حماه1

وائل العبدلله

منذ بداية الثورة والجميع يؤرقه هذا السؤال، فهل للثورات صيرورة زمنية محددة؟ متى تبدأ الثورة ومتى تنتهي؟

الإجابة عن هذه الأسئلة هو بحث سنين طويلة وتنظير لا ينتهي، من ماركس وأنجلز إلى لينين، إلى فقه الخروج في التشريع الإسلامي.

لا يوجد تعريف جامعٌ وعلمي للثورة، فالثورة في اليسارالشيوعي لا تطابق اليسار الليبرالي ولا تطابق الفهم للثورة في اليمين، والربيع العربي صدّر مفاهيم ونماذج مختلفة للثورة، ولكن وحسب توصيف عزمي بشارة  الأكثر جدة اليوم وأكثرها مقاربة للمفهوم العربي السائد للثورة: “هي احتجاج شريحة واسعة من المجتمع ضد المنظومة الحاكمة خارج المؤسسات والدستور والبرلمان القائم، أي خارج الشرعية القائمة، بعيداً عن الانقلابات العسكرية التي وسمت المجتمعات العربية في القرن الماضي”.

ما حصل في سوريا وهو ما يهمنا هنا، هو خروجٌ للعامة إلى الشارع معلنين مطالب سامية أخلاقياً ومحقة اقتصادياً وشرعية سياسياً. وخروجها كان للشارع لانتفاء وجود مؤسسات تحضن أي نشاط سياسي بعد أن أفرغ النظام الحاكم كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني من مضمونها، وحوّلها إلى مفارز أمنية تتبع هرمياً للأجهزة الأمنية للسلطة.

كان هذا الخروج عفوياً في بدايته ما لبث أن انتظم لاحقاً في تعاطف المدن والقرى مع بعضها البعض، مؤكدةً على عموم التذمر والغضب، محرضة بعضها البعض على الصمود في وجه القمع والظلم.

لاحقاً على المستوى السياسي  ظهر ما يسمى بالمجلس الوطني السوري الذي كان بمثابة استنساخ للتجربة الليبية، التي تدافع الغرب فيها للوقوف مع خيار الشعب الليبي بإزاحة نظام معمر القذافي – تلبية لمصالحه الخاصة لا تطبيقاً لرغبة الليبين الحقة والمحقة وفق ما تبين فيما بعد- وذلك على الرغم من ميزات الحراك السوري مقارنة بالليبي فيما يتعلق بطغيان الحالة المدنية، وأهلية الحالة السورية لدعم دولي أكبر يسرّع في قبول النظام بشروط الحراك الشعبي.

تلك الخطوة أصابت الثورة السورية في مقتل، فبدأ عند تلك اللحظة اقناع الشارع بضرورة التكليف السياسي لنخبة المعارضين المفترضين بقيادة العمل السياسي (الثوري)، وتتابع الأمر بتشكيل الائتلاف وما تلاه من تقزيم في مستوى العضوية وإثارة زوابع في فنجان الحل السياسي الفارغ أصلاً، ومحاصصة واهية، وتشكيل أجسام عسكرية، واختفاء غيرها، في مسلسل لا ينتهي هدفه بإحباط الفرد السوري والمجتمع المعارض وقبوله بما يلقى إليه.

لن نخوض في خفايا التسليح المشروط وظهور السلفية الجهادية، وتعزيز دور رجال الدين إعلامياً وسياسياً ومالياً على حساب النشطاء المدنيين، في تلازم مع سلوكيات النظام الذي أطلق سراح معتقليه المتشددين في مقابل تصفية الناشطين المدنيين كحال غياث مطر وغيره.

ولكن هل  أنهى كل ما سبق  الثورة؟

في حقيقة الأمر عجزت هذه السلوكيات المتعمدة غالباً عن إنهاء أو إخماد الثورة واقعياً، فاستمر السوريون في حالة الرفض والتمرد واعلان العصيان  رغم ما أصاب جسد الثورة من قرح، ويبدو ذلك جلياً في لافتات كفر نبل، وانتصارات الفصائل التي لاتزال تحمل علم الثورة، وقصاصات ناشطي دمشق التي تؤكد من جديد أن الثورة لم تنتهي في نفوس السوريين الخارجين منذ سنوات ثلاث في حراك سلمي مذهل أبهر العالم أجمع. بل وبدأت الثورة بالعودة للأضواء مجدداً في مظاهرات احتجاجية على سلوك الفصائل المتشددة أو المنحرفة كجبهة النصرة وتنظيم الدولة وغيرهما.

وعلى الرغم من عجز حلفاء الثورة جدلاً عن دعمها ونجاح وتميز حلفاء النظام في دعمه عسكرياً ومالياً وسياسياً، وبالرغم من انهيار الائتلاف وموته السريري العلني وعجزه عن تنفيذ مهمة واحدة من المهام المطلوبة منه وإدمان أعضائه على حالة الكسل والتبعية، وعلى الرغم من كل نعوات الثورة من البعض على التواصل الاجتماعي، إلا أن الثورة لم تمت ولم يستسلم السوريون في حلب وادلب ودرعا وغوطة دمشق والقنيطرة وريف حمص وريف حماه، ولم يرفع هؤلاء علم النظام وراية بيضاء، لم يجثوا إعلاناً لهزيمتهم، ولم يتوقف ثوار الجيش الحر عن حمل بنادقهم، نهاية الثورة هي عودة السوريون إلى بيوتهم إما بتحقيق ما خرجوا لأجله أو إذعاناً للحاكم وخضوعاً له، فلا هذا تحقق ولا ذاك أيضاً.

ثورة أخرى أطلقها السوريون في ولايات داعش الافتراضية، رغم جحيم الموت الذي ينتظر نشطاء الثورة في قواطع حكم الدواعش والنصرة.. ولم تتوقف الثورة ولم تُهزم، إلا عند غير المؤمنين بها أصلاً والذين لم يتجاوز مفهوم الثورة لديهم حالة الشغب.

 

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.