الذي رأيناه جميعاً في سيناء، وتشكيل خلايا مسلحة وتوطيد العلاقات والروابط بين جماعة “الإخوان المسلمين” وبين الجماعات الجهادية خاصة التي كانت نشطة في سيناء، أو عن طريق ممارسة الضغوط من قوى الضغط الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان وخلاف ذلك.

وأضاف النجار أن جماعة “الإخوان” كانت تمثّل ذراع تركيا في مصر؛ لذا عطّل فشلها السياسي المصالح التركية بشكل كبير، والفشل السياسي والرفض لـ “الإخوان” على المحيط العربي الإقليمي، جعل من التخفّف من حمولة “الإخوان” أمراً ضرورياً بالنسبة لأردوغان، وحد الدعم لها وتعديل سياساته تجاه الدول الخارجية خاصة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر، والعلاقة بين مصر وتركيا بدأ تحسينها من عام 2021، وتم تتويجها بهذه الزيارة الأخيرة، التي تحمل طابعاً تاريخياً لحالة العداء التي عرفتها تركيا مع مصر على مدار الأعوام السابقة؛ بداية من سقوط جماعة “الإخوان”، مروراً بالتشكيك في شرعية نظام الحكم بعد 30 حزيران/ يونيو ومحاولة إسقاطه، وتعبّر زيارة أردوغان عن فشل مخططاته وتسليمه بشرعية الإدارة السياسية الحالية الذي دفعته مصالحه إلى التعاون معها.

ووسط كل ذلك، كشفت حسابات تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين”، قيام السلطات التركية بسحب الجنسية من محمود حسين، مرشد الجماعة المقيم في تركيا.

وكتب عمرو عبد الهادي، المحسوب على الجماعة، في منشور له عبر حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، إن السلطات التركية سحبت الجنسية من محمود حسين، مضيفاً أن الرجل مقيم في تركيا منذ 2014 بصفة قانونية، كما أن طريقة سحب الجنسية التركية منه لا تتناسب مع الرجل سناً ومقاماً، وكان يجب على الأقل تمكينه من الخروج من تركيا قبل تجريده منها.

وزعم عبد الهادي أن سحب الجنسية من مرشد جماعة الإخوان في تركيا، قد تم قبل ذهاب أردوغان إلى مصر وليس بعد عودته من القاهرة، وأشار إلى أنه “لن يتم تسليم أي شخص سُحبت منه الجنسية التركية أو ستسحب منه جنسيته التركية قريباً، سواء كان مقيماً في قطر أو تركيا. سيصبح أي شخص في تركيا مقيماً إلزامياً (إقامة جبرية)..”.

عملية التحرش المستمرة من “الإخوان” والتي لا يجد أردوغان لها أي تعويض سياسي، واللامبالاة والوعي بالمسؤولية لـ “الإخوان” داخل تركيا، لم تترك له أي خيار سوى تقليم أظافرهم والحدّ من نفوذهم.

هذا وكانت وسائل الإعلام المصرية قد قالت إن قيادات إخوانية بدأت مغادرة الأراضي التركية عقب زيارة أردوغان لمصر من بينهم عناصر إعلامية وعناصر من “حركة حسم” الإخوانية وكذلك عناصر أكاديمية كانت تعمل في الجامعات التركية، كما تم التضييق على عناصر أخرى وتقييد أنشطتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

إزعاج “الإخوان” لأردوغان وسياسة تقليم الأظافر

يُضاف إلى أسباب تخلي أردوغان عن “الإخوان” بجانب فشلهم السياسي، النزاع القائم بين “حزب سادات/ السعادة” وبين “حزب العدالة والتنمية” التركيَين، وأزعج أردوغان اجتماع الحزب الأول مع وفد من جماعة “الإخوان” بقيادة همام علي يوسف عضو مجلس شورى الجماعة في 21 نيسان/ أبريل عام 2021، بغير علم منه، وزاد هذا الأمر التحركات “الإخوانية” داخل تركيا ومسارات الأوعية المالية، التي أزعجت أردوغان أيضاً.

والرفض الإقليمي وربما الدولي لـ “الإخوان” دفع أردوغان إلى وضع شروط وحدود لتحركات “الإخوان”، إلا أن الجماعة الإسلاموية لم تلتزم بهذه الشروط، وهو ما مثل إزعاجاً لأردوغان وخطراً سياسياً عليه، خاصة أنه في هذه المرحلة يسعى لتصفير مشاكله من جهة، وتصديرها للخارج من جهة أخرى. وهذا ما دفعه إلى محاولة تقليم أظافر “الإخوان” داخل تركيا، فعملية التحرش المستمرة من “الإخوان” والتي لا يجد أردوغان لها أي تعويض سياسي، واللامبالاة والوعي بالمسؤولية لـ “الإخوان” داخل تركيا، لم تترك لأردوغان أي خيار سوى تقليم أظافرهم والحدّ من نفوذهم.

وضمن هذا السياق، قال الكاتب الصحفي هشام النجار في حديث لـ”الحل نت” إن هذه الأمور قد حدثت بالفعل وتم عقاب البعض من “الإخوان” بالفعل على إثرها، وهي محطات تمرّ بها العلاقات “الإخوانية” التركية، ولكنها في النهاية لا تؤدي إلى الانفصال التام بين “الإخوان” وتركيا، وأيضاً إعادة النظر في العلاقات مع الدول العربية خاصة السعودية والإمارات ومصر، لم يؤدِّ إلى الانفصال الكامل بينهما، ولكنه أدى إلى تقليم أظافر “الإخوان”، وتهذيب الخطاب الإعلامي، وطرد مجموعة من ذوي الأصوات المحرّضة ضد النظام المصري.

أردوغان يوجّه “الإخوان” بشروطه ويتعامل مع كل حالة على حدة- “الصورة من موقع الرئاسة المصرية”

وفي نفس الوقت، الجماعة لازالت موجودة في تركيا، وهناك لقاءات واجتماعات وتحركات ونشاطات لها داخل المحيط التركي، فالموقف التركي الأردوغاني يسير في هذه العلاقات بالكثير من الحيطة والحذر ولا يريد أن يخسر طرفاً بالكلية، فلا يريد أن يقف أمام الدول العربية وتعطيل مصالحه، ولا يريد أن يفقد تماماً علاقته بـ “الإخوان” كذلك، فأردوغان يعمل بسياسة عدم الانحياز بما يعنيه الموقف من مراوغة ليكسب كافة الأطراف.

وثمة آراء ظهرت حول تخلّي أردوغان عن جماعة “الإخوان”، خاصة بعد زيارته الأخيرة لمصر، إلا أن هشام النجار يختلف مع هذا الرأي، حيث يرى أن الجماعة لم يتم التخلّي عنها تماماً في تركيا، بل لا تزال موجودة هناك، وحتى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي يمثل الذراع الفكرية لجماعة “الإخوان” تتواجد في تركيا وتعقد مؤتمرات واجتماعات وغيرها، وهناك العديد من القيادات التي لها أنشطة وتحركات في تركيا، ولكن تم وضع شروط وحدود لهذه التحركات وفقاً للموقف التركي الأخير لتحقيق مصالح تركيا في الإقليم، فالنظام التركي حريص على عدم الفقدان التام لهذه الورقة، لحسابات داخلية وعدم الفقدان التام لجمهوره في اتجاه بناء “الإمبراطورية العثمانية”.

وهو في الوقت نفسه يدرك أبعاد الوضع السياسي ويسعى إلى إقامة علاقات تركية عربية بشكل عام وعلاقات تركية مصرية بشكل خاص. أردوغان يوجّه “الإخوان” بشروطه ويتعامل مع كل حالة على حدة. ومَن يلتزم بهذه الشروط فيتم غضّ الطرف عنه داخل النطاق التركي بما يتوافق مع المصالح التركية، فـ “الإخوان” ورقة يستفيد منها في كل الظروف والاتجاهات، وربما تضاءل دورها الإقليمي أو قد انتهى، لكن لها أدوارٌ أخرى مع أردوغان، أو ربما ستظهر لها أدوارٌ فيما بعد، ولذلك مسألة خسارتها غير موجود تماماً في الحسابات التركية “الإخوانية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات