“الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا.. تطرف وإنغلاق وسطوة

“الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا.. تطرف وإنغلاق وسطوة

جلال بكور

ظهرت في سوريا العديد من التنظيمات الجهادية ومنها ما ارتبط بشكل مباشر بتنظيم “القاعدة” فكريا وتنظيميا وعقائديا، ومنها ما ارتبط به فكريا وعقائديا فقط، وبرزت العديد من التنظيمات التي اقتتلت فيما بينها أخيرا، في حين ظهر مايعرف بـ”الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة بلاد الشام”، وبقي من أكثر التنظيمات الجهادية في سوريا غموضا، على الرغم من مشاركته في معارك حاسمة ضد النظام إبان انتزاع “جيش الفتح” السيطرة على إدلب وريفها.

من أين جاؤوا
وجميع عناصر التنظيم المتواجدين في سوريا هم من الأتراك المنحدرين من قبيلة “الأويغور uyğur” وهي قبيلة تقطن في إقليم “شينغ يانغ” في الصين، ويطلقون عليه “تركستان” أي بلاد الترك، وهم يختلفون عن الأتراك القاطنين في تركيا والذين ينحدر معظمهم من قبيلة “أوغوز oğuz” وهي القبيلة التي تعتبر أهم الفروع التركية وينحدر منها “سليمان شاه” جد مؤسس الدولة العثمانية والسلاطين السلاجقة الأتراك.
وتأسس “الحزب الإسلامي التركستاني” في “تركستان” عام 1997 على يد المدعو “حسن معصوم” بهدف القتال ضد “الصين” لنيل الاستقلال في الإقليم الذي يقطنه الأتراك المسلمون، ولاحقا انتقل معظم التنظيم إلى أفغانستان ليقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة، وحركة طالبان، وبعد مقتل معصوم عام 2002 بغارة أمريكية تولى بعده المدعو “عبد الحق التركستاني” زعامة التنظيم وحتى اليوم.
واكتسب التنظيم خبرة قتالية وتنظيمية كبيرة من خلال مشاركته في المعارك بأفغانستان قبل أن يجد في سوريا المجال للتواجد تحت راية “الجهاد”.

تشكيله في سوريا
وجاء المقاتلون التركستان إلى سوريا عندما تحولت الثورة إلى السلاح وبدأ “الجهاديون” يغزون البلاد من كل حدب وصوب، حيث وصلوا عابرين للحدود من لبنان وتركيا، واستقر التركستان في ريف اللاذقية إلى جانب الشيشان والأوزبك أول قدومهم، إلا أنهم لم ينخرطوا في تنظيمات أخرى بل شكلوا الفرع السوري لـ”الحزب التركستاني” تحت مسمى “الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة بلاد الشام”، وبقي التنظيم منعزلا في ريف اللاذقية، لا يختلط ببقية التنظيمات إلا في أوقات القتال وحتى عام 2014 حيث انتقلت مقرات الحزب إلى مناطق في ريف حماة ومنطقة سراقب بريف إدلب الشرقي خاصة عقب السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري، إلا أن مقاتلي الحزب بقوا في مناطق اتخذوها خاصة بهم، ومنذ ذلك الوقت قام التنظيم بعرض عسكري واحد طوال تواجده في سوريا وقلّ ما يظهر عناصره في الإعلام، على عكس التنظيمات الأخرى التي بنى بعضها منصات إعلامية ناطقة باسمها.
واعتبر مراقبون أن العرض العسكري الذي قام به التركستان رسالة إلى الصين التي تعتبر عدوا للتنظيم وحليفا لنظام الأسد.
وليس هناك معلومات دقيقة عن مصادر تمويل التنظيم في حين تشير وسائل إعلام إلى أن تمويله من غنائم الحروب في أفغانستان وشخصيات تعمل على جمع المال في دول خليجية وتركيا.

علاقة التنظيم بالناس
وتقول مصادر لـ”موقع الحل السوري” إن التنظيم يملك مقاتلين أشداء ومتمرّسين في القتال وكان لهم دور كبير في عمليات الاقتحام التي تمت من خلالها السيطرة على إدلب وجسر الشغور، إلا أن التنظيم بقي منغلقا على نفسه ولا يقبل في صفوفه غير التركستان تحديدا.
وأوضحت المصادر أنه قلما ترى التركستان يتجولون في المدن والقرى بإدلب وإن تجولوا لا يختلطون كثيرا بالناس، ولغتهم التركية أيضا وقفت حاجزا أمام انخراطهم في المجتمع المحلي أو بقية التنظيمات حيث لا يتكلمون سوى التركية والقليل من العربية، وعلى الرغم من أنهم يحملون أفكارا تحملها معظم التنظيمات المتطرفة، إلا أن بقية التنظيمات تجمع أجناسا مختلفة، ويتكلمون لغات مختلفة، وتجمعهم غالبا اللغتين العربية والإنجليزية.
وأضافت المصادر أن مقاتلي التنظيم يتخذون مناطق خاصة للإقامة فيها مع عائلاتهم بعيدا عن السكان المحليين ولا يختلطون بهم ولا يتدخلون بحياة السكان المحليين ويقتصر عملهم على القتال ضد النظام فقط ولم ينخرطوا في أي عملية اقتتال داخلية بين الفصائل المحلية أو الفصائل الإسلامية الأخرى، ونساؤهم ترتدي الخمار، ويعتبرون من أتباع وأصحاب الفكر القاعدي.

تجنيد الأطفال والنساء
ويعتمد التنظيم وفق المصادر على تجنيد أبناء العائلات التركستانية منذ سن الثانية عشر حيث يقوم بإخضاعهم منذ ذلك العمر في معسكرات لحلقات تدريس وتدريب على الأفكار الجهادية والقتال واستعمال السلاح، ويشترك في ذلك التركستان مع الشيشان والقوقاز.
ويقيم التنظيم أيضا معسكرات خاصة بالنساء حيث يقوم بتدريبهنّ على السلاح والقتال، وأكدت المصادر على أن نساء التنظيم لا يتزوجن إلا من التركستان، ولا يختلطن أيضا بنساء المجتمع المحلي في إدلب.

تركيا والحل
وتبرز مشكلة “التركستان” اليوم في سوريا مع تنفيذ اتفاق “سوتشي” بين روسيا وتركيا وهو الاتفاق الذي جنب إدلب إلى اليوم عملية عسكرية من النظام وروسيا، والذي ينص وفق البنود المسربة عنه في وسائل إعلام إلى أن مهمة حل التنظيمات المتشددة أوكلت إلى تركيا، ويعتبر التنظيم التركستاني أحد الجماعات الجهادية المتشددة، وذلك يضع تركيا أمام مشكلات مشابهة لما يحصل مع مشكلة “جبهة النصرة” أو “هيئة تحرير الشام”.

ولا يستطيع أعضاء التنظيم الذين لا أنباء دقيقة تشير إلى أعدادهم العودة إلى إقليم التركستان في الصين دون موافقة الأخيرة، أو عقد اتفاق ترعاه روسيا مع تركيا لإعادتهم، وبذلك تبدو تركيا أمام خيارات محدودة من حيث منح التركستان اللجوء إلى الأراضي التركية أو ترحيلهم إلى مكان آخر أو خوض عمل عسكري ضدهم.
ويرى مراقبون أن مشكلة التركستان في سوريا ستكون كبيرة كون هذا التنظيم وعائلات المنتسبين إليه منغلقين بشكل كبير ولا يمكن أن يختلطوا بالمجتمع السوري المعتدل والمنفتح على كافة الثقافات، وبالتالي مسألة توطينهم ستكون صعبة.
أما المواجهة العسكرية مع هذا التنظيم فمن المرجح إن وقعت أن تكون دامية كون عناصره أشداء ومتمرّسين على القتال، فضلا عن تشبع عناصر بعقيدة “العملية الاستشهادية” وهي عملية تفجير النفس في مواقع وتجمعات الخصم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.