في ظل تصاعد الأوضاع في قطاع غزة، لا سيما الوضع الإنساني الصعب الذي حذرت العديد من الجهات الدولية من حدوث أزمات في الغذاء والماء والدواء، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خطته لما بعد الحرب ضد “حماس”، سلط فيها الضوء على الترتيبات الأمنية المستقبلية في غزة، فيما وصفتها السلطة الفلسطينية بأنها محاولة “لإعادة احتلال القطاع”.

نتنياهو عرض خطته على مجلس وزراء الحرب “الكابينت” بعنوان “اليوم التالي لحماس في غزة”، وفق “رويترز”. وفي تقرير لموقع “أكسيوس” الأميركي، فإن هذا المقترح لا يستبعد أن تحظى السلطة الفلسطينية بدور في إدارة القطاع، غير أنها تشدد على أن إسرائيل لن تسمح بعمليات إعادة إعمار، إلا بعد نزع السلاح.

وتأتي هذه الخطة في وقت “لم توافق أي دولة حتى الآن على تمويل إعادة إعمار غزة”، والعديد من الدول، إنها لن تفعل ذلك دون أفق سياسي واضح للفلسطينيين.

مقترح نتنياهو بشأن غزة

نحو ذلك، قال مكتب نتنياهو في بيان اليوم الجمعة إن “نتنياهو قدم اقتراحه حول اليوم التالي لحماس من أجل الموافقة عليه من قبل المجلس الوزاري السياسي والأمني (الكابينت)”، مضيفاً “تعكس وثيقة المبادئ التي أصدرها رئيس الوزراء قبولاً شعبياً واسع النطاق لأهداف الحرب وللبديل المدني لحكم حماس في قطاع غزة”.

وبحسب ما أردفه البيان، فقد “تم توزيع وثيقة رئيس الوزراء المرفقة على كافة أعضاء مجلس الوزراء كأساس للمناقشة تمهيداً لمزيد من المناقشات حول هذا الموضوع”.

إسرائيل ستعمل على إغلاق وكالة (الأونروا)- “أ ف ب”

وطبقاً للمقترح الذي قدمه نتنياهو، فإن “إسرائيل ستحافظ على حرية العمل في كامل قطاع غزة، دون حد زمني، بهدف منع تجدد التطرف وإحباط التهديدات القادمة من غزة” قائلاً إن “المنطقة الأمنية التي سيتم إنشاؤها في قطاع غزة بالمنطقة المتاخمة لإسرائيل ستظل قائمة طالما أن هناك حاجة أمنية إليها”، وهو الموقف الذي سبق أن عبر عنه نتنياهو.

وأشار إلى أن “إسرائيل ستحافظ على الإغلاق الجنوبي على الحدود بين غزة ومصر، بهدف منع إعادة تسليح العناصر المسلحة في القطاع”، وفق ما نقلته وسائل الإعلام.

وسيعمل الإغلاق الجنوبي، قدر الإمكان بالتعاون مع مصر وبمساعدة الولايات المتحدة، وسيرتكز على إجراءات لمنع التهريب من مصر تحت الأرض وفوق الأرض، بما في ذلك عبر معبر رفح”، وفق الاقتراح، متابعاً “ستتمتع إسرائيل بالسيطرة الأمنية على كامل المنطقة الواقعة غرب الأردن”.

هذا بالإضافة إلى أنه “سيتم تجريد قطاع غزة من أي قدرة عسكرية بشكل كامل، بما يتجاوز ما هو مطلوب لاحتياجات الحفاظ على النظام العام، ومسؤولية تحقيق هذا الهدف والإشراف على وجوده في المستقبل المنظور تقع على عاتق إسرائيل”.

أما على الصعيد المدني فقد أشار إلى أنه “سترتكز الإدارة المدنية والمسؤولية عن النظام العام في قطاع غزة، قدر الإمكان، على مسؤولين محليين ذوي خبرة إدارية، ولن يتم ربط هذه الكيانات المحلية بالدول أو الكيانات التي تدعم التطرف ولن تتلقى أي أموال منها”.

ولفت إلى أن “إسرائيل ستعمل على إغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، التي شارك عناصرها في هجمات 7 أكتوبر، بجانب وقف أنشطة وكالة الأمم المتحدة للإغاثة في قطاع غزة واستبدالها بوكالات مساعدات دولية مسؤولة”، طبقاً لما ورد في وثيقة الاقتراح.

بالعودة إلى تقرير “أكسيوس”، فإنها المرة الأولى التي يقدم فيها نتنياهو موقفاً مكتوب بشأن خططه لليوم التالي للحرب في غزة، غير أنه يشير إلى أن المبادئ المنصوص عليها في الوثيقة “تفتقر” إلى التفاصيل الملموسة، وتستند إلى حد كبير إلى تصريحاته العامة في الأشهر القليلة الماضية.

