سارة العمر

حتى عدّة سنوات مضت لم يكن وجود أطفال مجهولي النسب أمراً شائعاً في المجتمع السوري، إلا أنه بات اليوم أمراً واقعاً، ونتيجةً متوقعةً للسنوات الخمس الأخيرة التي عاش خلالها آلاف السوريين تجارب قاسية كالنزوح والتشرد والفقدان والفقر.

وتنطوي هذه المشكلة الاجتماعية اليوم على ظاهرتين بارزين أولهما الأطفال المحرومين، والذين يسمون في الشارع السوري “اللقطاء”، الذين يجدهم الناس في الشارع، والأخرى مشاكل إثبات النسب التي تعاني  منها الكثير من الأمهات ممن فقدن أي إثبات قانوني على هوية والد الطفل بسبب الحرب.

ورغم غياب الإحصائيات رسمية، جاء أول اعتراف رسمي يثبت كثرة هذه الحالات، على لسان القاضي الشرعي الأول  في حكومة النظام السوري محمود المعراوي، والذي أعلن لإحدى الصحف المحلية عن مشروع قانون يهدف لرعاية الأطفال مجهولي النسب وتأمين كافة احتياجاتهم، مشيراً إلى وجود توجيه حكومي  بحذف كلمة “اللقطاء” أينما وردت في القوانين واستبدالها بكلمة مجهولي النسب. ومؤكداً  أن “الأزمة ولدت الكثير من الأطفال مجهولي النسب والذين لم يولدوا نتيجة للزنى بالضرورة”.

تبلغ ريم من العمر اليوم سنتين وعدة أشهر، وتعيش وسط عائلة محبَّة، لم تدرك هذه الطفلة بعد كيف وصلت إلى هذه العائلة ولا الثمن الذي تدفعه العائلة اليوم لعطفهم عليها، بعد أن تم رميها وهي بعمر ثلاثة أشهر على قارعة الطريق في مدينة #حماة، وبجوارها علبة من الحليب وبعض الملابس. يروي أحد أفراد العائلة لموقع الحل السوري “سمع بكائها الحاج أبو مصطفى – تحفظت عائلته ذكر اسمه الكامل- كانت طفلةً رضيعةً  في جو بارد وفي مكان قذر، لم يكن يعلم ما يتوجب عليه فعله،  أخذها لمنزله واعتنى بها هو وزوجته”، وأضاف “عاملوها كأخت لابنتهم، وحين لم يظهر أي من أفراد عائلتها، خافا عليها من أن تُرمى في ميتم أو مكان غير آمن، فاضطر أبو مصطفى لتسجيلها على اسمه حتى يكون لها هوية، واضطر حينها لتزوير شهادة ولادة، ولم يكن الأمر سراً. لكن ومنذ حوالي الشهر وَشى أحد الشبيحة بالأمر فاقتاد الأمن أبو مصطفى ولا نعلم عنه شيئاً حتى اليوم، ولا نعلم التهمة ولا حتى علاقة الأمن بقضية كهذه”.

غياب المعرفة بالتدابير القانونية  والأخلاقية اللازمة لا يقتصر على أبو مصطفى، إذ باتت بعض صور الأطفال مجهولي النسب تعرض على صفحات الفيسبوك، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، ليتم إيجاد من يتولى الاهتمام بهؤلاء الأطفال ويرعاهم، وفي حالات أخرى يتبنون سراً.

في مطلع الشهر الجاري، عثر شخص على طفل رضيع لم يبلغ عمره الشهر الواحد عند باب أحد منازل دوار الكتف بحي الشريعة في حماة، فلجأ إلى فيسبوك للبحث عمن يرعى الطفل الصغير ويربيه.

يقول عماد الطويل وهو محام سوري لموقع الحل “يتوجب على من يعثر على طفل لقيط أن يسلِّمه إلى أقرب مخفر للشرطة في المنطقة، لينظِّم المخفر ضبطاً يُذكر فيه الزمان والمكان والوضعية التي وجد الطفل فيها وعمره التقديري وجنسه والعلامات الفارقة التي تميزه عن غيره، ويذكر جميع المعلومات الشخصية للشخص الذي وجده، ما يمنح الطفل  أملاً بالتعرف على والديه مستقبلاً. يتم بعدها تحويل الطفل إلى أقرب ميتم أو دار رعاية حيث يمكن بعد ذلك كفالته من قبل أحد الأشخاص بطريقة قانونية أو بقاؤه في دار الرعاية”.

يذكر أن بعض دور رعاية الأيتام في الداخل السوري لا تزال تستقبل الأطفال مجهولي النسب وتعاملهم معاملة الأطفال الأيتام إلا أن عددها بات قليلاً وإمكانياتها محدودة في ظل قلة المعونات والتبرعات التي تحظى بها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.