يحدث تبادل إطلاق نار يومي على طول الحدود اللبنانية مع شمالي إسرائيل منذ أن شنّ مسلحون من قطاع غزة الذي تسيطر عليه “حماس” هجوما على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب في غزة. وعليه تدهور الوضع في الشمال لا سيما بعد أن أدت غارات جوية إسرائيلية إلى مقتل العديد من كبار قادة “حزب الله” العسكريين في جنوب لبنان.

بعد فشل جهود المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين لخفض التوتر بين “حزب الله” وإسرائيل، تناقل بعض اللبنانيين على مواقع التواصل، إضافة إلى وسائل إعلام محلية، أنباء سحب ألمانيا والنمسا وبلجيكا وهولندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا سفراءها من البلاد. أتى ذلك بعدما دعت الكويت، ليل الجمعة/السبت، مواطنيها إلى مغادرة لبنان في أقرب وقت ممكن، مشيرة إلى أنها رفعت عدد رحلاتها من بيروت لاستيعاب الراغبين بالعودة.

الجيش الإسرائيلي قبل أيام، ذكر أنه وافق على خطة لهجوم برّي في الجنوب اللبناني، لا سيما بعد أن أطلق “حزب الله” مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة المتفجرة على شمالي إسرائيل، وهدد باستخدام أسلحة جديدة وطاقة بشرية تمتد من باكستان إلى لبنان. 

في هذا السياق، نعود بالذاكرة إلى الوراء، حيث دفعت إيران مسلحين من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان للقتال معاً في الصراع السوري المستمر منذ 13 عاما، ما ساعد على ترجيح كفة الميزان لصالح الرئيس السوري بشار الأسد. ويقول مسؤولون من جماعات مدعومة من إيران إنهم قد يتّحدون مرة أخرى ضد إسرائيل.

استراتيجية “وحدة الساحات”

نجحت إيران خلال سنوات الحروب الطويلة في الشرق الأوسط في خلق استراتيجية “وحدة الساحات” والتي تعني عملياً تحريك عدة ساحات أو جبهات في الوقت نفسه ضد إسرائيل حتى لو بدأت المعركةَ إحدى حركات المقاومة لأسباب معينة. 

كتائب “حزب الله” هي أقوى فصائل المقاومة الإسلامية في العراق المدعومة من إيران – إنترنت

ففي ظل التصعيد المشترك بين “حزب الله” وإسرائيل على الحدود اللبنانية كامتداد للحرب في غزة، حذّر وزير خارجية العراق، فؤاد حسين، من اندلاع حرب في لبنان، كان من المرجح أن يلقى كلامه المقلق استجابة عاصفة من الفصائل العراقية الموالية لإيران، أقلها التحضير لمساندة الحليف “حزب الله” اللبناني. 

ولم يحدث هذا كما جرت العادة بين حلفاء “محور المقاومة”. إلا أنه في 13 حزيران/يونيو الفائت، كان الوزير حسين، يتحدث في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني بالإنابة، علي باقري كني، ومن دون سياق مسبق، وفي سابقة بين البلدين، رمى “طلقة تحذير” حول الجنوب اللبناني، وهذا في ظل أن بغداد ملتزمة بالهدنة بظلال حكومة تحظى بإعجاب الأميركيين يوماً بعد آخر. قال حسين: “لو اندلعت حرب هناك، ستتأثر المنطقة برمتها، وليس لبنان فقط”.

وزير الخارجية الإيراني علي باقري أجرى محادثات وصفت بالمهمة مع مسؤولين في بغداد، زيارة الوزير الإيراني تزامنت مع إعلان فصائل “المقاومة الإسلامية” العراقية عقد اجتماعات لـ خلية المقاومة المشتركة التي تضم فصائل عراقية و”حزب الله” اللبناني وجماعة “أنصار الله” الحوثيين في اليمن و”الحرس الثوري” الإيراني وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” لمواجهة سيناريو هجوم إسرائيلي محتمل في جنوب لبنان.

“حزب الله” من جهته قال إن فصائل “المقاومة الإسلامية” العراقية ستتخذ خطوتين في حال اندلاع حرب إسرائيلية ضد لبنان. الخطوة الأولى تتضمن إرسال ما يقارب من خمسين ألف مقاتل من الفصائل العراقية للقتال برّاً إلى جانب “حزب الله” اللبناني في الجنوب اللبناني. 

كما تحدث “حزب الله” عن أسلحة جديدة متطورة من ضمنها صواريخ باليستية وصفها بالثقيلة في حال شنّت إسرائيل حرباً على لبنان. 

ثانياً، في حال اندلاع الحرب، ستعمل الفصائل المدعومة من طهران على إنشاء خط برّي عسكري لإمداد الجنوب اللبناني بالسلاح برّاً عبر العراق إلى سوريا فوراً، كما أشارت حركة “النجباء” أن الموقف الرسمي العراقي متعاطف ويميل إلى تأييد إنشاء الممر العسكري البرّي. 

شخصيتان في “الإطار التنسيقي” العراقي، أخبرتا صحيفة “الشرق الأوسط”، أن باقري كني حين وصل إلى بغداد تحدث في الكواليس مع مسؤولين عراقيين، عن “حرب محتملة تُخطط لها إسرائيل في جنوب لبنان، فما موقف العراقيين؟”.

باقري كني وفق المصادر، طلب صراحةً أن يكون “لبنان محور المؤتمر الصحافي المشترك”. وقال أحدهما لـ وسائل الإعلام “بالطبع، الحرب في لبنان تُقلق الجميع، وستُسمع أصداؤها في بغداد أولاً”، ولهذا تبرّع الوزير العراقي بالتحذير، لأن حكومته والتحالف الشيعي الحاكم كان عليهم التعاطي مع جس نبض الإيرانيين بشأن لبنان. 

وبالمثل، الوزير العراقي بهذا التصريح خلق قدرا كبير من التوازن السياسي والإعلامي تجاه “وحدة الساحات” وفي الوقت ذاته يمكن النظر إلى تصريحه بأنه خطوة لخروج العراق من الظل وإثبات وجوده بالقرب من إيران وسياستها.

موقف “حزب الله” 

من ناحيته قال أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، في خطاب ألقاه، إن قادة المسلحين في إيران والعراق وسوريا واليمن ودول أخرى عرضوا في السابق إرسال عشرات الآلاف من المسلحين لمساعدة الحزب، لكنه قال إن الجماعة لديها بالفعل أكثر من 100 ألف مقاتل. 

لوحة جدارية مثقوبة لمؤسس إيران الراحل، آية الله روح الله الخميني، تقف بجوار لوحة إعلانية عليها صورة ممزقة لزعيم حزب الله حسن نصر الله (على اليمين) في الساحة الرئيسية للمدينة التي مزقتها الحرب. (فرانس برس)

وأضاف نصرالله: “قلنا لهم شكرا، ولكننا لدينا أعداد ضخمة”. وأوضح أن المعركة بشكلها الحالي لا تستخدم سوى جزء من القوة البشرية لـ”حزب الله”، في إشارة واضحة إلى المقاتلين المتخصصين الذين يطلقون الصواريخ والطائرات المسيرة.

مسؤولون من جماعات لبنانية وعراقية مدعومة من إيران لفتوا إلى أن مقاتلين من جميع أنحاء المنطقة سينضمون إلى “حزب الله” إذا اندلعت الحرب على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وينتشر بالفعل الآلاف من هؤلاء المقاتلين في سوريا ويمكنهم التسلل بسهولة عبر الحدود التي يسهل اختراقها. إلا أن حزب الله لا يسعى إلى صراع أوسع نطاقا، حتى مع اعتماده بشكل مطّرد على أسلحة أكثر قوة. 

ورغم أن “حزب الله” لديه الآلاف من المقاتلين، والعديد منهم من ذوي الخبرة في الحرب السورية، وترسانة من عشرات الآلاف من الصواريخ القادرة على ضرب المدن في جميع أنحاء إسرائيل؛ إلا أن الحزب يبدو أنه لا يريد الحفاظ على “ديناميكية الردع” بمنسوبيها الحالي، وأي عملية عسكرية مفتوحة من الإسرائيليين ستدمر البُنى التحتية اللبنانية أكثر مما هي الحال الآن، وهذا يسبب مشكلة لحسن نصر الله مع الشركاء اللبنانيين.

وفي هذا الإطار يعلّق الباحث والأكاديمي العراقي أنمار السراي في حديثه لـ”الحل نت”، بأنه إذا حدثت الحرب في لبنان، فإن الفصائل العراقية الموالية للنظام الإيراني ستشارك في الحرب. 

مشاركة هذه الفصائل في الحرب ضد إسرائيل، ستكون بالدرجة الأولى مشاركة إعلامية كلامية، وهذا يرجع إلى العديد من الأسباب أولا، أن هذه الفصائل تخضع في جزء منها للدولة العراقية أو للقوات المسلحة العراقية، والدولة العراقية حالياً على وفاق مع الإدارة الأميركية وبالتالي لن تشارك في هذه الحرب.

أما الجزء الثاني وهي فصائل ما تسمى “المقاومة” الخاضعة لإيران وهي بطبيعة الحال لم تشارك في حروب ضد جيوش نظامية مثل الجيش الإسرائيلي وإنما لديها تجارب محدودة في حرب العصابات كتجربة الحرب ضد “داعش” سواء في العراق أو في سوريا، وبالتالي يمكننا القول أن هذه الفصائل لا تمتلك الخبرة العسكرية التي تمكّنها من المشاركة في الحرب ضد إسرائيل. 

ويتابع السراي، بأنّ هناك نقطة مهمة جدا هي أن هذه الفصائل لا تمتلك الخبرة بالطبيعة الجغرافية في لبنان على عكس “حزب الله” الذي يمتلك القدرة العسكرية والمعرفة الجغرافية ويمتلك الأعداد الكبيرة من المقاتلين، وبالتالي فهو في غنيٌّ عن هذه الفصائل الضعيفة.

موقف الفصائل العراقية

عندما نتحدث عن موقف الفصائل العراقية من الناحية العملية نحن أمام ثلاث مكونات للعراقيين السّني والشيعي والكردي، وقد قال التنسيق الشيعي أن لبنان و”حزب الله” اللبناني خط أحمر بالنسبة للتنسيق، لذلك بالنسبة لهم فإن العراق مستعد للانخراط عسكرياً لمواجهة الهجوم العسكري الإسرائيلي على لبنان.

الهجوم على القوات الأميركية رسالة رفض إيرانية على نتائج زيادة السوداني لواشنطن؟ (1)
محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، خلال اجتماع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي لم يظهر في الصورة، في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الاثنين 15 أبريل/نيسان 2024. (تصوير: بوني كاش/ يو بي آي/بلومبيرغ)

أما الموقف السّني والكردي فهو على خلاف مع الموقف الشيعي إذ لا يريد السّنة وأكراد العراق على الإطلاق انخراط العراق في أي مواجهة عسكرية في إطار حرب إسرائيلية على جنوب لبنان، ويؤكدون على أهمية استمرار العراق في الدور الدبلوماسي حصراً. 

ولهذا ربما يرى البعض من المحللين السياسيين أن إيران تحاول استخدام الفصائل كورقة لتحسين وضعها في التفاوض مع الغرب، إلا أن السراي ذهب إلى عكس هذا قائلا، لا أستطيع القول بأن إيران ستتخذ من هذه الفصائل ورقة ضغط في سبيل تحسين فرصها في التفاوض لأنها تدرك أن هذه الفصائل أضعف من هذا بكثير. 

وعلى العكس، قال مسؤول في جماعة مدعومة من إيران في العراق لصحيفة “أسوشيتد برس” في بغداد: “سنقاتل جنبا إلى جنب مع حزب الله” إذا اندلعت حرب شاملة. وقال قائد فصيل عراقي: “لقد وجّهت إلينا أسئلة عن موقفنا لو اشتعلت جبهة لبنان أكثر. فقلنا: مستعدون سنذهب إلى هناك”.

وفي السياق ذاته، قال مسؤول في جماعة لبنانية مدعومة من إيران تحدث أيضا شريطة التكتم على هويته، إن مقاتلين من قوات “الحشد الشعبي” العراقية، ولواء “فاطميون” الأفغاني، و لواء “زينبيون” الباكستاني، وجماعة “الحوثي”، يمكن أن يأتوا إلى لبنان للمشاركة في الحرب. 

عيران عتصيون، الرئيس السابق لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الإسرائيلية، في حلقة نقاشية استضافها معهد “الشرق الأوسط” ومقره واشنطن، يرى “احتمالا كبيرا” لحرب متعددة الجبهات. وأضاف أنه من الممكن أن يكون هناك تدخل من قبل “الحوثيين” والميليشيات العراقية و”تدفق هائل للجهاديين من (أماكن) بما في ذلك أفغانستان وباكستان” إلى لبنان وإلى المناطق السورية المتاخمة لإسرائيل.

وقال، دانيال هغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في بيان متلفز الأسبوع الماضي، إنه منذ أن بدأ “حزب الله” هجماته على إسرائيل في 8 تشرين الأول/أكتوبر، أُطلق أكثر من 5000 صاروخ وقذائف مضادة للدبابات وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل. وأضاف أن “عدوان حزب الله المتزايد يقودنا إلى حافة ما يمكن أن يكون تصعيدا أوسع نطاقا، وهو ما يمكن أن تكون له عواقب مدمرة على لبنان والمنطقة بأسرها.. ستواصل إسرائيل القتال ضد محور الشّر الإيراني على الجبهات كافة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات