تبذل مصر وقطر والولايات المتحدة جهوداً حثيثة في الآونة الأخيرة بغية التوصل إلى هدنة جديدة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”. وفي هذا الصدد أشارت واشنطن إلى أن ثمة “تقدم ملحوظ” في المفاوضات بين طرفي الصراع بشأن إطلاق سراح الرهائن والاتفاق على هدنة طويلة الأمد.

ومن شأن التوصل إلى هدنة جديدة أن يوقف القتال في غزة ويطلق سراح الرهائن الإسرائيليين، الأمر الذي أصبح ضرورة ملحة وسط ما يعانيه سكان غزة من الجوع ونقص للمياه والدواء، حيث إن الظروف الإنسانية هناك قاسية ومتفاقة لدرجة أن العديد من الوكالات الدولية والإغاثية حذرت من إمكانية حدوث كارثة إذا ما استمرت الحرب لشهور أخرى.

المفاوضات وضرورة إنهاء الحرب

وسط إشارات إسرائيلية على التقدم بعد أسابيع من الجمود، التقى، بريت ماكغورك، مستشار الرئيس الأميركي، جو بايدن، لشؤون الشرق الأوسط، بمسؤولين إسرائيليين، من بينهم وزير الدفاع، يوآف غالانت، الذي قال إن المفاوضين الإسرائيليين سيحصلون على تفويض أوسع في محادثات الرهائن وسط العمليات البرية المكثفة للجيش.

تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة- “وكالات”

وبحسب وسائل الإعلام، أكد مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أن المحادثات التي يجريها مبعوث الرئيس بشأن إطلاق سراح رهائن ووقف الأعمال العدائية في غزة “تسير بشكل جيد”.

وقال كيربي وفق ما نقلته وسائل الإعلام يوم أمس الخميس، إن “المؤشرات الأولية لدينا من بريت (ماكغورك) تشير إلى أن المناقشات تسير بشكل جيد”، مبيناً أن المبعوث زار القاهرة، الأربعاء، وكان في إسرائيل، الخميس، لعقد اجتماعات مع الحكومة وكذلك مع عائلات رهائن أميركيين.

وجاءت زيارة ماكغورك إلى إسرائيل بعد يوم من إجراء محادثات في القاهرة مع مسؤولين مصريين يقودون المفاوضات مع قيادة “حماس”، فيما زار رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية، مصر هذا الأسبوع.

وبالتالي، اعتبر أنه أقوى مؤشر منذ أسابيع على أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وفق وكالة “رويترز”.

تتفق صحيفة “وول ستريت جورنال” على هذا المؤشر الإيجابي، حيث قالت إنه من المتوقع أن يجتمع، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، وليام بيرنز، مع كبار القادة من الشرق الأوسط في الأيام المقبلة، حسبما ذكر مسؤولون إقليميون للصحيفة الأميركية، وبالتالي هذا يدل على وجود علامة محتملة على إحياء المحادثات.

وكان لبيرنز دور فعّال في ضمان وقف إطلاق النار لمدة أسبوع في تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي تم بموجبه إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة إسرائيلية مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين.

ليونة مواقف طرفي الصراع

في مقابل ذلك، قال سامي أبوزهري رئيس الدائرة السياسية لـ”حماس” في الخارج إن “إسرائيل هي المسؤولة عن عدم إحراز تقدم وتتراجع الآن عن الشروط التي قبلتها بالفعل في بداية فبراير في عرض لوقف إطلاق النار صاغته الولايات المتحدة ووسطاء مصريون وقطريون في باريس”.

وأضاف أبوزهري وفق ما تداولته وسائل الإعلام، أن إسرائيل غير معنية بنجاح أي اتفاق وهو تراجع عن ورقة الإطار التي وضعها الوسطاء وشارك فيها، ونتنياهو غير معني بملف الأسرى وكل ما يهمه هو مواصلة الحرب في القطاع.

وحتى الآن، لم يصدر أي رد من المسؤولين الإسرائيليين، باستثناء خطة مكتوبة من نتنياهو لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، يسلط فيها الضوء على الترتيبات الأمنية المستقبلية في غزة.

رغم كل المؤشرات والتصريحات الإيجابية، التي تؤشر جميعها إلى احتمالات حدوث هدنة جديدة، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بين طرفي الصراع حول القضايا الأساسية.

رغم أنه من غير المعروف ما إذا كانت “حماس” والأطراف الإقليمية ستوافق على هذه الخطة الإسرائيلية، أو ما إذا كانت ستطرأ عليها تغييرات بعد عدة مشاورات، حتى تصبح ممكنة ومقبولة لدى جميع الأطراف، إلا أن مسؤولين إقليميين قالوا إنه من المقرر مبدئياً أن تعقد اجتماعات بيرنز، اليوم الجمعة، في باريس.

كما إنه من المتوقع أن يحضر رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، المحادثات.

ووافقت إسرائيل على إرسال وفد لحضور المحادثات، حسبما ذكرت مصادر مطلعة لـ”وول ستريت جورنال”، أمس الخميس.

وقد أكد مصدر مطلع لـ”رويترز”، أن إسرائيل ستشارك في مفاوضات تجرى مطلع الأسبوع في باريس بحضور الولايات المتحدة وقطر ومصر، فيما قالت “القناة 12” الإسرائيلية يوم الخميس إن مجلس حكومة الحرب وافق على إرسال مفاوضين بقيادة رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” دافيد بارنيا، إلى محادثات باريس. حضر بارنيا جولات سابقة من المفاوضات مع نفس المجموعة من القادة.

ما التوقعات؟

في مقابل تفاقم مأساة السكان في غزة، بدأت مناقشات جديدة حول خطة وضعتها قطر والولايات المتحدة ومصر، تنص مرحلتها الأولى على هدنة مدتها ستة أسابيع يتم خلالها تبادل الرهائن بأسرى فلسطينيين، وإدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى غزة، وفق وكالة “فرانس برس”.

تقاطع في رؤى مصر والولايات المتحدة بشأن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة- “وكالات”

وفي إشارة إلى أن إسرائيل تستمع إلى معلومات من وسطاء يمكن أن تؤدي إلى تقدم في المحادثات، قال بيني غانتس، عضو مجلس الحرب، في بيان، الأربعاء، إن ثمة “مؤشرات أولى تشير إلى إمكانية المضي قدماً” في المفاوضات.

كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في بيان “سنوسع السلطة الممنوحة لمفاوضينا بشأن الرهائن” بينما نستعد لمواصلة العمليات البرية المكثفة.

وبعد الاجتماعات مع ماكغورك، الخميس، قال شخص مطلع على الأمر لـ”وول ستريت جورنال”، إن إسرائيل تلقت مؤشرات على أن حماس تغير مطالبها بطريقة يمكن أن تحقق “انفراجة”.

بينما قال أحد الأشخاص المطلعين على المحادثات لـ”نيويورك تايمز”، إن هناك دلائل تشير إلى أن “حماس” وإسرائيل على استعداد للتفاوض بشأن “اتفاق مؤقت” يمكن بموجبه تبادل 35 رهينة إسرائيلية “من المرضى وكبار السن”، مقابل عدد غير محدد من السجناء الفلسطينيين.

ويضغط زعماء إقليميون أيضاً من أجل “وقف إطلاق النار”، ويبدو أن الجهود الدبلوماسية تصبح أكثر إلحاحاً مع اقتراب شهر رمضان، وفق ما نقلته قناة “الحرة” الأميركية.

وفي اجتماع مغلق عقد مؤخراً مع لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، قال العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، إنه إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار في غزة بحلول بداية شهر رمضان، فستكون هناك “انتفاضات شديدة في جميع أنحاء العالم”، وفقا لما نقلته “وول ستريت جورنال” عن شخص مطلع على الأمر.

ورغم كل هذه المؤشرات والتصريحات الإيجابية، التي تؤشر جميعها إلى احتمالات وخطط متباينة وبالتالي التوصل إلى اتفاقية ما، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بين طرفي الصراع حول القضايا الأساسية.

لكن في كل الأحوال، طالما أن مواقف الوسطاء، وتحديداً مصر والولايات المتحدة، متقاطعة مع بعضها البعض، فإنهم سيبذلون جهوداً كبيرة لتحقيق استراتيجية لتأمين سياق جديد يفض الصراع، ويزيل السياق الميداني المحتدم، ويفتتح سياقاً سياسياً يبقي جميع الأطراف على حدودها الآمنة والمستقرة.

كما أنه بات من الملح وفق دوائر صنع القرار في واشنطن وكذا شركائهم الإقليميين سواء بمصر أو السعودية أو الإمارات أنه من الضروري حل الدولتين، وعمل خطة تفصيلية وشاملة بمقدورها تحقيق السلام والذي لن يتحقق سوى بتدشين دولة فلسطينية.

لذا، فإن سعي واشنطن مع مصر وقطر من شأنه إنجاح وقف إطلاق النار الأولي، ثم بعد ذلك تكون هناك فرصة في سياق تلك التهدئة أن يتم العمل والتفاوض من أجل إنهاء أزمة الرهائن قبل شهر رمضان المتوقع أن يبدأ في 11 آذار/ مارس المقبل، والدخول في مهمة تعيين حكومة فلسطينية مؤقتة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات