منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا ووصول، أحمد الشرع، زعيم “هيئة تحرير الشام” إلى قصر الشعب بدمشق، هيمن الحذر على موقف الولايات المتحدة الأميركية في علاقاتها مع “الإدارة السورية الجديدة”، لكنها في نفس الوقت أرسلت مساعدة وزير الخارجية الأميركية، باربرا ليف، على رأس وفد دبلوماسي إلى العاصمة السورية، حيث التقى بالشرع ووزير خارجيته، أسعد الشيباني، وتبع ذلك إلغاء الجائزة المالية المخصصة لمن يدلي بمعلومات عن الشرع.

في خضم ذلك، لم تدّخر دمشق أي جهد لكسب ثقة واشنطن للمُضي قُدما في رفع العقوبات الأميركية، المتمثلة بما تُعرف بـ “قانون قيصر”، التي فرضت إبان حكم الرئيس المخلوع، بشار الأسد، في حين أن ذلك يسير ببطء في ظل الشروط الأميركية، التي تسعى دمشق إلى تنفيذها لكن بعضها يحتاج إلى وقت.

وقالت مصادر سورية مطّلعة لـ “الحل نت”، إن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ردّ على المطالب الأميركية قبل توجهه إلى نيويورك الأسبوع المقبل، لكن الردّ اقتصر على اثنين منها فقط. وجاء ذلك بينما زار عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز سوريا لاستكشاف الأوضاع بنفسه.

ماذا ردّت دمشق على واشنطن؟

المطالب الأميركية، التي سلّمتها الدبلوماسية فرانشيسكا في آذار/مارس الماضي لـ الشيباني على هامش مؤتمر بروكسل، ركّزت في مضمونها على “الأمن القومي” الأميركي، إذ تضمّنت 8 مطالب لـ “بناء الثقة” وخطوات مقابلة يمكن أن تقوم بها واشنطن.

لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)

المطالب الثمانية تتمثل بـ تشكيل جيش مهني وعدم وضع المقاتلين الأجانب في مناصب قيادية حساسة، والوصول إلى جميع منشآت السلاح الكيماوي والبرنامج الخاص به، وتشكيل لجنة للمفقودين الأميركيين بينهم الصحافي آستون تايس، وتسلم عائلات “الدواعش” من معسكر الهول الواقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا، والتزام علني بالتعاون مع التحالف الدولي في محاربة “داعش”، والسماح لأميركا بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعتبره واشنطن تهديدا لـ “الأمن القومي”.

ويضاف إلى ذلك، إصدار إعلان رسمي عام “يحظر جميع الميليشيات الفلسطينية والأنشطة السياسية” في سوريا، وترحيل أعضائها لتهدئة المخاوف الإسرائيلية، ومنع تموضع إيران وتصنيف كل من  “الحرس الثوري” و “حزب الله” تنظيما إرهابيا، وفق ما ذكرت مجلة “المجلة“.

وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، سلّم واشنطن رد دمشق على المطالب الأميركية، لكن الرد كان على مطلبين من 8، وفق ما علم موقع “الحل نت” من مصدر سوري مطّلع.

وأوضح المصدر أن الرد لم يتضمن المطلب الأميركي على عدم تولي مقاتلين أجانب مناصب قيادية، الأمر الذي تعتبره دمشق مسألة حساسة وتسعى إلى تجنب الخوض فيها، بينما رجّح المصدر أن يتم مناقشة المطالب مع الإدارة الأميركية عن قرب، خلال زيارة الشيباني لـ نيويورك.

أما فيما يتعلق بالمنظمات الفلسطينية، بدأت دمشق بتقييد وجودها على الأراضي السورية، حيث نقلت بعض الفصائل مقارها إلى دول أخرى، بينما وضعت السلطات السورية يدها على عدد من مكاتب الفصائل في العاصمة.

وأبدت الإدارة السورية منذ أشهر استعدادها للتعاون في ملف الأسلحة الكيميائية خلال زيارة وفد منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” إلى دمشق في شباط/فبراير الماضي، حيث التقى المدير العام للمنظمة، فرناندو أرياس، بالشرع. بينما أعلن الشيباني، خلال زيارته إلى مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي في آذار/مارس الماضي، التزام حكومته بتدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيميائية والامتثال للقانون الدولي.

اتجاهان في الإدارة الأميركية

وزارة الخارجية الأميركية، منحت مسؤولين سوريين تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، لحضور اجتماعات البنك الدولي، بينما منحت تسهيلات لسفر وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى نيويورك فقط.

وقال كبير المستشارين السياسيين في منظمة “مواطنون لأجل أمريكا آمنة” محمد علاء غانم، إن الخارجية الأمريكية أصدرت تأشيرات لحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية ووزير المالية محمد يسر برنية، لحضور اجتماعات البنك الدولي في واشنطن، بينما منحت تسهيلات لسفر الشيباني إلى نيويورك فحسب.

برنامج الشيباني يتضمن رفع العلم السوري في مقرات الأمم المتحدة وحضور جلسات لمجلس الأمن سواء لدى إلقاء المبعوث الأممي غير بيدرسون إفادته في 25 نيسان/أبريل أو لدى جلسة عن حال الشرق الأوسط في 29 من الشهر ذاته. ومن المقرر أن يشارك وزراء خارجية بينهم الفرنسي جان نويل بارو في هذه الاجتماعات.

يأتي ذلك بينما ما يزال موقف إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، غير واضح من دمشق، إذ نقلت “المجلة” عن مسؤولين أن هناك اتجاهان في الإدارة الأميركية: الأول، يمثله مسؤولون في مجلس الأمن القومي ومديرة المخابرات تولسي غابارد، ومدير قسم مكافحة الإرهاب سباستيان كورغا، وهما يرفضان أي انخراط مع الحكم السوري الجديد وينظران إلى شخصيات فيه من باب قرار مجلس الأمن بتصنيف “هيئة تحرير الشام” ومسؤولين فيها وتصنيف واشنطن لهم في قائمة التنظيمات الإرهابية.

أما الاتجاه الثاني، يمثله وزير الخارجية ماركو روبيو ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، الذي يقوم على الانخراط المشروط، مقدّرين الدور الكبير للنظام السوري الجديد بإضعاف إيران استراتيجيا في الشرق الأوسط.

زيارة عضوين في الكونغرس

وفد من الكونغرس الأميركي زار العاصمة السورية دمشق والتقى برئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزراء من الحكومة الانتقالية، بغية استكشاف واقع البلاد وبحث آفاق إقامة علاقات جديدة معها. إذ جاءت الزيارة برفقة عدد من أفراد الجالية السورية المقيمين في الولايات المتحدة، في زيارة وُصفت بأنها “مهمة لتقصي الحقائق”.

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع يلتقي مع عضو الكونغرس الأميركي كوري لي ميلز في قصر الشعب بدمشق – انترنت

انطباع إيجابي خيّم على الزيارة، بحسب تصريحات عضوي الكونغرس، كوري ميلز ومارلين ستاتزمان، لكن ذلك لا يعني بالمطلق أنهما صاحبا القرار في رفع العقوبات عن سوريا أو تجميدها، إذ يبقى ذلك مرهون بمدى تعاون دمشق مع واشنطن في عدة ملفات حساسة وتعتبر أولوية للإدارة الأميركية.

وقال ميلز، إن زيارته جاءت للاطلاع على الوضع الأمني عن قرب، وبحث إمكانات بناء تحالفات قوية، والأهم من ذلك، بحسب قوله: “أن نرى كيف يمكننا أن نساعد الشعب السوري”، إذ أكد أنه سيشارك نتائج زيارته مع رئيس الكونغرس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ميلز قال إن الرسالة التي سينقلها إلى واشنطن مفادها: “كيف يمكننا أن ندعم سوريا لتكون قوية، وأن يكون لها دور ومكانة على طاولة استقرار المنطقة وهذا قد يتجسد عبر توسيع اتفاقيات أبراهام، أو من خلال سياسات أوسع لتحقيق الاستقرار”.

حول موقفه من العقوبات الأميركية، أوضح ميلز في لقاء متلفز، أنه عضو في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، وكذلك في لجان الشؤون العسكرية والأمن الداخلي. وأضاف: “صحيح أن السياسات الخارجية والعقوبات بيد الرئيس الأميركي، لكن من خلال لقاءاتي واتصالاتي هنا، أحاول أن أستكشف السبل الممكنة لدعم سوريا”.

أخيرا، بالاستناد إلى تصريحات الولايات المتحدة حول سوريا وإعادة تموضعها في الأراضي السورية، يمكن القول إن واشنطن تميل إلى إعطاء دمشق فرصة لإثبات نواياها وترجمة أقوالها إلى أفعال على أرض الواقع، وهذا يتطلب من الشرع وحكومته الانتقالية إعادة تقييم ودراسة سياسة سوريا داخليا من حيث وقف الانتهاكات وإعادة دراسة ملف المقاتلين الأجانب وبعض التعيينات، بينما يتوجب وضع خط واضح لتوجه سوريا خارجيا وتقييد العلاقات السورية الروسية، إضافة إلى وضع محددات للعلاقات مع تركيا، رغم وجود ودٍّ مع واشنطن.

وتحتاج الولايات المتحدة إلى التأكد من قدرة السلطات السورية على تحجيم تنظيم “داعش” وعدم تحول سوريا إلى منصة لانطلاق عناصر متشددين، يشكلون خطرا على أمن المنطقة واستقرارها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات