بعد هجوم “كروكوس” بالقرب من العاصمة الروسية موسكو، تفتح الأسئلة حول الثغرات الأمنية الروسية، إضافة إلى مدى تأثير غزو أوكرانيا على قدرة روسيا الأمنية داخليا وتوجهها نحو القارة الإفريقية، في حين أن الهجوم الذي تبناه تنظيم “داعش” جاء بعد 5 أيام من تولي فلاديمير بوتين فترة رئاسية جديدة. 

الهجوم الأكثر دموية في روسيا منذ عقود، وقع على مجمع “كروكوس سيتي هول” في ضاحية كراسنوغورسك شمال غربي موسكو مساء الجمعة 22 آذار/ مارس الحالي، حيث اقتحم عدة رجال يرتدون ملابس مموهة المبنى الواقع في ضواحي موسكو وفتحوا النار على الموجودين بشكل عشوائي، وبعد ذلك سمعت انفجارات واندلع حريق، بينما نشرت وزارة الطوارئ الروسية قائمة جديدة بأسماء القتلى في الهجوم، أظهرت ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 143 قتيلا حتى مساء الأربعاء.

لغاية الآن لم تعلن السلطات الروسية عن رواية رسمية للهجوم، لكن المسؤولين الروس، بمن فيهم الرئيس بوتين، ركزوا في تصريحاتهم على اتهام أوكرانيا بالضلوع في الهجوم من دون تقديم أدلة واضحة على ذلك، سوى أن المهاجمين اتجهوا إلى الحدود الأوكرانية بعد تنفيذ العملية. 

السلطات الروسية اعتقلت 11 شخصا، بينهم 4 يشتبه في أنهم المنفذون، في مقاطعة بريانسك الروسية قرب الحدود الأوكرانية، وقال جهاز الأمن الفدرالي الروسي حينها، “إنهم كانوا يخططون لعبور الحدود، وكانوا على تواصل مع أشخاص على الجانب الأوكراني”.

تركيز روسي خارج الحدود

الهجوم شكل صدمة قوية لروسيا، بعد أقل من أسبوع على فوز بوتين بالانتخابات الرئاسية وتوليه ولاية جديدة هي الخامسة، بينما حقق الجيش الروسي بعض التقدم على الجبهات في أوكرانيا، لكن لم تكن موسكو تتوقع العملية في ظل توجه أنظارها خارج الحدود وعدم إعطاء الأمن الداخلي الأولوية.

بحسب الخبير العسكري والأمني عمر الرداد، فإن المنظومة الأمنية الروسية تعكس فشلا روسيا في ظل تركيز الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على مجريات الحرب في أوكرانيا. هذه الأجهزة لم تكن تركز على تنفيذ “عمليات إرهابية” محتملة إلا بحدود ارتباطها بأوكرانيا، ويبدو أن التركيز كان على إمكانية دخول مجموعات مقاتلة من أوكرانيا تتعاون مع القوميين أو إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ من المناطق القريبة من الحدود. 

من هجوم كروكوس – إنترنت

الرداد أضاف في حديث لـ “الحل نت”، أن توسع الدور الروسي في إفريقيا عبر “فاغنر”، والأهم من ذلك والأقدم موضوع سوريا والضربات التي وجهت مرارا، وهذا الدور الروسي العنيف في عمليات توصف بأنها اتسمت بالوحشية من قبل موسكو وانتشار “فاغنر” أيضا بالساحة السورية، كل هذا لابد أن ينعكس على الداخل الروسي وثبت أن روسيا صحيح أنها ذات نظام شمولي، لكن قدرتها على مسك الأمور من كافة جوانبها وبكافة المفاصل والعناوين مسألة ليست سهلة.

روسيا ما بعد الانتخابات وولاية جديدة لفلاديمير بوتين، ستعاني من ضغوطات داخلية وخارجية؛ لأن حالة الحرب تزيد من التوترات الداخلية ومن طبيعة الأمور أن تزداد على حساب أخطاء في السياسات الداخلية التي تمثل إحدى أهم أسس المشاكل في روسيا، إضافة إلى المركزية في النظام السياسي، وفق الباحث الروسي ومدير وحدة الدراسات الروسية في “مركز الدراسات العربية الأوراسية”، ديمتري بريجع. 

خلل في المنظومة الأمنية 

في ظل الحرب على أوكرانيا، فإن روسيا باتت تعاني من حالة من التراجع في منظومتها الأمنية الداخلية، خاصة أن الحرب دخلت في عامها الثالث من دون تحديد وقت انتهائها وهو ما لم تتوقعه موسكو في ذلك الوقت. 

بريجع في حديثه لـ “الحل نت”، يرى أن التوقيت هو الأسوأ للهجوم “الإرهابي” والهدف منه ضرب استقرار روسيا وتوجيه ضربة للحكومة الروسية وإظهار أن هناك خلل في المنظومة الأمنية.

“لنكن واقعيين كان هناك خلل أمني في كروكوس سيتي وأعتقد أنه كان كبيرا ولكن لن يتم الاعتراف به في ظل حالة الحرب مع أوكرانيا. هذه الملفات سيتم إغلاقها نوعا ما كوننا في حالة حرب” وفق بريجع، الذي أشار إلى أن الشرطة هربت من المكان ولم يكن هناك تجهيز، ولم يكن أحد يحمل السلاح في ظل وجود 6000 شخص في المكان وهو عدد كبير، ولكن لم يتم تأمين الموقع بطريقة جيدة واحترافية، مع أن هناك مركزا للشرطة يقع في المبنى المجاور ولم يكن جاهزا للهجوم. 

منفذو الهجوم -المنتمين إلى تنظيم “داعش”- لم يجدوا صعوبة في الدخول إلى روسيا، إذ نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن مسؤول أمني تركي قوله، إن المشتبه فيهم كانوا قد دخلوا إلى تركيا ومكثوا فيها لفترة وجيزة لتجديد وثائق إقامتهم الروسية، لكنهم لم يتحولوا إلى التطرف هناك.

المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، أضاف أنه لم تكن هناك مذكرات توقيف بحق المهاجمين، مما يعني أنه كان بوسعهم السفر بحُرية بين تركيا وروسيا، وأنهم أقاموا في موسكو فترة طويلة، مشيرا إلى أن اثنين من المهاجمين غادرا تركيا إلى موسكو في الرحلة نفسها، في الثاني من آذار/ مارس الحالي. 

موسكو ومحاولات تصدير الأزمة 

على الرغم من ذلك، فإن موسكو لم تكترث -رسميا على الأقل- بكل المعطيات التي أدت إلى حدوث هذه العملية والاعتراف بالخلل الحاصل، بل عمدت إلى اتهام أوكرانيا بالوقوف خلف العملية، وهذا ظهر جليا في تصريحات الرئيس بوتين والذي سعى من خلالها إلى توريط كييف، التي نفت أي دور لها في العملية.

بوتين قال، إن “السؤال الذي يطرح نفسه هو: من المستفيد من هذا؟ قد تكون هذه الفظائع مجرد حلقة في سلسلة كاملة من المحاولات التي يقوم بها أولئك الذين يخوضون حربا مع بلادنا منذ عام 2014 على أيدي نظام النازيين الجدد في كييف”.

واعتبر بوتين في تصريحات نشرت على تطبيق “تيليجرام”، أن الغرض من الهجوم هو “بث الذعر”، ولكن مع تقدم القوات الروسية في ساحة الحرب في أوكرانيا، فقد يكون الهدف من ذلك أيضا “أن يظهروا لمواطنيهم أن نظام كييف لم يخسر كل شيء”.

بحسب الخبير الرداد، فإن “إصرار الرئيس بوتين على ربط أوكرانيا وأجهزتها الأمنية وأجهزة غربية والتشكيك بالجهات التي تقف وراء العملية أو الجهات غير المنفذة كما قال بوتين بل الجهات التي أعطت الأوامر لتنفيذ هذه العملية، هي محاولة لتصدير الأزمة.”

شككت روسيا في تأكيدات الولايات المتحدة أن تنظيم “داعش” هو المسؤول عن الهجوم المسلح على قاعة حفلات موسيقية خارج موسكو. وقال مسؤولون أميركيون، إنهم حذروا روسيا في وقت سابق من الشهر الجاري من هجوم وشيك استنادا إلى معلومات مخابرات، في حين أن روسيا شككت في تأكيدات واشنطن. 

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قالت إن روسيا تعتبر أن الموقف الأميركي من التحقيقات في هجوم “كروكوس” متحيزا، مشيرة إلى أن واشنطن تريد حماية كييف، بينما رفض الناطق باسم “الكرملين”، ديمتري بيسكوف التعليق على تبني التنظيم للهجوم، وقال إن “التحقيقات جارية، لم تصدر بعد رواية متماسكة، نتحدث فقط عن بيانات أولية”.

الباحث الروسي ديمتري بريجع، يرى أن الاتهامات الروسية ضد أوكرانيا لأن “الإرهابيين” حاولوا التسلل عبر الحدود إلى الداخل الأوكراني، بينما أشار إلى أن “تبادل المعلومات مع الاستخبارات الأميركية والأوروبية توقف وهذا سلبي فيما يخص موضوع الإرهاب”.

الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، شكك في مزاعم روسيا بأن أوكرانيا متورطة في الهجوم، إذ قال إن المهاجمين كانوا يعتزمون في البداية دخول بيلاروسيا بدلا من أوكرانيا، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء البيلاروسية

الإصرار على أوكرانيا وربط كييف بالموضوع وقيام الجيش الروسي بضرب صواريخ وإرسال طائرات مسيرة مباشرة بعد العملية، هي محاولة واضحة جدا لتوظيف وربط أوكرانيا “بالإرهاب”، وفق الرداد.

تشديد أمني داخلي في روسيا

هذه العملية دفعت السلطات الروسية إلى تشديد إجراءاتها الأمنية داخليا، إذ تنتشر القوات الأمنية في الشوارع وعلى أبواب المدارس والدوائر الحكومية بالسلاح الكامل للرد على أي حدث طارئ أو هجوم، بينما يتم التدقيق على أي شخص خاصة الأجانب، في حين أن الروس لم يعودوا يشعرون بالأمان وهذا ملاحظ من خلال انخفاض عدد مستخدمي مترو الأنفاق، بحسب ما ذكر موقع “سكاي نيوز عربية”. 

الباحثة والإعلامية الروسية المقيمة في موسكو، نغم كباس، قالت لـ “سكاي نيوز“، إن “هناك إجراءات أمنية مكثفة، والشارع الروسي مضطرب على خلفية الهجوم الإرهابي الذي وقع الجمعة الماضية، لأن هذا الهجوم هز الشارع وتعاطف الروس مع بعضهم البعض، هناك أيضا تكثيف لتفتيش السيارات المدنية بكل دقة حتى المقاعد والأوراق والهويات الرسمية”.

ووفق الرداد، فإن السلطات الروسية ستستثمر هذا الحدث بمزيد من الإجراءات الأمنية والتشديدات داخل روسيا، إذ ستكون البلاد أمام ديكتاتورية واسعة وإجراءات أمنية حادة جدا.

“ربما تتوسع الإجراءات ويتم استثمار الإرهاب اليوم بجعله مظلة أكبر تشمل كل المعارضين حتى من يبدو لديهم ربما تحفظات أو بعض الأفكار الناقدة للحرب على أوكرانيا أو لسياسات روسيا الخارجية، وهذه سمة من سمات الأنظمة الشمولية”، يضيف الرداد. 

بينما يرى الباحث بريجع، أن التنبؤ بتصرف معين للرئيس بوتين بعد الهجوم يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك تقديرات الاستخبارات والسياسات الداخلية والخارجية والظروف الدولية، حيث من الممكن أن يتخذ بوتين إجراءات أمنية أكثر صرامة، مشابهة لتلك التي اتخذت في السابق، وذلك لضمان أمن البلاد وحماية المواطنين.

“الطريقة التي يتم بها التعامل مع الهجوم ستعتمد على السياق السياسي والأمني الشامل في روسيا والعوامل الدولية الأخرى في ذلك الوقت”، بحسب بريجع. 

وتطرح حادثة “كروكوس” سؤالا فيما إذا كانت موسكو ستعمل على تعزيز منظومتها الداخلية بشكل فعلي بدلا من التركيز على الخارج بعد هذه العملية، التي بلا شك ستكون عاملا لإحداث فجوة لدى الرئيس بوتين مع الروس، خاصة وأن هذا تكرر في ولايته السابقة عندما تمرد قائد “فاغنر” السابق يفغيني بريغوجين ضد “الكرملين” في حزيران/ يونيو 2023.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة