ثمة حالة من التصعيد العسكري على الجبهة الجنوبية اللبنانية، تجعل الوضع مأزوماً للدرجة التي تجعل الأقدام قد تنزلق إلى حافة صراع، يتجاوز غزة إلى ما هو أبعد إقليمياً. وفي ما يبدو أن الوضع في جنوب لبنان أعقد كثيراً من غيره، نظراً للتمركز الذي يشكّله ما يُعرف بـ”محور المقاومة” بين عدة جبهات، بداية من “الحوثي” ومروراً بالفصائل العراقية والسورية المدعومة من إيران، وحتى القوى الإسلاموية السّنية المسلحة، مثل “الجماعة الإسلامية” في لبنان وذراعها العسكرية “قوات الفجر”.

ويكاد الاصطفاف العسكري الميلشياوي الذي يشكّله محور ما يسمى بـ”الممانعة” ويسعى إلى جذب وتعبئة أو بالأحرى عسكرة أطراف ومجموعات متفاوتة بغض النظر وتتسع في الإطار الطائفي ليتجاوز الرقعة الشيعية ويشمل الحاضنة السّنية، إنما استراتيجية جديدة لتبادل الأدوار بالوكالة وتعميقها لكن الشاهد أنها تخضع لإمرة طهران و”الحرس الثوري الإيراني”.

لبنان وتشكيل جناح عسكري سُّني

ربما، “الجماعة الإسلامية” وذراعها العسكرية وميلشياتها التي برزت مع “طوفان الأقصى” إثر الهجمات التي شنّتها حركة “حماس” ضد إسرائيل، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، لم يكن إخراجها  لسلاحها للمرة الأولى منذ عقود، بالأمر العادي أو العفوي، إنما جاء على مهل وبعد تكتيكات تجعل رؤية ما يحدث منذ تاريخ الهجوم كأنها عملية مرتبة وتم الإعداد لها ولمساراتها بدقة هائلة. 

من تشييع أحد عناصر “الجماعة الإسلامية” في بيروت-“أ ب”

فقبل فترة ليست بالقليلة من اندلاع الصراع في غزة، لعبت طهران دوراً مؤثراً من خلال تشكيل قمة “الجماعة الإسلامية” في الانتخابات التي جرت قبل أعوام قليلة، ونجحت في تصعيد الكتلة المؤيدة لـ”الولي الفقيه”، وتؤيد سياساتها، وتصل تبعيتها إلى إنهاء خلاف الجناح الآخر المعارض للتقارب مع حكومة دمشق وبشار الأسد. الأمر ذاته تكرر في انتخابات جماعة “الإخوان” في الأردن والتي على ما يبدو دخلت في مدار الهلال الشيعي ويؤدي الخدمات لها وفق أجندتها العسكرية ومصالحها الأمنية والإقليمية. 

من ثم، يشير مصدر سياسي لبناني إلى أن هذا التشكيل السُّني الذي تتبنى طهران تشكيله، هو ضمن خطة استراتيجية لا تتعلق وحسب بالوضع الراهن في غزة، إنما باليوم التالي للحرب وترتيبات اليوم التالي، موضحاً لـ”الحل نت”، أن الهيكلية التقليدية بأن الجناح العسكري الشيعي هو المتسيّد للصراع و”المقاومة” ضد الغرب والولايات المتحدة، ستتغير ارتكازاتها لصالح بناء كتلة معارضة وراديكالية تقاوم جملة سياسات في المنطقة، على أساس “عنوان عريض هو القضية الفلسطينية، ويمكن توظيفها بعد ذلك في إطار مقاومة قضايا أخرى مثل التطبيع الإسرائيلي مع قوى خليجية، كالسعودية وقبلها الإمارات، فضلاً عن ممارستها ضغوط جديدة محلياً لإعادة تأهيل الإسلام السياسي بالمنطقة”.

ويؤكد المصدر السياسي اللبناني، الذي تحفّظ عن ذكر اسمه، أن هناك تفاهمات جادة تقودها طهران مع قادة جماعة “الإخوان” في عدة دول، منها تركيا وبريطانيا، لجهة أن تكون في لبنان والأردن وبلدان أخرى “نواة جديدة من جيل مختلف غير تقليدي وليس كتلة تنظيمية موجّهة بشكل مباشر وخطاب رسمي تتبنى القضايا التعبوية التي بعثت بها حرب غزة، وتكون الرافعة لتموضع الإسلام السياسي الذي انحسر بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الحكم، وأخفق بعد الربيع العربي في الحفاظ على مكتسباته السياسية في مصر وتونس والمغرب. والمطلوب أن تكون هذه الكتلة الإسلاموية سائلة وليست تنظيمية إنما تنشر الأفكار وتجذب الأفراد على مهل ومن ثم، إلغاء فكرة أو أولوية التنظيم على حساب الفكرة. وأن تكون الفكرة مصدر القوة وليس التنظيم، خاصة في ظل الملاحقات الأمنية والتفكك الذي جرى للقواعد والقيادات”. 

استهدافات إسرائيلية

وقبل أيام، أعلن الجيش الإسرائيلي استهداف سيارة رباعية الدفع عند مفترق بلدة الخيارة في البقاع الغربي شرق لبنان، الأمر الذي نجم عنه مقتل القيادي بالجماعة الإسلامية أيمن غطمة. ووفق وسائل الإعلام في لبنان، فإن الاستهداف الذي طاول القيادي بالجماعة جرى بصاروخ من طائرة مسيرة. 

وشاركت “قوات الفجر” مع كتائب تابعة لحماس وبتنسيق مع “حزب الله” في عدة عمليات، غير أن المصدر يشير إلى استعمال “الحزب” قواعد ومناطق نفوذ الجناح العسكري للجماعة الإسلامية كغطاء ليس لتخزين السلاح وفقط، إنما لتهريبه وكذا بناء معسكرات تدريب.

هذا فضلاً عن دور الجماعة السنية في ضبط المخيمات الفلسطينية وإنهاء أي توترات داخلها وبين الفصائل خاصة المعارضين لـ “حماس” والجناح العسكري الموالي لإيران، كما سبق وحدث في مخيم “عين الحلوة” إثر مقتل قيادي في حركة “فتح”، واشتعال حرب انخرطت فيها قوى عديدة منها “الجماعة الإسلامية” وآخرين تابعين لـ “حزب الله”، والهدف وفق المصدر كان “حيازة المخيمات الفلسطينية في جانب قوى المقاومة ووكلائها، استعداداً للمعركة التي بدأت مع “طوفان الأقصى”. وأن تكون الورقة الفلسطينية في لبنان محل سيطرة وإدارة من قبل المعنيين بالصراع الآني”.

دائرة مقرّبة من “حزب الله”، وهي التي تعلم أن دائرة الاتصال المباشرة في عمان بين إيران والولايات المتحدة توصّلت إلى اتفاق مفاده أن تنتهي الحرب في غزة وتهدئة الأوضاع في لبنان بالنسبة لواشنطن تكون من خلال تطبيق تسوية تبدأ من أزمة غزة إلى لبنان وتنتهي عند اليمن ومشكلات البحر الأحمر.

مصدر سياسي لبناني لـ”الحل نت”

وعلى ما يبدو أن القوات الإسرائيلية تستهدف القيادات بـ”الجماعة الإسلامية”، واستئصال شأفتهم، حيث نجا قبل شهور، وتحديداً في 24 مارس/ آذار القيادي محمد عساف على خلفية غارة استهدفته في منطقة الصويري شرق لبنان. غير أن المصدر ذاته يؤكد أن ميل الجماعة إلى عسكرة جنازات القتلى من القادة أو الأعضاء، إنما يرجع إلى رغبة في تضخيم دورها، لا سيما بعد ضربات عنيفة تلقتها وكانت الأكثر تأثيراً عليها في الاستهداف الذي طاول قيادات ميدانية وعسكرية مع عملية اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” صالح العاروري بالضاحية الجنوبية لبيروت.

وبحسب القوات الإسرائيلية، فإن القيادي بـ”الجماعة الإسلامية” الذي تم اغتياله في إحدى بلدات البقاع الغربي، كان مسؤولاً عن إمداد “حماس” وآخرين بالسلاح والدعم اللوجيستي. وعليه، فإن “حزب الله” ضمن دوره القائم على الإسناد والدعم للوكلاء وعلى مبدأ “وحدة الساحات” نفذ هجوماً جوياً بـ”مسيرة انقضاضية على مقر قيادة” في ثكنة بيت هلل، لاستهداف “أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها”.

وقال الحزب المدعوم من إيران في بيان آخر أنه شنّ “هجوماً جوياً بسربٍ من المسيرات الانقضاضية على مقر قيادة” في شمال شرق صفد. وفي الهجومين المسلحين الأخيرين طاول “أماكن تموضع واستقرار” جنود وضباط إسرائيليين، للرد على الاغتيال الذي استهدف القيادي بالجماعة الإسلامية.

توترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية- “رويترز”

وفي تقرير حديث لـ”معهد واشنطن”، فمنذ هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، جددت فروع “الإخوان المسلمين” السنية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط دعواتها إلى الجهاد، وأعاد بعضها تنشيط خلاياها العسكرية. وفي لبنان، شارك فرع “الإخوان المسلمين” المعروف بـ “الجماعة الإسلامية”، و”قوات الفجر” التابعة لها، في هجمات صاروخية ضد إسرائيل بالتنسيق مع “حزب الله”. ورداً على ذلك، قتلت القوات الإسرائيلية حتى الآن سبعة من مقاتلي الجماعة، بمن فيهم القائد البارز شرحبيل علي السيد خلال غارة بالقرب من مجدل عنجر.

أهمية “قوات الفجر”

وتضم “قوات الفجر” حالياً حوالي 500 مقاتل، لكن الأهمية الأساسية للجماعة لا تكمن في قدراتها العسكرية أو ترسانتها. بل بالأحرى في الأهمية الحاسمة لها ولـ جناحها المسلح لكل من “حماس” و”حزب الله” لأنهما يوفران غطاءً لبنانياً جيداً، و يسمحان باعتماد تكتيك الإنكار المعقول بشأن بعض الهجمات، ولديهما وصول أكبر إلى المجتمع السنّي في البلاد، الذي أصبح بلا زعيم ومنفصلاً عن السياسة منذ أن غادر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الساحة في عام 2019، وفق المعهد الأميركي.

ويردف: “في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر الماضيين، اندلعت اشتباكات في مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بقيادة جماعات متنافسة تابعة لحركتي “فتح” و”حماس” تعرف باسم “جند الشام” و”الشباب المسلم”. وفي ذلك الوقت، تشجعت حماس بفضل تعهدات الدعم من “غرفة العمليات المشتركة” التي يرعاها “حزب الله”، وقررت تولي مهمة صنع القرار في المخيمات اللبنانية بقوة السلاح. وشنت الجماعات الإسلامية التابعة لها هجوماً استمر لأسابيع وأدى إلى نزوح حوالي 4000 فلسطيني، واستمرت الاشتباكات بشكل متقطع حتى هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل. وعلى الرغم من أن حماس لم تقض كلياً على وجود “فتح” في “عين الحلوة”، إلا أنها فرضت نفسها كقوة نافذة في لبنان وعززت تحالفها مع “حزب الله”.

ويوصى المعهد الأميركي الحكومة الأمريكية بإعادة “النظر في تصنيف “قوات الفجر” رسمياً على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية إذا شنت المزيد من الهجمات أو وسعت أنشطتها. وعلى أقل تقدير، قد يؤدي ذلك إلى قطع أي صلات محتملة للجماعة بالمؤسسات المالية العالمية وتوجيه رسالة مفادها أن استهداف المدنيين عشوائياً أمر غير مقبول”.

سيناريوهات الحرب

وبالعودة إلى المصدر السياسي اللبناني، فقد أوضح أن هناك مسار محتمل نحو التهدئة يجري مؤخراً، وثمة رسائل عديدة تلقتها الأطراف المختلفة في “الجماعة الإسلامية” و”حزب الله” بـ”الكمون التكتيكي”، و”حساب درجة تسخين الجبهات”، لافتاً في حديثه الذي خص به “الحل نت” أن القيادي بـ”حركة أمل”، علي حمدان (المسؤول عن رحلة المراسلات من طرف وساطة نبيه بري) نقل إلى “حزب الله” معلومة جاء بها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين في زيارته قبل أيام قليلة إلى لبنان، مفادها أن الواقع في غزة بات ميدانياً في سيطرة إسرائيل، وأن الأنظار تتجه من الناحية العسكرية إلى الجبهة اللبنانية. وتحتاج سيطرة إلى ضبط الأمور على تلك الجبهة بعد مرور 8 شهور مع العلم أن توسعة الحرب ظاهرياً في الفترة الماضية لم تتغير تكتيكاتها.

ويقول إن حمدان ذكر لقادة الحزب أن الطرف الإسرائيلي يضع مهلة حتى مطلع أيلول/ سبتمبر القادم لإنهاء السيولة والتصعيد في الجبهة بجنوب لبنان، وهذا هو السقف الزمني لعودة المستوطنين في شمال إسرائيل. كما أنه نقل عن مبعوث بايدن أن السيناريوهات كافة تبدو مفتوحة حتى الوصول لهذا السقف الزمني ويتعين على الحزب البدء في خطوات الحل، حتى لا تخرج عن السيطرة وأن الإدارة الأميركية لا تملك زمام الأمور بشكل كامل لا سيما في ظل أي مزيد من التسخين. بالتالي الرهانات مفتوحة على شتى الاحتمالات.

ويقول المصدر، إن علي حمدان اجتمع في منطقة الفردان حيث يتواجد مقر شبه رسمي لنبيه بري، بعدد من القادة السياسيين من “الجماعة الإسلامية” و”حزب الله” و”الاشتراكي” وقد حضر الوزير السابق ونائب رئيس مجلس البرلمان إلياس بو صعب. وخلال الاجتماع أوضح حمدان أن هناك خطة للحرب على لبنان لكن البنتاغون وليست الإدارة الأميركية هي من تضع الأمور عند حدودها السليمة وتكبح الطموح العسكري بل وتذهب إلى إنهاء ما يحدث في رفح. 

إسرائيليون يعملون في كريات شمونة عقب إطلاق صواريخ من لبنان على إسرائيل وسط أعمال عدائية عبر الحدود بين “حزب الله” والقوات الإسرائيلية-“رويترز”

والتقى هوكشتاين وفق لقاء حمدان المذكور سلفاً مع قائد الجيش جوزيف عون، ونبيه بري. وكانت الرسالة هي التمهيد لتنفيذ قرار الرئيس الأميركي جو بايدن الأخير والذي يحظى بالقبول في مصر وقطر و”مجلس الأمن الدولي”. غير أن المتغير الوحيد الذي ذكره حمدان أن مبعوث بايدن بخلاف المرات السابقة اتفق مع الجانب الإسرائيلي على ضرورة أن تكون رفح هي الخاتمة وأن انتهاء الأزمة في الجنوب وعودة المستوطنين إلى الشمال الإسرائيلي ونهاية المعارك مرتبط بغزة وبالتالي يتعين إنهاء الوضع في غزة بناء على مقاربة بايدن. وبعدها سيتم رسم الحدود البرية في لبنان مع إسرائيل.

يشير المصدر إن دائرة مقرّبة من “حزب الله” هي التي تعلم أن دائرة الاتصال المباشرة في عمان بين إيران والولايات المتحدة توصّلت إلى اتفاق مفاده أن تنتهي الحرب في غزة وتهدئة الأوضاع في لبنان بالنسبة لواشنطن تكون من خلال تطبيق تسوية تبدأ من أزمة غزة إلى لبنان وتنتهي عند اليمن ومشكلات البحر الأحمر، وتكون فرصة إقليمية جديدة تبدأ بتطبيع سعودي إسرائيلي وتهدئة الأولى مع إيران بما يسمح بانخراط الرياض مرة أخرى في الاقتصاد اللبناني وتقويته أو دعمه مالياً. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات