خاص (الحل) – كثيراً ما تتحفنا الدراسات الاقتصادية العالمية؛ أو المحلية بأرقام تحاول تجميل الواقع الاقتصادي في هذا البلد أو ذاك، ولن يكون آخرها الاستقصاء السنوي الذي أجرته مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، إذ حلت دمشق بموجبه بين أرخص مدن العالم بتكاليف المعيشة لعام ٢٠١٩، ولكن، من حقنا أن نسأل: هل تكاليف المعيشة- التي يئن السوريين تحت وطأتها- في العاصمة تتناسب مع نتائج الاستقصاء السنوي الصادر عن هذه المجلة؟ وماذا لو قارنا الأجور بين دمشق والمدن الأخرى التي تصدرت قائمة الأغلى عالمياً بتكاليف المعيشة؟ وكم ضعف سيكون الفارق بين أجورهم ورواتبنا؟

٢٠% من سكان العاصمة غير آمنين غذائياً

هذه الأرقام الاقتصادية المجردة لا معنى ودلالة لها؛ إلا إذا تم ربطها بالواقع الاقتصادي-الاجتماعي لسكان هذا البلد أو سواه، فماذا يعني أن تكون دمشق أرخص المدن بتكاليف المعيشة وفق استقصاء عالمي، بينما أكدت الأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في سورية أن ٢٠.٥% من سكان دمشق غير آمنين غذائيا، وأن ٤٧% من سكان العاصمة معرضون لانعدام الأمن الغذائي، وفق مسح الأمن الغذائي لعام ٢٠١٧، والذي يعني قدرة الأسرة على تأمين غذاء يكفي لتلبية احتياجات التغذية لأفرادها، وانعدامه يعني العيش في فقر مدقع تحت خط الفقر.

وبالعودة إلى الأسعار في سورية، ومدى اقتراب التقرير منها، أشارت دراسة أجرتها جريدة «قاسيون» المحلية، إلى أن تكاليف معيشة الأسرة الواحدة في دمشق، والمكونة من ٥ أفراد، تزيد عن ٣٠٠ ألف ليرة سورية (ما يزيد عن ٦٠٠ دولار)، وبحسب أحدث الدراسات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، فإن متوسط الإنفاق الشهري التقديري للأسرة السورية يقدر بـ ٣٢٥ ألف ليرة (٦٥٠ دولار) بينما أظهرت دراسة أخرى للمرصد العمالي للدراسات والبحوث في الربع الأول من عام ٢٠١٧، أن تكاليف معيشة الأسرة الواحدة يقدر بـ ٧ أضعاف متوسط دخل الفرد البالغ ٣٣ ألف ليرة سورية (٦٥ دولار).

٩٥ دولار متوسط الأجور في دمشق

بحسب موقع “Numbeo”، فإن متوسط الراتب الشهري الصافي في دمشق لعام ٢٠١٩ «بعد احتساب الضرائب»، هو ٩٥.٧٥ دولار، بينما تؤكد أرقام الموقع ذاته أن تكلفة أجار شقة «غرفة نوم واحدة» وسط المدينة يقدر بـ ٢٣٠.٤٥ دولار، وإجار شقة «غرفة نوم واحدة» خارج وسط العاصمة يقدر بـ ١١٥.٧٦ دولار في الشهر الواحد.

وبالرجوع لأرقام الموقع ذاته، حدد سعر كيلو لحم البقر في دمشق بـ٩ دولار، أي أن متوسط الراتب في سورية يعادل ١٠ أضعاف سعر كيلو اللحوم في سورية، بينما سعر كيلو اللحوم في باريس التي حلت بالمراتب الأولى كأغلى المدن بتكاليف المعيشة، يقدر بـ ١٧ يورو (١٩.٢٠ دولار).

وبحسب موقع  “Numbeo”، إن متوسط الأجر الشهري في باريس (بعد اقتطاع الضرائب) يقدر بـ ١٩٠٠ يورو، وهو ما يعادل ٢٠١٥ دولار، أي أن متوسط الرواتب والأجور في باريس يزيد بنحو ٢١ ضعفاً إذا ما تمت مقارنتها والأجور في العاصمة دمشق، في الوقت الذي لم يزد فيه سعر اللحوم في باريس، على سبيل المثال، عن مثيله في دمشق (المصنفة بين الدول الأرخص عالميا بتكاليف المعيشة) سوى بمقدار الضعف، فما هي المقاييس التي اعتمد عليها لتصنيف دمشق بين أرخص مدن العالم بتكاليف المعيشة؟

وأصحاب الرواتب من الفقراء أيضا!

إن خط الفقر الدولي محدد عند ١.٩٠ دولار (٩٧٥ ليرة سورية) للفرد الواحد يومياً، أيّ أن الأسرة المكونة من ٥ أشخاص يجب أن يتجاوز دخلها اليومي ٤٨٧٥ ليرة (٩.٥ دولار) لكي تكون ضمن خط الفقر الدولي، أيّ ما يعادل ١٤٦ ألف ليرة شهريا (٢٨٤ دولار)، وهو يزيد بمقدار ٣ أضعاف تقريباً عن متوسط الدخل في سورية، وإذا ما علمنا أن متوسط الإعالة في سورية يتراوح بين ٤-٥ أشخاص، فهذا يعني أن هناك شخص واحد يعمل في كل أسرة غالبا، مما يوضح أن غالبية العاملين في سورية هم ضمن خط الفقر الدولي، فلا معنى تصنيف دمشق ضمن المدن الأرخص بتكاليف المعيشة ما دام حتى العاملين فيها من الفقراء في الحسابات الدولية.

 

إعداد وتحرير: إبراهيم سلامة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.