من جانبها، ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أن تقديم هذه الخطة، يأتي بعد أن أحجم نتنياهو منذ أكثر من أربعة أشهر، إجراء مناقشات في “الكابينت” بشأن اليوم التالي للحرب، خشية من أن يؤدي ذلك إلى حدوث انقسامات في ائتلافه اليميني.

خطة نتانياهو، وفقا لـ”تايمز أوف إسرائيل”، تجدد التأكيد على أن إسرائيل “ستواصل معارضة الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية”، والذي تعتبره “مكافأة على الإرهاب تمنع أي تسوية سلمية مستقبلية”.

ما الموقف الفلسطيني؟

في سياق الرد الفلسطيني على مقترح نتنياهو، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن “غزة لن تكون إلا جزء من الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وأي مخططات غير ذلك مصيرها الفشل ولن تنجح إسرائيل في محاولاتها تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في قطاع غزة”، بحسب وكالة “رويترز”.

حرب غزة أحيت الدعوات الدولية إلى تطبيق حل الدولتين باعتباره الحل النهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود.

وأضاف، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، أنه “إذا أراد العالم أن يعم الأمن والاستقرار” في المنطقة، عليه “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”.

وتابع المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، أن “ما يطرحه نتنياهو من خطط الهدف منها هو استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ومنع إقامة دولة فلسطينية”.

كما وطالبت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان، لها الإدارة الأميركية والدول الغربية بـ”سرعة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم حصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والبدء بترتيبات دولية لعقد مؤتمر دولي للسلام يفضي لإنهاء التواجد الإسرائيلي ويمكّن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير بحرية وكرامة على أرضه كما جاء في قرارات الشرعية الدولية”، حسب البيان.

وأعربت الوزارة في بيانها، عن رفضها بشدة “مبادئ نتانياهو لليوم التالي للحرب”، واعتبرتها اعترافاً رسميا بـ”إعادة احتلال قطاع غزة وفرض السيطرة الإسرائيلية عليه، وخطة لإطالة أمد حرب الإبادة”.

هذا وأحيت حرب غزة الدعوات الدولية إلى تطبيق حل الدولتين باعتباره الحل النهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود، إلا أن عدداً من السياسيين الإسرائيليين الكبار يعارض ذلك.

إلى ماذا تسعى إسرائيل؟

في ضوء كل ذلك، وبحسب تحليل سابق لموقع “الحل نت”، فيبدو جدياً أن إسرائيل تسعى وفق هذا الإطار إلى بناء ما يعزز تصوراتها الأمنية في حال اتجهت للقبول نحو التسوية، والبدء في اليوم التالي بعد الحرب على النحو الذي تقترحه الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة. بل إنه يبدو أن تل أبيب بصدد التحوط أكثر فأكثر بشأن ترتيبات ما بعد اليوم التالي بغض النظر عن أي ترتيبات محتملة. فهذه خطوة بالنسبة لها حتمية ونهائية.

بالتالي، يبدو منطقياً ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية من معلومات لافتة، وتبدو متسقة مع السياق الأخير، ومفاده أن الجيش الإسرائيلي “يمهد طريقاً لتقسيم قطاع غزة إلى جزء شمالي وآخر جنوبي”، ضمن خططه للإبقاء على السيطرة الأمنية في حيازته.

بل إن الصحيفة الأميركية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين بأن محاولتها تتصل بإعادة صياغة تضاريس القطاع لجهة تسهيل حركة قوات الجيش الإسرائيلي الذي يهيمن على الطرق والممرات الرئيسية في شمالي وجنوبي القطاع، وبما يضمن أن تتمدد قبضة نفوذه من دون تهديدات. لذا تتضمن خططه لإعادة رسم هذه التضاريس “الطريق الممتد من جنوب غزة لنحو 5 أميال، بداية من الحدود الإسرائيلية وحتى ساحل البحر المتوسط”.

غير أن الصحيفة الأميركية ذكرت على لسان محللين، أن الطريق الذي تقول المصادر الإسرائيلية أنه ضمن مخطط لفرض وتعزيز الهيمنة الأمنية، يمكن الاستعانة به باعتبارها حزاماً عسكرياً في عمق القطاع و”يساهم في حظر عودة حوالي مليون نازح فروا إلى الجنوب”.

إذاً، يعد هذا الطريق نقطة فاصلة بين مرحلتين في سياق الصراع الذي اندلع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وهو يكشف عن “مرحلة ثانية” من الحرب التي شنتها “حماس” ضد إسرائيل. وبالتالي، فإن دوراً مزدوجاً يؤديه الطريق من جهة كونه استراتيجية جديدة لإسرائيل وتدشين منطقة عازلة بطول نحو كيلومتر داخل غزة، يحظر على الفلسطينيين دخولها، ثم انسحاب القوات الإسرائيلية من العمق و”المناطق المأهولة” والتركيز على الاستهدافات التي تطاول حركة “حماس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة