في العالم الحر، يتطور الفكر بما يتناغم مع الإنسانية وبما لا يترك أي هفوة تظلم البشر، وفي المجتمعات الشرق أوسطية. فإن التطور الفكري والزمني يرافقه العودة إلى الوراء در. وهذا ما يحدث في برلمان العراق الذي تعشعش فيه الذكورية، فأفكاره الرجعية تتسارع يوما بعد آخر، حتى وصل به الحال إلى التخطيط لسلب حضانة الطفل من الأمهات عبر المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية. 

قبل 3 سنوات، في مطلع تموز/ يوليو 2021، أجرى البرلمان العراقي قراءة أولى (مناقشة أولية) لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وأثارت التعديلات المقترحة حينها في مجلس النواب سجالا واسعا وغضبا عارما اجتاح العراق، وخاصة فيما يتعلق بالمادة 57 من القانون، فاضطر البرلمان لعدم المضي بالتعديل نتيجة حملات الضغط من قبل المنظمات الحقوقية والنسوية. 

اليوم وبعد 3 أعوام، تعوظ الأزمة مجددا، إذ تشكل المادة 57 من القانون الجديد المقترح نقطة الخلاف، كونها تمنح الأب حق حضانة الطفل بعد بلوغه سن السابعة، في حين يمنح القانون النافذ الحالي الأم حق حضانة الطفل لحين بلوغه سن العاشرة، سواء كان المحضون ذكرا أو أنثى، وللمحكمة تمديد الحضانة سنةً أو اثنتين أو إلى حين إكمال المحضون الخامسة عشرة من عمره حسب مصلحة الطفل، ويحق للطفل بعدها اختيار الشخص الحاضن.

قبالة ذلك، ينص التعديل البرلماني المقترح، على أنه “إذا أتمّ المحضون السابعة من عمره وكان أبوه متوفيا أو مفقودا أو فقد أحد شروط الحضانة، تنتقل الحضانة للجد الصحيح، ثم إلى أمه ما دامت محتفظة بشروط الحضانة دون أن يكون لأقاربه من النساء أو الرجال حق منازعتها فيه لحين بلوغه سن الرشد”.

التعديل الذي يحاول البرلمان العراقي تمريره في هذه الأيام، يتضح جليا بأنه ضد مصلحة الطفل والأم، إذ كما لاحظنا في الفقرة السابقة، فإنه يننح خق الحضانة لجد الأب على الأم في حال موت أو اختفاء الأب، وهذه خالة شبه نادرة وغير منطقية حتى، ومن هنا انطلقت النساء العراقيات المدافعات عن حقوق الإنسان، والمرأة والطفل بشكل خاص، بحملات ضغط لمنع تشريع التعديل المقترح.

ما سر الانقلاب الفكري فجأة؟ 

طيبة الحميد، نسوية وناشطة حقوقية، تقول إن البرلمان العراقي يريد إكمال سرقة حقوق النساء العراقيات، إذ لم يتبق لهن سوى حق حضانتها بأطفالها، وهو قانون ناقص وحق غير ممنوح بالكامل، إذ اجتزأ مشرّعوه حق الأم بالسفر مع طفلها ومنحته للأب فقط! ولم تكتفِ الطبقة السياسية الحالية بهذا الحق المجتزأ للأم، بل تمهّد الآن لسلبها هذا الحق، لمنح الأب الصلاحية الكاملة في الحضانة والوصاية على الطفل، دون مراعاة مصلحة الطفل من الأساس. 

الحميد تردف في حديث مع “الحل نت”، أن تعديل المادة 57 هو خرق كبير لحقوق الإنسان. الأسباب الحقيقية للتعديل هي مصالح أبوية بحتة، كالتخلص من دفع النفقة، وأخذ الطفل أو الطفلة عند الأب، وبذلك يشعر بالنشوةِ والانتصار على طليقته إذ يعتبرها “عدوته”، فالرجل الشرقي لم يعتد أن تتمتع المرأة بشيء يفتقده، ولا يتوانى لحظة واحدة ليحقق مصالحه ويتغاضى عن مصالح الجميع، وان كان على حساب طفله، متسائلة: ما تفسير هذا الانقلاب الفكري فجأة؟! نحن اعتدنا وسط هذا المجتمع ان يُحمّل الرجل مسؤولية الأطفال كاملة للزوجة باستثناء قسم من المسؤوليات المالية، فكيف سيقوم برعاية الطفل وتحمّل مسؤوليته كاملة؟

طيبة الحميد – (إنستغرام)

الغريب، أن نواب تشرين -الذبن جاؤوا من رحم انتفاضة تشرين 2019 التي اجتاحت العراق- كما أولئك الذين ينتمون لكتلة “إشراقة كانون” وبعض المستقلين، يصطفون مع مقترح التعديل، الأمر الذي أصاب العديد من الناشطين والناشطات في المجتمع المدني بالصدمة من آرائهم/ قناعاتهم الفكرية، وهو ما دفع بالنسويات إلى وصف البرلمان بأنه برلمان بعقلية ذكورية بحتة، فالمدني والإسلامي كلاهما مع سرق حضانة الطفل من الأم، بحسبهن. 

في السياق، قامت “شبكة مكافحة الإتجار بالمرأة في العراق”، بحملة جمع تواقيع، للحفاظ على المادة 57 في قانون الأحوال الشخصية العراقي، على أن يتم استبعاد أية قراءة لهذه المادة خلال السنوات القادمة “والتي لا يزال خلالها القرار والسيطرة للمواقف والنظرات الذكورية والبدائية غير المكترثة لمصلحة الطفل”، وفقا لما ورد في حملة التواقيع، التي تضمّنت الإشارة إلى أن عدم ضمان المادة 57 النافذة حاليا لحق الأب الطليق بمبيت أطفاله لديه، مسألة فيها بعض النظر، إذ من حق الوالدين أن تكون لديهما علاقة قريبة مع الأطفال مما يتسبب بنشأة سليمة لهم، إلا أن سلب حق الحضانة من الأم وإعطائها بشكل كامل للأب، يبتعد كل البعد عن مصلحة الأطفال.

من الآثار الحيّة والواقعية لسلب حضانة الطفل من الأم، بحسب طيبة الحميد، هي قصة الطفل موسى ولاء، الذي قُتل على يد زوجة الأب بأبشع الطرق، أي زيادة العنف ضد الأطفال في ظل عدم وجود قانون لحماية الطفل. الزواج والطلاق والزواج الثاني أو الثنائي أو أكثر في العراق، يحوي الكثير من العدائية بين الأطراف، خاصة عند الانفصال -الفترة التي تتزايد فيها الأحقاد والرغبة بالانتقام- لذا فإن المادة 57 الّتي شُرّعت سنة 1959، أفضل من التعديل المقدّم الآن في 2024، السنة التي من المفترض أن نكون قد تقدمنا فيها وعبرنا هذه الجدالات وحققنا المساواة والعدل، كما تقول الحميد. 

التعديل المقترح: تمييز عنصري ضد الأم؟

التعديل البرلماني المقترح، يتضمن أن لا تكون الأم متزوجة “بأجنبي عن المحضون”، وتفسير النص هذا يعني أن أي زواج للأم يؤدي إلى فقدانها لحضانتها، إذ يتضمن نص المادة، تبليغ الأب من خلال المحكمة، مما يؤدي إلى فقدان الأم لحضانتها. وهذه الفقرة تم استغلالها كورقة ضغط على النساء العراقيات في حال الزواج في الخارج، بينما لم يتم التعرّض لزواج الرجل من أجنبية، وفي ذلك تمييز قانوني  ضد المرأة، ومما ورد في التعديل أيضا، أنه تسقط الحضانة عن الأم في حالة “نشوز الزوجة”، بينما لا يتطرق التعديل إلى سقوط الحضانة عن الأب في حالة نشوز الزوج. 

المضمون الأساسي للتعديل، وفق “شبكة مكافحة الإتجار بالمرأة في العراق”، هو انتزاع قسري للطفل من أمه في عمر لا يزال يحتاج أمه فيه، مما يعكس توجّها لا يراعي مصلحة المحضون بالرغم من استعمال هذا التعبير عدة مرات خلال المقترح، كما يتعامل التعديل مع الأم كوسيلة إنجاب وإرضاع ورعاية لفترة محدودة، ولا يحترم حاجة الأم وحرصها على أطفالها، أي بكلمات أخرى، يجرّد التعديل الأم من إنسانيتها، ويتعامل معها معاملة الأجير المستعبد الذي يتم استعمال جسده للإنجاب دون أن يتم إعطاؤه أية حقوق للاحتفاظ بأطفاله.

متظاهرة عراقية يوم المرأة العالمي 2021 – (جيتي)

“من الناحية العملية، يفرض هذا التعديل على الأم العراقية أن تتحمل التعنيف والإهانات داخل بيت الزوجية لكي تبقى محافظة على أطفالها، لكونها مدركة بأن القانون سينتزع منها أطفالها فيما لو أرادت الانفصال عن الزوج، كما أن إعطاء الحضانة للأب قبل سن 15 ولغاية سن 18 يهدد الطفلة الأنثى بأن يتم تزويجها قبل وصولها سن البلوغ أثناء بقائها ضمن أسرة الأب، كما حصل مع الطفلة أسراء التي زوّجها الأب في عمر 12 وبعد اغتصابها من قبل معارف الأب”.

أخيرا، يتفق معظم العراقيين، نساء ورجالا، على ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية القديم، ولكن ليس بهذه الصياغة ولا بهذه الطريقة، التي تحرص على حجب الأم عن الطفل بطريقة أو بأخرى، واعتبارها مجرد أداة لولادة الطفل، وبعدها ينتهي دورها، وتعدّ غريبة عليه. التعديل يجب أن يكون وفق قانون علماني، لا عشائري ولا ديني، ولا تتدخّل به الأحزاب الإسلامية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات