(الحل) – على الرغم من أن غالبية المجتمعات العربية تعتبر كلمة جنس “محرّمة” إلا أن هناك تفاوت بسيط في درجة تحريمها بين مجتمع وأخر فبينما يعتبرها البعض “عيباً” أو “قلة أدب”، يراها آخرون “حرام دينياً أو أخلاقياً.”

في كثير من المجتمعات السورية والمنغلقة منها تحديداً، تواجه الفتيات صعوبة في فهم معنى الجنس قبل الزواج، مما يؤدي في عدة حالات إلى تعرضهن لصدمات نفسية وآلام جسدية، قد تكون خطرة أحياناً بسبب الجهل الذي لا يتحمل مسؤوليته الأهل وحدهم بل يحمله الزوج أيضاً الذي يفهم الجنس على أنه رمز للرجولة وإثبات القوة والفحولة أمام الزوجة والأسرة بأجمعها. بعض الفتيات محظوظات أكثر بأن وجدن صديقة متزوجة مقربة لتطلعهن على ما ينتظرهن زارعةً الخوف في قلوبهن أكثر من الراحة.

كثر هم الآباء والأمهات الذين تعرضوا للسؤال من طفلهم أو طفلتهم “كيف أتيت لهذه الدنيا؟” وكان جوابهم “عيب يا ولد مازلت صغيراً على هذه الأمور”، أو استعملوا إحدى الجمل التقليدية الموروثة من الأهل كقولهم “وضعنا الخبز أسفل السجادة وأتيت أنت، أو أحضرك طائر اللقلق، أو وجدناك على باب الجامع”.
وكم من عائلة في المغترب تتذمر من إجبار المدارس لأطفالها على مادة الثقافة الجنسية وتعتبرها انتهاكاً لعاداتنا العربية أو حتى الدينية، حتى يصل الأمر في بعض الأحيان لتكون هذه التربية المدرسية أحد عوامل عودة الأسرة بأكملها إلى البلاد العربية لأنهم يريدون المحافظة على أطفالهم من هذه المجتمعات “المنحلة” كما يسمونها.
كثيرة هي العادات التي توارثناها من أجدادنا ونعمل اليوم على تعليمها لأطفالنا من دون أية محاولة لتطوير مفهومنا عنها، رغم يقيننا بأن هذه العادات كانت سبباً لمعاناتنا يوماً. ولكن مجرد فكرة أننا استطعنا تجاوز الألم الذي سببته لنا يجعلنا نرضى بها ونقول “هكذا ربتنا أمهاتنا، وها نحن اليوم بخير”. رغم أن تجنب الحديث عن الجنس مع المراهقين قد يكون أسهل ولكن هذا الإحجام له عدة مساوئ منها:

ليلة “الدخلة”
كانت سناء في السابعة عشرة من عمرها عندما تقدم لها شاب رآه الأهل مميزاً ومناسباً لها، وفي ليلة عرسها سألت والدتها التي كانت تثق بها جداً “ماذا سيحدث الليلة؟” ولكن الأم اكتفت برد بسيط مصحوب بابتسامة كلها ثقة “ستكتشفين بنفسك، لا شيء مخيف إنها قصة سهلة كشكة الدبوس”. ولكن شكة الدبوس هذه لم تكن بتلك البساطة بل كانت عبارة عن ألم وخوف استمرا مع سناء لسنوات. نتيجة لكل ذلك الخوف انتهى زواجها دون أن تعرف حتى ما هي النشوة الجنسية أو ماذا تعني أن تكون سعيدة أثناء ممارسة العلاقة مع زوجها.

عند غياب المعلومات الصحيحة عن الجنس تكبر الفتاة المراهقة وفي عقلها فكرة أن الجنس هو عملية مؤلمة، صعبة، قد تؤدي إلى إمكانية حدوث نزيف وغيرها من الهواجس، بالإضافة إلى واجبها بأن تصمت إذا ما واجهت أية مشكلة في هذا الموضوع، وأن عليها أن تكون زوجة جيدة منذ أول ليلة لتسعد زوجها وتمتعه دون الأخذ بأي اعتبار لمشاعرها واحتياجاتها. تكبر هذه المخاوف مع الفتاة لتتحول إلى فيلم رعب تكون هي بطلته، إما أن تنجح وتتجاوز هذه الليلة الصعبة وتعيش حياة زوجية ناجحة أو تتحول هذه الليلة الى كابوس يهدد حياتها الزوجية أو ينهيها واضعاً اللائمة على الزوجة، هذا إذا لم تكن هي أصلاً تلوم نفسها أو تعتبر نفسها مقصرة، مبررةً لزوجها أي شيء من الممكن أن يفعله من خيانة أو طلاق لتصبح هي الضحية مرتين.

إن نقص الثقافة الجنسية يؤثر على الزوج أيضاً كما ذكرنا سابقاً، وقد يكون سبباً لجهله أن للمرأة احتياجات مختلفة عن احتياجاته، مما يسبب نفور زوجته منه وكرهها لمعاشرته. الكثير من العلاقات الزوجية تدمرت لعدم وجود تناغم بين الزوجين أو عدم معرفتة أحدهما لاحتياجات الأخر، أو ربما بسبب انعدام المصارحة بين الشريكين وامتناعهما عن مناقشة الجنس بينهما أو المشاكل التي يتعرضان لها بسبب أن الحديث عن الجنس أمر “معيب”. هل هذا ما تريدون توريثه لأبنائكم وبناتكم؟ وهل تريدون لهم أن يخوضوا في هذا المجهول دون أية معلومات علمية أو اجتماعية مسبقة عن هذا الموضوع معرضين إياهم لذات الفشل؟

الجنس في ظل الانفتاح التكنولوجي
“بدأت بممارسة العادة السرية في عمر الثانية عشرة عندما كنت أفتح الإنترنت على المواقع والأفلام الإباحية. كنت صغيراً جداً ولكن هذه الأفلام دفعتني لاعتاد على هذه الممارسة وأدمن عليها بشكل يومي” غياث – 22 سنة.
لقد بات بمقدور الأطفال والمراهقين في ظل الانفتاح التكنولوجي والانترنت البحث عن أسئلتهم التي يرفض أهلهم إجابتها بأنفسهم. يلجأ الأطفال لمشاهدة الصور الإباحية والأفلام الجنسية سواء كان هذا بدافع الرغبة في التعلم أو الفضول أو حتى لتفسير التغييرات الجسدية التي يمرون بها. إن كنتم تعتقدون بأن أطفالكم لا يقدمون على فعل أشياء “معيبة”، أو إن كنتم تظنون بأنكم بحرمانهم من استخدام الإنترنت أو الأجهزة الإلكترونية قد قمتم بحمايتهم من المواضيع “اللاأخلاقية” فيجب عليكم التفكير بهذا مرتين. في بعض الإحصائيات الحديثة وجد أن نسبة 93.2% من الفتيان و62.1% من الفتيات قد قاموا بمشاهدة أفلام إباحية قبل سن الثامنة عشر، وأن 1 من أصل 10 أشخاص يزورون مواقع الأفلام هذه هم بعمر أقل من عشر سنوات، وأن 12% من الأهل لا يعرفون حتى بأن أطفالهم يستطيعون الوصول لمعلومات أو مواقع إباحية. إن كنت تعتقد بأن هذه الإحصائيات هي أقل في بلادنا العربية من الأرقام التي ذكرت فأنت مخطئ ثانية، فبحسب محرك البحث غوغل إن أكبر عدد للبحث عن الأفلام الإباحية يأتي من البلدان المنغلقة جنسياً.

غالباً ما يقوم الأطفال بمشاركة الصور الجنسية والأفلام الإباحية مع بعضهم في المدارس، النوادي، وأي مكان آخر يجتمعون به مع بعضهم أو حتى على شبكات التواصل الاجتماعي. و قد يتطور الأمر لقيامهم بمشاركة صورهم العارية مع بعضهم أو حتى بالقيام بنشر مقاطع فيديو لهم بسبب التعرض للضغوط من قبل زملائهم. إن القيام بحرمان أطفالكم من استخدام الإنترنت والأجهزة الذكية لإبقائهم ضمن سور الحماية الذي رسمتموه لهم لا يعتبر سداً منيعاً ضد أصدقائهم ولا ضد فضولهم.

أهمية الثقافة الجنسية في عمر المراهقة
كانت منى مراهقة عندما بدأ جسدها يتغير دون أن تفهم السبب. خجلت من سؤال والدتها فلجأت إلى الإنترنت لتجد الإجابة وأخذها بحثها المستمر من موقع إلكتروني إلى آخر حتى دخلت أخيراً إلى غرف الدردشة حيث تعرفت على شاب هناك وأدمنت المحادثات الجنسية معه والتي بدأت بالكلام فقط ولم تنته إلا بتسجيله فيديو لها وهي عارية أمام الكاميرا. ظل يهددها الشاب بفضحها ولم يتوقف عن ذلك إلا عندما وافقت على رؤيته في بيته ومارست الجنس معه. تقول منى إنها كانت تبحث عن إجابات لا أكثر ولكن كل شيء حدث بسرعة ومن دون إدراك منها لعواقب الموضوع.

قد يجادل البعض بأن الثقافة الجنسية تؤدي إلى نشاط جنسي مبكر عند الأطفال، ولكن في الحقيقة فإن هذه الثقافة تشرح للطفل الأمور الفيزيولوجية التي تحدث للجسم البشري وتضع الجنس في إطار علمي، سليم، محمي وتبعده عن أية نشاطات غير مرغوبة يريد القيام بها فقط من مبدأ “كل ممنوع مرغوب”.
تقوم الثقافة الجنسية أولاً على مساعدة طفلكم على اكتشاف جسمه والتغييرات التي تطرأ عليه، وتجيب عن أسئلته بطريقة علمية تحول دون الحاجة إلى البحث في مواقع قد لا تكون مناسبة لعمره أو قد لا تعطيه الإجابات الصحيحة. تقوم الثقافة الجنسية أيضاً بحماية أطفالكم من استغلالهم جنسياً دون علمهم أو موافقتهم. سيكونون واعين لأي لمسة خاطئة من قبل الغير لأجسادهم ولن يضطروا للاختباء عند تعرضهم للتحرش، بل سيقومون بالإبلاغ عن ذلك إن قمتم بتوفير محيط آمن لهم للنقاش.

بالإضافة إلى كل ذلك فإن الثقافة الجنسية تتطرق إلى موضوع مهم لا يقوم الأهل بتعليمه لأطفالهم من باب الخجل، العيب، أو الجهل به، ألا وهو الأمراض الجنسية. عندما يتعلم الأطفال عن هذه الأمراض سيكونون حريصين أكثر على حماية أجسامهم وحياتهم ويضعون قيمة أكبر لأجهزتهم التناسلية بدلاً من تركها تتعرض لأي شي غير معروف يريدون تجريبه. وستعرف الفتيات أيضاً عن مواضيع تتعلق بالحمل والإنجاب لاحقاً.

الثقافة الجنسية الصحيحة تحمي أطفالنا
الحديث عن الجنس هو أمر مهم وهو حاجة فيزيولوجية طبيعية للإنسان إذا ما تمت ممارستها ضمن الأطر الصحية والصحيحة، ومن أهم أسباب نجاح العلاقات الزوجية هو التحدث عما نريده ونحتاجه، أو حتى ما يضايقنا، وإن الجنس الصحي المتوازن المبني على أسس سليمة ومعلومات صحيحة يعتبر عنصراً مهماً لاستمرار الحياة الزوجية السعيدة. أما بالنسبة للأطفال، فالطريقة الأمثل لحمايتهم من الأذى الجنسي هو تعليمهم وتثقيفهم ومناقشة جميع الأمور التي سيقومون بالتعرض لها في المستقبل وترك باب الحوار معهم مفتوحاً بدلاً من محاصرتهم وإجبارهم على الكذب أو الاختباء أو البحث عن الإجابات في الأماكن الخطأ. فلنتوقف عن توارث عادات لا فائدة منها ولنبدأ بالتغيير من الآن. لنكن أكثر انفتاحاً ضمن العائلة الواحدة من أجلنا ومن أجل أطفالنا، ولنتذكر أن الحديث عن الجنس ليس عيباً.

غالية مردم بك

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.