تبدو تحركات روسيا على الحدود في الجولان، المتاخمة للحدود مع إسرائيل، لها تداعيات جمة وارتباطات مباشرة بالوضع في قطاع غزة، وبخاصة تطوراته على مدار 7 شهور، وبلغ عدد نقاط المراقبة الروسية في تلك المنطقة الحدودية نحو 14 نقطة.

بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن القوات الروسية تمركزت في موقع عسكري لقوات الحكومة السورية في تل مسحرة، وموقع آخر في تل الكرم الواقع غربي بلدة جبا في الريف الأوسط لمحافظة القنيطرة السورية، وبخصوص النقطتين الأخيرتين اللتين أنشأتهما موسكو، يقول “المرصد السوري” إنه يأتي في “إطار خفض وتيرة التوترات في المنطقة بين المجموعات العاملة مع حزب الله وإسرائيل”. 

فيما تشير مصادر صحفية محلية، إلى أن هذه النقاط الجديدة والمشتركة بين موسكو وقوات الجيش السوري تعكس وجود “تحالف استراتيجي يهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي”، لا سيما بعد التصعيد المتنامي وانتقال حروب الظل بين طهران وإسرائيل لحدود قصوى، وقد طاولت الضربات الإسرائيلية في مناطق نفوذ “الحرس الثوري الإيراني” بدمشق ومحيطها، قيادات ميدانية مؤثرة في “فيلق القدس”.

روسيا على الحدود مع إسرائيل

شهدت المنطقة التي تتموضع فيها موسكو بعد الانعطافة العسكرية الحادة بين إيران وإسرائيل، مؤخرا، على خلفية استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق، عدة عمليات أمنية، إذ سبق الجيش الإسرائيلي، أن أعلن عن قصف الطائرات الحربية لموقع عسكري في هضبة الجولان، مطلع نيسان/ أبريل الماضي، موضحا أن “طائرات حربية هاجمت البنية التحتية العسكرية للجيش السوري خلال الليل في بلدة محجة”.

وفق “المرصد السوري“، فإن سكانا في محافظة درعا جنوبي سوريا، عثروا على جثة ضابط يتبع للواء في الجيش السوري، تحمله إسرائيل مسؤولية القصف على الجولان، موضحا في تقرير، مطلع العام، أن الضابط برتبة نقيب في اللواء 112، وأنه “جرى إعدامه ميدانيا بعيارات نارية، وألقيت جثته في محيط مدينة نوى في الريف الغربي من محافظة درعا”. وكشف على لسان مصادر لم يسمها، أن “الضابط جرى اختطافه قبل ساعات من إعدامه، ولا يعلم إذا كان قد قتل على يد عملاء إسرائيل، أو على يد مجموعات موالية لإيران أو آخرين”.

إثر اندلاع الحرب في غزة، أطلقت إسرائيل منشورات تحذيرية بشأن القصف الذي يجري من الجولان، وذلك من خلال طائراتها باتجاه القرى في جنوب القنيطرة، وحددت المسؤولية باللواء 112، حيث أكد المصدر، أن “اللواء 112 تعرض لعدة ضربات إسرائيلية خلال العام الفائت، حيث تتواجد مجموعات موالية لحزب الله اللبناني وإيران”.

ويمكن القول، إن تموضع القوات الروسية في القنيطرة يتزامن مع مرحلة ما بعد احتدام الصراع الميداني بين الميليشيات الإيرانية والقوات الإسرائيلية في سوريا، مع وجود إشارات بمحاولة طهران ابتعاث رد من الجولان ضد إسرائيل، وقد حذرت الأخيرة حكومة دمشق من الانتقام الذي قد يستهدفه بشكل مباشر وخشن في حال تم السماح لطهران وأذرعها العسكرية بتنفيذ ذلك الأمر.

جنود إسرائيليون في مرتفعات الجولان – (رويترز)

فيما سبق، نقلت وكالة أنباء “فرانس برس” عن دبلوماسي غربي تأكيده، على أن “بشار الأسد تلقى تحذيرا واضحا من الإسرائيليين، بأنه إذا ما استُخدمت سوريا ضدهم، فسوف يدمرون نظامه”. والأمر ذاته أوضحه أندرو تابلر المحلل في “معهد واشنطن” والذي قال، إن موسكو “حثته (أي الأسد) على البقاء بمنأى عن النزاع” المحتدم بين حركة “حماس” وإسرائيل منذ الهجمات المباغتة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وقال المحلل في المعهد الأميركي، إنه تم توثيق “بين 20 و30 هجوما صاروخيا من الأراضي السورية” باتجاه هضبة الجولان منذ اندلاع الحرب، لكن لم ينجم عنها أي نتائج في غالبيتها، حيث أن الصواريخ سقطت في مناطق غير مأهولة “وجرت قراءته في واشنطن وخارجها على أنه رسالة مشفرة، مفادها أن الأسد يريد البقاء خارج الحرب في غزة”.

وبالعودة لحديث الدبلوماسي الغربي للوكالة الفرنسية، فإن الأسد الذي نأى عن نفسه إنما “يأمل خصوصا أن يحصل على مقابل لضبط النفس من الغربيين، ويدفعه الروس باتجاه ذلك”.

“الحفاظ على التوازن”

مطلع الشهر الحالي، أوضحت وزارة الدفاع السورية، أن الدفاعات الجوية أسقطت، صواريخ إسرائيلية تم إطلاقها من هضبة الجولان باتجاه ريف دمشق. وتابعت: “نحو الساعة 3:20 فجر الخميس 9 آيار/ مايو شن العدو الإسرائيلي عدوانا جويا من اتجاه الجولان السوري المحتل مستهدفا أحد الأبنية في ريف دمشق، وقد تصدت وسائل دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها وأدى العدوان لوقوع بعض الخسائر المادية”.

عبر تفحص تحركات القوات الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها في سوريا منذ الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل ردا على قصف سفارة طهران  في دمشق، يمكن ملاحظة نمط ثابت من عمليات إعادة الانتشار المستمرة التي يسعى “الحرس الثوري الإيراني” من خلالها لتقليل الخسائر في أي  هجمات إسرائيلية مستقبلية، من خلال نقل القوات إلى مناطق أقل عرضة للهجوم بما يسمح لإيران بالحفاظ على قواتها وتجهيزاتها العسكرية بعيدا عن الأنظار، وهو الأمر الذي لا يبدو سهلا في ظل السيادة الجوية الإسرائيلية المطلقة على مناطق العمليات والانكشاف السوري الكامل لأقمار التجسس الإسرائيلية الأميركية، فضلا عن شبكات الجواسيس على الأرض التي تشير الضربات الإسرائيلية الدقيقة لقيادات “الحرس الثوري”، إلى مدى تغلغلها حتى داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة السورية.

يقول المحلل السياسي منتظر القيسي لموقع “الحل نت”، يبدو أنه حتما جاءت الاستعانة بروسيا، الحليف الأساسي الذي يملك مصالح استراتيجية في سوريا، كوسيط لتحقيق التهدئة ومنع التصعيد بين إيران وإسرائيل، من خلال نشر القوات الروسية على الحدود السورية مع هضبة الجولان للقيام بمهمة “قوات حفظ السلام”، للحيلولة دون وقوع احتكاك غير محسوب بين الإيرانيين وحلفائهم وبين الإسرائيليين، مما قد يجر الطرفين إلى الوقوع في شرك الفعل ورد الفعل.

تسعى روسيا من جانبها  للحفاظ على توازن دقيق بين حلفائها المختلفين، فهي تدعم الحكومة السورية وتنسق مع إيران، لكنها أيضا تحافظ على قنوات اتصال مع إسرائيل لإدارة التفاهمات السابقة بين موسكو وتل أبيب تحت عنوان ظاهر هو تجنب التصادم بين الطرفين، وعنوان باطن هو محاصرة التمدد الإيراني في شرق المتوسط، وفق حديث القيسي لـ “الحل نت”.

ويردف القيسي، أن “عملية إعادة الانتشار الإيراني وتدخل روسيا يعكسان ديناميكية معقدة في الصراع السوري، حيث تسعى الأطراف المختلفة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية مع تجنب التصعيد الكبير. تدخل روسيا كوسيط يهدف إلى تهدئة الأوضاع، لكن الحفاظ على التوازن في هذه المنطقة المضطربة سيظل تحديا كبيرا لجميع الأطراف”.

وفي وسط كل ذلك، يبدو أن النظام بدمشق الذي تعامل بفتور واضح مع الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وقبلها مقتل قيادات بارزة في “الحرس الثوري”، والتي أمضت سنوات طويلة في الدفاع عن حكمه، قد رأى في هذه الأزمة فرصة لتحقيق توازن أكبر بين حلفائه الرئيسيين، روسيا وإيران، بما يضمن الحد من الهيمنة الإيرانية المطلقة على الوضع الميداني. وتعزيز سيادته وموقعه كصاحب القرار الأساسي في البلاد، بدلا من أن يكون تحت تأثير مطلق من قبل أي جهة خارجية.

هذا الفتور قد يكون جزءا من تحولات تكتيكية من قبل حكومة دمشق، لاختبار ردود فعل طهران ومعرفة حدود تأثيرها الفعلي في الميدان، في تقدير القيسي. وهذا يمكن أن يساعد دمشق في تقييم قوتها الذاتية والتحرك بشكل أكثر استقلالية، كجزء من عملية سياسية أوسع تشمل مفاوضات مع القوى الغربية والإقليمية لإعادة تأهيل دمشق بعد اليأس تماما من إمكانية الإطاحة بها من الحكم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات