د.عبد الصمد اسماعيل:

-تبلغ حاجة سوريا السنوية من المياه أكثر من 18.8 مليار م3 سنوياً

-تبلغ فجوة العجز المائي في سوريا اليوم بحدود 6 مليار م3

-الأراضي الزراعية المروية تستهلك أكثر من 80% من الموارد المائية للبلاد

-يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه في سوريا بعد الأزمة 600م3 سنوياً

 

ليس الإنسان وحده من يحتاج إلى الماء لشربه، بل يدخل الماء إلى كامل مفاصل الدورة الحياتية على الكرة الأرضية، فمن الكائنات الحية غير البشرية إلى الإنسان وحياته وإلى الأرض وزراعتها وإلى الصناعة ومعاملها ومصانعها يكون تدفق الماء وجريانه العصب الدافق لحياة الإنسان وتأمين متطلبات حياته والاستمرار فيها.

وعلى الرغم من كل تلك الأهمية إلا أن الحكومات المتعاقبة في #سوريا لم تتعامل مع قضية الأمن المائي للبلاد بحجم أهميتها بل ضاعت الخطط والاستراتيجيات المتعلقة بذلك لأسباب اقتصادية وإدارية وفنية حيناً وسياسية أحياناً أخرى خاصة عندما كان الأمر يتعلق بالمياه الدولية المشتركة مع الدول الأخرى.

وتعتبر سوريا من الدول الفقيرة مائياً حيث يقل نصيب الفرد الواحد فيها عن 1000م3 سنوياً (مؤشر خط #الفقر_المائي عالمياً) وتقع جغرافياً في المناطق الجافة أو شبه الجافة وهنا فإن ظاهرة الأمن المائي تشكل معضلة حقيقية فيها زاد من حدتها نشوب الأزمة في البلاد منذ أواسط آذار من العام 2011 والتي ما تزال مستمرة بوتيرة قوية أدت العمليات العسكرية والمواجهات المشتعلة بين الأطراف المتنازعة فيها إلى ضرب البنية التحتية للبلاد وتخريبها ونال قطاع المياه وشبكات الري نصيبه من ذاك الخراب والدمار الهيستيري كما نالت القطاعات الأخرى نصيبها.

waterاستخدامات المياه في سوريا

لما كانت استراتيجية التخزين الدائم للمياه هي الأكثر اتباعاً من قبل الحكومة السورية نتيجة محدودية الموارد المائية في سوريا والمتمثلة بالهطولات المطرية والمياه التي تتدفق إليها من الخارج عبر المسطحات المائية أو عبر المياه الجوفية من باطن الأرض التي تؤمن حوالي 3.3 مليارم3 سنوياً للبلاد.

لذلك كانت الحكومات السورية تتبع تلك الاستراتيجية من خلال بناء أعداد كبيرة من السدود التي وصلت لأكثر من 150 سداً وبطاقة تخزينية تصل إلى 16 مليارم3 منها 13.2 مليارم3 في سد الطبقة وحده والباقي 2.8 مليارم3 في باقي السدود المتوزعة في البلاد وهذا ما يعكس ضعف توزع الطاقة التخزينية للمياه في القطر وفي إحدى الدراسات الأكاديمية المنشورة في مجلة جامعة دمشق والتي جاءت تحت عنوان “الموازنة المائية في سورية وآفاقها المستقبلية” قدر #العجز_المائي_في_سوريا في السنوات التي سبقت الأزمة بحوالي 1.103 مليارم3 حيث باتت سوريا تعد من البلدان الفقيرة مائياً فقد بلغ متوسط نصيب الفرد منها عام 2009 بحدود 700م3 فقط وهو معدل أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي والمحدد بـ 1000م3 سنوياً حيث بلغ حجم الموارد المائية حينها 16.6 مليارم3 في حين بلغت استخدامات المياه حوالي 17.7 مليارم3 ويعود السبب في هذا العجز إلى ما يلي:

-محدودية الموارد المائية في سورية وقلة الهطولات المطرية فيها.

-سوء إدارة الموارد المائية وعدم ترشيد استخدامها

-التزايد السكاني المتواصل وتحسن المستوى الثقافي والحياتي لديهم مع ارتفاع حاجاته للمواد الغذائية

-التوسع في الأراضي الزراعية المروية والتي تحتاج إلى مقنن مائي حقلي بالمتوسط ما بين (10 إلى 16 ألف م3) من المياه بحسب المنطقة الجغرافية

-تزايد حاجة القطاع الصناعي للمياه بسبب التوسع فيها

-ارتفاع نسبة التبخر في سورية بسبب وقوعها في المنطقة الجافة وشبه الجافة وبالتالي ارتفاع درجات الحرارة فيها وفي فترات طويلة من السنة.

ويتألف الطلب على المياه في سوريا من حاجة السكان لمياه الشرب والاستعمالات المنزلية والتي تقدر نسبتها بحوالي 7.2% من مجموع استخدامات المياه وحاجة القطاع الصناعي التي تشكل نسبة 2.7% منها في حين تبلغ نسبة التبخر حوالي 11% إلا أن الحجم الأكبر من استخدامات المياه تذهب إلى الزراعة التي تستهلك ما يقارب 79% من مجموع المياه المستخدمة حيث يزيد حجم المساحات الزراعية المروية في سوريا عن 1.5 مليون هكتار.

الأزمة تزيد الواقع المائي سوءاًwater

جاءت الأزمة على تدمير الكثير من أجزاء البنى التحتية في سوريا ويشكل قطاع المياه أحد أهم مكوناتها من خلال خطوط وشبكات مياه الشرب البالغة طولها 65 ألف كم كانت تخدم أكثر من 92% من السكان في سوريا (عدد المشتركين في شبكة مياه الشرب 3.7 مليون شخص) بحسب وزير الموارد المائية في الحكومة السورية إضافة إلى 165 محطة ووحدة لتنقية المياه كانت تزود السكان بـ بأكثر من 2.5 مليار لتر من المياه بالمتوسط يومياً.

وخلال سنوات الأزمة تعرضت هذه الشبكة للكثير من التدمير والنهب والتخريب وقد تجلت أهم آثار الأزمة على قطاع المياه فيما يلي:

-خروج المصادر الرئيسية الكبيرة للمياه في سورية كسد الطبقة من تحت سيطرة الحكومة السورية مما سبب عجزاً واضحاً في قدرتها على تأمين المياه للسكان في القطر.

-انقطاعات التيار الكهربائي المتواصلة أدت إلى عدم القدرة على تشغيل الكثير من الآبار التي تمد المدن والبلدات السورية بحاجتها من المياه أمام ضعف إمكانية تشغيلها عن طريق المولدات بسبب عدم توفر الوقود اللازم (المازوت) في معظم الأحيان.

-صعوبة تأمين مواد التعقيم لدى مؤسسات مياه الشرب بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على الحكومة السورية وبالتالي إمكانية انتشار الأمراض عن طريق المياه الملوثة.

-التعديات غير المشروعة على الشبكة والتراجع الكبير في إمكانية تحصيل فواتير المياه في الكثير من المناطق السورية وخاصة تلك الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية مما أضعف قدرة هذه المؤسسات على متابعة تنفيذ المشاريع المائية وتحسين الشبكة أو إعادة تأهيلها

-التوقف عن الشروع بأية مشاريع مائية جديدة وتوقف تلك المشاريع الاستراتيجية الخاصة بتأمين مياه الشرب والري كمشروع ري دجلة على مساحة 200 ألف هكتار ومشروع حلبية وزلبية لري 26 ألف هكتار في ريف دير الزور

– تراجع كبير في عدد الآلات والمعدات الهندسية نتيجة سرقتها أو تخريبها أو نهبها مما أضعف قدرة المؤسسة على القيام بعمليات الصيانة وإعادة تأهيل الشبكة والخطوط في الوقت المناسب وبالسرعة اللازمة

-ارتفاع نسبة العجز المائي وانخفاض حصة الفرد من المياه لأقل من 600م3 سنوياً خاصة وأن الثلاث سنوات الأولى من الأزمة ترافقت بتراجع كمية الهطولات المطرية بشكل كبير.

-تواجد الكثير من السدود ومحطات تنقية المياه في المناطق الساخنة أدى إلى خروجها من الخدمة وبالتالي تفاقم مشكلة العجز المائي في البلاد.

-تلوث العديد من مصادر المياه وخاصة المسطحات المائية وحتى المياه الجوفية وصعوبة معالجة هذه المشكلة في الوقت الحالي وخاصة في تلك المناطق النفطية التي يتم تكرير وإنتاج النفط فيها بالطرق البدائية أو عند تعرض شبكات الصرف الصحي للتخريب أو التدمير نتيجة القصف وبالتالي تسرب مياه الصرف الصحي إلى الآبار المحيطة أو إلى الأنهار.

وبذلك فقد بلغ مجموع خسائر هذا القطاع حوالي 74 مليار #ليرة_سورية (أي ما يزيد عن 150 مليون #دولار) وهي لا تشكل شيئاً امام حالات الخسائر البشرية التي مني بها حيث استشهد 246عاملاً وأصيب العشرات منهم وتعرض 75 عاملاً للخطف بحسب تصريحات وزير الموارد المائية.water

مشاكل جمة وتزايد في العجز المائي

في ظل تراجع حصة الفرد من الأراضي الزراعية لأقل من 0.3 هكتار فإن الأمن الغذائي في البلاد يتطلب ضرورة التوسع في المساحات المروية لرفع إنتاجية المساحة الأمر الذي يتطلب البحث عن المصادر المائية الكافية لإرواء تلك المساحات والمقدرة بأكثر من 1.5 مليون هكتار تحتاج بالمتوسط لأكثر من 12 مليار م3 في أحسن الأحوال إذا ما تم تخفيض المقنن المائي إلى 7500م3 سنوياً وذلك باتباع طرق الري الحديث وترشيد الاستهلاك وهنا وفي ظل بلوغ العجز المائي في سورية أرقاماً مخيفة وصلت لأكثر من 6 مليار م3 تنبأ بوضع البلاد في قائمة الدول العطشى يمكننا تشميل أهم المشاكل التي يعاني منها قطاع الموارد المائية بما يلي:

-تزايد نسبة العجز المائي في البلاد لأرقام تتجاوز 6 مليار م3 سنوياً في ظل خروج الكثير من المصادر والمسطحات المائية من تحت سيطرة مؤسسات المياه والري وخاصة تلك الموجودة على نهر الفرات

-زيادة المساحات الزراعية المروية واستخدام المياه الجوفية لإروائها فضلاً عن طرق الري التقليدية كالغمر والتي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه تقدر بين 10 إلى 16 ألف م3 سنوياً للهكتار الواحد.

-عدم التوسع باستخدام طرق الري الحديث كالرش والتنقيط والتي توفر نسبة حتى 75% من المياه المستخدمة في طريقة الغمر

-عدم القدرة على ضبط واستنزاف وتلوث مصادر المياه في ظل استمرارية الأزمة في البلاد.

-تراجع كميات #مياه_الشرب التي توفرها #المؤسسة_العامة_لمياه_الشرب في معظم المدن والبلدات السورية في ظل تضرر الشبكة وخطوط الإمداد وعدم القدرة على صيانتها او إعادة تأهيلها إما لاستمرار المعارك أو عدم القدرة في الوصول إليها فضلاً عن تراجع منسوب المياه الجوفية بسبب الضخ الجائر لها خلال السنوات السابقة للأزمة واستخدامها في الزراعة وبالأساليب القديمة المذكورة أعلاه.

– ارتفاع تكاليف تأمين المياه البديلة عن مياه الشبكة العامة وارتفاع أسعارها كالصهاريج وغيرها فضلاً عن عدم قدرتها على التجوال في المناطق الساخنة والخطيرة وتزداد المشكلة في المدن الكبرى كمدينة حلب في ظل اشتداد المعارك وارتفاع الكثافة السكانية فيها.

-ضعف السياسات والاستراتيجيات الحكومية والأدوات الاقتصادية المستخدمة لتقليل حجم الطلب على المياه وترشيد استهلاكه أمام ضعف برامج تدريب الكوادر البشرية أو الرفع من سوية الأداء لديهم والنقص في مجال الخبرات عالية المستوى أو المعدات والتجهيزات الحديثةwater

مع استمرار الأزمة ما هو الحل؟

في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد واشتداد المعارك على ساحة الوطن المترامية وفي المدن الكبيرة كـ #حلب تطفو على السطح وبشكل صارخ أزمة المياه وقلة الموارد المائية المتوفرة وبالتالي حرمان نسبة كبيرة من المواطنين من مياه الشرب أو قلة كمياته على أقل تقدير مما يزيد من وطأة وحدة الأزمة وآثارها على السوريين الذين باتوا يجترون الألم كيفما اتجهوا وأينما اتجهوا ولكن تبقى المياه الحاجة الأغلى لدى الإنسان فماذا يمكننا أن نقترح لحل هذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوماً وعاماً بعد عام بسبب عدم ثبات مصادرها إما لأسباب طبيعية جغرافية أو لوقوعها تحت تأثير العلاقات السياسية لسورية بالدول المجاورة أحياناً لا سيما تركيا التي تنبع منها نهري دجلة والفرات أكبر أنهار سورية وهنا فإنني أرى ضرورة العمل على ما يلي:

-تشخيص وتحديد أهم المشكلات التي يعاني منها قطاع المياه في سورية والشروع في حلها ما أمكن والبدء بإدارة تعتمد طرقاً حديثة في إدارة واستخدام الموارد المائية وتعمل على تدريب كوادرها والرفع من سوية عملهم وتوفير المختبرات والمحطات الكفيلة بتنقية المياه وتخليصها من الشوائب والملوثات بأفضل الطرق الممكنة.

-تطوير طرق إدارة الموارد المائية واتباع السياسات الأكثر اقتصادية بشأن استخدامات المياه وخاصة في الزراعة والصناعة والشروع بالاعتماد ولو الجزئي على المصادر غير التقليدية للمياه في سورية.

-صيانة خطوط الشبكة المائية المتضررة نتيجة العمليات العسكرية وإعادة تأهيلها بالسرعة القصوى وخاصة في تلك المناطق والبلدات المدمرة كحلب وكوباني وريف دمشق

-الحد من الحفر العشوائي للآبار والاستمرار بسياسة حفر الآبار من قبل الجهات الرسمية وفي حدود الوارد المائي المتجدد وخاصة في المناطق التي تعاني شحاً واضحاً في المياه وخاصة مياه الشرب لرفد الشبكة بكميات إضافية تسد ولو جزءاً من حاجة سكان تلك المناطقwater

-البدء باستكمال #المشاريع_المائية التي كانت الحكومة قد شرعت بها قبل بدء الأزمة وإعادة تنفيذ المشاريع الاستراتيجية لما سيكون لها من دور واضح في تدعيم التوازن المائي ولمختلف المجالات

-ترشيد استخدام المياه المستخدمة في إرواء الأراضي الزراعية من خلال تحفيز الفلاحين على استخدام وسائل الري الحديث كالرش والتنقيط لما لها من دور كبير في توفير نسب عالية من المياه المستخدمة في طريقة الغمر

-معالجة حالات #تلوث_المياه أينما وجدت وبالسرعة المطلوبة لأن أي تأخير سيكون له نتائج كارثية على حياة الكثير من الناس.

-تحويل شبكات وأقنية الري المنفذة في مشاريع الري وجر المياه وشبكات المياه الأخرى من شبكات ظاهرة إلى شبكات مغطاة وأقنية في باطن الأرض وذلك لتقليل الفاقد المائي عن طريق منع التبخر الذي يبلغ نسباً عالية في سورية

-العمل على رفع الطاقة التخزينية وملء السدود عند طاقتها التصميمة وتطبيق مبدأ التنمية المستدامة في استغلال واستخدام الموارد المائية المتوفرة بغية حفظ حق الأجيال القادمة في حصتها من المياه

-توفير صهاريج مياه ضخمة لتلك المناطق التي تعاني انقطاعات مستمرة للمياه أو للكهرباء نتيجة استمرار العمليات العسكرية وتوزيع المياه على المواطنين في تلك المناطق

-تأمين مصادر مائية بديلة للشرب تسد النقص الحاصل فيها أو توقفها عن العمل وخاصة في المناطق والتجمعات السكنية وربطها بالشبكة تزودها بالكميات المتوفرة عند الحاجة.

وفي النهاية يمكن التحذير من أن استمرار الاستجرار من الموارد المائية بالشكل الحالي وعدم تطوير منظومة المياه في البلاد وترشيد استخداماتها في ظل انخفاض وتراجع المصادر المائية فإن ذلك ينبأ بكارثة بيئية وإنسانية مقبلة سيعاني خلالها الإنسان السوري من شح في المياه الصالحة للشرب أولاً وقلة في المواد الغذائية نتيجة عدم توفر المياه الكافية للاستخدامات الزراعية وري المحاصيل خاصة وأن البلاد كانت تعاني قبل بداية الأزمة من انحدار واضح في الموارد المائية وتوسع فجوة العجز المائي لتأتي الأزمة وتزيد الألم ألماً و ترفع من حجم المعاناة وتدفع بالبلاد نحو مجموعة من الكوارث التي لن تكفينا سنون قليلة لتداركها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.