تحتوي مياه الصرف الصحي التي تنتجها الوحدات السكنية، والشركات، والصناعات على نفايات بشرية، تحمل عدداً كبيراً من البكتيريا والفيروسات، فعندما تتدفَّق مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى المسطحات المائية الطبيعية، مثل: البحيرات، والأنهار، والمحيطات، فيمكن أنْ تُلحق أضراراً بالغة بالمياه ما لم تتم معالجة مياه الصرف الصحي بشكل مناسب. 

إن الوصول إلى مياه نظيفة صالحة للشرب في منازل السوريين أصبح حلم صعب التحقق وبالتحديد في دمشق وريفها، ففي ظل تجاهل حكومة دمشق التي عملت على استخدام المياه كأداة في حربها. شبكات الصرف الصحي تشهد أسوأ حالاتها وتحوّلت إلى مصدر قلق يومي يلاحق السوريين ويصل إلى حد القضاء على حياتهم بعد صراع طويل مع الأوبئة والنفايات.

تجاهل وابتزاز للسوريين

تحولت شبكات الصرف الصحي المتهالكة إلى مصدر قلق وخوف للسكان في سوريا، حيث تساهم في انتشار الأمراض والأوبئة لا سيّما تلك التي تكون مكشوفة بدون أي عمليات إصلاح وصيانة مع انعدام شبه كامل لخدمات تأهيل شبكات الصرف الصحي في عموم مناطق حكومة دمشق، مع وجود مؤشراتٍ على تعمّد هذا التجاهل.

أسواق دمشق القديمة – إنترنت

فمَن نجا من نيران القصف التي طالت البنى التحتية ودمرت أجزاء واسعة من محطات المياه وشبكات الصرف الصحي، لم يسلم من التجاهل، وبات يكتوي بالانهيار الشامل في ظل تدهورٍ غير مسبوق تعيشه هذه المناطق على كافة النواحي لا سيّما بما يتعلق بالخدمات الأساسية.

وفق تقارير إعلامية ومصادر محلية، فإن مياه الشرب في العاصمة السورية رغم أنها ضرورية للسكان إلّا أن الحصول عليها ليس بالأمر السهل، وسط انقطاعٍ مستمر وطويل للمياه واعتماد تقنين شبيه بخدمة الكهرباء الغائبة، ما يزيد كلفة الحصول على المياه النظيفة. 

هناك تفاوت في ساعات وصل المياه بين العاصمة والغوطة الشرقية وعموم أرياف دمشق، وتُعد الخدمة غائبة بشكل شبه كامل في أحياء ومناطق واسعة من دمشق مثل القابون والحجر الأسود وجوبر ومناطق شرقي العاصمة، نتيجة عمليات القصف السابقة، فيما يتجاهل صيانة وتأهيل محطات المياه بشكل كامل.

وتفاقمت مشكلات الصرف الصحي في دمشق وريفها خلال الفترة الماضية ووصل ضررها لمنازل المواطنين والبُنى التحتية دون معالجة جذرية، واشتكى مواطنون من وجود بؤرة للصرف الصحي في كتلة سكنية تضم 4 مبانٍ في حي كفرسوسة بدمشق. 

مشكلة الصرف بالمنطقة شملت 50 منزلاً، وعشرات المحال التجارية وتكلفة الإصلاح تتجاوز 60 مليون ليرة سورية، وهناك مخاطر كبيرة من تجمّع مياه الصرف، وتأثير قد يلحق الضرر بدعائم الأبنية وأصبح المكان بؤرة للقوارض والحشرات.

كما تفرض ورشات الشركة العامة للصرف الصحي مبالغ مالية كبيرة مقابل إجراء أي صيانة، حيث يتكبد المواطن تكلفة مالية تصل إلى 30 ألف ليرة سورية، مقابل إعادة فتح مجاري الصرف الصحي، وتزايد حالات الابتزاز مقابل هذه الخدمة حتى في حالاتٍ تتطلب إغلاق فوهات الصرف فقط. 

ليس ذلك فحسب، بل تطلب الشركة المعنية بهذا الشأن من السكان جمع مبلغ حوالي نصف مليون ليرة مقابل إعادة تركيب الغطاء الواحد للصرف الصحي.

بحسب شهادة أحد سكان المنطقة لـ”الحل نت”، فإنه يوجد شيئاً أكبر من المشكلة هو عدم استجابة الموظفين الحكوميين، فقد تقدّم الأهالي بالعديد من الشكاوى ولكن دون فائدة، وكل مرة يكون الرّد سيتم إرسال لجنة لفحص الأمر والتأكد من جدّية الشكاوى مع أن الوضع أصبح واضحا للعيان ولا يحتاج إلى لجنة، لكن يبدو أن “حياة الناس هي أرخص من حياة الفئران!!!!”، وفق قوله.

تسريب الصرف الصحي

أهالي بلدة السبينة بريف دمشق، يعانون من تسرّب مياه الصرف الصحي إلى الشوارع والمنازل، وسط قلق كبير من السكان خوفاً من انتشار الأمراض والحشرات، صاحب هذا حالةً من اللامبالاة من الحكومة وعدم الاستماع إلى شكاوى المواطنين.

سرقات أغطية الصرف الصحي المصنوعة من الحديد في دمشق وريفها – إنترنت

أهالي حي الشرقطلي، تحدثوا علانية لوسائل الإعلام المحلية، عن وجود طوفان للمياه الملوثة وانبعاث روائح كريهة من ريكارات الصرف الصحي في جميع شوارع البلدة، مرجعين السبب في ذلك إلى سوء الشبكة وقدمها، والضغط السكاني. 

وتنقسم السبينة إلى بلديتَين هما القنيطرة، وبلدية الريف التابعة لمحافظة ريف دمشق. وأفاد رئيس بلدية السبينة، هيثم المنصور، بأن سبب مشكلة الصرف الصحي في حي الشرقطلي هو قِدَم الأقنية الموجودة فيه، موضحاً أنه “يُجري باستمرار صيانتها لحل المشكلة بشكل لحظي، لأن استبدالها يحتاج إلى ميزانية كبيرة”. 

وانتقد المنصور بلدية القنيطرة بسبب تعطّل آلياتها بشكل مستمر، وبالتالي تحميل بلدية الريف مسؤولية صيانة الصرف الصحي والأقنية في جميع القطاعات بما فيها الأحياء التابعة لمركز خدمات “الأونروا”. فيما قال نائب رئيس بلدة السبينة في ريف دمشق، إبراهيم جعباص، إنه تم تقديم طلب لمحافظة ريف دمشق منذ 50 يوماً لإعادة تأهيل شبكة الصرف الصحي، كونها “تالفة وقديمة وتحتاج إلى إعادة هيكلية جديدة، وخاصة بعد تشييد أبنية سكنية مخالفة لأنها زادت الأمر سوءاً”. 

جعباص، بيّن أن المشروع يحتاج إلى دراسة وميزانية كبيرة لحل مشكلة الصرف الصحي بشكل كامل، مشيراً إلى أن “صاروخ فتح الأقنية المخصص لتسليكها يعمل على مدار اليوم، ولكن المشكلة بحاجة لحل جذري وستتم معالجة المشكلة بالتعاون مع منظمة خيرية، لا مع الحكومة. 

من جانبه، أشار مدير الشركة العامة للصرف الصحي في محافظة القنيطرة، شاهر الحسين، إلى أن مشكلة الصرف الصحي في بلدة السبينة حلّها عند البلدية الموجودة فيها، مؤكداً أنه لم يتم تحويل الملف الخاص بها للشركة. 

الجدير بالذكر أن مشكلة الصرف الصحي في بلدة السبينة تضاف إلى مشكلة انقطاع خطوط الهاتف والإنترنت والكهرباء، بسبب سرقة الكابلات بشكل متكرر. 

وفي الحقيقة، منطقة السبينة ليست وحدها من تعاني سوء هذه الخدمات الأساسية، فقد ظهرت في الفترة السابقة مناطق كثيرة تعاني من سوء الخدمات مثل (المعظمية، جرمانا، والغوطة الشرقية) التي تشهد إلى الآن تراكم الأوساخ والقاذورات أمام المنازل وبين الأحياء السكنية وبات الأمر منتشراً في معظم مناطق دمشق وريفها، بالوقت الذي يزداد انتشار الأمراض والأوبئة مثل “الكوليرا” و”كورونا”.

حوادث بسبب الصرف الصحي

قالت مصادر محلية في دمشق وريفها، إن السكان وخاصة في المناطق الشعبية يتخوفون من حصول حوادث ، بسبب مجاري الصرف الصحي المفتوحة. في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، توفيت شابة إثر سقوطها في حفرة للصرف الصحي عند دوار الشبيبة، في مدينة اللاذقية، غربي سوريا، جرّاء الأمطار الغزيرة والتي تسببت بحدوث فيضانات بالمدينة. 

ودرجت مؤخراً، سرقات أغطية الصرف الصحي المصنوعة من الحديد في دمشق وريفها. المجارير المفتوحة تسببت بتراكماتٍ للأتربة والنفايات في المواسير، ما أدى إلى انسدادها في حالات عدة، وبالتالي توقف تلك المجارير عن العمل. هذه السرقات تشكّل خطراً من حوادث السيارات وعبور المارة الذين باتوا معرّضين للسقوط في تلك المجاري. 

عدة شكاوٍ وصلت إلى محافظة دمشق لكن غالبيتها تؤجل بحجة عدم وجود أغطية كافية، في وقت يقوم بعض السكان بالاشتراك في ما بينهم لوضع أغطية من الإسمنت خوفاً على حياتهم وحياة ذويهم من الموت في مواسير الصرف الصحي. 

الناشط السوري، أحمد أبو زيد، قال لـ”الحل نت “، إن مدير شعبة التنسيق الشؤون الإنسانية، راميش راجاسينجهام، في الأمم المتحدة قال: طلبت تمويلًا بقيمة 4 مليارات دولار لعام 2024 لمساعدة الناس في سوريا، وهو أقل بكثير مما كانت عليه في عام 2023 على الرغم من الحاجة المتزايدة.

وبالمثل، يخشى من خروج الوضع عن السيطرة خاصة في ظل انهيارٍ كلّي لشبكات الصرف الصحي، فقد عادت أمراض جرثومية وجلدية للانتشار على نحو واسع ومطّرد نتيجة تلوث المياه بفعل تداخلها مع شبكات الصرف الصحي، والانهيار الكامل أو الجزئي لمنظومات الإمداد بالمياه النظيفة ومعالجة مياه الصرف الصحي والتخلص من المياه العادمة بشكل آمن. 

كما أسفرت العمليات العسكرية التي شهدتها البلاد طيلة الأعوام الثلاثة عشر الماضية عن ضرر بالغ لحق بمعظم البُنى التحتية، بالمقابل ينقص جميع المشاريع تقييم الأثر البيئي الناجم عنها، وكذلك تنقصها الدراسات والتصميمات بسبب نقص الخبرة الفنية في هذا المجال، ونقص العاملين المؤهلين في حقل شبكات مياه الصرف الصحي، فضلاً عن نقص وحدات ما قبل المعالجة في المنشآت الصحية والزراعية والصناعية، وهو ما ينعكس سلباً على أداء محطات معالجة الصرف الصحي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات