خمسة أيام فقط، تفصل بين ظهور أبو محمد الجولاني متخفياً على شاشة الجزيرة في 19/12/2013، وبين نشر وكالة اسوشيتد برس الأمريكية بتاريخ 25/12/2013، لصورة قالت انها مسربة من المخابرات العراقية، وتعود لزعيم جبهة النصرة .

من المُحتمل أن تكون الصورة المُسربة تعود للجولاني، أو لشخصه مع بعض التعديلات والتلاعب بالملامح، وهو ما يرجح حدوثه عدد من الناشطين.

هناك اختلاف في الرواية إذ تفيد المعلومات التي وزعتها وكالة الأنباء الأمريكية بالعثور على الصورة ومجموعة كبيرة من الوثائق بحوزة عناصر من (داعش) ألقي القبض عليهم، في حين توحي وكالة الأنباء الفرنسية في خبر لاحق بأن ( داعش) هو من سرب الوثائق، لكن رغم عدم التطابق بين خبري المصدرين، كلاهما يشير إلى ( تنظيم الدولة).

عموماً، يمكن تسجيل ملاحظات عدة على تسريبات المخابرات العراقية، منها عدم تحديد مكان توقيف العناصر، ثم الإشارة إلى انها حصلت على الاعترافات منذ شهر أيلول، لكنها لم توضح إذا ما استحوذت على الصورة بنفس التاريخ، مما يجيز التساؤل عن سبب التأخير في تعميمها ونشرها؟، خصوصاً أن الخطر شديد، ويستهدف مواطنين عراقيين.

تؤكد المعلومات المنشورة أن معتقلي داعش من (القيادات) وهذه نقطة هامة، وأنهم قدموا معلومات تكشف عن شخصية الجولاني وتنظيمه، و يفترض أن القائد الذي يحتفظ بصورة زميله القائد، لا بد وأن يعرف اسمه أيضاً، وبالتالي تصبح الشخصية مكتملة لدى المحققيين، ومن الأوجب للجهاز الذي قرر الكشف عنها، أن يسربها أسما وصورة إلى وكالة الأخبار لتنشرهما معاَ.

أعتقد، من الصعب تصديق حكاية أن الوثائق ضمت رسائلاً وصوراً بشكلها الأصلي، منها ما هو بخط يد الجولاني موجهة إلى رفاقه في تنظيم القاعدة، وتتضمن خططاً  وأسماءً ومعلومات، وفوقها مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية بحسب اعترافات المُعتقلين، وكأن اكتشاف تلك الأخطاء يحتاج إقرارها إلى اعتراف، فضلاً عن تناقضها مع معلومات متداولة على نطاق واسع بأن الجولاني كان مدرساً للغة العربية قبل التحاقه بالجهاديين في العراق، والأكثر غرابة أن التواصل الورقي بين قيادات القاعدة والاحتفاظ بالوثائق صار من المنسيات، بل المعروف انه من أكثر التنظيمات تعاملاً بالتكنولوجيا وبأعلى درجات التأمين والسرية تحديداً فيما يخص المراسلات، ولو كانت المضبوطات أقراصاً مدمجة مثلاً أو أجهزة كمبيوتر محمولة وفلاشات لكانت الرواية أشد إقناعاً.

يشكو الجولاني في إحدى رسائله من ضعف وهشاشة داخل التنظيم، وخيانات وأجواء تآمر، وعدم ثقة مع فصائل جهادية آخرى، واضح أن التسريبة أشبه بالدعاية المضادة، والفبركة المكشوفة، هدفها إثارة البلبلة بين عناصر النصرة، وزعزعة الثقة مع حلفائها.

يبقى، أن ما سرب من محتوى الرسائل عن التخطيط لاختطاف وقتل موظفين أمميين، ورعايا أجانب ومواطنين سوريين وعراقيين، بدا وكأنه مصمم لتظهير أبشع صورة ممكنة عن الجولاني بغض النظر عن حقيقته وأهدافه طبعاً.

ثمة رابط يمكن تتبعه بين ظهور الجولاني على شاشة الجزيرة، وتصاعد عمليات النصرة النوعية بعدها مباشرة وبين تسريبات المخابرات العراقية، وسواء كانت الصورة حقيقية أم لا،  يبدو أن الجولاني فسرها كرسالة تحذير أو تهديد من البغدادي تستوجب رداً تصعيدياً، إذ لم يمضِ يومان على تداول الصورة حتى وجهت النصرة بتاريخ 27/12 نداءً إلى الهيئة الشرعية والفصائل المقاتلة ووجهاء العشائر بالرقة، تدعوهم فيه للتدخل وإطلاق سراح أميرها أبو أسعد الحضرمي، الذي اختطفه (داعش) منذ ثلاثة أشهر، حقناً للدماء وقبل اتخاذ قيادة الجبهة لأي قرار.

جاءت استجابة (داعش) لنداء النصرة شبه فورية أمس، حيث قام عناصره بإنزال راية الجبهة واستبدالها  برايتهم في  سرمدا بريف إدلب في تحدٍ جديد.

مراراً حاول الجولاني تفادي الصدام المباشر مع البغدادي منذ رفضه الانضواء تحت راية (داعش)، لكن يبدو أن الدبلوماسية، والهروب بالبيعة إلى الظواهري لم يجِديا، بقدر ما كشفا عن حقيقة الخلافات المستحكمة داخل تنظيم القاعدة ذاته، والتطورات المتلاحقة في الأيام الأخيرة بين الفصيلين اللدودين، تنذر بانفجار عسكري مرتقب على الأرض السورية، ليزداد المشهد تعقيداً ودموية.

 

إياد عيسى ـ كلنا شركاء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.