بعد أربعة إخفاقات سابقة اعتمد مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين الموافق 25 آذار/ مارس الجاري قراراً بوقف إطلاق النار في غزة، وكانت هناك مساعي دولية طيلة خمسة أشهر لاتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، بيد أن القرار تعطّل ثلاث مرات للرفض الأميركي له واستخدام “حق الفيتو”، والإخفاق الأخير كان لرفض روسيا والصين المقترح الأميركي بوقف إطلاق النار، واستخدام “حق الفيتو” لرفض هذا القرار.

في ظل معاناة المدنيين في غزة التي تزداد كل يوم عن سابقه ظهرت مساعي دولية للوصول إلى اتفاق هدنة لمدّة ست أسابيع، يتم وقف إطلاق النار فيها وتبادل بعض الأسرى بين حركة “حماس” وإسرائيل، وحسب ما يذكر المطّلعون على الاتفاق والصحف، فإن الاتفاق تضمّن إفراج “حماس” عن 40 رهينة لديها، منهم المرضى والمسنين والنساء المدنيين وخمس نساء مجندات في الجيش الإسرائيلي، بالمقابل اشترطت “حماس” الإفراج عن خمسة عشر أسير في السجون الإسرائيلية مدانين بجرائمٍ خطيرة مقابل المجندات، والإفراج عن عشرة سجناء مقابل كل مدني إسرائيلي تفرج عنه.

الفيتو الصيني الروسي

والواقع أن الحرب بين إسرائيل و”حماس” ومعاناة المدنيين في غزة تمثل ضغطاً عالمياً، على المستوى السياسي والاقتصادي والاستراتيجي والنفسي كذلك؛ وهذا ما دفع العديد من الدول للوصول إلى هذه الهدنة.

وفي جلسة لمجلس الأمن بتاريخ 22 آذار/ مارس الجاري استخدمت روسيا والصين “حق الفيتو” ضد قرار أميركي بوقف إطلاق نار فوري ومستدام لمدة ست أسابيع، مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين يعانون في غزة.

وحظي القرار بموافقة 11 دولة من أصل 15 أعضاء مجلس الأمن، ورفضت ثلاث دول؛ روسيا، والصين، والجزائر، في حين امتنعت غويانا عن التصويت، مما دفع روسيا والصين إلى استخدام “حق الفيتو” ضد هذا القرار، دون النظر إلى معاناة المدنيين في غزة، واحتج في هذا الرفض سفير روسيا لدى الأمم المتحدة اسيلي نيبينزيا بأن هذا القرار “مُسيَّس بشكل مبالغ فيه ويتضمن فعلياً منح الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية في رفح”.

المدنيين والحسبة الدبلوماسية

ما أوضحه السجال الدبلوماسي بين القوى الدولية والإقليمية في هذا الشأن أن المدنيين ومعاناتهم كانت آخر ما يفكرون فيه، وهم أول من يعاني من ويلات هذه الحرب المدمرة التي اجتاحت عائلاتٍ بأكملها وأفراداً خلّفت وراءهم أُسراً مشرّدةً وممزقة. فمائدة المفاوضات حتى الآن تدار للمكاسب الدبلوماسية وتستخدم معاناة المدنيين كغطاءٍ لها، ولا تضع وقف معاناتهم ضمن حساباتها وانتصاراتها، وأولهم “حماس” التي تُعد أكثر المعنيين بوقف معاناة المدنيين في غزة.

فوفقاً لقانون المكاسب والخسائر المعهودة في الحروب، فإن “حماس” تُعد خاسرة، من حيث توريط المدنيين في هذه الحرب وموت أكثر من 32 ألف مدني، ونحو 74 ألف أخرين مصابين، ولكنها لا ترى في هذا الأمر خسارة، بل يمكن القول إنها لا تضع المدنيين ضمن حساباتها، واتضح هذا في تصريح غير لائقٍ على كل حال من موسى أبو مرزوق، أحد قيادات “حماس”، أفاد فيه بعدم مسؤولية “حماس” عن المدنيين في غزة حتى تضع “حماس” حساب لحمايتهم في هذه الحرب، وأن الأنفاق للمقاتلين فقط. 

“حماس” لا تُلقي بالاً لمعاناة المدنيين فحسب، بل تستخدم هذه المعاناة لدغدغة مشاعر الجماهير العالمية، ووسيلة ضغط دولية، وتعمل على بناء شعبية لها من خلال استثمار هذه المعاناة.

ويختلف الموقف الإسرائيلي عن موقف “حماس” حيال المدنيين المعنية بحمايتهم، ففي الوقت الذي شنّت فيه إسرائيل حرباً جنونية ضد قطاع غزة لاستعادة الرهائن المدنيين، كانت “حماس” تهتم أكثر بالظهور بالمظهر “العنتري المنتصر”، وربما يقع هذا للمسؤولية الدبلوماسية التي تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية لحماية المدنيين وتعهّدها بذلك، في حين تدّعي “حماس” حسب ما تعلنه “بتحرير الأرض مقابل أي خسائرٍ كانت”.

وفي تصريح لنائب رئيس المخابرات المصرية العامة الأسبق اللواء أحمد رشاد خص به “الحل نت”، أوضح بأن إسرائيل في الوقت الذي كانت تعاني فيه معاناة شديدة مع “حماس” في حربها داخل قطاع غزة، وتعرضها لمفاجآت لم تضعها في الحسبان؛ من مستوى التسليح غير المسبوق لـ “حماس”، ومستوى التكتيكات، وكانت هناك مناطق أضحت مغلقة بالنسبة لإسرائيل وعاجزة عن الوصول إليها، ولغّمت “حماس” العديد من الأراضي ومحاور التقدم للقوات الإسرائيلية، وهذا ما دفع القوات الإسرائيلية لإسقاط القوات بالمظلات لأن قواتها غير قادرة على الوصول البرّي، لأن كل خطوط التقدم أصبحت مغلقة، لم تأخذ إسرائيل خيار غمر الأنفاق بالماء أو بالغاز حفاظاً على رهائنها، لأن الرهائن هي القضية الأولى التي تعني إسرائيل.

وأردف رشاد أنه بالرغم من تفاجئ إسرائيل بخصوص تشييد الأنفاق ومساحاتها، ونظامها؛ فلديها نقاط سيطرة ونقاط تحكم، وإدراكها لقوة هذا السلاح في يد “حماس” إلا أنها لم تغامر بحياة الرهائن، وهذا ما جعلني لأكرّر أن الرهائن تُعدّ ميزان القوى في يد “حماس”، في حين لا تضع الأخيرة حساباً لمعاناة المدنيين وقتل الآلاف وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة، وكل ما تبحث عنه المكاسب السياسية والعسكرية.

بدورها، أضافت الباحثة إكرام البدوي في تصريح خصّت به “الحل نت” أفادت أن “حماس” لا تُلقي بالاً لمعاناة المدنيين فحسب، بل تستخدم هذه المعاناة لدغدغة مشاعر الجماهير العالمية، ووسيلة ضغط دولية، وتعمل على بناء شعبية لها من خلال استثمار هذه المعاناة، في الوقت الذي لم تخسر فيه كقوة عسكرية خسائر تقابل الخسائر المدنية. وحسب ما تعلنه “حماس” فإن “تحرير الأرض يتطلب بذل الدماء، وظهر هذا في تعنّت حماس في شروطها وعدم التنازل عن أي منها، وكأنها في موقف المنتصر الذي يملي شروطه ولا يضع معاناة المدنيين في أول حساباته”.

تأييد “حماس” لوقف إطلاق النار

في الوقت الذي تُعد “حماس” مقصّرة فيه في حق المدنيين في غزة لا يمكن القول إن الطرف الإسرائيلي لم يكن مقصر حيال الرهائن الإسرائيلية كذلك، واتضح هذا في الفيديوهات التي عرضتها “حماس” قبل ذلك في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي للرهائن وهم يطالبون نتنياهو بالتحرك وخروجهم من الأسر، فضلاً عن محاولات الاحتجاج والضغط الشعبي الذي ملأت إسرائيل، وأوضح هذا أن لإسرائيل مآرب سياسية تسعى إليها، ولها أولوية عن سلامة المدنيين.

مائدة المفاوضات حتى الآن تدار للمكاسب الدبلوماسية وتستخدم معاناة المدنيين كغطاءٍ لها، ولا تضع وقف معاناتهم ضمن حساباتها وانتصاراتها، وأولهم “حماس” التي تُعد أكثر المعنيين بوقف معاناة المدنيين في غزة- “رويترز”

والمعهود عن مائدة المفاوضات أن ما يحكمها المكاسب السياسية لا أكثر، وهذا ما جعل “حماس” تؤيد القرار الذي أصدره مجلس الأمن يوم الإثنين 25 آذار/ مارس الجاري بوقف إطلاق النار، وإطلاق الرهائن دون قيد أو شرط، ولقي هذا القرار تأييد من أربع عشرة دولة من الدول الأعضاء وامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت، ولأول مرة لا تستخدم الولايات المتحدة “حق الفيتو” لرفض هذا القرار.

وخرج الموقف الأميركي من تفاقم الأزمة وعيش العالم معاناة إنسانية هي الأشد في هذا القرن، وتراجع موقف التأييد لإسرائيل في العديد من دول العالم لما يراه العالم من معاناة للمدنيين كل يوم، خاصة في شهر رمضان الذي يُعرف خصوصية دينية واجتماعية للمسلمين، وفي الوقت الذي حظي فيه هذا القرار بتأييد غير مسبوق من قِبل “حماس”، تلقته الحكومة الإسرائيلية بلوم شديد على الموقف الأميركي في هذه الجلسة.

وأعلنت “حماس” جاهزيتها الكاملة للانخراط في عملية تبادل الأسرى، وترحيبها الحار بقرار مجلس الأمن في بيان لها قالت فيه “نرحّب بدعوة مجلس الأمن الدولي اليوم لوقف فوري لإطلاق النار، ونؤكد على ضرورة الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، يؤدي إلى انسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى بيوتهم التي خرجوا منها” وطالبت مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتنفيذ هذا القرار.

وعبر التصفيق الحاد الذي ملأ قاعة مجلس الأمن فور اتخاذها القرار عن تعطش العالم إلى وقف إطلاق النار، ووقف هذه المعاناة التي تنتهك العالم نفسياً وأخلاقياً كل يوم، والسعي نحو وقف آلة الحرب التي لا تحترم شيء من الإنسانية على كل حال، وتنتهك ما لا ينتهك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات