سلّم وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو، الجمعة الفائت، ردّ بيروت بالموافقة على مبادرة باريس الرامية إلى وقف التصعيد بين “حزب الله” المدعوم من إيران وإسرائيل، حيث تتعلق المبادرة، بتطبيق القرار الأممي “1701” الذي ينصّ على حصر الانتشار المسلح في جنوب لبنان بالجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام الـ (يونيفيل).

منذ بداية الحرب في غزة، كان يلوح في الأُفق خوفٌ من أن تتوسع لتتحول إلى صراع يشمل لبنان والعراق وسوريا. وعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية، أظهر “حزب الله”، العدو اللدود لإسرائيل، دعمه لحركة “حماس” في شكل وابل محدود من الصواريخ التي تم إطلاقها عبر الحدود الشمالية لإسرائيل. 

وإيران حاضرةٌ في كل هذه الساحات من خلال تقديم الدعم العسكري إلى الوكلاء، فالسؤال هنا، هل طهران وجيشها القوي سيدخلان في حرب أوسع نطاقا مع إسرائيل إذا لزم الأمر أما أن إيران لديها حساباتها الخاصة بها؟

قائد “فيلق القدس” في بيروت

ذكرت وكالة “رويترز” للأنباء، أن قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، إسماعيل قاآني، زار بيروت، الشهر الماضي، للاجتماع بقادة “حزب الله” لمناقشة مخاطر الهجوم الإسرائيلي المحتمل على الحزب، والذي قد يتسبب في أضرار جسيمة للشريك الإقليمي الرئيس لإيران. 

آموس هوخشتاين (يسار)، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن، الوسيط بين إسرائيل ولبنان، يلتقي برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (يمين) في بيروت، لبنان في 04 مارس 2024. (تصوير حسام شبارو/غيتي)

وأضافت الوكالة، في تقرير، نُشر الجمعة وهو ذات اليوم الذي سلّمت فيه بيروت ردّها على المبادرة الفرنسية، أن قاآني التقى الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصرالله، خلال زيارته إلى بيروت، وهو اجتماعهما الثالث على الأقل منذ بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس”. 

إن احتمال شنّ هجوم إسرائيلي واسع النطاق على لبنان وكذلك الإضرار بـ “حزب الله” كان محور المحادثات بين نصرالله و قاآني. وأكد نصرالله، في هذا اللقاء، أنه في حال اندلعت الحرب مع إسرائيل أو أميركا، فإن “حزب الله” لن يورّط إيران في هذا الصراع وسيقاتل بمفرده. 

وقال نصرالله لـقاآني: “هذه هي معركتنا”. ومع ذلك، فقد أدت المناوشات في لبنان، التي تم ضبطها لتجنّب تصعيد كبير، إلى دفع عشرات الآلاف من الأشخاص إلى ترك منازلهم على جانبي الحدود. وأدت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 200 من مقاتلي “حزب الله” ونحو 50 مدنيا في لبنان، في حين أدت الهجمات من لبنان إلى إسرائيل إلى مقتل عشرات الجنود الإسرائيليين وستة مدنيين.

وقالت المصادر، وهم إيرانيون من داخل الدائرة الداخلية للسلطة، إنه بالإضافة إلى الإضرار بوكيل إيران في لبنان، فإن مثل هذا التصعيد قد يضغط على طهران للرّد بقوة أكبر مما فعلت حتى الآن منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

الباحثة المختصة في الشأن الإيراني، فوزية القاضي، في حديثها مع “الحل نت”، ترى أن إيران  لا تريد الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل أو غير مباشرة عن طريق الوكلاء، ويبدو هذا واضح منذ ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ لأن إيران لا تدفع إلا فاتورتها الخاصة بها، ولهذا نجد أنه خلال الشهر الماضي قام قاآني، بعديد من الزيارات إلى اليمن والعراق ولبنان وطلب من الميليشيات الموالية لطهران وقف الهجمات. 

ولأن إيران تعلم ما قد تتسبب فيها الحرب من خسائر فهي لا تنسى ما أصابها من خسائر خلال الحرب العراقية، هذا غير أن اقتصاد إيران يعاني أزمات متلاحقة، كما أن المجتمع الإيراني الداخلي يرفض فكرة الحرب ويحمّل “الحرس الثوري” مسؤولية الانجرار إليها. 

كما أن ما يحدث عن طريق الوكلاء ما هو إلا رغبة في الحضور في المشهد الدولي بعيداً عن نار الحرب وخسائرها، حيث أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، في شباط/فبراير إلى أن إسرائيل تخطط لزيادة الهجمات لإخراج مقاتلي “حزب الله” بشكل حاسم من الحدود في حالة وقف إطلاق النار في غزة، رغم أنه ترك الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية ليظل السؤال مفتوح: هل من الممكن أن تدخل إيران الحرب إلى جانب “حزب الله”؟

طهران باعت “حزب الله”

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، أكد أن إسرائيل لا ترغب في خوض حرب مع لبنان. وقال كعبية إنه “منذ أن بدأ حزب الله في شنّ اعتداءاته، أعلنّا وصرّحنا أكثر من مرة، أننا لا نريد أن نوسّع دائرة الحرب من غزة إلى لبنان”. 

حسن نصر الله حزب الله لبنان إيران النظام الإيراني الحرس الثوري فيلق القدس إسماعيل قآاني إسرائيل لبنان
جندي إسرائيلي يرتدي رقعة على ظهر سترته الواقية تظهر زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله كهدف، يقف أمام مدفع هاوتزر ذاتي الدفع في الجليل الأعلى في شمال إسرائيل. (تصوير جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)

كما أضاف، “مطلبنا الوحيد هو تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701، ومستعدون لاستئناف الاجتماعات الثلاثية في الناقورة وليس لدينا مشكلة مع أي حلّ يتعلق بالسلام”. فيما كشفت مصادر إخبارية متنوعة أن إيران تعمل جاهدة لمنع الانجرار إلى حرب مباشرة فيما يتولى “حزب الله” مهمة الحرب مع إسرائيل منفردا بالرغم من أن ذلك قد يجعل الحزب ولبنان يدفعان الثمن باهظا. 

قائد “فيلق القدس” الإيراني، إسماعيل قاآني، خلال الزيارة التي قام بها إلى بيروت في شباط/فبراير الفائت ولقائه نصرالله، للتأكيد على أن إيران ليست مستعدة للمشاركة في الحرب بأي شكل من الأشكال!

والحقيقة أن إيران بحسب قول المحللينَ السياسيين لها حساباتها الخاصة حتى لو على حساب الشريك الأكبر والأهم “حزب الله”. بل يذهب البعض إلى تبني حدوث خلاف بين طهران و”حزب الله” من منطلق خوف إيران على مصالحتها وهو ما اعتبره “حزب الله” تنصّلٌ من إيران لحساب الاتفاقيات الخاصة بينها وبين الولايات المتحدة. 

البناء السابق، يأتي مما كشفته مصادر لـ”سي إن إن”، عن اجتماع أميركي إيراني برعاية سلطنة عُمان بشأن تصاعد التوتر في الشرق الأوسط. ويبدو أن إيران تعهّدت أن تنأى بنفسها عن إي صراع وتترك حلفاءها يتولون الأمر، وخاصة أن ممثل الولايات المتحدة أكد على رغبة واشنطن في أنها لا تريد أن ترى الصراع يتصاعد ولا تنوي تصعيده. 

هذا من ناحية، ومن أخرى وفي خضم الاتفاقيات الأميركية الإيرانية، سعت الولايات المتحدة للإفراج عن 10  مليارات دولار لدى العراق لإيران من الأموال المجمّدة مكافأةً لها على موقفها من الحرب على غزة، ولعدم تدخل “حزب الله” اللبناني في الحرب. 

ربما كل هذه الحسابات التي تجري بعيداً عن “حزب الله” أدى إلى نشوء الخوف والقلق من الحزب تجاه إيران من أن تكون طهران قد حصلت على ثمن عدم دخولها الحرب بجوار حليفها الاستراتيجي “حزب الله”.

حسابات طهران الخاصة

إن لقاء بيروت كان يخيّم عليه الحذر الشديد من طهران؛ لأن واقع التفكير الاستراتيجي الإيراني أكثر حذراً. فلا يستطيع النظام الإيراني حشد المجتمع للانخراط في حرب جديدة كما فعل خلال الحرب مع العراق في الثمانينيات.

حسن نصر الله حزب الله لبنان إيران النظام الإيراني الحرس الثوري فيلق القدس إسماعيل قآاني إسرائيل لبنان
أعضاء من حزب الله يشاركون في تشييع أربعة أفراد من عائلة واحدة قتلوا في غارة جوية إسرائيلية في جنوب لبنان قبل أيام، في 11 مارس/آذار 2024، في بليدا بالقرب من الحدود مع إسرائيل. (تصوير حسن فنيش/وكالة الصحافة الفرنسية)

بعد عدّة عقود، انخفض دعم المجتمع للنظام السياسي بشكل ملحوظ. وفي أعقاب احتجاجات العام الماضي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الناجمة جزئياً عن العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة. 

ثانياً، يظل الفصيل المعتدل في الحكومة الإيرانية رافضا للحرب بصوت مرتفع ويحذر باستمرار من العواقب المدمرة لتورّط إيران المحتمل في الحرب ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. لأنه بحسب الفصيل المعتدل إذا اتخذت إيران موقفا أكثر تطرفا بشأن ما يحدث في غزة وعلى حدود لبنانية مع إسرائيل فمن المؤكد سيؤدي إلى صراع مميت مع الولايات المتحدة. 

وثالثاً، فإن إيران تنظر إلى إسرائيل باعتبارها ديناميكيات القوة في المنطقة. ورغم أن العملية التي شنتها “حماس” كانت سبباً في زعزعة أركان استراتيجية الردع التي تتبناها إسرائيل منذ فترة طويلة، إلا أنها لا توفر لإيران الفرصة لتحدّي إسرائيل باستخدام القوة الصاروخية. 

وعلى العكس من ذلك، تعتقد إيران أن إسرائيل تشعر أن إعادة الردع هي أولوية وجودية تستحق المخاطرة العسكرية أو السياسية غير العادية من أجلها. ورابعاً، لن ترغب إيران في إفساد علاقاتها مع الصين وروسيا اللتان لم تتخذا موقفاً مما يحدث في الشرق الأوسط. 

في الواقع، تتبع طهران سياسة مماثلة في لبنان لتلك التي تبنتها بعد ملاحظة نهج الانتظار والترقب الصيني الروسي عند استيلاء “طالبان” على كابول قبل عامين. وهدف إيران هو تجنب العزلة في الأزمات الدولية الكبرى.

أما خامساً، فهناك اعتقاد عميق بين صُنّاع القرار ذوي النفوذ في إيران بأن الدول العربية في الخليج العربي سوف ترحب بحرب واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل. إيران تعرف أن الدول العربية لن تقطع علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لحربٍ أوسع نطاقا، فهذا غير مرجح. لذا لن تدخل إيران الحرب حتى تسعد العرب.

حرص إيران على برنامجها النووي

العامل الأكثر أهمية الذي يؤثر على عزوف إيران الواضح عن الانخراط في الحرب، هو وجهة نظر المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، المحددة تجاه صراعات فلسطين تحديدا.

تظهر هذه الصورة الملتقطة من موقع في شمال إسرائيل طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تحلق فوق المنطقة الحدودية مع جنوب لبنان في 10 مارس/آذار 2024. (تصوير: جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)

ترى القاضي، أن ما تقوم بها إيران حالياً هي محاولة ضبط التوازن الوجودي لها؛ لأن هذه الفترة مهمة جدا لإيران ولبرنامجها النووي، فإيران على وشك الحصول على القنبلة النووية، فهي تقوم بتخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى، وتعمل على تطوير مدى وحمولة الصواريخ الباليستية، فمن المستحيل الانغماس في حرب جديدة لا تعرف مداها حتى لو إلى جانب “حزب الله”.

ولهذا تبذل طهران كل ما في وسعها لمنع أن يشملها اتساع دائرة الحرب في غزة. جون الترمان، من مركز “واشنطن” للدراسات الإستراتيجية والدولية، في ردٍّ على سؤال بشأن الاجتماع، قال إن قاآني بلقائه مع نصرالله يريد “إبعاد إيران بشكل أكبر عن عواقب دعم مجموعة من الجهات الفاعلة بالوكالة في الشرق الأوسط”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة