أعلن تنظيم “القاعدة” في اليمن يوم العاشر من آذار/ مارس الجاري، موت خالد باطرفي زعيم “القاعدة” لشبه الجزيرة العربية المعروف بـ أبي المقداد الكندي، وكان لـ باطرفي دورٌ كبير في مساندة “الحوثيين” بعد إعلانها مساعدة ما يعرف بـ “المقاومة الفلسطينية”، ومحاولة الظهور بمظهرٍ بطولي يجعل كافة الجماعات الجهادية تسعى للتنسيق والتعاون معها، ومن التساؤلات التي طُرحت على الساحة بعد مقتل باطرفي؛ التساؤل حول مستقبل العلاقات بين تنظيم “القاعدة” في اليمن وجماعة “الحوثي” المدعومة من إيران، وإذا ما سيستمر تنظيم “القاعدة” تحت قيادة “الحوثي” بدعوى دعم ومساندة “المقاومة الفلسطينية”، أم ستتراجع عن تبني أجندة إيران وتنفيذها مع “الحوثيين”؟

التخادم بين “القاعدة” والقوى اليمنية

يختلف مشروع “القاعدة” عن مشروع إيران في منطلقاته السّنية ومآربه، فالتنظيم ذو مرجعية سنّية تختلف مع المرجعية الشيعية التي تتبناها إيران، وهذا ما يجعله في حالة تضاد وصراع مع المشروع الإيراني حول سيادة بلاد المشرق العربي. 

حول مستقبل العلاقات بين تنظيم “القاعدة” في اليمن وجماعة “الحوثي” المدعومة من إيران بعد مقتل خالد باطرفي- “الصورة من صحيفة الأيام”

وحسب ما تعلن إيران، فإن رغبتها “قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية” في بلدان المشرق الإسلامي، في حين ترغب “القاعدة” في إقامة “الدولة الإسلامية السّنية” في بلدان المشرق الإسلامي؛ لذا يُعتبران عدوّين لبعضهما.

والمشهد في اليمن معقّد إلى حدٍّ بعيد، فهناك عدّة قوى على الأرض منها جماعة “الحوثي” وتمثّل القوى الرئيسية، و”الإخوان المسلمين” وهم “حزب التجمع والإصلاح” الذي يسيطر على المثلث النفطي، وقوات الانتقال الجنوبي التي تسيطر على جنوب اليمن، ويخلق هذا تناقضات كبيرة على الأرض، ويجعل العلاقات فيما بينهما تحكمها التحالفات ضد الأعداء المشتركين.

وتشبه علاقتهم، الكراسي الموسيقية إلى حدٍّ كبير، حيث تُقام على التخادم فيما بينهم، ويظهر هذا في استخدام “الإخوان” “القاعدة”، وإفراجهم عن بعض سجناء “القاعدة” في المنطقة التابعة لهم، أثناء صراعهم مع “الحوثي”؛ لتوجيه ضرباتهم لهم أو بعض قوات الجنوبي. 

وتفعل “الحوثي” الشيء نفسه، فأحياناً يمرّر بعض سجناء “القاعدة”، سواء لضرب أهداف أميركية، أو ضرب أهداف “إخوانية” في الوقت الذي كانت فيه “الحوثي” في مواجهة مع “الإخوان”، ولكن الوضع الحالي أشبه بتحالف ضمني بينهما، أو توجيههم لضرب الجنوب اليمني الموالي، فهي أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية يستخدم فيها الكل؛ سواء “حزب الإصلاح” الإخواني، أو “الحوثيين”، تنظيم “القاعدة” في توجيه ضرباته.

“الحوثيين” و”القاعدة”

لا يمكن القول إن هناك تحالفاً أو ارتباطاً عضوياً على الأرض بين تنظيم “القاعدة” وجماعة “الحوثي” في اليمن، لوجود تناقض أيديولوجي كبير بين أجندة إيران التي تموّل “الحوثيين” وبين “القاعدة”، بيد أنه يمكن القول إن ثمة تخادم بينهما لمواجهة الأعداء المشتركين، فقد كانت “القاعدة” تطلق على الجماعة اليمنية (رافضة، ومجوس) وتكفّرهم، وكذلك “الحوثيين” يتّهمون خصومهم بأنهم متطرفون ويساعدون “القاعدة”، أو أنهم “دواعش”، باعتبار “داعش تهمة مشينة عليهم التبرؤ منها ووصف أعدائهم بها”.

وفي تصريح للكاتب والباحث في الإسلام السياسي طارق أبو السعد، خص به “الحل نت”، أكد على “مجموعة من الركائز تحكم الحوثيين بالقاعدة: أولها، أن القاعدة هي تطوّر نوعي للمجاهدين السّنة أي هم بخلفية سلفية جهادية نوعاً ما، مما يعني أنهم على عداء عقائدي مع الشيعة بمذاهبها المختلفة (من منطلق عقائدي)، الركيزة الثانية، أن التحالفات لا تعرف العواطف تعرف المصالح فقط، والقاعدة تحالفت مع إيران سراً لإيجاد ملاذات آمنة للمطاردين منهم وعلى وجه الخصوص؛ القادة وأبرزهم سيف العدل وابن أسامة بن لادن وغيرهم، الركيزة الثالثة خصوصية فرع اليمن وخالد باطرفي باعتباره الفرع الأكثر تماسكاً فكان يعد أن يكون هو النواة التي يقوم عليها تنظيم القاعدة من جديد”.

وأكد أبو السعد على أهمية هذه الركائز في “فهم لوغاريتمات العلاقة بين الحوثيين (الشيعة) وبين القاعدة (الجهاديين ذو الخلفية السلفية)”، وأضاف أنه ربما توقف مطاردة “القادة” في اليمن من قبل التحالف الدولي، وعدم استهدافهم بالمسيرات أتاح لهم الاستقرار في اليمن، وهذا المكسب دعمه خالد باطرفي بتحالف مع “الحوثيين” و بإيعاز من إيران وسيف العدل ليضمن تماسك “القاعدة” كتنظيم.

وما يؤكد رؤية أبو السعد اجتماع سبعة من قيادات التنظيم الإرهابي على رأسهم القيادي نايف الأعوج في شهر شباط/ فبراير عام 2022، مع قيادات “الحوثيين”، للاتفاق حول حشد المقاتلين في مقرّ الأمن القومي بمنطقة صرف شمال صنعاء، وفق تقارير صحفية.

ولو نظرنا إلى سعد العولقي، الذي يقود لجان التعامل مع تنظيم “القاعدة” في اليمن ومدّه ببعض الأسلحة والمسيّرات، لضرب بعض الأهداف المعادية لـ”الحوثيين”، مثل قوات العماليق أو قوات الانتقال الجنوبي بشكلٍ عام، يُعد هذا تخادماً، فقوات الانتقال الجنوبي يمثّلون عدّواً مشتركاً لهما.

في الوقت الذي أعطى “الحوثيون” لنفسهم دور البطولة، أضحت تطالب الجماعات الجهادية الأخرى التضامن والتحالف معها، ضد “العدو الأكبر” وهو أميركا؛ لذا طالبت “القاعدة” بالتحالف معها، بوصفه واجباً دينياً.

فتنظيم “القاعدة” أصبح تنظيم وظيفي موجود في اليمن ليجد ملاذات آمنة لأعضائه الموجودين على قوائم الإرهاب، والهاربين من الولايات المتحدة والتحالف الغربي، أو الهاربين من التحالف العربي، والقوى في اليمن يستخدموه وفق أهدافهم، فكثيراً ما هاجم “الحوثيون” مناطق لتنظيم “القاعدة”، أو يعتقل أعضاء من التنظيم، ويُفرج عنهم مرة ثانية نظير أهداف على الأرض وفقاً لحالة التخادم التي تحكمهم.

مستقبل العلاقات بين “القاعدة” و”الحوثيين”

صنعت أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام 2023، ردّة فعل قوية داخل الجماعات الجهادية، وتيارات الإسلام السياسي، وأعادت ثقتهم بنفسهم، واستخدموا المجازر التي حدثت في غزة لصناعة قاعدة جماهيرية جديدة لهم، وربما بَنَت شعبية غير قليلة لهم، وأعلن “الحوثيون” تضامنهم مع حركة “حماس”، بجانب إعلانهم العداء المباشر لأميركا، وطالبوا بعدم إرسال أيّ سُفنٍ أميركية في مياه البحر الأحمر، واعتدت على العديد من السفن الأميركية في البحر، وعطّلت حركة الملاحة الدولية هناك.

وفي الوقت الذي أعطى “الحوثيون” لنفسهم دور البطولة، أضحت تطالب الجماعات الجهادية الأخرى التضامن والتحالف معها، ضد “العدو الأكبر” وهو أميركا؛ لذا طالبت “القاعدة” بالتحالف معها، بوصفه واجباً دينياً يتحتم عليها القيام به، وحسب ما يذكر موقع “سكاي نيوز”، فإن اللقاءات التي عُقدت شارك فيها رجال دين موالون لـ “الحوثيين” لإقناع عناصر “القاعدة” القيام “بواجبهم الشرعي”، وأن عملياتهم “جهادية” في مواجهة ما يسمّونهم الأعداء.

وهذا ما أكده الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الإرهاب هشام النجار لموقع “الحل نت” قائلاً: “وضع القاعدة في اليمن معقد جداً لأنه يراد به ضمن مجموعات سنية مسلحة أخرى في أكثر من منطقة أن يكون أداة للمشروع الإيراني التوسعي وفي خدمة الأجندة الإيرانية، من خلال رعاية وإشراف مباشر عليه عن طريق تنظيم القاعدة المركزي وقادته المقيمين بطهران، وهذا يقود بالتبعية لتوثيق العلاقة مع الحوثيين الذين وصل صراعهم مع أميركا وبريطانيا إلى مستوى غير مسبوق، لذا فقيادة قاعدة اليمن الجديدة أمام معضلة حقيقية، لأنه لو استمر الحال على ما هو عليه بشأن العلاقة مع جماعة الحوثي فمن المرجح أن يتم ضرب التنظيم عبر القوات الدولية بقوة أكبر من ذي قبل”.

جماة “الحوثي” في اليمن- “الصورة من الإنترنت”

والواقع أن “الحوثيين” في وضع متأزم لاعتدائهم على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتعمل على الزّج بكافة الطوائف في هذا الصراع، خاصة أنه أمام قوى دولية قد لا تتمكن من الصمود أمامها، في الوقت الذي تحاول فيه أن تقلّص عدد أعدائها ولا تعادي الجميع، وتطالب هذه الجماعات بتوحيد جهودها ضد “العدو الأول” لهم، وهو أميركا وإسرائيل.

والحديث عن سعد العولقي، ليكون قائداً لتنظيم “القاعدة” في اليمن بعد خالد باطرفي، يتضمن الرغبة في تغيير السياسات وعدم الخضوع لتنفيذ أجندات إيران في المنطقة، التي أضحت تسير في منطقة ضغط دولي كبير سيمارس عليها، مما دفع العديد من الجماعات إلى الخروج من هذا الصراع بشكلٍ أو بآخر.

وهذا ما أكده طارق أبو السعد لموقع “الحل نت”، والتركيز على أن “العلاقة بين القاعدة والحوثيين طالها بعض التشوش من قبل قياديين من القاعدة، وعلى رأسهم العولقي الرجل الثاني والذي تم تسميته قائداً للتنظيم عقب الإعلان عن وفاة خالد باطرفي، وسبب التشوش أن الحوثيين بدخولهم طرف في المعركة في غزة وإغلاق باب المندب أمام الملاحة الدولية أعادت اليمن لـ بؤرة الأحداث وأعادت التذكير بهم و بقدراتهم الجهادية، مما يدفع أميركا لتوجيه الضربات ليس للحوثيين فقط، ولكن للقادة كذلك”.

وأضاف أبو السعد، أن “تململ الصفوف في القاعدة له أكثر من سبب؛ أولها استبعاد مجموعة القياديين من حضرموت (الحضارم) والذي منهم باطرفي نفسه، ثانيها إصرار باطرفي على التحالف التام وتوسيع نفوذ الحوثيين، بصورة باتت واضحة وليست سرّية مما يعرض الركيزة العقائدية لدى الأتباع للاهتزاز، لهذا كانت مغادرة باطرفي المشهد مطلب جماعي، حتى للحوثيين الذين سيفقدون القاعدة كحليف إذا استمر التململ وتطور إلى تمرد، فالقاعدة المتماسكة حتى لو حليف درجة ثانية بأقل المتاح أفضل بكثير من القاعدة الحليف القوي المفكك”.

وإضافة لما قدمه أبو السعد، فإن “الحملة الأميركية والبريطانية التي تُشنّ ضد الحوثيين تهدد الملاذات الآمنة التي يوفرها تنظيم القاعدة في اليمن، ولم يعد من صالحه التعاون مع الحوثيين، خاصة أنهم كثيراً ما عملوا على الزّج به للمشاركة في عمليات السطو على السُّفن الأميركية في البحر الأحمر، وتنظيم القاعدة لديه من المشاكل ما يكفي مع المجتمع الدولي ولا يحتاج إلى ضغطٍ إضافي”.

وتُعد كل هذه الأمور دوافع لفك حالة التخادم التي يقوم بها تنظيم “القاعدة” مع جماعة “الحوثي”، حيث مصلحة تنظيم “القاعدة” تقتضي انتهاء هذه الحالة من التخادم، وينذر اختيار العولقي بهذا، ونحن الآن في انتظار التغيرات في سياسة العولقي تجاه الحلفاء “الحوثيين”، هل يسير في نفس مسار باطرفي ليضمن بقاء الفرع قوي ومتماسك، أو يفك التحالف معهم وينشب صراع ينهك الطرفين لصالح قوى ثالثة. هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة